|
ديون العالم الثالث!!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 23:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تكبّل أعناق دول العالم الثالث ديون مرهقة وثقيلة، لا تستطيع هذه البلدان الإيفاء بها أو حملها، وهذه الديون تم الاتفاق عليها بشروط مجحفة، فرضتها بلدان الشمال الدائنة، الغنيّة، الصناعية، على بلدان الجنوب المَدينَة، الفقيرة، "النامية"، وإذا شئت المتخلّفة، التي اضطرت إلى الموافقة عليها بطريقة أقرب إلى "الإكراه"، حيث ارتهنت مواردها وثرواتها لغرض الحصول عليها، في شروط غير متكافئة، بل إن قسمها الأعظم يتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولاسيّما اتفاقية فيينا حول "قانون المعاهدات لعام 1969"، التي تشترط لإبرام المعاهدة أو الاتفاقية طرفين متكافئين، وأن تتم دون إكراه أو تدليس أو غير ذلك من عيوب الرضا التي تنتقص من الارادة الحرّة، ولعلّ مثل هذه الشروط الرئيسة غائبة عن اتفاقيات الديون التي وقعتها الغالبية الساحقة من دول العالم الثالث "النامية" والدول والمؤسسات الدولية الكبرى. وكانت أزمة الديون قد طرحت على بساط البحث منذ العام 1982، بتعمّق التفاوت الاجتماعي والفوارق التنموية الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية بين العالم "المتقدم" والعالم "المتأخر"، حيث تتفشى في هذا الأخير مظاهر الفقر، التي أخذت تتعاظم حتى بلغت دون خط الفقر لفئات واسعة من السكان، إضافة إلى التخلف والمرض والأمية وتدمير البيئة وغير ذلك. وفي العقود الأربعة الماضية، بدأت ترتفع الكثير من الأصوات التي تطالب بالإلغاء الفوري للديون غير العادلة، وتدعو الدول النامية للامتناع عن تسديدها، فإضافة إلى شروطها الاقتصادية النيوليبرالية غير العادلة، فإنها كانت سبباً مباشراً في تفجير الأزمة الدولية في مطلع الثمانينيات وما بعدها، الأمر الذي زاد البلدان والفئات الفقيرة فقراً، وتكلّلت الجهود بالنجاح في العام 1989 بإطلاق شبكة دولية مدافعة عن العالم الثالث، موزّعة على أربع قارات، وتنشط فيها مئات المنظمات والشخصيات الفاعلة، وتتحدّد وظيفتها منذ انطلاقتها في بحث مسألة الديون الواجب إلغاؤها وإعداد بدائل مناسبة، والدعوة إلى علاقات دولية أكثر عدلاً، تقوم على مبادئ احترام السيادة والتعاون بين الشعوب على أساس مبادئ حق تقرير المصير والمساواة والسلام واحترام الطبيعة (البيئة) وغير ذلك. لعلّ دراسة المستجدات والمتغيّرات في الوضع الدولي في العقد ونصف العقد الماضي مهمة جداً لجهة تحديد الديون العمومية الداخلية والخارجية، التي بدأت ترتفع بشكل كبير، من جانب مجموعة الدول السبع الكبار وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهذه المؤسسات كلّها تعمل على خدمة القوى الكبرى المتنفّذة في العلاقات الدولية، الدائنة للعالم الثالث التي تزداد ديونها وتكبر، مثلما تشتد قيودها وتتعمق بالنسبة للبلدان النامية، سواء في أمريكا اللاتينية أو في آسيا أو أفريقيا غيرها من البلدان. وإذا كان المطلوب رفع درجة مناعة شعوب ودول العالم الثالث، فإن الأزمة العالمية المالية والاقتصادية قد زادتها تصدّعاً، لا سيّما تأثيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية والغذائية والطاقة والمناخية والبيئية، وقد درست الشبكة الدولية هذا الواقع في اجتماع مهم إلتأم في المغرب في العام الماضي 2013، وتوقفت عند تأثير الأزمة العالمية خلال السنوات الخمس الماضية على البلدان النامية، بما فيها ارتفاع نسبة البطالة وفقدان عشرات الملايين وظائفهم وتأثيرها على القدرة الشرائية واتّساع التفاوت والفقر وانفجار الدين العمومي والهجوم على النقابات وتقليص دائرة الحقوق المدنية والسياسية، والمسألة لا تخصّ العالم الثالث فحسب، بل إن بعض مظاهرها كانت أوروبية. وكانت الشعوب الأكثر تضرّراً في الغرب هي: اليونان وإيرلندا وإيسلندا والبرتغال وإسبانيا وقبرص ورومانيا والمجر ودول البلطيق (لتوانيا ولاتفيا بشكل خاص) وبلغاريا وإيطاليا، علماً بأن الديون التي تم فرضها من ذات الدول والمؤسسات الدولية في السابق على البلدان النامية وتسبّبت في أزمة العام 1982، يتم اليوم فرضها بشروط أقسى من جانب الدول الدائنة والجهات الاقتصادية المتنفّذة في العلاقات الدولية. يبلغ عدد الجياع اليوم أكثر من مليار إنسان، وكانت بدايات الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة قد أضافت نحو 120 مليون إنسان إليهم، فانضموا إلى قائمة دون خط الفقر، حيث لا يزيد دخلهم اليومي على دولارين، وهذه هي النتائج المباشرة لسياسات دول الشمال والشركات الصناعية الغذائية العالمية ما فوق القومية والمؤسسات الدولية الكبرى، التي ساهمت في أزمة الغذاء والطاقة، خصوصاً بالغاء الدعم على بعض المواد الغذائية التي اضطرّت إليها العديد من البلدان، ناهيكم عن تغييرات المناخ، إضافة إلى الصراعات الإقليمية. وقد لجأت هذه البلدان المتقدمة إلى استخدام الديون الخاصة من جانب المؤسسات الدولية مثل: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية، بهدف ابتزاز البلدان النامية وإثقال كاهلها بالديون، وحُرمت الكثير من العوائل من منازلها التي اضطرّت إلى التنازل عنها؛ لعدم قدرتها على الإيفاء بديونها للبنوك، لا سيّما في أمريكا وإسبانيا وإيرلندا. إن الديون اليوم في كل من دول الشمال والجنوب، تشكّل آلية لنقل الثروات التي أنتجت بفضل جهود العاملات المنتجات والعمال المنتجين، إلى جيوب الطبقة الرأسمالية المستفيدة منها، حيث يتم "استخدام الدين من قبل المُقرضين كأداة للهيمنة السياسية والاقتصادية التي أصبحت تمثل شكلاً جديداً من أشكال الاستعمار". ويتطلّب إلغاء الديون عدم الاقتصار على منطقة معينة من العالم أو جزء منه، كما لا ينبغي أن يشمل نوعاً معيّناً من الديون، بما فيها ديون الأفراد، بل لا بدّ من العمل على إلغائها جميعها، وبذلك ستكون الحاجة كبيرة إلى تضافر الجهود الأوروبية مع الجهود اليابانية، والجهود العربية مع الجهود في دول أمريكا اللاتينية ودول أفريقيا وآسيا، أي دول الشمال والجنوب، لإلغاء جميع ديون العالم الثالث وجميع الديون غير الشرعية. وكان اجتماع بيليم (البرازيل) مناسبة مهمة لتجديد هذا التحرك (2009) حيث اجتمع نحو 130 ألف شخص وطالبوا بإلغاء الديون باعتبارها غير شرعية وغير عادلة وأن الاتفاقيات التي قامت عليها غير متكافئة، وأكد الاجتماع عن عزم المجتمعين، على النضال من أجل العدالة الاجتماعية (الاشتراكية) ومكافحة العنصرية ودعم نضال المرأة والدعوة إلى بيئة نظيفة، إضافة إلى احترام مبادئ السيادة والمساواة وحق تقرير المصير. إن خطوة التوقف عن دفع الديون والامتناع عن الاعتراف بها تشكّل اليوم تطوّراً مهمّاً على الصعيد العالمي، وهو ما اتخذت منه دولة الأكوادور عنواناً لتحركها، حين قررت كيتو بدعم من الشعب وبعد تدقيق للديون عبر لجنة اختصاصية، أن تخفض عبء هذه الديون بشكل كبير منذ العام 2009 بقرار من جانبها باعتبارها ديوناً عادلة، وهو ما سارت عليه بوليفيا وفنزويلا وإلى حد ما الأرجنتين، وكادت هندوراس أن تسلك هذا الطريق وكذلك الباراغواي، لولا الانقلاب العسكري الذي حصل فيها. ويلاحظ أن هذه البلدان إضافة إلى تشيلي والسلفادور ونيكاراغوا والبرازيل كلّها شهدت تغييرات جوهرية جاءت باليسار إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع. وشهدت بعض بلدان أوروبا الشرقية مثل هذه التحركات، إضافة إلى إيسلندا واليونان وإسبانيا وفرنسا، حيث قامت فيها حركة اجتماعية مطالبة بإطفاء الديون. وهناك مطالبات بإلغاء ديون تونس ومصر والباكستان (والأخيرة بشكل خاص بعد أحداث الفيضانات المدمّرة)، مثلما نشطت الحركة في الكونغو الديمقراطية، وخصوصاً بعد انعقاد مؤتمر دكار العام 2011، وكان لأحداث الربيع العربي دور مهم في المطالبة بإطفاء هذه الديون غير العادلة. ولا شكّ أن الصراع الدولي والطمع في الحصول على المواد الأولية عزّز من دور التدخلات العسكرية المسلحة التي أثارت الكثير من الاشكالات لدول العالم الثالث، ففي أفريقيا حدثت تدخلال عسكرية خارجية سافرة في الفترة الأخيرة شملت (مالي، ساحل العاج، الكونغو إضافة إلى ليبيا وغيرها). لقد ارتفع الدين العمومي الخارجي والدين الداخلي والدين الخاص خلال الخمس السنوات الماضية، وهذه الديون تترافق مع ارتفاع الضرائب وتخفيض سعر الفائدة، إضافة إلى الدور الصيني الجديد المثير للالتباس أمريكياً بشكل خاص. ولنا في تجربة الأرجنتين التي عانت من الركود الاقتصادي الحاد 1999 -2001 فاندلعت انتفاضة شعبية اطاحت بالرئيس دي لاروا (ديسمبر 2001) وقرّرت تعليق دفع ديونها الخارجية العمومية البالغة 90 مليار دولار، مع إجراء إصلاحات داخلية، كما قررت الأكوادر بعد انتخاب الرئيس روفائيل كوريا العام 2007، تعليق ديونها بعد قرار لجنة مختصة اعتبارها "ديوناً غير شرعية"، كما رفضت إيسلندا "تسوية" الديون التي تطالب بها بريطانيا وهولندا. لكن هذه الحركات والاحتجاجات، كلّها تحتاج إلى عمل شعبي مواز للدفاع عنها، لا سيّما ما له علاقة باحترام حقوق الإنسان بالقضاء على الجوع والفقر وعدم المساواة واحترام حقوق الشعوب في التنمية والقضاء على الارهاب والعنف والتطرف، تلك المشكلات التي هي الأساس في ديون العالم الثالث.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المصالحة الوطنية وتجربة إيرلندا
-
مفارقات فنزويلا!
-
أوباما – بوتين.. دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية
-
تونس: صراع ما بعد الاستعصاء
-
الدستور والدستورية في الفقه العربي الحديث- استعادة مستقبلية!
...
-
خليج ما بعد الأزمة
-
ليس للحب من وطن!
-
عندما تفقد روسيا أوكرانيا فإنها تفقد عقلها
-
واشنطن والأمن الإنساني
-
السلفادور وثورة صندوق الإقتراع
-
المفكّر وحيداً .. لكنه جامع!
-
جولات كيري المكوكية وحق تقرير المصير
-
الهوتو والتوتسي ورسائل العدالة !
-
مدينة تتعدّى المكان وتتجاوز الزمان
-
من أوراق الجنادرية
-
بعد 40 عاماً ...حين يتجدد السؤال
-
عبد الحسين شعبان يسلّط الضوء على فصل ساخن من فصول الحركة الش
...
-
مقتدى الصدر والعزلة المجيدة
-
الجنادرية والمواطنة الافتراضية
-
مصر تحتاج إلى مشاركة المهزوم لا الانتقام منه
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|