|
هل كانت ثورة 14 تموز انقلاباً عسكرياً منعزلاً عن الشعب العراق؟
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 12:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تكن ثورة 14 تموز عام 1958 حدثاً عابراً مرّ مرور الكرام وفقد معناه وتأثيراته على العراق والعالم الخارجي أو انقلاباً عسكرياً منعزلاً ومقتصراً على حفنة من الضباط استغلوا مناصبهم العسكرية لكي يسيطروا على مقاليد السلطة كهدف وحيد لهم اي بالمعنى الواضح لم يكن أكثرية هؤلاء طلاب سلطة فقط بل ان هذه الانتفاضة العسكرية المجيدة انتقلت كثورة جماهيرية عارمة منذ ان اعلن بيانها الاول على العرقيين والعالم وتوضح من الخطوط الاساسية في هذا البيان ان التغيير المنشود جاء بسبب ارتباط العراق الدائم بالعجلة الاستعمارية منذ ان تأسست الدولة الحديثة واصبحت اداة طيعة بأيديهم يفعلون ما يريدون فعله فاذلوا الشعب وباعوا البلاد واصبحت المعاهدات الاسترقاقية ديدناً ثابتاًفي نهجهم السياسي والاقتصادي والثقافي وبالضد من اراد الشعب وقد تكللت تلك المعاهدات الجائرة بحلف بغداد المعروف بتكويناته واهدافه العدوانية، ولم تكن الثورة وليدة لحظات سريعة طرأت فجأة دون سابق انذار بل جاءت بعد مخاض ثوري وطني ديمقراطي جعل من العراق سجناً يتنافى مع ابسط حقوق الانسان ، وقومي بسبب الخيانة الكبرى للقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية. ان الكم النضالي الوطني الديمقراطي والقومي الهائل الذي كان يتوسع ادى في الكثير من الحالات الى انفجارات اجتماعية وانتفاضات جماهيرية واضرابات عمالية واسعة وكأنها بروفات عملية تطبيقية لأجل انجاح التغيير التي تجسد في الانتفاضة العسكرية الثورية التي قامت في 14 تموز ثم حولتها الجماهير الشعبية الى ثورة عارمة جعلت منها نبراساً مضيئاً ولو الى حين لولا تكالب القوى الاستعمارية والقوى الرجعية عليها وبدأ التآمر منذ لحظاتها الاولى وتجسد ذلك في انزال القوات الامريكية العسكرية في لبنان ولم تمر على الثورة الا شهور قليلة حتى انحازت القوى القومية العراقية وفي مقدمتها حزب البعث العراقي الى ركب التآمر بحجة الوحدة العربية الذي تداعت له هذه القوى بعد الحملة المعادية للثورة بحجة ان الزعيم عبد الكريم قاسم والضباط الاحرار والقوى الديمقراطية تقف بالضد من الوحدة العربية الفورية وكذلك الصراع مع القوى القومية التي كان في مقدمتها عبد السلام عارف والجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر ولقد اظهر التاريخ حقائقاً عن تلك الاساليب التي اتبعت ودفع لها المال والسلاح من اجل الانقضاض على الثورة فكانت باكورتها مؤامرة الشواف المعروفة وغيرها من المؤامرات الاخرى وتجلى كل ذلك في تصريحات واقوال امين سر القيادة القطرية لحزب البعث العراقي الاسبق على صالح السعدي الذي اشار بما معناه انهم قدموا على دبابات امريكية من اجل نجاح الانقلاب الاسود الدموي في 8 شباط 1963 وهو ليس بالمعنى المادي للدبابات بقدر ماهو تأكيد على دعم وتأييد الولايات المتحدة الامريكية لهم ومنذ اللحظات الاولى للانقلاب والانقلابين الغلاة بالحقد والكراهية فقد تم اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم وثلة الضباط الاحرار بدون اي تحقيق قانوني ولا محاكمة قانونية ثم تلتها حمامات الدم الاخرى فطالت قادة الحزب الشيوعي العراقي وكوادره في بيان رقم 13 السيء الصيت من قبل الحاكم العسكري رشيد مصلح التكريتي الذي اعدم بيد جماعته البعثيين متهمين اياه بالعمالة للاجنبي بعد انقلاب 17 تموز 1968 ولم يكتف الانقلابيون القتلة فسرعان ما انكشفت انيابهم الحاقدة ضد القوى الديمقراطية والشعب الكردي فشنوا اشرس حملة دموية ضدهما وباتت سياسة الارض المحروقة في كردستان العراق الشبيهة بفيتنام سياسة ثابتة موجهة ضد الشعب برمتهه ولم تمر سوى اسابيع قليلة على حلفهم المشبوه الهجين حتى استعر الصراع فيما بين الانقلابين وتكلل ذلك بانقلاب 18 تشرين من العام نفسه ليكون الجزار الذي خان صديقه ومخلصه من حبل المشنقه عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية بالعافية واصبحت الدعوة .. فقط الدعوة للوحدة العربية حلم اسطوري يراود الحالمين النائمين في مضاجعهم وهم يحلمون باليوم المشهود.. وتأكد بالعمل الواضح انهم كانوا ومازالو يخدعون شعوبهم حول الوحدة العربية والالتحام العربي وبالضد من دولة اسرائيل التي لهم علاقات وطيدة معها في السابق ولحد هذه اللحظة. اليوم وبعد مرور 47 عاماً على تلك الثورة و42 عاماً على اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم وثلة الضباط الاحرار ومئات الشهداء من القوى الديمقراطية بدون محاكمات قانونية او حق الدفاع المشروع عن النفس بتوكيل محامين لهم، يحضرنا اعتقال الطاغية صدام حسين واركان نظامه البائس الذي جلب الويلات على العراق وشعبه وصولاً الى احتلال العراق نرى كيف يطالبون و يطالب البعض وفي مقدمتهم عائلته وعوائلهم بحقوق الانسان وحق توكيل المحامين لا بل يصرخون للمطالبة بمحاكمتهم خارج العراق بحجة العدالة والقانون وحقوق الانسان بينما كانوا هؤلاء جلادي وجزاري الشعب العراقي لم تثنيهم لا قوانين ولا حقوق انسانية ولا دينية ولا اخلاقية عندما حكموا العراق في اشد فترة سوداء مرت على العراق وملأت الدنيا اخبار المقابر الجماعية والكيمياوي و180 الف كردي ضحية الانفال ومسح مدن كاملة وقتل واعدام الآلاف بحجة المعارضة وكانت عوائلهم واقاربهم سراق قوت الشعب والا من اين لرغد صدام حسين واخواتها وامها ساجدة خير طلفاح المعلمة الابتدائية ذات الدخل المحدود وزوجها صدام حسين العاطل عن العمل وبدون شهادة مدرسية هذه الملايين من الدولارات والثروة الطائلة التي اكتنزوها في البنوك والشركات الوهمية وباسماء مختلفة. لقد لعبت ثورة 14 تموز في 1958 دوراً كبيراً في مساندة حركات التحرر بعدما انجزت العديد من المهمات الوطنية وفي مقدمتها الخروج من حلف بغداد وتحرير النقد العراقي بالخروج من منطقة الاسترليني وسن قانون 80 الذي سيطرت الدولة على أكثر من 99% من المناطق النفطية وسن قانون الاصلاح الزراعي وقانون الاحوال الشخصية وغيرها من المجزات الكبيرة، وعلى الرغم من انتكاسة الثورة والاخطاء التي ارتكبت من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم وبخاصة تسامحه مع قتلة شعبنا وعدم سن دستور دائم ونقل البلاد من الحكم العسكري الى الحكم المدني والحرب ضد الاكراد في كردستان وغيرها من القضايا فأن هذا الرجل الوطني المخلص سيبقى قائداً وطنياً يعتز به الشعب العراقي واجياله القادمة، وستبقى بجوهرها تغييراً ثوريا اراد ان يغيير الكثير ويسير بالبلاد نحو التقدم والازدهاروستبقى محفورة في ذاكرة الاجيال وذاكرة التاريخ.
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة مالها وما عليها
-
كركوك بموقعها الجغرافي وتطبيع الاوضاع فيها
-
مخططان مختلفان شكلاً حققا الهدف المرسوم
-
هل المليشيات الشيعية العراقية ومليشيات الباسيج شكلان لهدف وا
...
-
الإنتخابات الإيرانية وغروب رفسنجاني البراغماتي بفوز محمود أح
...
-
لو كنت في مكـــان صدام حسين والعياذ بالله ماذ كنت ستفعل؟
-
لأنـــهُ كان العراق.. لأنـــهُ كل العراق
-
الانتخابات البرلمانية القادمة وضرورة انجاز الدستور الاتحادي
...
-
الاصلاحات حسب مفهوم التيار الوطني الديمقراطي
-
صرح النصوص في طريق العلامـــة
-
دعوة الشيخ الجليل عبد المحسن التويجري لكن..! ما حك جلدك مثل
...
-
العملية الأمنية ودول الجوار ودبلوماسية الحوار الهادئ
-
العلاقـــة ما بين الحكومة العراقية والقوات متعددة الجنسيات
-
القــرار الفردي والالتزام بالقوانين
-
انعكـــاس لرؤى قادمــــة
-
لمـــاذا الآن ؟ صور لصدام حسين نجومية على طريقة الاعلام الدع
...
-
ماذا يريد السيد الامين العام عمرو موسى من العراق ؟
-
الشهداء أسماء خالدة في سماء العراق وضمير الشعب
-
الارهاب بوجهيه القديم والجديد بقيادة المنظمة السرية
-
الجامعة العراقية المفتوحة ومسؤولية الدولة والحكومة العراقية
...
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|