وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4427 - 2014 / 4 / 17 - 17:26
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
( في المصانع المسيح اشتراكي ,وفي العالم السياسي مثالي ,وفي الوجود البروليتاري طيب يحارب معهم ضد عدوهم الراسمالي )
ديتريش بونهوفر
( لقد بدانا نربي الحيوان , لانه غدا اكثر انسانية من الانسان )
عبد الرزاق الجبر ان ( جمهورية الله ).
من الملاحظ ان لاهوت التحرير في المانيا وبالذات بين البروتستانت كان يحاول دائما الاستعانة بادوات نظرية وطرق بحث من خارج مجال اللاهوت المحدود , لتجعله علميا وعصريا ومعبرا عن الواقع , وقد كانت هذه الاداة هي الماركسية . كما ازداد تسييس اللاهوت بصورة ازعجت الولايات المتحدة الامريكية .في عام 1969 بعث الرئيس نيكسون بنلسون روكفلر لامريكا اللاتينية لكي يبحث الوضع هناك , حيث قال في تقريره :
( ان الكنيسة بدات تتحول الى قوة للتغيير , حتى لو اقتضى الامر استعمال العنف ). كما ان تقرير مؤسسة راند Rand Corporation حسب طلب الخارجية الامريكية توصل الى نفس النتيجة . ومن هنا تم انشاء معهد الدين والديمقراطية IRD في الولايات المتحدة
والذي كان من ضمن اهدافه الاساسية القيام بحملة ايديولوجية ضد لاهوت التحرير. وقد اوضح احد العاملين بالمعهد وهو لاهوتي كاثوليكي اهمية الدين في السياسة , قائلا لقد اظهرت الاحداث في ايران ونيكاراغوا انه من الخطر ( حين نضع تقديراتنا) ان نحذف العامل الديني بالذات افكار اللاهوتيين . وكان التجسيد الاول للتلاقي بين لاهوت التحرير والماركسية هي تجربة حكومة سلفادور الليندي (1970 – 1972 ) ممثلة في الحركة الشعبية MAPO حين تعاون الحزب الديمقراطي المسيحي والمسيحيون عموما مع اليساريين باختلاف اتجاهاتهم .كما اعتبر التحالف المسيحي الماركسي في الجبهة الساندينية للاستقلال الوطني نموذجا عمليا متميزا لنجاح لاهوت التحريرمن 1979حتى 1984 ,بل حتى خروج الجبهة من الحكم .
تقبل عدد من اللاهوتيين الماركسية بدرجات متفاوتة مثل آسمان Assman الذ ي اكد اهمية الماركسية لتطبيق العقيدة المسيحية على التشكيلات الاجتماعية في اميركا اللاتينية مع صعوبة الحديث عن ايديولوجية ماركسية واحدة ولكن الحديث عن ( عدة ماركسيات). فالمسيحية والماركسية كلاهما ثورة بغض النظر عن الاساس الفكري لكلا منهما . فكما ان هناك ماركسيات عديدة , كذلك هناك عدة لواهيت مسيحية مختلفة . ولكن المهم الالتقاء على نفس الهدف وهو (القضاء على المجتمع الطبقي ) واستعمال اساليب عمل موحدة . ومنها الثورة المسلحة .يتحدث توريز الى الشعب الكولمبي قائلا :
(ان الحزب الشيوعي حزب ثوري اصيل , وبالتالي فلا يمكن ان اكون معاديا للشيوعيين باعتباري مواطنا وراهبا . العداء للشيوعيةمعناه التواطؤ مع استغلال الطبقات المحرومة . وباعتباري عالم اجتماع , تقدم لي التحليلات الماركسية صورة صادقة لحال الفقراء والجوعى والاميين ,وباعتباري راهبا ,اجد في الشيوعيين مسيحيين حقيقيين وهم لايعلمون بذلك .
وتكمن اهمية آراء توريز في ان تصنيفه للماركسية لايخضع الى مقاربة فلسفية صارمة ولكن تكفي معايير مثل التحليل الطبقي , ضرورة التنظيم لتحقيق الثورة حتى لو اقتضى الامر استعمال الثورة المسلحة . والاهم من ذلك عدم الوقوع في التوفيقية , او الخضوع للابتزاز.
يعتقد الباحث ( حيدر ابراهيم ) ان مفهوم غرامشي عن المثقف العضوي يمكن ان ننحت منه اللاهوتي العضوي . لقد اتجه لاهوت التحرير نحو العلوم الاجتماعية النقدية ليستعين بها في تحليل مجتمعاته . فقد احتاج معرفيا الى علم الاجتماع وليس الى الفلسفة , لان التحدي ليس عقائديا بل اجتماعي وسياسي .
ان عقيدة الكنيسة تفترض ان ينخرط المسيحيون في السياسة ويناضلوا ضدالظلم . ويسميها ( دوسيل ) ثورة ابستمولوجية ( معرفية )في اللاهوت المسيحي ,لانه تم ولاول مرة الاستعانة بالعلوم الاجتماعية النقدية وبالاقتصادالسياسي .
يتميز هذا التيار في لاهوت التحريربالتركيز على خصوصية امريكا اللاتينية ويسميها البعض ( ماركسية امريكا اللاتينية السوسيولوجية – الاقتصادية ) . وتتميز ماركسيتهم برفض المادية الجدلية ويقبلون ماركس الناقد الاجتماعي وليس الفيلسوف . ومن هنا تفضيل ماركس الشاب , اي ماقبل البيان الشيوعي . ولهذا السبب يجد بعض المفكرين الماركسيين المجددين قبولا اكثر ضمن لاهوت التحرير , على الا خص غرامشي , التوسير , لوكاش .بالاضافة الى الاثر الفرنسي والايطالي عامة وليس السوفييتي او المنتمي للكتلة الشرقية .يضاف الى ذلك اثر الماركسيين امثال ( غيفارا ) , لانه يعبرعن واقع امريكا اللاتينية اكثر من غيره فكرا وحركة وممارسة .
يمثل ميراندا Miranda هذا التيار كنموذج جيد . وهو من اقوى المدافعين عن الماركسية كاداة للفهم وتغيير واقع امريكا اللاتينية وحاول الخروج بتقاربات بين تعاليم المار كسية والمسيحية في كتابه الشهير( ماركس والانجيل : نقد فلسفة الاضطهاد ). منطلقا من استحالة وجود حب دون عدل ولاعدل دون حب ,لذلك يؤكد كلاهما ( اي الماركسية والانجيل) ان الحب والعدل لامعنى لهما دون اطار اونسيج اجتماعي , وان البشر يفقدون انانيتهم من اجل حب الاخر , وكلاهما يسعى الى تغيير العالم بدلا من فهمه فقط , ويؤ من بحتمية هذا التغيير وجاهد ميراندا في الوصول الى تماثلات بين ماركس والقديس بولس الذين اكدا شمولية الشر وامكانية القضاء عليه لانه مكتسب اجتماعي بشري نتيجة لنظام اقتصادي هو الراسمالية .
حاول ميراندا ان يكتشف الانسان في فكر ماركس لكي يتوصل الى ا لقرابة بينه وبين المسيح .فماركس انساني لان الانسانية هي الاحترام غير المحدود للانسان باعتباره في ذاته قيمة وغاية . ومن هنا عارض الراسمالية لانها عاملت الانسان كاداة لتحقيق الربح لمجموعة قليلة من البشر .
يؤكد مير اندا ان حتمية ماركس لاتنفي حقيقة الحرية الانسانية , لانها في الاصل حتمية اقتصادية . ومن هنا استنتج العلاقة بين المسيح وماركس بسبب التعويل على الحافز الاخلاقي كاساس للقضاء على اللامساواة الاجتماعية .
من جانب اخر ,فقد دافع ميراندا عن الشيوعية- المسيحية في كتاب له بعنوان (الشيوعية في الانجيل ) واعتبرها البيان ( المانيفستو )الانجيلي وهو يستعمل المنهج الديني الذي يبحث عن اسبقية بعض المفاهيم المعاصرة في النص الديني .فهو يقول ان فكرة الشيوعية موجودة حرفيا في العهد الجديد .فقد ظهرت فكرة :
(من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته ) في انجيل لوقا , واخذها عنه لويس بلانك مباشرة او ضمنيا ثم اخذها مار كس عن الاخير .
وفي رايه فقد مارست المؤسسة الدينية على العقل المسيحي عملية غسيل مخ بهدف صياغة مفهوم للمسيحية مضاد للماركسية , واي مسيحي يدعي انه معاد للماركسية قد يكون لم يقرا ماركس ابدا .ويكرر القول بانه يجب عدم التماهي او التطابق بين الشيوعية والمادية الخالصة , وان التجربة الشيوعية الروسية ليست مثالا او نموذجا , ولكنها فشل وتشويه.
ويرى انه قد حان الوقت لاسقاط كل الاتهامات التي تبعد المسيحيين عن الشيوعية باعتبارها ثانوية وخاطئة , والتركيز على الاساس وهو : ( ان الانجيل يعلم الشيوعية ).
يصنف البعض آسمان ضمن الماركسيين ,لانه اول من اشار بدقة الى الحدود الفاصلة بين لاهوت التنمية ,لاهوت الثورة , لاهوت الامل بحسب مولتمان ولاهوت السياسة عند مارتز Martz واهتم بايديولوجية التنمية , واستعان بمقولات غرامشي ولوكاش مبتعدا عن الاقتصادية العاكسة لعلاقات البنية التحتية والبنية الفوقية , مبينا اهمية الصراع الايديولوجي .
يكتب آسمان ان لغة التحريرهي افصاح عن الوعي الثوري الذي ينبغي استخلاصه على المستوى الاجتماعي – السياسي من اللغة التحليلية للتبعية , وهذا مرتبط مباشرة بالظاهرة التحليلية الجديدة للتخلف .
يرى دوسيل ان غوتيرز صاحب تيار مستقبلي في لاهوت التحرير ينقد ايديولوجيا التنمية , ويستشهد بغرامشي في احدى در اساته كاعلان عن الماركسية التي في غير صورتها الاقتصادية والمادية الديالكتيكية وانما هي في صور تها السياسية الصارمة وعلى ضوء التحليل الثقافي .ويرى انها ماركسية اميركو – لاتينية غير اقتصادية ونقدية تتيح افضل الشروط لتحليل سياسي ناجح .
المصدر
مقال بعنوان (الاتجاهات المار كسية في لاهوت التحرير ), بقلم حيدر ابر اهيم , من كتاب (الماركسية والدين : من لاهوت التحريرالمسيحي الى لاهوت التحرير الاسلامي ) – اعداد وتقديم حسن الصعيب -2009- الناشر- دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع – بيرت – لبنان.
مقالات ذات صلة:
( لاهوت التحرير : الجمع بين المسيحية والماركسية ) وعلى الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=408720
( لاهوت التحرير والشيوعية ) وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=263358
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟