|
أمم تعشق السادية وتستمتع بالكهنوت..!
غادة عبد المنعم
مفكرة
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 13:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جلست أتناقش مع قريبتى التى تصغرنى بخمسة عشر عاما فى حوار امتد لساعتين كانت تحاول فيه إقناعى بأننى مغفلة لأنني أرى فى الغرب وأهله حسنة ما .. كانت تصر على أننا (كما لقنتها ثقافتها التليفزيونية المحدودة والميمونة) أحسن ناس، العربى أحسن من أى شخص آخر ومصر جنة الله فى الارض ليس بها تلوث ولا حرامية ولا يتآكل أهلها الفقر المادى والمعنوى ولا حاجة .. ذكرت لها ألف حقيقة تفند عقيدتها الراسخة بأننا أحسن من الخواجات، لكنها لم تقتنع وأنهت حوارها معى باتهام أننى لا أعرف شيئا.. ثم التزمت الصمت ليس لشىء إلا لأن صبرى كاد ينفد معها وربما لأن الشرر كان قد بدأ يتطاير من عيونى، والتزمت أنا الصمت حتى لا أتعب نفسى مع طفلة رومانسية تصارع ضد فرصتها فى النضوج وتصر على أمان الانتماء للثقافة السائدة.
عقيدة أننا الافضل لم نرثها من الإسلام. إنها دائما عقيدة الجاهل المتخلف فى مواجهة العالم، عقيدة غرستها فينا بصبر لا ينفد وسائل إعلامنا التى تحاول ان ترسخ فينا تخلفنا حتى لا نسعى للتغيير، وعموما لو كنا قد ورثناها عن شىء فقد ورثناها عن حضاراتنا الشرق أوسطية القديمة.
الأزمة ليست فى الإسلام لكنها فى تصورى أزمة الثقافات التى احتضنت الاسلام وكونت منه النسخة السائدة، وأقصد بذلك ثقافات الشرق الاوسط وحضاراته. فكل دين يتكون ويصطبغ بصبغة مهده، وهو فى تكوينه يتماثل والمطالب النفسية لبيئته، ولم يولد الاسلام فى بيئة صحراوية دون ان يكون لذلك أثر فى إيمانه بالعقاب الشديد وتصويره لإله يستلذ بعذاب البشر، كما انه لم ينتشر ويترسخ فى دول الشرق الاوسط وحضاراتها الفرعونية والفارسية والفينقية والحيثية وغيرها دون ان يلبى لهذه الحضارات رغبتها الملحة فى صبغ الدين بصبغة بعيدة تستعصى على الفهم، نوع من التعقيد والكهنوت يحيطان به، ولا شك أن المسيحية فى صورتها الشرق اوسطية الأرثوذكسية وخاصة فى مصر تظهر أفضل الصور للصبغة التى يصطبغ بها الدين نتيجة البيئة التى يولد فيها، حيث تحولت المسيحية أثناء تطورها المصرى إلى ديانة كهنوتية معقدة ليس من السهل فيها أن يتمكن الفرد من استجلاب عطف وحب الرب الا بعشرات من الممارسات، حتى ان التسامح الشهير للمسيحية يكاد يختفى تحت وطأة الكهنوت والتعاليم المشددة للكنيسة وسلطتها المطلقة على حياة البشر.
وأنا أختلف معك فى ربط قوة علاقة البشر بعضهم البعض بقوة علاقة الإنسان بربه. فبينما تدَّعي الأديان أنها تقوِّي العلاقات بين البشر نجدها دائما ما تُغلِّب علاقة الإنسان بربه على علاقته بأخيه الإنسان، وهو ما دفع البشر فى كثير من الأحوال للإضرار ببعضهم البعض والتضحية بإخوانهم لإرضاء الرب. إذا لم تكن تصدق كلامى فتأمل أسباب الحروب الصليبية، ولا أقصد بذلك الأسباب السياسية والاقتصادية لدى الملوك ومهندسي الحرب، ولكنني أقصد الأسباب الموجودة لدى المواطنين البسطاء "المؤمنين" أنفسهم، فقد سيق ملايين الفلاحيين المسيحيين من أوروبا تحت دعوى تحرير القدس من دنس المسلمين.
وعموماً، كلما زاد الجهل والتخلف كلما زادت إمكانية استخدام الدين لإدانة الآخرين. حيث إن الدين فى طبيعته يقبل ذلك تماماً، لكن التهذيب والتسامح اللذين ينبعان من حسن التربية والتحضر يمنعان ذلك ويدفعان المجتمعات لرفض المغالاة والمزايدة باسم الدين. ونحن فى الشرق الاوسط قوم متخلفون لم ننل فى معظمنا تربية أخلاقية صحيحة تدفعنا لقبول الآخر، ولهذا فإن كل مجموعة دينية تكفر الآخرين وتكن لهم كراهية قد تكون أسبابها اقتصادية أو سياسية، ولكنها تجد تنفيساً عنها فى إطار دينى لأن الدين هو النافذة الشرعية التى لا يدينها الآخرون بل بالعكس يتعاطفون معها، وعموما فإن أي دين لن ينجح في اجتذاب أتباع إذا ما اعترف بصلاحية المناهج الأخرى التي يستمد شرعيته من رفضها والاستعلاء عليها (انظر كيف قام النبي إبراهيم بتحطيم التماثيل التي يعبدها قومه !!). فالأديان الشرق أوسطية بالذات تبالغ فى الرفض والاستعلاء سواء كانت يهودية او إسلامية او مسيحية. وجميع أبناء إبراهيم يصور كل منهم نفسه على أنه دليل الفرقة الناجية الوحيدة. وحتى الدول والمجتمعات الأكثر تحضراً لم تكف عن استخدام الدين فى الاستعلاء ورفض الآخر الا بعد ان ذاقت الأمرّين فى العصور المظلمة ثم فى عصر النهضة نفسه.
نحن إذن ملعونون بالاستعلاء على الآخرين والمزايدة عليهم. انه نظام ذهنى فى التفكير ونظام نفسى للاستعلاء على حقيقة تخلفنا. فنحن اما ان نردد اننا افضل من العالم المتحضر بفضل اخلاقنا !! أو ان نردد اننا افضل من بعضنا البعض بفضل الدين أو العرق أو حتى درجة الالتزام باتباع تعاليم الدين وأوامره.
إننا ملعونون أبناء ملعونين، خلق الله وبسط أمامنا كل سبل العيش وأتاح لنا إمكانيات لا نهائية لاختيار التقاليد المناسبة والعادات والدين، وكان علينا أن نختار لأنفسنا ونترك الآخرين ليختاروا ونحترم اختياراتهم ونتركهم يحترمون اختياراتنا، لكننا بينما فتح هو علينا اخترنا نحن ان نغلق على انفسنا. نحن شعوب تحب وتهوى المبالغة والمغالاة (وليس أفضل من الدين مجالا لذلك) ولما كان الدين مصنوعاً من المبالغة كان من الممكن ان نبالغ فى التسامح والتهاون وقبول الآخر، لكننا وجدنا ان هذا لن يمكننا من لعب دور طليعى فى إدانة كل منا للآخر. الخلاصة نحن من كل الاديان وداخل هذه المنطقة فى الغباوة سواء .. فهذه العادات تجرى فى عروقنا مجرى الدم.
#غادة_عبد_المنعم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيد قطب ورامسفيلد تخرجا من مدرسة -يهودية- واحدة..
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|