|
حزب الله، ماذا يقاوم؟
جورج كتن
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 11:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نجح مرشحو حزب الله في الانتخابات اللبنانية ضمن تحالفات مع تيارات سياسية معارضة وموالية وافقت على عدم التعرض لسلاح "الحزب"، فنزعه أصبح أمراً متداولاً منذ الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 في الإطار المحلي، والدولي أيضاً، الذي تصاعدت مطالبته بنزع سلاح الميليشيات بناء على القرار 1559، مع تأجيل الدفع من أجل تنفيذه لتمرير الاستحقاق الانتخابي، الذي نقل السلطة من الموالاة إلى المعارضة بناء على التوازنات الناشئة إثر جريمة اغتيال الرئيس الحريري وانتفاضة 14 آذار. الأغلبية الجديدة في المجلس النيابي التي تسعى حالياً لتشكيل حكومتها، متفقة في أكثريتها على اعتبار سلاح "الحزب" مسألة لبنانية تحل حسب اتفاق الطائف ضمن تفاهمات داخلية، بالإضافة لإجماع على رفض تحولها إلى مواجهة مسلحة، إلا أن الحكومة الجديدة لن تستطيع تجاهل الضغوط الدولية التي ستتجدد في تشرين الأول القادم بعد تقديم المبعوث الدولي رود لارسن لتقريره عن مدى تنفيذ قرار مجلس الأمن، الذي قد يصل لفرض عقوبات اقتصادية على لبنان إن لم تفعل حكومته شيئاً لنشر الجيش اللبناني وبسط سيطرتها في الجنوب. يخشى "الحزب" انقلاب حلفائه في الانتخابات على وعودهم بالالتفاف حوله لمواجهة الضغوط الدولية، فهو في وضع صعب بعد أن فقد غطاءه الإقليمي مع انحسار الوصاية السورية على السياسة اللبنانية، وحتى الدعم من وراء الحدود لم يعد سهلاً، فالنظام السوري يواجه ضغوطاً دولية متصاعدة قد تضطره للتخلي عن "الحزب"، حليفه الاستراتيجي. كما أن إيران كمرجعية "للحزب" مالياًً وتسليحياً، ستنهمك أكثر في حل مشاكلها الداخلية بعد نجاح الرئيس المحافظ الجديد، وخاصة الأوضاع المعيشية المتدهورة، وحل مشاكلها الخارجية مع المجتمع الدولي الضاغط لوقف أنشطتها النووية. مأزق "الحزب" يطرح تساؤلات حول أسلوب تعامله مع الأوضاع المستجدة وحول مستقبله، ولا يفيد برأينا مواجهة ذلك بالتوتير العسكري على الحدود مع إسرائيل كما فعل "الحزب" مؤخراً، حيث ثبت لمجلس الأمن أنه البادئ في الاشتباك المسلح، لإشعار جميع الأطراف عشية تشكيل الحكومة الجديدة أنه ما زال يملك القوة لإفشال الحملة لتجريده من السلاح. مثل هذه الأعمال غير المسؤولة إذا تكررت سترفع من وتيرة الضغوط على لبنان، وستزيد الصعوبات في وجه "الحزب" وتعجل بالعمل لنزع سلاحه. لا يمكن فهم تمسك "الحزب" باستمراره كتنظيم مسلح رغم المتغيرات اللبنانية والإقليمية والدولية، فقد تحقق الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي اللبنانية، أما مزارع شبعا فهي أراض كانت تحت السيطرة السورية واحتلت مع الجولان، والنظام السوري لم يسع لترسيم حدوده مع لبنان ولم يعترف في وثائق رسمية ترسل للأمم المتحدة بأنها أراض لبنانية، فمسألتها معلقة بحل الصراع السوري- الإسرائيلي. أمام ضعف هذه الحجة اضطرت بعض قياداته للتصريح بأنه حتى لو حلت مسألة المزارع ف"الحزب" سيحتفظ بسلاحه طالما أن فلسطين والقدس والجولان ما زالت محتلة، وهي ذريعة أضعف من السابقة، إذ أن الطرفين الفلسطيني والسوري يسعيان لحلول سلمية تعتمد على سياسة تفاوضية، وغالبية الفلسطينيين صوتت لرئيس يعمل لوقف العسكرة، كما أن النظام السوري ومنذ حرب تشرين على الأقل، يحافظ على هدوء على جبهة الجولان لم يسمح لأحد بتعكيره، ويسعى لحل سلمي تفاوضي. لذلك فإن قوات "الحزب" يمكن أن تنتقل لسوريا للاستعراض كما حدث في اللاذقية عند وفاة الرئيس السوري الراحل، لكنها من المستبعد أن تنتقل للعمل ضد إسرائيل من جبهة الجولان المقفلة. أما الإجماع اللبناني السابق على دعم مقاومة "الحزب" المسلحة، فسينقلب إلى إجماع على رفض خوض اللبنانيين لمعارك خارجية نيابة عن الأطراف غير اللبنانية. والصراع العربي- الإسرائيلي الذي تفرع لصرا عات منفردة، لن يعود لاستراتيجية الحروب العربية-الإسرائيلية ليكون هناك دور لسلاح حزب الله في هذه الاستراتيجية. ويمكن بالتالي بناءً على المعطيات الراهنة أن يقدم "الحزب" دعمه السياسي للأطراف الفلسطينية والسورية دون الحاجة للاحتفاظ بسلاح ترفض الأطراف ذات الشأن استعماله بالنيابة عنها. تفرد "الحزب" بممارسة العمل المسلح ضد إسرائيل، كان مقبولاً لبنانياً قبل الانسحاب الإسرائيلي، أو ممكناً إثر الانسحاب بدعم من الوجود السوري الذي همش كل القوى السياسية التي دعت لنشر الجيش اللبناني في الجنوب. هذا التفرد لم يعد مقبولاً أو ممكناً في ظل حكومة جديدة لا وصاية عليها، تراعي السيادة التي لا تسمح باستمرار دولة ضمن الدولة. فإعادة فتح جبهة الجنوب ولو من مزارع شبعا فقط مسألة من اختصاص الحكومة اللبنانية التي ستمارس صلاحياتها كحكومة مستقلة في قراراتها، وموقفها المتوقع في مسألة شبعا أن حلها بالوسائل السياسية والدبلوماسية، وأن لبنان، الطرف العربي الأضعف، اكتفى من التضحية والمعاناة نيابة عن الآخرين. شعر "الحزب" منذ زمن بضعف موقفه فتوجه للعمل السياسي وشارك في الانتخابات لإيصال مرشحين لمجلس النواب، انحصر اهتمامهم بالدفاع عن الوجود المسلح "للحزب" وانفراده بقرار الحرب والسلم والهيمنة على الجنوب عسكرياً وإدارياً واجتماعياً. إلا أن عدم الانخراط في الحياة السياسية اللبنانية الشاملة لم يعد مبرراً بحجة التفرغ لمقاومة مسلحة لا تقاوم شيئاً. أما تذرع "الحزب" بأنه ميليشيا وليس مقاومة لتنطبق عليه اتفاقية الطائف فلا يشكل فارقاً، إذ أنه كان ميليشيا خاصة وخاض صراعاً مسلحاً مع أمل والفلسطينيين ويمكن أن يعود لذلك في أي وقت طالما يحتفظ بسلاحه بعد انتهاء التحرير. دخل "الحزب" الانتخابات بناءً على سمعته في تكبيد إسرائيل خسائر مادية ومعنوية، ولكونه لم ينخرط في فساد الطبقة السياسية، إلا أنه لم يطرح برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يعرض حلولاً لمشاكل اللبنانيين التي لا تقتصر على هم مزارع شبعا، وربما لولا التكليف الشرعي والشحن الطائفي كما قيل، والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها التي يقدمها "الحزب" في الجنوب، لتأثرت نتائجه الانتخابية، إذ أن رصيده "المقاوم" في تناقص والناس الآن لا يريدون الموت من أجل مزارع شبعا بل الحياة في لبنان أفضل، وهناك قوى أخرى –التيار الثالث الشيعي مثلاً- ستعمل لكسب الأنصار على حساب "الحزب" إذا قدمت برنامجاً لتحسين الأوضاع المعيشية بعيداً عن الحروب. لن يفيد "الحزب" نصف الاندماج في الحياة السياسية إن تدهورت أسهمه "المقاومة"، ومن الخطأ المراهنة على كسب الوقت في انتظار عودة الوصاية السابقة لاستعادة حرية الحركة، فالتاريخ لا يعود للوراء، و"الحزب" لن يتمكن من الحفاظ على موقعه في المنتصف بين حزب مسلح خارج السيادة ويقيم دولة خاصة، وحزب سياسي مشارك في الحكومة السيادية، فما يؤمن استمراره وجوده البرلماني والحكومي ونشاطه السياسي وليس حيازته للسلاح. لا نعرف أية دولة ذات سيادة لها جيشين مستقلين أحدهما يخضع للحكومة والآخر لحزب سياسي، فالحل الممكن برأينا لاحتفاظ مقاتلي "الحزب" بسلاحهم هو دمجهم في الجيش اللبناني، وهي مسألة حاضرة في الحوار داخل "الحزب" وبين التيارات السياسية الفاعلة، الدمج وليس التنسيق، أي الخضوع نهائياً لأوامر القيادات العسكرية التابعة بدورها للحكومة المنتخبة، بذلك يتحول "الحزب" إلى حزب سياسي ومقاتليه إلى قوة تضاف للجيش لتعزيز قدراته الدفاعية. هل يستجيب "الحزب" لمنطق الوقائع ويغلق جبهته المسلحة ليفتح جبهة التنمية ومكافحة الفساد وإلغاء الطائفية....؟
#جورج_كتن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الازدواجية في ديمقراطية جماعة الإخوان السورية
-
فصائل فلسطينية ترفض مشروع -سيفيتاس-
-
حركة -كفاية- المصرية تتجاوز الأحزاب الأيديولوجية
-
حقوق الأقليات في رؤية الإخوان المسلمين السورية
-
نقد بقايا الأيديولوجيا ومفاهيم الحرب الباردة في وثائق حزب ال
...
-
الهولوكوست اليهودي : حقيقة أم أسطورة
-
حتى لا يكون المؤتمر القطري الأخير
-
المجزرة الأرمنية المنسية في ذكراها التسعين
-
هل يتسارع الإصلاح السوري السلحفاتي؟
-
هواجس معارضين سوريين وعقدة عدم الاستقواء
-
انعطافات هامة في حياة الأيزيديين
-
الربيع السياسي السعودي
-
الزلزال اللبناني - كرة الثلج الديمقراطية
-
لكي لا تتكرر أحداث القامشلي
-
المستقبل للليبرالية: سمة العصر
-
أيمن نور بعد رياض سيف
-
هل تنبع السياسة من صندوق الاقتراع أم من فوهة البندقية؟
-
انتصاران عربيان للديمقراطية والسلام والتنمية
-
عبر لبنانية برسم المعارضة السورية
-
هل يقود إصلاح الأمم المتحدة نحو حكومة فيدرالية عالمية؟
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|