|
في ذكرى التاسع من نيسان
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 00:13
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
ان ما نعرفه من تاريخ أمتنا العراقية الحديثة إنه تاريخ مفعم بالحيوية والشجاعة والأحداث والنبل ، وفي هذا اليوم نتذكر دوماً مناسبتين هامتين بالنسبة لنا كان لله وللقدر وللتاريخ جمعهما وحفظهما والتدليل عليهما من خلال أهميتهما وقيمتهما ، بإعتبار كل واحدة منهما تتجاوز الأطر المعروفة والحدود التي نكتب عنها ونتحدث عنها ونقول فيها : المناسبة الأولى : هي ذكرى إستشهاد العالم الفذ - السيد محمد باقر الصدر - الذي اعدمه نظام صدام في التاسع من نيسان سنة 1980 ، وهي مناسبة نتذكر فيها عبقرية الرجل وخلوصه وصفاء نيته وإنقياده للحق من غير مزاودة ، ولهذا تشدنا ذكرآه نستلهم منها العبر والدروس ومعاني البطولة والفداء والتضحية في سبيل قيم الإنسان وسعيه نحو العدل والحرية والسلام ، وطبعاً لا يفوتنا ونحن في أجواء الذكرى أن ننوه بشيء من الإيجاز بما قدمه الشهيد الصدر للفكر وللعلم عبر جملة إصدارات وكتب وبحوث نذكر منها كتابه - الأسس المنطقية للإستقراء - ، ذلك الكتاب الذي يشدني إليه ويحفز فيّ روح المثابرة والجهد من أجل العلم الخالص والنقد البناء ، وهي مناسبة كذلك تحضنا على رفض الظلم الذي يقمع الحياة ويُصادر الكرامة ويستولي على الفكر ، من خلال الهدر المبرمج الذي كان نظام المقبور صدام يمارسه ضد كل ذي فكر ورأي سديد ورشيد ، ونحن إذ نتذكر بإجلال روح الشهيد نستذكر معه دور المؤوسسات التي كان يدعوا إليها ويحض على التمسك فيها ، ونستذكر دعوته للمراجعة الدقيقة للكتب والدفاتر التاريخية والدينية ، ودعوته للإصلاح وتغيير مناهج التعليم ، وفتح مجال الإجتهاد ليتناول أبواب ما كانت تُحسب على العلم الديني في السابق ، ولهذا نحن نفتقد كل هذه المعاني والروح الوثابة والطامحة لحياة يعيش فيها الإنسان من غير عُقد وتزييف وتشويه وخزعبلات ، ولعلنا في ذكرآه سنتجاوز لغط الأحقيات ونفسح المجال للمشاركة الجادة والإيمان بالرأي والرأي الأخر خدمةً لهدف البناء والإعمار ، مهما كان ذلك الرأي في حدته وفي عدم مألوفيته . والمناسبة الثانية : هي ذكرى تحرير العراق من وحل الطائفية والإستبداد والديكتاتورية وحاكمية الحزب الواحد والرأي الواحد ، هي ذكرى تحرير كنا نريدها كذلك وكنا نتسابق مع الزمن لنبدأ حركة البناء والتجديد فيها ومن خلالها ، لكن ثمة طامة حالت بين هذه الروح وبين زحف جهل الطائفية والمذهبية والأنا المزيفة التي تحكمت فينا وسادت ، بحيث حولت إنساننا وأرضنا إلى يباب ، فسالت أودية من الدم ، تخالف فيها المجتمع الواحد وتباعدت رؤى الناس وصرنا جزر ممزقة ، وكلما سعينا للم الشمل من طرف يفرط من طرف أخر ، وكلما سعى مخلصون لرتق الفتق تمزق بفعل من لا يريدون خيراً للعراق وهم كثير . التاسع من نيسان يجب أن نعتز به على سوآته ، لأنه أسس فينا نهجاً لما يمكن تسميته بالتدريب على الديمقراطية ، علمنا إن هناك في بلادنا ثقافات وأقوام يجب علينا إن نحترمهم ونحترم ثقافاتهم ، وعلمنا ولو بشكل خفي وعلى إستحياء إحترام الآخر المختلف ، وعلمنا إننا يمكن أن نبني بلدنا على نحو أفضل وأجمل ، إن أحسنا النية وآمنا بالمصير المشترك والعيش المشترك ، وتجاوزنا عُقد الماضي وعقد الأحقيات ، وتوجهنا للوطن نبنيه عاكسين الآمال والطموحات في الواقع مُحولين التطلعات إلى حقايق ، وشعبنا وبلدنا يستأهل كل خير وكل تضحية ، وهنا سنشير من غير مواربة إلى وجوب إيمان الأخوة السُنة في العراق إلى حقيقة التغيير والتبديل ، تلك الحقيقة التي هي سنة طبيعية وتاريخية وإلهية ، وليس من المعقول فيها نفي الشيعة وعدم الرضوخ لحكمهم فهذه مغالطة وتجاوز وسير عكس التيار ، فالشيعي والسني هما واحد ويجب ان يكونوا كذلك في بناء المستقبل والحياة ، وعليهما إزالة و تحويل الحواجز والعقبات القائمة في طريق نهضتهما ونهضة العراق ، عبر العمل الجاد والإعتماد على الوسائل الحديثة والإيمان بقدرتهما على تجاوز كل المعوقات من أجل الإقتراب من الغاية والهدف المرصود . والأمة العراقية في ذلك تمتلك القدرة على تجاوز مشاريع التجزئة التي يُعمل عليها بالسر والعلن من فرق الإرهاب والطائفيين ، الذين يغذون الانقسام في بلادنا عبر تشكيل الأحزاب والمنظمات التي تدعوا الى تشكيل الممالك والإمارات ، في ذكرى التاسع من نيسان لا بد من تشجيع كل إرادة تحارب الإرهاب وفرق الموت من مُعطلي الحياة والبناء والقوانين ، صحيح إن الأمة العراقية خرجت للتو من حروب مدمرة ، ولكنها لم تخرج بعد من نزاعات تُفرض عليها لتجعلها هشة مُنقادة ضعيفة ومكبلة بقيود تحد من تطلعاتها ، كما ثبت بالدليل إن كُثرة القيادات لا يخدم هدف الديمقراطية ، بل يجعل من التنازع فيها سنة وحياة وهذه معضلة كبيرة وإشكالية عويصة ، لهذا لا نجد بأساً من تأييد دعوة الأخ رئيس الوزراء لتشكيل حكومة أغلبية ، وهي ليست دعوة دكتاتورية بل هي أغلبية منهاجية وأغلبية عملية وخدماتية وليست أغلبية مذهبية أو طائفية كما قد يتوهم البعض ، هذا إن آمنا بالتغيير وإسترجاع الهمة والقوة والمكانة التي تلاشت بفعل هذا التدافع السلبي بين الأحزاب والمنظمات والشخوص ، تدافع وسعي من أجل النفوذ والسيطرة وكسب المال لا من أجل الخدمة والبناء والإعمار ، ظهر ذلك في النهب المبرمج والتحايل والمباهات والفخفخة الكذابة . إذن لتكن ذكرى التاسع من نيسان محطة لتغيير دقيق يشمل كل فاسد وكل متهور وكل عابث أو صانع فتنة ، ولتتوجه الأمة في إنتخاباتها المقبلة لتُحكم عقلها وضميرها وتتجاوز المرتشين والمتصنعيين الذين يعبثون بالإنسجام والروح الوطنية ، إن الإنتخابات المقبلة لا بد أن تكون فيها إرادة الشعب حاضرة بوعي لكي تُقدم ما تجد فيه الصلاح والنزاهة والأمانة والعفة من المتقدمين للإنتخابات ليكون ممثلاً صادقاً لهم في البرلمان ، ولكي لا تفرض عليهم إرادة أو حكومة كلٌ يجر فيها بالطول والعرض فلم تنجز ولم تحقق ولم تحاسب ، إننا نأمل ونتمنى أن تُنتخب حكومة تتقيد بارادة الشعب وتعبر عنها بصدق وامانة. في ذكرى التاسع من نيسان نتذكر الاستقلال الذي نتمتع به اليوم ، كما نتطلع اليوم لتحقيق الآمال لأننا في العراق إنما سعينا جميعاً لكي نحصل على حريتنا وعلى كرامتنا وعلى عيشنا الرغيد ، وهذا هو الإستقلال الذي كنا نطمح به وندعوا له ، وبجهدنا كذلك تم تحرير الإرادة العراقية لكن الشيء الذي يُنغص علينا حياتنا هي هذه الحواجز الطائفية والمذهبية وترسيخ ثقافة الجهل ، عبر توزيع الأدوار على أنصاف المتعليمن والأميين لكي يلقنوا الناس دروساً في الوطنية التراثية وحكم من سبق ، وسنظل نقول إن القدر والله قد جمع لنا مناسبتين ليكون هذا اليوم بالنسبة لنا ولتاريخنا يوماً يحقق لنا ما نصبو له من الإنتصار للحق ونصرة المظلوم وجهاد الظالم ، وهنا يكون للذكرى دور وقضية وحياة شعب ليس لنا فقط بل لكل من ناله ضيم وقهر وإستعباد وذل ، وهنا يكون للذكرى معناً إيجابي نستلهمه ونعيشه وندلل عليه ونفتخر به ومن أجله .
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة الفشل في الكويت
-
في عيد المرأة العالمي
-
بيروسترويكا مقترحة
-
لازم الأمن في العراق ولبنان
-
ما بين الليبرالية الديمقراطية والإيمان
-
الثورة الإيرانية بعد 35 عاماً
-
معركتنا مع الإرهاب
-
مؤتمر جنيف 2 ليس حلاً
-
قصة رجوع الشمس لعلي علية اسلام
-
قراءة في كتاب ( الغلو والتطرف في الفكر الآسلامي - للشيخ آية
...
-
قراءة في كتاب ( الغلو والتطرف في الفكر الآسلامي - للشيخ آية
...
-
لماذا الضاحية الجنوبية ؟
-
أهلاً 2014
-
العراق بين إرهابين المطر والتفجير
-
قول في الشعائر الحسينية
-
جواب عن سؤال في الإنتخابات
-
لماذا يستهدف الأمن في العراق ؟
-
وهل يجوز اقتناء الكلاب في البيوت ؟
-
الرئيس الإيراني والواقعية السياسية
-
لاتضربوا سوريا
المزيد.....
-
العراق.. تبرئة ضابط أدين بقتل متظاهرين في -مجزرة جسر الزيتون
...
-
لا سبيل لمواجهة السياسات اللاشعبية سوى بالمزيد من تنظيم وتقو
...
-
الجبهة الشعبية: تتوجه بالتحية إلى المقاومة والشعب اللبناني
...
-
الدفاع التركية: تحييد عنصرين من حزب العمال الكردستاني شمال س
...
-
أكاديمي أميركي: وصف ترامب لهاريس بأنها شيوعية يظهر قلقه الوا
...
-
تجديد حبس للصحفي ياسر أبو العلا 15 يوم.. وممدوح والخطيب أمام
...
-
أحزاب يسارية تدشّن الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية تحت شعا
...
-
حبس 15 يوم لمعتقلي “بانر فلسطين”
-
افتتاحية: للجفاف أسباب اجتماعية وطبقية
-
الغارديان: المحافظون صنعوا مستنقعا معاديا للإسلام لكن حزب ال
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|