|
قراءة في نص المادة 24 من قانون المحكمة الجنائية المختصة رقم 1 لسنة 2003
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 13:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المقدمة تكونت المجتمعات الإنسانية بعد ظهور الحاجة إلى الابتعاد عن الفردية في المعشر والعمل ، وكذلك للسعة الحاصلة في حجم العلاقات الثنائية والفردية ، وهكذا سارت العجلة نحو ذوبان الأفراد في المجتمعات والسير بالاتجاه الذي ينسجم وتطلعات الجماعة على حساب الفردية الشخصية والذاتية ، وهذا ولد بدوره الحاجة لإيجاد وسيلة لمعالجة التقاطعات بين المصالح الفردية بعضها مع بعض او مع المصلحة الجماعية، مما حدا بتلك المجتمعات إلى التفكير بإيجاد القضاء أو المحاكم لفض المنازعات والتخاصم بين الأفراد، وتطور من حالته البدائية حتى وصل إلى ما عليه من تطور في الموضوع والشكل، معتمداً في مسيرته على ما جاءت به الشرائع السماوية والوضعية التي أبدعتها الحضارات الإنسانية المتعددة والمتعاقبة . لذلك فان الاهتمام بالقضاء او المحاكم جاء منسجماً وحجم المهمة الجسيمة التي ينهض بها، فترانا نعقب هنا وننتقد هناك من اجل الوصول إلى الحالة المثلى التي نسعى إليها جميعاً . ومناسبة هذا القول، هو قانون المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية رقم (1) لسنة 2003، ، والذي جاء نتيجة لحاجة المجتمع العراقي إلى إيجاد جهاز قضائي وعدلي يتعامل مع موضوع له أهمية وخصوصية تاريخية وسياسية واجتماعية . عليه فان تشكيل هذه المحكمة لم يكن لمحاكمة أفراد او أشخاص فحسب بل لمحاكمة حقبة تاريخية مهمة من تاريخ العراق الحديث ، لذلك من الواجب علينا ان نساهم في إيجاد أفضل وسيلة وآلية لإتمام هذه المهمة بالشكل الذي نطمح إليه . وإسهاما في هذا الباب أتقدم بقراءة لنص البند خامساً من المادة (24) من القانون رقم (1) لسنة 2003، وان سبب اختصار تلك القراءة على هذا البند لا يعني عدم وجود ملاحظات مهمة تجاه النص، بل لان ما جاءت به هذه المادة لم يطرق سابقاً ولم يكن للمنظومة القانونية العراقية منذ تاريخ تأسيسها وحتى يومنا هذا ما يماثل ما جاء به نص البند خامساً من المادة (24) ، والملاحظات كثيرة في ما يتعلق بآلية التحقيق ووجود ما يشير الى دكتاتورية القاضي الأول ( رئيس قضاة التحقيق)، حيث انه يتمتع بصلاحية نقض كل ما عمل عليه القاضي المختص بالتحقيق، على وفق ما جاء في البند أولا من المادة (19)، وكذلك في ما يتعلق بالمشروعية الدستورية ، التي أجدها من الأمور المهمة ، ولكني حصرت القراءة للبند خامساً، وعلى وجهين الأول يتعلق بوظيفة ومهمة القضاء واستعرضت فيه الغاية من القضاء في تطبيق وتفسير النصوص دون الولوج في باب التشريع، وفي الوجه الثاني للقراءة استعرضت مبدأين مهمين في القضاء وكما يلي: 1. الأول مبدأ الفصل بين السلطات وعلى القضاء ان لا يتجاوز على سلطة التشريع ويصادر دورها على وفق المبدأ الذي استقر التعامل به 2. والثاني تعرضت فيه إلى المبدأ الذي استقر عليه العمل في القانون والقضاء الجنائي، وهو مبدأ مشروعية الجرائم والعقوبات أي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، الذي أضحى من بديهيات القضاء الجزائي، حتى أني لم أجد لأي من الفقهاء والشراح جهداً قد عنى به بشكل موسع، لإيمانهم بان لابد منه لتطبيق العقوبة على الفعل الذي جرمه القانون . وهذه القراءة لا تعدوا عن كونها ملاحظات يسيره ومبسطه عن بعض ما ورد في القانون، أتمنى أن تكون قد أذكت الجذوة باتجاه المعالجة نحو الأفضل، أو لفت انتباه الباحثين اليه عسانا أن نصل إلى ما نتمناه ونتخطى ما نحن فيه . والله ولي التوفيق
1. وظيفة القضاء إن الوظيفة التي تنهض بها المحكمة الجنائية المختصة وظيفة قضائية، وإنها محكمة مشكلة بموجب قانون وطني حدد اختصاصات كل مرحلة من مراحل التقاضي ، التي وردت في هذه المحكمة وان كانت ذات طبيعة خاصة أملتها الظروف السياسية والاجتماعية والتحولات التي مر بها العراق مما أضفى عليها سمة خاصة انعكست في طبيعة الإجراءات التي تتخذ من قبل قضاتها، إلا أنها تبقى في الغالب العام محكمة ذات طبيعة ووظيفة قضائية . إذن لابد من الإشارة سريعاً إلى مفهوم القضاء والمعنى اللغوي والاصطلاحي وطبيعة ووظيفة القضاء من اجل تلمس المنهج الصحيح حول النقطة محل البحث في هذه القراءة البسيطة لأحكام المادة 24 من القانون رقم 1 لسنة 2003 قانون المحكمة الجنائية العراقية المختصة . مفهوم القضاء تمتاز اللغة العربية بسعة الأفق والقابلية على استيعاب المعنى بعدة أوجه، وكذلك بشمولية اللفظ على أكثر من معنى، وهذا ما جعلها لغة حية متجددة مستوعبة ومواكبة للتطورات ، لذلك فان القضاء في اللغة له معان عدة ، كما وردت كلمة القضاء في القران الكريم (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، وهذه تدلنا على ان القضاء يكون بمثابة الإلزام الذي لابد من العمل به ويأتي بمفهوم الإمرة، وكذلك له معنى آخر يعنى بدلالته على الحكم والفصل بين شيئين متنازعين أو بين واقعتين وقعتا محلاً لنزاع وذلك بدلالة قوله تعالى (قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) . فهذه بعض مما تدل عليه مفردة القضاء. أما في الاصطلاح فان كلمة القضاء تعني فض الخصومات والمنازعات على وجه مخصوص وعرفه بعض الفقهاء بأنه قول ملزم يصدر عن ولاية عامة . مهمة القضاء ومن خلال ما تقدم فان وظيفة القضاء لا تكمن في العملية القضائية التي هي مقياس منطقي، مقدمته الكبرى النص التشريعي ومقدمته الصغرى الواقعة محل الخصومة والنزاع ، ونتيجة الحكم الذي يصدره القاضي ، فهذه المعادلة الثلاثية التركيب للوظيفة القضائية توضح بجلاء أن من أهم أركانها النص التشريعي، فان انعدم النص بغض النظر عن مصدره سواء كان القران الكريم أو السنة النبوية أو الاجتهاد أو القوانين الوضعية ، وهذا الركن سيقود إلى إصدار الحكم الذي يمثل النتيجة والخلاصة التي ترتجى من القضاء سواء كان متمثلاً بهيئة محكمة أو قاضي منفرد . إذن مما تقدم نرى إن القضاء لم تكن من مهامه التشريع إطلاقا وإنما ينحصر بما جاء متعارفاً عليه في كل النواميس السماوية والوضعية، لكن قد يكون للقاضي او للمحكمة دور في التشريع، ولكن هذا محدود جداً وفي نطاق ضيق لا يتعدى كونه مختصاً في حدود الواقعة التي ينظرها القاضي، وبعض فقهاء القانون لم يصفها بعملية خلق النص ، بل إنها مجرد أعراف طبقها القاضي مستنبطاً ً الأحكام من خلال الاستدلال بما يملك من معرفة فكرية في العثور على العرف في محيطه الثقافي القضائي مسخراً إياه باتجاه إيجاد الحكم لفض النزاع أو الخصومة في الواقعة المعروضة ، ويكون هذا حصراً في القضاء المدني دون الجزائي، لان للجزاء طبيعة خاصة وسمة تتعلق بحرية الأفراد، وحتى انه يتعدى إلى إنهاء الحياة وليس تعطيل مسيرتها الاعتيادية في الحياة، واعني بذلك عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد أو غيرها من العقوبات التي يفرضها القاضي عندما يمارس سلطته القضائية في تطبيق القانون . وفي المنظومة القانونية العراقية نجد إن نص المادة (30) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل ، جاء فيه (لا يجوز لأي محكمة أن تمتنع من الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد القاضي ممتنعاً عن إحقاق الحق) بالإضافة إلى نص المادة (1) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل ، وهذا ما يعزز القول بان الأمر في سد الفراغ في التشريع يرد حصراً على القضايا والدعاوى المدنية، أما في الدعاوى الجزائية فلا إشكال ، حيث أشار البعض إلى إن دور القاضي دوراً ميكانيكياً ، فما عليه إلا أن يتحرى الوقائع ليقرر ما إذا كانت العوامل اللازمة للتطبيق قد اكتملت فان كان كذلك، فما عليه الا ان يطبق القاعدة. وهذا مبدأ استقرت عليه جميع دساتير العالم تقريباً وقواعد الفقه الجنائي . ومما تقدم نخلص إلى تأكيد القول الذي بدأت به إن وظيفة القضاء تنحصر في تطبيق القانون حصراً وفرضه على الواقعة وإيقاع التدابير والعقوبات التي ينص عليها القانون دون أن يكون له دور المشرع في ذلك وخصوصاً في القضايا الجزائية . ولو أسقطنا ما تقدم على وظيفة ومهمة المحكمة الجنائية المختصة، فإننا نرى إن ما جاء به نص البند خامساً من المادة (24) من الفصل الثاني من القانون رقم (1) لسنة 2003 المتضمن (عند تحديد المحكمة لعقوبة أية جريمة واردة في المواد (11) (12) (13) من هذا القانون التي لا يوجد لها نظير في القانون العراقي ، فان المحكمة تأخذ بنظر الاعتبار عوامل معينة مثل خطورة الجريمة والظروف الشخصية للمدان استرشاداً بالتجارب والخبرة والقوانين الدولية في هذا المجال ) . كما أشرت فإننا سنجد إن وظيفة هذه المحكمة اختلفت عما سارت عليه الأعراف القضائية في تحديد ماهية وطبيعة المحاكم وأسبغت عليها صفة المشرع، حيث منحتها سلطة التشريع في ما يتعلق بتعيين نوع العقوبة التي تفرضها على المدان مع مراعاة بعض الشروط التي أوجبتها تلك المادة، وهذا يعني بدلالته على إن القاضي حاكماً ومشرعاً في آن واحد، مما لا نعتقد بصحته لأنه سيؤدي الى أن نضع مصير المتهم وحقوق الأفراد والضحايا بيد خمسة من أفراد المجتمع المتمثلين بأعضاء المحكمة الجنائية، على وفق أحكام البند ثانيا من المادة (4)من الفرع الثالث من الفصل الأول من القانون رقم (1) لسنة (2003)، لان فرض العقوبة هو غير النص على تحديدها، لأنها لا تمثل وجهة نظر فئة تجاه فئة أخرى، بل إنها تمثل فلسفة امة تجاه تحديد النص والعقوبة التي ينطوي عليها ،لان العقوبة يجب ان تكون محددة سلفاً حتى يكون الضحية والمتهم على دراية بحقوقه، بالإضافة إلى ما قد يحدث من تأثيرات ناجمة عن الطبيعة البشرية أو التأثيرات الاجتماعية والسياسية ، وان كان على القاضي ان يكون مجرداً وموضوعياً ،لكن هذا طرح مثالي نسعى لتكوينه، مع توفر واقع يؤكد ذلك من خلال وجود طرق الطعن، التي وجدت تحسباً للخطأ الذي قد يقع فيه القاضي وحتى في المحكمة الجنائية المختصة وجد المؤشر على افتراض خطأ القاضي او الهيئة ،لأنها رسمت طرق الطعن في القرار الصادر أمام محكمة ذات مستوى اعلى في سلم التدرج القضائي على وفق ما جاء في المادة (24) من الفصل التاسع من قانون المحكمة الجنائية العراقية المختصة . لذلك فان منح سلطة التشريع الى القضاء أراه غريباً على المنظومة القضائية العراقية ولم اجد له مثيل او حتى متطابق بنسبة معينة مع سابقة موجودة في العراق او البلدان المجاورة ، كما إن الأمر يتقاطع مع مهمة ووظيفة القضاء، اذا كنا نعتبر تلك المحكمة جزء من المحاكم الوطنية العراقية . أما من يعتقد ان هناك محاكم مماثلة لهذه مثل محكمة نورنبيرغ او غيرها فالرد على ذلك ان المحكمة الجنائية محكمة وطنية وليست دولية والفرق واضح من حيث إنشائها وآفاق شموليتها وولايتها، فانها مؤسسة بموجب قانون وطني، بينما المحاكم التي أشاروا إلى القياس عليها ومنها محكمة نورنبيرغ، فإنها محاكم مكونة بموجب قرارات دولية سواء كانت صادرة من الأمم المتحدة او مجلس الامن، ومثال ذلك قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 95/1 الذي تم اقراره بالإجماع في 11 ديسمبر عام 1946. وان طبيعتها ذات صفة أشمل مما عليه هذه المحكمة، لذلك فان المحكمة المختصة لا تكون محلاً للتماثل مع المحاكم الدولية ، التي قد أجاز لها العرف في القانون الدولي أن تنشئ وصفاً لجريمة وتحديداً لعقوبة تدخل ضمن الاطار التشريعي في حدود الواقعة وتقرر عقوبات، على ان تتم صياغتها في بروتوكول اضافي خاص ملحق باتفاقية جنيف لعام (1864) ، ومع ذلك فان نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد جاء في المادة 77 من الباب السابع منه ، وتحب باب العقوبات الواجبة التطبيق ما يلي: 1. رهنا بأحكام المادة 110، يكون للمحكمة أن توقع على الشخص المدان بارتكاب جريمة في إطار المادة 5 من هذا النظام الأساسي إحدى العقوبات التالية: ?أ- السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها 30 سنة. ?ب- السجن المؤبد حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المدان. 2. بالإضافة إلى السجن، للمحكمة أن تأمر بما يلى: ?أ- فرض غرامة بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات ?ب- مصادرة العائدات والممتلكات والأصول المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة، دون المساس بحقوق الأطراف الثالثة الحسنة النية. وهذا يعزز القول بان العقوبة يجب ان ينص عليها في قانون سواء كان قانون تشكيل المحكمة او أي قانون آخر
2. المشروعية ومبدأ الفصل بين السلطات المشروعية أو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في ما تقدم من الوجه الأول للقراءة أشرت الى ان ايقاع العقوبة هو غير خلقها وتكوينها بحدودها الدنيا والقصوى، وانها ذات خطورة عالية لتعلقها بحياة الافراد من حيث التقييد والإنهاء المتمثل بعقوبة الإعدام ودورها كذلك في الحفاظ على الوشائج الاجتماعية والمحافظة على اللحمة في المجتمع الواحد ، ومن ذلك نرى أهمية العقوبة من حيث التحديد وانسجامها مع جسامة الفعل الموصوف بالجرم ، وهذا ما ادى الى ظهور مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص) الذي أضحى من بديهيات الفقه الجنائي، كما ان الشراح والفقهاء قد اهتموا كثيراً بالعقوبة وأعطوها اكثر من مفهوم متأثرين بالأفكار الفلسفية التي تخدم الاتجاهات الفقهية في هذا المجال، وهذا أدى الى تطور المراحل المتعلقة بحق فرض العقاب حتى وصل الى المرحلة التي بموجبها أنيط هذا الحق بالهيئة الاجتماعية، وذلك من ضرورات حماية النظام الاجتماعي ، وخلصت تلك الاراء والدراسات الى تعزيز المفهوم او المبدأ الذي يقع تحت عنوان (مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات) وهذا المبدأ له أهمية ظاهرة وفيه ضمانة اكيدة وكبيرة لحقوق الافراد وحرياتهم كما اسلفت في اعلاه . وكما نعلم ان فلسفة العقوبة تكون تحت لافتة الردع والاصلاح وبغض النظر عن الجدل حول ايهما الاساس وله السبق في النشوء مبدأ المشروعية (لا عقوبة ولا جريمة الا بنص) او فلسفة الردع والاصلاح ،وان التطور التاريخي لنشوء العقوبة حيث اعتقد بعض الكتاب الاوائل للمدونات القانونية، وان كانوا على خطأ، فقد اعتقدوا ان الإنسان أسير العادات الموروثة ، وان خوفه من قوى الدين والسحر كان شديداً الى درجة انه لم يكن يفكر احد في انتهاك هذه العادات ، ومن هنا استخلص هؤلاء ان العقوبة لم تكن ضرورية في مجتمع كهذا ،لكن التطور الحاصل في الحياة العامة والاجتماعية ادى الى تغير المفهوم تجاه العقوبة وفلسفتها وأضحت العقوبة كما أسلفت وسيلة وليست غاية وبعيدة عن مفهوم الانتقام، مما أضاف على الكيان الاجتماعي مسؤولية كبرى تجاه الأفراد وان الأمر أصبح يتعلق بإعادة الحال إلى ما كان عليه ، وهو الحفاظ على النظام الاجتماعي، وان انتهاكه يعتبر بمثابة تعكير للتضامن الاجتماعي . كما ان فقهاء القانون والشراح ذهبوا ذات المذهب الذي يعتقد بان العقوبة لا يمكن الا ان تكون صادرة من هيئة تمثل المجتمع وان قانون العقوبات قد نشأ بنشوء العقوبة وانها قديمة قدم المجتمع الانساني ، وورد تعريف يرتبط بما تقدم من ان قانون العقوبات ، هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الافعال والامتناعات التي تعد جرائم وتبين العقوبات لها . ومما تقدم أعود إلى أهمية مبدأ المشروعية او شرعية الجرائم والعقوبات لان من يقترف فعلاً لم يجرمه القانون يكون في مأمن من العواقب ومن لم يفرض القانون عقاباً على فعله لا يسأل عما فعله حتى وان كان فعله مستهجناً ، لذلك فان أي فعل لم ينص القانون على تجريمه وفرض العقاب عليه لا يعتبر جريمة، إلا إذا وجد نص تشريعي ، وقد ينهض التساؤل متى يعتبر النص نصاً تشريعياً ، وهل قرارات المحاكم هي جزء من النصوص التشريعية؟ وكما أوضحت في الوجه السابق للقراءة، حول الوظيفة القضائية فإنها لا تتعلق بخلق النص بل دورها ينحصر في تفسير القوانين، التي يضعها المشرع وتطبيقها باعتبارها سلطة قضائية مستقلة، وان دور المشرع هو سن القوانين ، وهذه العملية ليست بالسهلة بل تحتاج الى شرائط وموجبات عدة تبدأ من فلسفة الأمة بوضع النص والهيئة المنتخبة، التي من أهم واجباتها سن القوانين ووضع التشريعات، وكذلك في مراعاتها للظروف الاجتماعية واخذ حقائق النظام الاجتماعي بنظر الاعتبار، والا كان العمل أشبه بالعبث، لذلك مما قد يعتبر من الإلزام على المشرع المعرفة التامة بالظروف معرفة دقيقة ووافية، وهناك عدة عوامل توضح نصب عبث المشرع ومنها طبيعية، حتى تشمل التعرف على المناخ ودرجات الحرارة لبيان فترة النضوج والبلوغ والانعكاس الصحي والسلوكي للفرد تجاه التقلبات المناخية وكذلك الظروف الاقتصادية وما شاكل من ذلك بالاضافة الى الاهتمام بالجانب الاخلاقي والديني والثقافي لان لها اثر واضح في ميدان القواعد القانونية اذن الجواب على التساؤل من كون السلطة القضائية تشرع النصوص ، سيكون بالنفي خصوصاً في الجانب الجزائي وانما دورها في تطبيق وتفسير النص القانون وللقضاء الصلاحية في تقدير العقوبة عند تحديدها من قبل المشرع بعدما يراعي ما اشرت اليه . اذن هل كان الذي شرع القانون رقم (1) لسنة 2003 (قانون المحكمة المختصة) موفقاً في وصف نص البند خامساً من المادة (24) من الفصل الثامن ، خصوصا في ما يتعلق بالقول أن العقاب على هذه الجرائم إنما يجد سنده ونصه القانوني في العرف الدولي الذي يرقي إلي مرتبة القاعدة الآمرة، والذي ينفذ في مختلف دول العالم دون الحاجة للنص عليه في قوانينها الوطنية, أمر هو الآخر سوف يكون محل دفع ينبغي على المحكمة أن تفصل فيه قبل أن تنظر في موضوع الدعاوى المرفوعة لها. الجواب على وفق ما ورد أعلاه سيكون بالنفي حتماً لأننا نكون قد وضعنا قدر امة بكاملها في يد خمسة أعضاء مع كامل الاحترام للنزاهة والكفاءة التي قد يتحلى بها من يتصدى للمحاكمة ، إلا أن ذلك يعتبر مثلبة في المنظومة القانونية العراقية التي نسعى جميعاً للنهوض بها باتجاه السعي نحو مواكبة التطور ، وارى ان النص بحاجة إلى إعادة صياغة بما ينسجم والأحكام العامة والقواعد المرعية في علم القانون الجنائي ، وقد كتب الكساندر هاملتون، أحد واضعي دستور الولايات المتحدة في العدد 78 من مجلة "ذي فدراليست"، مدافعاً عن دور النظام القضائي في تشكيل الهيكلية الدستورية، فشدّد على أنه "لا وجود للحرية دون فصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية" وهذا قول يعزز وجهة نظري تجاه ما اشرت اليه.
مبداء الفصل بين السلطات في هذه القراءة ساشير الى المأخذ الاخر في سلسلة ما وجدت من تقاطع بين البديهيات والمبادئ التي استقر عليها التعامل، وبين نص البند خامسا من المادة 24 من الفصل الثامن من قانون المحكمة الجنائية المختصة رقم 1 لسنة 2003 وعلى وفق مايلي : - ان قيام المحكمة ، بايجاد وخلق عقوبة لم ينص عليها قانون او أي تشريع نافذ ، هو تجاوز على سلطة التشريع المفترض وجودها في المرحلة الراهنة ، وسنكون امام دمج السلطات ،الذي ناضلت الشعوب والمجتمعات، من اجل تجاوزه نحو المبدأ الذي استقر التعامل به وأصبح من ملامح الدولة الحديثة، ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات ، لذلك لابد من الإشارة اليه ومعرفة ماهية هذا المبدأ بشكل سريع حتى نتمكن من المطابقة بينه وبين النص محل القراءة . إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يكن معروف في التشريعات القديمة او في الحياة السياسية القديمة ، وذلك لان السلطات كانت بيد الحاكم حصرا ، ويحدثنا التاريخ القديم ان الحاكم امتداد الإله ويستمد سلطته من القوى السماوية ، وقد ورد ذلك في الآداب الآشورية والبابلية العراقية القديمة ، كما في اوربا من العصور المتأخرة او الوسطى ، وامتد ذلك الى الحضارات الشرقية مثل الإمبراطورية الصينية التي لم تصل القناعة في مفاهيمها الى وجود شخص قادر على لعب دور المشرع يضع القوانين ، مما جعل الفكرة تسير باتجاه تأليه الحاكم او السلطان ، وهكذا استمر الحال بالتطور البطيء ، حتى ظهر المبدأ على يد الفقيه الفرنسي مونتسكيو ، الذي كان حاضراً في البرلمان البريطاني مما دعاه الى ان يكتب باتجاه فصل السلطات بعضها عن بعض ، واعتبر ان دمج السطات يولد اخطار كبيرة تعيق تقدم الامم نحو التطور والترقي واقرت معظم الدساتير هذا المبداء الذي اضحى الوجه المشرق للمجتمعات المتحضرة والمتصفة بصفة الديمقراطية
الخاتمة بعد هذه القراءة البسيطة لأحكام البند خامساً من المادة (24) من القانون رقم (1) لسنة (2003) ، قانون المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية، قد تعززت لدي القناعة بان تلك الأحكام بحاجة إلى إعادة صياغة بما ينسجم والسعي للدفاع عن النزاهة والعدالة المفترضة في الهيئة القضائية المشار إليها، حيث نرى إن أعداء العراق يتربصون لنا ويتسقطون علينا كل شاردة وواردة عساهم أن ينالوا ما يبتغون ، بالإضافة إلى ضمان محاكمة عادلة لكل الأطراف، ولا نريد أن نظلم من كان ظالماً أو نعتدي على من كان مظلوماً ، وان نترك أمر تشريع العقوبة التي هي الغاية والمرتجى في هذه المحاكمات بيد خمسة أعضاء، على الرغم من تعلقها بمصير شعب بأكمله عانى ما عانى من القهر والظلم طوال هذه الحقبة ، فكلنا ندرك إن القاضي إنسان له ما لغيره وعليه ما عليهم من عواطف وأحاسيس وعقائد، لابد إن يكون تحت طائلتها مهما تحرز منها باتجاه الحياد ، فقد يكون متعاطفاً مع المتهم فيخفف عنه على حساب الضحايا، أو يكون متضرراً فيقسو بما يخالف مبادئ العدالة والعدل ، لذا علينا أن نجب الغيبة عنه، وان نحدد له الحدود الدنيا والقصوى للعقوبة، التي يفرضها حينما تتوفر له القناعة بان المتهم مدان لفعله الذي ارتكبه تجاه الشعب والمجتمع والبيئة وكل مكونات العراق . واخلص من ذلك إلى الدعوة لعقد مؤتمر قانوني وطني تمثل فيه كل القطاعات بأوصافها العرقية والدينية والقومية والطائفية، ومن كل الاختصاصات القانونية والاجتماعية والاقتصادية وما شاكل ذلك، من اجل فرض عقوبة تنسجم وحجم الجريمة التي ورد وصفها في القانون أعلاه، وان العقل العراقي القانوني وسواه قادر على استيعاب الحالة ومعالجتها . وفي الختام التمس العذر مما قد وقعت فيه من خطأ أو غلو في التأسيس لفكرة تجاه أخرى وحسبي إني اقرأ فاكتب . المراجع 1. ضياء شيت خطاب، فن القضاء، طبعة بغداد 1984 2. الدكتور صالح محسوب ،دور السوابق القضائية في الاستقرار القضائي ، مجلة القضاء العدد الاول ، السنة الثالثة والخمسون 3. الوقائع العراقية العدد 3980 لشهر نيسان 2004 4. الدكتور حنا عيسى ، مسؤولية الأشخاص الطبيعيين عن الجرائم الدولية، عن موقع مجلة افاق http://www.aafaq.org 5. الدكتورة واثبة السعدي ، تحديد العقوبة قصيرة الاجل ،مجلة القضاء العددالعدد الاول لسنة 1988 6. اللورد دنيس لويد،فكرة القانون، تعريب سليم الصويص، مراجعة سليم بسيسو، سلسلة عالم المعرفة، العدد 47 – نوفمبر 1981 م 7. الدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني – القسم العام طبعة بيروت 8. محسن ناجي المحامي، شرح قانون العقوبات العراقي – القسم العام – شرح على متون النصوص الجزائية طبعة بغداد 1974 9. الدكتور عصمت عبدالمجيد، أصول التشريع – دراسة في اعداد التشريع وصياغته، الموسوعة الصغيرة العدد 430 طبعة بغداد 1999 10. الدكتور اكرم الوتري، فن اعداد وصياغة القوانين ، بحث منشور في مجلة القضاء العدد الثالث لسنة 1971 11. الدكتور د. محمود شريف بسيوني، حول قانون إنشاء المحكمة الجنائية العراقية المختصة بجرائم النظام العراقي، شبكة المعلومات الدولية 12. ساندرا داي اوكونور قاضية وعضو في المحكمة العليا للولايات المتحدة، أهمية استقلال النظام القضائي ،موقع مكتب الإعلام الخارجي وزارة الخارجية الأمريكية، ، الشبكة الدولية 13. جورج بوبيه شمار ، المسؤولية الجزائية في الآداب الآشورية والبابلية ، ترجمة سليم الصويص، منشورات وزارة الثقافة والاعلام الجمهورية العراقية ، سلسلة الكتب المترجمة طبعة بغداد 1981 14. محمد حسن الزبيدي، ضمانات القاضي في العراق – دراسة مقارنة، الطبعة الاولى بغداد 1985
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سكن الزوجة في فترة العدة عند الطلاق
-
الرقابة القضائية على أعمال مؤسسات المجتمع المدني
-
مفهوم القاصر والحدث في القانون العراقي
-
التفكير والتكفير
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|