|
لماذا لم تدون شعوب العالم القديم معجزات الأنبياء؟
تامر عمر
الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 18:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا لم تدون شعوب العالم القديم معجزات الأنبياء؟
قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق. تعال على نفسك وفكر ... * * * بطول كتب التاريخ التى درستها، هل قرأت عن شعب من الشعوب القديمة سجل فى آثاره المكتوبة على المعابد أو الجدران أو النقوش أو ورق البردى أو أية مادة أخرى، عن معجزة أجراها الله على يد نبى من هذا الشعب أو ذاك؟ فى المدارس وفى الجامعات، تدخل ألف حصة تاريخ، وتقرأ أطناناً من الكتب فى التاريخ، فلا تطالع أى نص يحدثك عن نبى قام بمعجزة ما، ولكن ما أن تدخل إلى المسجد أو الكنيسة أو المعبد، إلا وتنهال على أذنك مئات القصص عن الخوارق والمعجزات، وما أن تفتح القرآن أو الإنجيل أو التوراة إلا وتطالعك قصص هذه المعجزات أجراها الله على أيدى أنبيائه، حية نابضة بالحركة والألوان والظلال. تقرأ كتب التاريخ وتفاصيلها الكثيرة، فتطالعك الدنيا التى عاشها الأقدمون تشبه تماماً الدنيا التى نعيشها: منطقية، واقعية، خاضعة للنواميس الطبيعية التى نعرفها بلا استثناء واحد. لا أحد أحيا ميتاً ولا أحد شق بحراً ولا أحد أُلقى فى النار ونجا ولا أحد ذهب إلى السماء ثم عاد مرة أخرى. إن مفهوم المعجزة، حتى كمفهوم مجرد، غير موجود فى عقليات الأقدمين. فالمعجزة، باعتبارها أمر خارق للنواميس وقوانين الطبيعة التى يعرفها البشر الذين يعيشون على هذا الكوكب، هذا المفهوم المجرد، لا يفهمه المصريون القدماء أو البابليون القدماء أو السومريون أو الفينيقيون أو السوريون القدماء. تشهد بذلك آثار هؤلاء المنقوشة فى جدرانهم ومعابدهم، والتى أصبحت كالكتب المفتوحة أمامنا، نطالع من خلالها أدق التفاصيل عن حياة هؤلاء القدماء. نفس الأمر يصح عن مفهوم النبى. إذ لم يعرف هؤلاء الأقدمون، ولم يدونوا، أن شخصاً جاءهم زاعماً أن مخلوقاً ملائكياً قد جاءه من السماء بتعاليم أو كتاب، أو أنه قد سمع صوت الإله يكلمه ويلقى عليه تعليمات أو قواعد. إن ذلك يدفعنا إلى السؤال التالى: ما هى علاقة الأنبياء بالتاريخ؟ لماذا تجاهل التاريخ ذكرهم تماماً بينما عرفنا قصصهم من الكتب المقدسة فقط؟ لماذا يتغاضى التاريخ عن هؤلاء الأشخاص العظام الذين أجرى الله سبحانه على أيديهم معجزات خرقت مألوف القوانين والنواميس وأذهلت معاصريهم، بل وشقت المجتمعات إلى مصدق ومكذب؟ لماذا انهمك المؤرخون فى تدوين أحداث متباينة بين الأهمية والتفاهة، ثم عندما رأوا معجزة خارقة تقع أمام أعينهم لم يحركوا ساكناً؟ فعلى كثرتهم، لم يوجد مؤرخ واحد وحيد خرج عن هذه القاعدة وقدم لنا قصة تروى حكاية نبى ما، رأى هذا المؤرخ بأم عينيه معجزاته تذهل الرائين. لماذا؟ هل هو إتفاق خبيث غير مكتوب انعقد بين كل المؤرخين على مر العصور؟ هل هى مؤامرة إتفق فيها كافة المؤرخين بلا استثناء وبطول التاريخ، على تضليلنا وخداعنا بحجب ما رأوه من معجزات، وعلى التجاهل المتعمد لأمور أذهلت معاصريهم، وزلزلت أركان المجتمعات التى كتبوا عنها، إذ شقت صفوف الناس بين مصدق ومكذب؟ هل كان بوسع مؤرخ واحد عاصر النبى إبراهيم أن يتجاهل حادثة إلقائه فى النار وخروجه منها سليماً؟ هل كان بوسع مؤرخ واحد شاهد انشقاق البحر الأحمر، ثم انطباقه على فرعون وجيشه، ثم يعود بعدها إلى بيته ليأكل وينام ملء جفنيه، ثم لا يكتب عن هذه الحادثة حرفاً؟ تعال على نفسك وفكر .. تشيع فى ثقافتنا ظاهرة غريبة، وهى التفكير فى الأنبياء بمعزل عن التاريخ، وكأنهم مخلوقات لا علاقة لها بالزمان والمكان .. كائنات أثيرية غامضة، عاشت فى الدنيا والسلام. عند استحضار سيرتهم وقصصهم، ينصب تفكيرنا فقط على العبر والدروس التى ينبغى أن نتعلمها منها، وهذا واجب. لكننا نتجاهل التفاصيل المادية والتاريخية المتعلقة بهؤلاء الأنبياء. لا يكلف أحدنا نفسه ليتساءل: فى عهد مَن الملوك عاش النبى فلان، أو فى ظل أى إمبراطورية شب النبى عِلاّن. فباستثناء محمد (صلعم)، والذى نعلم أنه ولد فى القرن السادس الميلادى، ويسوع عليه السلام، والذى نعلم أنه ولد فى القرن الأول، باستثناء هذين النبيين، لا يوجد نبى واحد نتساءل عن الزمن الذى عاش فيه عندما نتحدث عنه وعن قصة حياته، هذا على الرغم من أننا متأكدون من أننا نتحدث عن شخص حقيقى، عاش على تلك الأرض التى نعيش عليها، ولم يكن مخلوقاً غيبياً غامضاً كالملائكة، الذين من العبث أن نفكر أين هم وكيف يعيشون. لقد عاش الأنبياء على نفس هذه الأرض التى نعيش عليها، وفى نفس الدول والإمبراطوريات والممالك المعلومة لدينا والتى ندرسها فى التاريخ، ولكن، وبرغم ذلك، هم لا يظهرون أبداً فى كتب التاريخ، ولم يتناول قصصهم مؤرخ واحد. قد يظن البعض أن الأنبياء قد عاشوا فى عصور أقدم من التاريخ المدوَّن، ولذلك لا نجد لهم أثراً فى التاريخ الذى كتبه الإنسان. ولهؤلاء أقول أنكم سوف تصعقكم المفاجأة التالية: فالنبى موسى عليه السلام، والذى يفترض أنه عاش بمصر حوالى 1300 قبل الميلاد، هذا النبى كانت مصر تكتب تاريخها بالتفصيل قبل مولده بألفى سنة كاملة، إذ بدأ التاريخ المصرى المكتوب حوالى 3200 سنة قبل الميلاد، مع توحيد القطرين على يد الفرعون (نعرمر) الشهير بمينا. فإذا علمنا أن تاريخ مصر الأقدم (أى الأحداث ما قبل 3200 ق. م)، قد عرفناه أيضاً، ولمدة تقارب الألف عام، لاستنتجنا أننا نعلم تاريخ مصر منذ حوالى 4200 سنة قبل الميلاد، وهو بالفعل تاريخ سحيق. وخلال هذا التاريخ السحيق الطويل، لم تذكر مصر مرة واحدة (خد بالك) .. مرة واحدة، فى نصوصها أى ذكر لنبى أو معجزة، هذا على الرغم من أن أربعة أنبياء على الأقل قد عاشوا على أرضها أو قاموا بزيارتها، هم: إبراهيم، يعقوب، يوسف، موسى. ما بين عصر موسى وعصر يسوع (عيسى)، ما يزيد عن الألف سنة، بعث خلالها ما يزيد عن الخمسين نبياً، ذكروا بالإسم فى الكتب المقدسة. أنبياء مثل: داوود، سليمان، عزرا، نحميا، أيوب، أشعياء، إرميا، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان (يونس)، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجى، زكريا، ملاخى، يوحنا (يحيى) .. كلهم عاشوا فى عصور قريبة، دوّن فيها المصريون والعراقيون والسوريون والفلسطينيون القدماء تاريخهم، وبكل تأكيد، فقد رأى هؤلاء بعض معجزات هؤلاء الأنبياء، لكن الغريب العجيب، أن مؤرخاً واحداً لم يذكر معجزة واحدة شاهدها لهؤلاء. ما معنى ذلك؟ تعال على نفسك وفكر .. أنا لا أستطيع أن أتصور مؤرخاً عاصر النبى إبراهيم، وشاهده بأم عينيه وهو يلقى فى النار التى يقال أن ألسنتها كانت تشوى الطير فى السماء، ويخرج إبراهيم أمام عينيه حياً، ثم بعد ذلك يعود إلى بيته آمناً مطمئناً، وكأنه لم ير شيئاً خارقاً، (ولا أى إندهاش). الغريب أنك شخصياً، عندما لا تقرأ أخبار معجزات الأنبياء فى كتب التاريخ التى درستها، فلا يظهر عليك أنت أيضاً أى إندهاش! ما معنى كل ما سبق؟ هل نحن نعيش بعقلين؟ واحد يتعامل مع التاريخ وأحداثه بمنطق، والآخر يتعامل مع النصوص المقدسة بمنطق مغاير؟ وإذا كان ذلك صحيحاً، فما معناه؟ تعال على نفسك وفكر ...
#تامر_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لم يظهر الأنبياء إلا فى منطقة الشرق الأوسط؟
-
لماذا إختار الله أن يعذب العصاة عذاباً جسدياً؟
-
فرعون .. المجنى عليه!!
-
قبل الإختلاف على حكمها .. ما هو معنى -الردّة-؟
-
ألغاز سفينة نوح
-
أين يختبىء يأجوج ومأجوج؟
-
أخلاق آدم والعصر الحجرى
-
دخول العرب مصر .. فتح أم غزو؟
-
مشاهد من رحلة الإسراء والعروج
-
بأى جيش طارد فرعون موسى؟
-
الإسلام أو الجزية أو الحرب .. ثالوث الإختيار الشهير بين العق
...
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|