|
غياب المعرفة سبب تراجعنا
صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 4428 - 2014 / 4 / 18 - 13:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإنسان العربي يبحث عن وجوده، ويتشكك هل هو يعيش في عالم الواقع؟ أم يعيش في عالم الأحلام ؟… انه يبحث عن ذاته قي معركة أبدية مصيرية حتمية لا تنتهي إلا في حالتين، إما أن ينتهي هو،أو يتحرر من كل الخرافات التي تشده لعالم جذوره موغلة في الماضي. أنها معركة المعرفة بكل صورها الحضارية الثقافية والعلمية والتكنولوجية.
حتى هذه اللحظة في الساحة العربية، المؤتمرات والحديث عن معركة المعرفة قائم ومستمر بين القديم والجديد. معاييرنا لإيجاد الحلول تخضع لتلاءم وتناسب أفكارنا وتقاليدنا وعاداتنا وقبليتنا وأدياننا وطوائفنا، لنقرر فيها مستقبل ومصير ملايين المواطنين، هل نستطيع أن نوفق بين المعايير التي تربطنا وعالم التكنولوجيا العلمي العالمي الحر المنفتح، وهل ننجح؟
مجتمعاتنا العربية لا تعد مجتمعات معرفة، لأننا لم نصل بعد وغير قادرين على إنتاج ونشر وتوظيف المعرفة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وغير قادرين على تحقيق التنمية البشرية، لذلك ما زالت حكوماتنا العربية في حالة شلل تام لا تستطيع أن تستجيب لمطالب شعوبها لهذا تستخدم وسائل منع وقهر المواطنين من خلال عدم أطلاق الحريات لأجل الحفاظ على مراكزها ومكتسباتها ومصالحها . يطلقون نعوت ومفاهيم مختلفة ملفقة لا تستند لواقع ... أمثلة: مصلحة الأمة، الحفاظ على الأخلاق والتراث والدين... معركتنا ما زالت ومستمرة مع أعداء الأمة... ما زلنا في طور دراسة وإطلاق البرامج، لدينا خطط خماسية...الخ. تمر السنين دون تغيير يذكر، تزداد المعاناة ويفقد المواطنين كل أمل ويبحثون عن قشة يتعلقون بها، ويبقى الفقراء على فقرهم والأغنياء يثرون والمحسوبية والقبلية مفتاح للحصول على وظيفة، وأجساد النساء المعوزات عرضة للنهش في سبيل توفير لقمة العيش لأسرهم، والمواطنين فقدوا أمالهم وبوصلتهم لا يعرفون لمن يتجهون، والتقدم معدوم.
يقلل الناس من قيمة ما لا يفهموه، إن كنا نتحدث عن أمور عابرة فذلك أمر لا يستحق الالتفات إليه، أما إذا كان حديثنا عن أمور تدخل في صميم وعمق حياتنا اليومية، فذلك أمر يتطلب منا أن نقف وندقق ونحلل بصدق في كل ما يعطل مسيرتنا نحو مستقبل أفضل. المعرفة التي تحتضن كل الإبداعات التي توصلت إليها البشرية منذ نشأتها ونموها وازدهارها، وبشكل خاص ما بلغته خلال العقود الثلاث الأخيرة، في مجال التكنولوجيا والتقدم العلمي الحاليين، التي كعرب، وللأسف لم نشارك ولا دور لنا فيها، لا على الصعيد العالمي ولا على الصعيد المحلي. فلا أثر لنا نتركه للأجيال القادمة يبين مقدار ولوجنا في تكوين حضارة العالم الحديث وتقدمه، سوى حفنة من الأوهام والأكاذيب والتظليل، والاختباء وراء ضعفنا والقول إننا مستهدفون، والعالم معظمه يقف ضدنا، صراحة لا أدري ما يجعل الآخرين يستهدفوننا ويحسدوننا؟ مع إننا لا نملك من مقومات حضارة القرن الحادي والعشرون وسابقه شيء، فمعظم العقول القادرة على التغيير إما هاجرة طوعا للبحث عن مستقبل أفضل، أو تم إعدامها أو إسكاتها أو سجنها أو سحقها.
بيئتنا العربية المعاصرة ما زالت خارجة عن قافلة الحداثة، الأمية ما زالت قائمة ظاهرة واضحة تنخر قدراتنا لا يمكن السكوت عنها أو التستر عليها. الخلل الذي نعاني منه يمس كافة الميادين، لنعترف إن البنية التعليمية، والعلمية مهلهلة تحتاج إلى عناية مركزة كي تستعيد وتستفيق من كبوتها في كافة المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات. لن يتحقق التغيير إلا من خلال استقلال جهاز التربية والتعليم وإخضاعه لقوانين علمية وعلمانية لا ترتبط بأي شكل من الإشكال بمفاهيم غيبية، وعلوم لا يمكن إخضاعها في عالم اليوم للتجربة والتحليل والبرهان العلمي الحر. إن استقلالية جهاز التعليم يمثل المدخل الرئيسي للانطلاق نحو مسيرة التقدم والإبداع. التي يمكننا أن نساهم ونشارك فيه أسوة بشعوب كثيرة ارتقى اقتصادها، وارتقت مجتمعاتها.
بوابة الدخول لميادين العلم والمعرفة في عالم اليوم لن يأتي إلا من خلال إطلاق حرية الفكر واستقلاليته دون ضوابط أو مخاوف غير مبررة، إلا في عالم من يريدون أن يسيطروا على العقل ويقيدوه. فالخوف من التقدم المعرفي دليل هشاشة فكر تربوي واجتماعي خاطئين لا يبنى إلا على إفراد يعتقدون أنهم حراس للفضيلة الدينية، ولا يدرون إن من يتعلم اللاهوت يتعرف على عظمة الله من خلال التعاليم الدينية التي يتبعها دارسها وأبدع فيها. ندر أن يتمتع لاهوتي من الإبداع في المواد العلمية، ويندر أيضا أن يبدع عالم متبحر في المعرفة العلمية والتكنولوجيا في اللاهوت. وان استطاع الدمج بينهما فذلك مرده لكسب مادي، أو طموح لمنصب ما- مثل أكاديمي يحمل دكتوراه في اللاهوت ويجري أبحاث علمية في الفيزياء- أنه يحاول أن يلاءم ويطيع ظواهر طبيعية وردت في الكتب المقدسة. فهم الدين يعنى إن نقدس العلم لأن العلم نشاء من أجل الخير العام من أجل البشرية جمعاء. العلم بعكس الدين لا يطلب أن نتدين. رجل الدين، وليس الدين من يعمل على فرض إرادته على العلم ليدعم قوة سلطته. بالبحث يمكن أن نتعرف على نساء ورجال مؤمنين أبدعوا بالعلم والمعرفة، لكنهم لم يحاولوا إقحام معارفهم العلمية بالدين. خرجوا بنتيجة مقبولة مفادها:”أنهم يرون عظمة الخالق فيما وصلوا إليه من معارف". المحصلة الأكثر عقلانية هي فصل العلم والمعرفة عن الدين.
للخروج من هذه الأزمة علينا أولا أن نعترف بوجودها، وأن نتحسس اللبس في تفكيرنا، وأن نتعاط مع القضية بأمانة، لأنها قائمة وحقيقية وواقعية وليست مجرد لغو وإسهاب في الكلام . المعرفة وتطورها خلال العصور هي سبب تطور وارتقاء المعرفة الحالية. المعرفة القديمة لا تصلح لعالم اليوم، المعرفة تنمو مع نمو الحضارات ومن خلالها، وتتغير صعودا باستمرار حتى في حال انهيارها. في كل بقاع الأرض هناك مجموعة من العوامل الرئيسية مكونة للحضارات المختلفة، الدين أحد هذه العوامل إلى جانبه نجد العوامل الجيولوجية والجغرافية والاقتصادية والسياسية والجنسية والنفسية والسكانية والقيم الأخلاقية...لا منطق عقلي يقبل أن يختزل المكون الديني كل العوامل وصهرها واحتضانها ونسبتها إليه ...
ما حدث في أوروبا خلال العصور الوسطى دليل مقنع على استحالة التوفيق بين المعرفة والدين، تدخلت الكنيسة بالدولة وأعدمت وأحرقت كل من حاول تفسير العلوم خارج الكتاب المقدس، هذه التجربة لا نريد أن نعيشها كعرب. لذلك علينا إعادة إحياء التجربة العربية في العصور الوسطى والتي عرفت بالعصر الذهبي. أرى في هذا العصر علمانية الغرب المتقدم في عالم اليوم، فلو كتب للعصر الذهبي بالاستمرار لكان العرب اليوم أسياد العالم بجدارة. إعادة بعث العقلانية التي تميّز بها هذا العصر هي بداية الطريق لتقدمنا في عالم المعرفة والحداثة المعاصرة.
تفاعلت وامتزجت وتداخلت الحضارات فيما بينها، الكل استقى من ينابيع المعرفة السابقة له، نهل منها، زاد عليها وارتقى...بذلك لا يمكن للمعرفة أن تنسب لدين بالتحديد. فلا يوجد هناك مراكز علمية بوذية، شنتوية، سيخيه، مسيحية...الخ في العالم تحاول أن تطابق، وتطبق بعض الظواهر الطبيعية أو العلمية التي وردت في كتبها المقدسة...فذلك مضيعة للوقت وللجهد والمال، ينتج عنه في النهاية إضعاف ونفور من الدين والابتعاد عنه، وما أوحي من علوم في الكتب المقدسة دليل قوى على عظمة الله.
العصر الذهبي الإسلامي ( 750 – 1250)، شارك في صنعه مجموعات ضخمة من البشر من أجناس وأديان مختلفة سبقت عصر التوسع الإسلامي وخروجه من الجزيرة العربية، استمرت معه وأثرت في إنتاجه.... هذه التسمية أقرب إلى الفهم الغربي الذي يعرف أن كل من هو عربي، هو مسلم. لذلك، يفضل تسميته بالعصر الذهبي العربي، هذه التسمية انسب لأنها لا تعمل على إلغاء، وتغييب الأخر، الغير مسلم من العلماء، والمفكرين العرب. المجتمعات المكونة لهذا العصر، كانت تدين بالمسيحية واليهودية والإسلام وأصحاب عبادات أخرى...الخ. كما كان هناك علماء مسلمون متهمون بالزندقة، قبل وخلال وبعد هذه الفترة. حصريا فقط أورد أسماء خمس علماء زنادقة ورد ذكرهم في كتاب ( الإسلام والعلم) مؤلفه برويز أمير علي يبرود من باكستان، وهم الكندي( 801 – 873)، الرازي(830 -925)، ابن سينا(980 - 1037)، ابن رشد(1126 -1198)، ابن خلدون( 1332 – 1406)، بذلك نكون قد أنصفنا الجميع.
للدقة فيما أوردت، أبين دور المسيحيين الشرقيين في الحضارة العربية... نقلا عن كتاب المسيحية والحضارة العربية، مؤلفه الأب الدكتور جورج شحاته قنواتي يقول في صفحة 135، بداية الاقتباس ...(وبعد دراسة في" حركة الترجمة في المشرق الإسلامي في القرنيين الثالث عشر والرابع عشر للهجرة". وهي رسالة دكتوراه نشرت سنة 1982، يقول الأستاذ رشيد حميد حسن ألجميلي: " إن من الباحثين من يرى أن الإسلام كان هو المسئول عن ظهور جماعة العلماء والفلاسفة الذين أنجبتهم هذه المدارس ولولاه لما ظهرت هذه الطائفة من رجال العلم والفلسفة"...(ص128). فيعلق على هذا الرأي قائلا: " والواقع إن هذا القول بعيد تماما عن واقع المدارس التي درسناها آنفا، إذ من المعلوم أن معظم هذه المدارس كانت موجودة قبل ظهور الإسلام وقد اشتهرت بعلمائها البارزين قي حينه وبمصنفاتهم الخالدة التي ذاعت شهرتها في كل مكان"...(ص219) إلى أن قال:" مهما يكن من أمر فان مدارس الترجمة هذه لعبت دورا رئيسيا في عملية ازدهار الحضارة الإسلامية..."(ص220)) انتهى الاقتباس.....الدور المسيحي كان واضحا وضوح الشمس فقد قام المسيحيون بترجمة مئات المؤلفات في الفلسفة لأفلاطون، لاارسطاليس في الطبيعيات، الإلهيات، في الطب وفروعه لابقراط ولجالينوس، وكتب في الرياضيات والنجوم وسائر العلوم، وفي الموسيقى وغيرها كثير... لقد غرفت الحضارة الإسلامية من علوم الفرس والهنود والرومان واليونان والسريان من حضارات وجدت قبلهم، هذا نهج سليم سارت علية كل الحضارات وما زالت تسير، للأسف نفتقد اليوم هذا الدافع.
أي محاولة لإثبات ما جاء في الكتب المقدسة من علوم وظواهر في المختبرات لا مبرر له، حتى لو عرف بعضها لشعوب قبل الوحي بها فهي اللاهية المصدر، والمصادر الإلهية غير مشكوك فيها، لكن في حال إخضاعها للتجربة والبرهان قد تأتي بثمار عكس ما يفكر بقطفها المتدينون وعلمائهم وليس كتبهم المقدسة، وفي حال إثباتها، المطلوب نشر كل ما تم التوصل إليه على المستوى العالمي ليتم التدقيق فيها وليس تداولها وراء الكواليس ضمن دائرة مغلقة، ما زال الشك يساوها لما توصلت إليه معاملها من تحليلات ونتائج قد تكون ملفقة. الله جل جلاله أكبر من كل العلماء والمفكرين والمبدعين والمنتجين...سبحانه وتعالى-الله- يمثل العقل الجبار، العقل الكوني الجامع الشامل لكل العقول البشرية منذ خلق وتطور الحياة في الكون حتى المنتهى....
نهاية أؤكد أن المعرفة تهدف إلى إعادة تشكيل فكر ومستقبل المواطنين من اجل أثراء الحياة، وإعلاء الكرامة الإنسانية، وتحرير روح الإبداع، والدفاع عن الحرية. المعرفة تعد العامل الأساسي الرئيسي، والأكثر أهمية في عالم اليوم للانتقال من مجتمع التخلف إلي مجتمع التطور. منبعه الفكر الفلسفي والعلوم والتكنولوجيا والثقافة المنفتحة، المجتمعات التي لا تدركها ستجد نفسها تعيش على هامش مسيرة التقدم الحضاري المعاصر، فلا وجود لها ألا كمستهلك لما تنتجه الحضارات المتقدمة. التي تعيش مجتمع ما بعد الحداثة. لنبنى عالم عربي أفضل معتمدا على المعرفة متذكرين، أن" المعرفة هي مصدر القوة، ونقص المعرفة هو نقص في القوة".
#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طفل يتيم أنا
-
سلام للمرأة في الثامن من آذار
-
المرأة والحرية
-
لك في عيد الحب - فالنيتين -
-
عزيزي كيري
-
الله ومعركة العقل
-
أوطان هشة من ورق
-
اضطهاد المرأة
-
لاهوت في زمن الربيع العربي
-
بين العلم والدين
-
تقتل غسلا للعار
-
عاصفة مبعثرة من الأفكار
-
تضخم الأنا الديني
-
العرب وشعوب العالم
-
من حقنا معرفة تاريخنا
-
ألحرية ألفكرية -أم الحريات-
-
الرجال الحقيقيون
-
تعددت آلهة الربيع العربي
-
العرب في ربيع
-
حسناوات في الربيع العربي
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|