أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - هيروشيما: الألم والجمال!















المزيد.....

هيروشيما: الألم والجمال!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4425 - 2014 / 4 / 15 - 23:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا تخرج مدينة هيروشيما من الذاكرة الإنسانية الجمعية الآّ باعتبارها المدينة المنكوبة، والضحية الشاهد للاستعلاء والحقد والكراهية، فقبل استسلام ألمانيا النازية وإعلان انتصار الحلفاء في 9 أيار (مايو) 1945، كانت هناك تجارب ذرية تجري في الخفاء، حين اختبر تأثير القنبلة النووية في صحراء المكسيك، ولأن اليابان لم تستسلم ، فقد وجّه إليها الرئيس الأمريكي ترومان إنذاراً عُرف باسم إنذار بوتسدام في تموز (يوليو) 1945، دعاها فيه للاستسلام اللامشروط، وهو ما كانت تتجاهله، وهكذا جاءت الفرصة للمتعطشين للدم ليجرّبوا قنبلتهم الذرية في هيروشيما في 6 آب (أغسطس) 1945 أي بعد ثلاثة أشهر تقريباً من استسلام ألمانيا.
وسقط جرّاء تلك المجزرة الجماعية في الحال نحو 80 ألف قتيل (أي حوالي 30% من سكان المدينة) وتوفي وأصيب بجروح خطيرة نحو 90% من الأطباء و93% من الممرضين، لاسيّما وأن القنبلة انفجرت لتسقط على عيادة شيما للجراحة، وأبيدت مناطق واسعة من المدينة عن بكرة أبيها، علماً بأن تعداد سكانها كان نحو 350 ألف نسمة. ووصل عدد القتلى حتى نهاية العام 1945 إلى 140 ألف قتيل وإلى نهاية العام 1950 إلى نحو 200 ألف، وأن 9% من الوفيات بين العام 1950-1990 كانت بالسرطانات التي سببتها القنبلة النووية، ناهيكم عن التشوّهات الخلقية، فضلاً عن تدمير البنية التحتية والمشاريع الحيوية الصناعية والاقتصادية وإحداث شلل عام في الحياة والعيش.
لم يكتفِ الأمريكان بتجربة " الطفل الصغير" وهو الإسم الذي اختاروه لتجربة هيروشيما حين ألقيت قنبلة بزنة 60 كيلوغرام من اليورانيوم، والتي لم تستغرق سوى 57 ثانية، واستفاقت المدينة في الساعة الثامنة والربع صباحاً لترى الموت منتشراً في كل مكان، حيث بلغ نصف قطر دائرة الدمار ميل واحد (كيلومتر و60) وانتشرت الحرائق على مسافة زادت عن 11 كيلومتر، وظلّ كل شيء مشتعلاً، وأعلن الرئيس الأمريكي ترومان حينها: بأن اليابانيين إذا لم يقبلوا بشروطنا، يجب أن يتوقعوا أمطاراً من الخراب تأتيهم من الهواء، لم يراها أحد من قبل على وجه هذه الأرض.
وفعلاً نفّذ ترومان إنذاره بأن أمطر ناكازاكي جنوب اليابان بعد ثلاثة أيام من مذبحة هيروشيما (أي يوم 9 آب/أغسطس) بقنبلة أخرى، لاختبار البلوتونيوم بعد تأثير اليورانيوم، وذلك للتأكّد من تأثير القنبلة الثانية، بعد معرفة الأثر الذي تركته القنبلة الأولى.
وكانت قنبلة هيروشيما قد انفجرت في الجو على ارتفاع 600 متر لتنشر النار على مساحة واسعة وتحرق الأخضر واليابس، ومثلما كان تأثيرها بليغاً، فقد كان ضحايا ناكازاكي قد وصل حتى نهاية العام 1945 نحو 80 ألف قتيل، إضافة إلى أعداد من الجرحى والمصابين والذين ظلوا مرضى حتى نهاية حياتهم.
وأطلق على تجربة نكازاكي " الرجل البدين" وهي خطة مشابهة لخطة هيروشيما، ففي الساعة الحادية عشر ودقيقة واحدة، سقط الرجل البدين الذي يحتوي على 6.4 كيلوغرام من البلوتونيوم على الوادي الصناعي بالمدينة ولم تستغرق العملية سوى 43 ثانية، حيث انفجرت على ارتفاع 469 كتر في الجو، وقدّرت الحرارة التي ولّدها الانفجار 3900 درجة مئوية، وسقط في الحال أكثر من 40 ألف .
وكانت واشنطن تخطط لإلقاء قنبلة نووية أخرى في الأسبوع الثالث من آب (أغسطس) إضافة إلى ثلاث قنابل أخرى في أيلول (سبتمبر)، وثلاثة في شهر تشرين (اكتوبر) من العام 1945، لكن الامبراطور هيروهيتو، أخطر الحلفاء بأن اليابان ستقبل جميع شروطهم مع بقاء صلاحيات الامبراطور كحاكم سيادي.
اليوم وبعد مرور نحو سبعة عقود على تلك المجزرة الجماعية، فإن اليابانيين لا يريدون لتلك الأحداث المأسوية الجسيمة أن تكون في دائرة النسيان مع مراراتها والحرقة التي تصاحب الاستذكار، بل يسعون لأن تبقى في دائرة الضوء على الرغم من واقعيتهم، والهدف من ذلك هو إظهار الوحشية الأمريكية من جهة، ومن جهة أخرى تبشيع الحروب والمغامرات العسكرية، لأن الحرب تصنع في العقول، مثلما ينبغي صناعة السلام في العقول أيضاً، وتلك أحد الدروس الغنية للشعب الياباني ولشعوب العالم أجمع!
ما تركته الحرب والهزيمة على اليابان كان ثقيلاً، فليس عبثاً أن ينتحر 20 جنرالاً بطريقة السوبكو، وذلك بإدخال نصل السيف في البطن لشقها، حيث سيطرت مشاعر الحيرة والقنوط على يابان ما بعد الحرب والتي شهدت حالات انتحار شائعة، حتى أن روائياً كبيراً مثل مشيما كان يتغزّل بالموت المبكر " الرحيم"، وهو ما عبّر عنه في روايته " اعترافات قناع" التي تحدّث فيها عن سيرته، حتى قرّر وضع حد لحياته بطريقة السوبكو في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 مردّداً عبارته الأثيرة " لا موتاً جميلاً بعد الأربعين".
المتحف الذي زرناه في قلب هيروشيما يحكي قصة هذا الشعب المكافح وهذه المدينة الجميلة الفريدة المأسوية، وفي الساحة مكتبة عامة تحتوي على مئات وآلاف الكتب والوثائق والأفلام والروايات، التي تدوّن أحداث وتفاصيل ودقائق المجزرة التي تمثل وخزة ضمير في جبين الإنسانية جمعاء وليس من إرتكبها، فلعلّ من كان من يلقي القنبلة، يفكر بمنظر النيران المشتعلة في الجو والمتسابقة مع الريح دون أن يعني له شيء حصد أرواح عشرات الآلاف من البشر مثلما كان هناك من يراقب وينتظر النتائج دون أي إحساس بالألم أو الشعور بالذنب. والأكثر من ذلك فإن "المنتصر"، ولعل بعض الانتصارات أشد عاراً من الهزيمة، حمّل اليابانيين مسؤولية ذلك من خلال المحاكمات التي أقدمت عليها محكمة طوكيو العسكرية الدولية، بزعم أن إلقاء القنبلتين جاء بسبب عدم استسلام اليابان وتلك إحدى المفارقات التاريخية!.
سبق لي أن زرت متحفاً مماثلاً في معسكر للقتل الجماعي بالقرب من مدينة كراكوف البولونية يخصّ اليهود الذين أحرقوا بأفران الموت، مثلما زرت عدّة معسكرات اعتقال وقتل جماعي في تشيكوسلوفاكيا، وزرت متحفاً في العام الماضي في مدينة حلبجة الكردية التي راح ضحيته نحو 5000 آلاف مواطن كردي، ونعرف ما جرى لصبرا وشاتيلا في لبنان، العام 1982 إثر الاجتياح "الاسرائيلي"، مثلما نستذكر كل عام ما جرى لعرب فلسطين في دير ياسين وكفرقاسم وفي سيناء مصر، وفي حرب تموز (يوليو) العام 2006 ضد لبنان والحرب على غزة العام 2008-2009، إضافة إلى مآسي الحرب العراقية – الإيرانية وغزو الكويت وغيرها. لكن هيروشيما لها وقع خاص، فالحرب العالمية الثانية تكاد تكون قد انتهت، لاسيّما باستسلام ألمانيا واندحار إيطاليا ودول المحور، ولم يبق سوى اليابان " الممانعة".
ثمة مفارقة أخرى اختلفت فيها هيروشيما عن غيرها، من المدن والمواقع التي احترقت أو أبيدت، وهي ما شهدته من ازدهار وتنمية وعمران لاحقاً، والأمر يتعلق بقدرة وحيوية الشعب الياباني وهو مشهود له وتلك من مآثره العظيمة، حين استطاع أن يحوّل المأساة والألم والدمار إلى تنمية ورفاه وجمال، وقد يعود في جزء من ذلك إلى فترة الحرب الباردة والصراع الآيديولوجي بين المعسكرين، والخوف من وصول رياح الثورة الصينية المنتصرة في العام 1949 وكذلك صعود الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي دفع الغرب لإلقاء ثقله لمساعدة اليابان على النهوض، كما حصل في ألمانيا الغربية بمشروع مارشال.
من جهة أخرى أراد اليابانيون بإعادة الحياة إلى هذه المدينة الجميلة، إلفات نظر العالم إلى إرادة الشعب الياباني وتصميمه على تجاوز المأساة وتحويلها إلى شرط نجاح، فالمدينة تعرف بأنها مدينة المياه والأشجار، أما الجبال فهي تحتضن المدينة كخط دفاعي يذكّر بالماضي، ويجتمع فيها النهر والبحيرات والارخبيلات المنتشرة والجزر المتداخلة، حيث شهدت ازدهاراً ملحوظاً وعمراناً متميّزاً وحياة ثقافية زاخرة بالآداب والفنون بجميع أنواعها، وتلك من ميزات هيروشيما.
جدير بالذكر أن مناسبة الحديث عن هيروشيما هو الدعوة التي تلقّاها المركز الأكاديمي الياباني، وهو مركز مؤسس في الجامعة اليسوعية لتنظيم فعالية مشتركة ضمّت 17 مهتماً وأكاديمياً وأستاذاً، ليس للاستكشاف فحسب، بل لتعزيز العلاقات العربية – اليابانية وتحديداً العلاقات اللبنانية - اليابانية. وكان الدكتور بيير عازار حكيم الأسنان ورئيس المركز يتحرّك برشاقته المعهودة وحنوّه على أعضاء الوفد وعلى المضيفين في الوقت نفسه، وهو يحمل على صدره ثلاث كاميرات، فلم تكفه واحدة لتصوير بحر الأشجار الملوّن والمشعّ، خصوصاً شجرة الربيع Cherry Blossoms "زهر الكرز" لأنه لا يريد لزاوية نظر أن تفلت من بين يديه أو عينيه.
في ساحة السلام التي صممها أحد المعماريين المشهورين والتي يرد ذكرها في فيلم Mother player تشاهد صورة المدينة الحداثية حين تكون الأشجار مضيئة والجمال أقرب إلى السحر، خصوصاً عندما تتصالح يتصالح الفرد مع المجتمع والدولة في الآن، لاسيّما بالانضباط العالي والشعور بالمسؤولية والحرص على اتمام المهمة حتى ولو ضربتك "عاصفة هوجاء" وأنت تصعد إلى جبل فوجي العظيم، الذي كان آخر انفجار لبركانه العام 1707 ، وهو ما كانت تصرّ عليه مرافقتنا ماساكو (ساكورا) التي تختلط ابتسامتها مع رقتها بالبكاء حين نثقل عليها، وهي تردّد "أوهايو كوزايمس" أي "صباح الخير"، ونقول على هيروشيما المدينة المحفورة في ذاكرة البشر إلى ما لا نهاية " أوهايو كوزايمس".



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - حالة حقوق الإنسان لا تسرّ أحداً-
- ديون العالم الثالث!!
- المصالحة الوطنية وتجربة إيرلندا
- مفارقات فنزويلا!
- أوباما – بوتين.. دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية
- تونس: صراع ما بعد الاستعصاء
- الدستور والدستورية في الفقه العربي الحديث- استعادة مستقبلية! ...
- خليج ما بعد الأزمة
- ليس للحب من وطن!
- عندما تفقد روسيا أوكرانيا فإنها تفقد عقلها
- واشنطن والأمن الإنساني
- السلفادور وثورة صندوق الإقتراع
- المفكّر وحيداً .. لكنه جامع!
- جولات كيري المكوكية وحق تقرير المصير
- الهوتو والتوتسي ورسائل العدالة !
- مدينة تتعدّى المكان وتتجاوز الزمان
- من أوراق الجنادرية
- بعد 40 عاماً ...حين يتجدد السؤال
- عبد الحسين شعبان يسلّط الضوء على فصل ساخن من فصول الحركة الش ...
- مقتدى الصدر والعزلة المجيدة


المزيد.....




- تظاهرات ضد حكومة نتنياهو بمدن عدة
- مصر.. رفض بقاء إسرائيل بالمعبر والمحور
- -فيفا- يؤجل البت في طلب استبعاد إسرائيل من المنافسات الدولية ...
- إعلان عراقي يخص استثمارات أميركية في مجال الغاز
- إيطاليا تدرس فرض ضرائب سياحية جديدة مع تنامي الاحتجاجات المن ...
- بعرض عسكري مهيب في بوتراجايا.. ماليزيا تحتفل بالذكرى الـ67 ل ...
- ما سبب رفض أوروبا قصف كييف لعمق روسيا؟
- حزب فرنسا الأبية يدعو المجموعات البرلمانية إلى عزل الرئيس إي ...
- هاريس تدعو ترامب لمناظرة مع تشغيل الميكروفون طوال الوقت
- صحف عالمية: وقف الحرب ضرورة لبقاء إسرائيل ونتنياهو مستبد وغي ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - هيروشيما: الألم والجمال!