|
نحن .. المكتوب علينا ألا نشهد المعجزات
تامر عمر
الحوار المتمدن-العدد: 4426 - 2014 / 4 / 16 - 08:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق. تعال على نفسك وفكر ... * * * سمعتَ بالطبع عن معجزات الأنبياء، تلك الحوادث الخارقة العجائبية التى أيد الله بها أنبياءه ليفحموا الخصوم وليبرهنوا على صدقهم وصدق رسالاتهم. هل تمنيت أن تشهدها كما شهدها الأقدمون؟ هل تمنيت أن تشهد الطوفان العظيم ثم تكون من أهل النجاة مع النبى نوح فى سفينته؟ هل تمنيت أن تشاهد النبى إبراهيم وهو يلقى فى النار ثم يخرج منها سليماً؟ هل تمنيت أن تشهد النبى موسى وهو يفحم السحرة بعصاته، ثم وهو يشق البحر بها لينجو هو ومن معه من المؤمنين، ثم تشهد نهاية فرعون الطاغية غرقاً فى الماء؟ هل تمنيت أن تشهد النبى عيسى وهو يحيى الموتى ويشفى المرضى؟ هل تمنيت أن تشهد النبى محمد وهو خارج من بيته فى ظلام الليل على جناح البراق، يشق به أجواز الفضاء صاعداً به إلى السماء السابعة؟ هل راودك شعور بالغيرة ممن شهدوا كل تلك المعجزات من أصحاب الحظ السعيد؟ إذا كنت تشعر بالغيرة حقاً، فسوف تتضاعف غيرتك لتستحيل غيظاً. فأصحاب الحظ السعيد ممن كتب لهم أن يروا المعجزات، ليسوا هم الأقدمين فقط من أجدادنا الذين عاصروا الأنبياء فى الماضى، إذ يدخر القدر لأحفادنا حظاً مماثلاً من السعادة. فأنت تعلم بالطبع أن نهاية الزمان تزخر بالمعجزات هى الأخرى، فمن خروج الدابة، إلى عودة عيسى بن مريم، إلى إحياء الدجال للموتى، إلى خروج يأجوج ومأجوج وفتكهم بالناس، إلى طلوع الشمس من المغرب ... إلخ. تأمل .. إن السابقين قد شهدوا المعجزات، واللاحقين سوف يشهدون أيضاً المعجزات. أما نحن، فقد كتب علينا أن نسجن فى إسار القوانين الطبيعية الصارمة والنواميس التى لا تحيد عن طبائعها قيد أنملة. تعال على نفسك وفكر .. ما معنى أن تنهمر المعجزات مدراراً كالمطر على أقوام، يُمنحون فيها فرصاً غزيرة لمعاينة قدرة الله العظيمة، بينما نحرم نحن من تلك الفرص؟ أرجوك، لا تقل لى أن من آمن بدون شهود معجزة أجره عند الله أعظم، فرب آخر غيره قد لا يؤمن أصلاً إلا بشهود تلك المعجزات، ويكون مصيره جهنم بسبب عدم إيمانه، فى حين أن الحل بسيط: معجزة لكل جيل تُخضع أعناق غلاظ الرقاب والأكباد من المعاندين المكابرين، وتثبت المؤمنين. هل هذا كثير؟ أكاد أسمع واحداً يقول: هناك المعجزة الباقية، معجزة القرآن الكريم، تلك المعجزة البلاغية التى ظلت ولا تزال وستظل تتحدى الكل حتى يوم القيامة. وأنا أقول لك عن أى (كل) تتحدث؟ فمعجزة القرآن البلاغية لا يحيط بها ولا يثمنها ويقدرها إلا العرب وحدهم، المالكين لناصية اللغة العربية، العارفين بدروبها وشعابها. هؤلاء فقط هم من تستطيع أن تتحداهم ببلاغة القرآن. أما من عداهم من الشعوب، وهم كُثُر للأسف، فلم، ولا، ولن تهز فيهم بلاغة القرآن شعرة، إلا بما نؤكده لهم، نحن العرب، على هذا الأمر، ولكنهم أبداً لن يخبُروا أو يعاينوا ذلك الإعجاز بأنفسهم ماداموا لا يتقنون العربية كأبنائها. تعال على نفسك وفكر: الإسلام دعوة عالمية وليست دعوة محلية للعرب فقط. فإذا كانت دعوته محلية، لجاز لك أن تدفع بإعجاز القرآن، لكنه أما وهو دعوة عالمية، فينبغى عليك ألا تدفع بهذه المعجزة، إذ لن يقدرها - ولا أقول يفهمها - غير العرب. وبدون المعجزة البلاغية الباقية، لا يبقى من الإسلام إلا منظومته الأخلاقية الراقية الداعية إلى الحق والخير والعدل والمساواة، وهى لا تختلف كثيراً عن منظومات أخلاقية أخرى راقية دعت إليها أديان وضعية أخرى كالبوذية مثلاً. إن ميزة المعجزات الكونية الفيزيائيةكالطوفان وشق البحر وإحياء الموتى والعروج إلى السماء، أنها معجزات عالمية غير محلية، تهدم القوانين نفسها التى يعرفها العرب والعجم وكافة بنى الإنسان فى كافة أصقاع المعمورة. وتلك، بالضبط، هى المعجزات التى سوف تتكرر مرات كثيرة فى نهاية الزمان ليسعد بشهودها معاصروها، ويثبت بها الله قلوب المؤمنين من عباده السعداء. تعال على نفسك وفكر، واسأل نفسك: بذمتك .. ألا يداعب الماضى خيالك بأكثر مما يطالعك كواقع منطقى؟ ألا يتراءى لك بأخبار المعجزات فيه كزمن أثيرى عجيب يزخر بشخصيات وأحداث عجائبية لا تخضع لمنطق، بنفس الكيفية التى يداعبك بها خيالك عن نهاية الزمان وما سوف يقع فيها من أحداث عجائبية وخوارقية؟ يحدث ذلك بينما عندما يعالج عقلك عالمك الحاضر، فإنه يرتد فوراً إلى العقلانية، ويشهر سيف المنطق فى وجه أحداثه، ويحاكم وقائعه بصرامة شديدة وحزم عقلانى لا يبتلع الخوارق والأعاجيب. ما معنى ذلك؟ لماذا حرمنا نحن من التثبت من إيماننا بشهود المعجزات، مثلما نعم بها أجدادنا وسوف ينعم بها أحفادنا؟ تعال على نفسك وفكر: إشمعنى إحنا؟
#تامر_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الدين هو مصدر الأخلاق؟
-
هل إختار المعاق عقلياً إعاقته؟
-
ما هى الحالة التى يقتل فيها الإنسان إنساناً بدون تأنيب ضمير؟
-
لماذا لم تحرم الشريعة الإسلامية الرق؟
-
لماذا لم تدون شعوب العالم القديم معجزات الأنبياء؟
-
لماذا لم يظهر الأنبياء إلا فى منطقة الشرق الأوسط؟
-
لماذا إختار الله أن يعذب العصاة عذاباً جسدياً؟
-
فرعون .. المجنى عليه!!
-
قبل الإختلاف على حكمها .. ما هو معنى -الردّة-؟
-
ألغاز سفينة نوح
-
أين يختبىء يأجوج ومأجوج؟
-
أخلاق آدم والعصر الحجرى
-
دخول العرب مصر .. فتح أم غزو؟
-
مشاهد من رحلة الإسراء والعروج
-
بأى جيش طارد فرعون موسى؟
-
الإسلام أو الجزية أو الحرب .. ثالوث الإختيار الشهير بين العق
...
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|