ابوزياد الورفلي
الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 13:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يوجد احد في ليبيا اليوم كبير كان آو صغير , رجل آو امرأة , آو حتى بين بين غافلا عما يفعله تنظيم الإخوان المسلمين بهذا البلد وغيره من البلاد المجاورة , ومع محدودية تنظيم الإخوان المسلمين شعبيا إلا انه الأكثر حضورا ونفوذا تدعمه جماعات أكثر منه تطرفا دينيا يوحد فيما بينها عدو مشترك وهو (الأخر) , والأخر هنا هو كل من لا يساندهم ناهيك على أن يختلف معهم ..!!
يظل تنظيم الأخوان المسلمين في ليبيا اليوم هو التنظيم الوحيد المؤهل نظريا وتنظيميا للاستفراد بالمشهد الحالي في زمن التحولات الكبرى والانحراف نحو اليمين المتطرف والرجعي على حد السواء لأسباب سنتطرق لها في سياق مقالنا هذا.
يعود تاريخ التنظيم إلى عشرات السنيين قضاها في العمل السري منذ نشاء ته وحتى هذه اللحظة , والعمل السري بطبيعته كتوم ومخادع وتأمري في معظم الأحيان وهو العلامة المميزة لحركة إخوان ليبيا وشقيقاتها, بالرغم من أن حركة الأخوان المسلمين و"حلفائها الأكثر عنفا وتطرفا " استطاعوا السيطرة على ميكانزمات صناعة القرار بالقوة وبالفتوى وبصناديق الاقتراع , أي أنهم استخدموا كل الطرق للوصول للسلطة, إلا أنهم لم يستطيعوا إقناع الناس لا بفكرتهم ولا بمشروعهم ولا بخطابهم ولا بطريقة عملهم, وفاتهم إن العمل السري تحت الأرض وفي كهوف تورا بورا لا يجعل منهم سوى أهل " للكهف" . يحاولون إرجاع الناس إلف عام للوراء لا نهم لا يعرفون سوى الخطابة والدماء.
لا يكترث إخوان ليبيا لغضب الشارع منهم ومن مشروعهم طالما أن الشارع لا يملك تنظيمات حقيقية قادرة على مجابهة الإخوان , يل أن ما يجمع الأخوان مع كثير من الناس هو تهكمها وسخريتها من مئات " الأشكال" التنظيمية الموجودة على الساحة اليوم مجتمعات مدنية ومجتمعات قبلية, شيوخ وسفهاء, تنظيمات عائلية وأخرى شوا رعية , حماة للبيئة وحماة للمستهلك , أحزاب في " القمة" وأخرى ليست بعيدة عنها , انتلجنسيا وانتربرايز , فكلهم فرادى آو مجتمعون لا يشكلون خطرعلى الأخوان طالما إنهم مجرد رعاع, وثرثارين على التلفزيونات, ومتبجحين قي الشوارع والمرابيع وسرادق العزاء آو على صفحات الانترنت وغير منظمين, حيث من السهل تخويفهم بالفتاوى وعذاب اليوم الآخر, ويمكن إسكاتهم بمنحة للمولود الجديد , ومحاصرتهم وتتبعهم " بالتقنيات الرقمية " بل حتى قتلهم ومنحهم شهادة " الشهادة" وضمهم لوزارة الشهداء.
يستمر الشارع في الانقسام عموديا وأفقيا في متوالية لانهاية لها بين جرذان وطحالب , وبين ثوار وأزلام, وبين مدن مهزومة وأخرى أكثر هزيمة, وبين بين وبين بين , في كثير من الأحيان لا يبذل الأخوان جهدا كبيرا فهناك من يقوم بعملهم وهو تفريق وتمزيق " الآخر" الذي هو الجحيم بالنسبة لهم وجوديا, فالسفهاء والمجرمين هم سراة القوم في ليبيا الجديدة ويتكفلون بذلك على أكمل وجه أو على أي وجه لا يهم. .
ارتفعت أسهم الإخوان المسلمين سريعا بعد ثورات الربيع/الخريف العربي واستطاعوا مدججين بالمال وبالفتاوى وبإعلام الجزيرة وبميليشيات مسلحة الوصول إلى سدة الحكم " والى سدرة النفط " في دول شمال إفريقيا " مصر وتونس وليبيا", لكن سرعان ما بارت بهم السوق وأضحت بضاعتهم كاسدة لا يريدها الناس لأنه وببساطة ليس لديهم بضاعة أكثر من السيطرة على مقاليد السلطة وتوظيفها لخدمة أفكارهم الرجعية بامتياز و " تمكين" رجالهم من كل مواقع صنع القرار مهما كان حجمها وأينما كان مكانها , يجب الاستيلاء على البلد وبسرعة هذا حلمهم او كابوسهم , ولكنهم سقطوا وبسرعة وبخيبة آمل كبيرة . كان السقوط في مصر مدويا وصاخبا ومفصليا , تم إسقاط الرئيس , وسجن زعاماتهم, وتجريم تنظيمهم , وحصار مواردهم المالية والتهم الإعلامية , وأصبحوا يختبئون من الناس ومن الشمس ومن الحقيقة إي إنهم عادوا إلى عملهم الأصلي وهو " العمل السري" .
استفاد إخوان تونس من التجربة المروعة لإخوانهم في مصر وتداركوا الأمر بمنهجية مكيافيلية تستوجب استحضار كل الذرائع تميز بها قادتهم عبر تاريخهم وسلوكهم فقاموا بانسحاب " تكتيكي " من مواقع السلطة حتى تمر العاصفة بأقل خسائر ممكنة وعندها لكل حادث حديث , لم ينسحبوا بصمت بل حاولوا ترك أثار لخطاهم ولمزايداتهم عندما قال زعيمهم قولته المشهورة ( لقد خسرنا السلطة ولكننا كسبنا الوطن ) التي يطبل لها اليوم الكثير من النخبة وتستعين بها أخرى في محاججتها باعتبارها مثلا يحتذى به وليست مجرد مناورة مكشوفة .
بينما يضيق الخناق على إخوان تونس ويزداد ضيقا على إخوان مصر حتى إنهم بالكاد يتنفسون وهو نتيجة متوقعة لوجود قوى معادية للإخوان ومنظمة بشكل عتيد ولديها مشروع توافقي يحظى بإجماع الكثير من الناس , يستمر الإخوان في ليبيا " وحلفائهم الأكثر تطرف" في مهاجمة الدولة والمجتمع والسعي بكل الوسائل للسيطرة على كل مواقع صنع القرار , مستندين في ذلك على عدة عوامل يعتقدون إنها قادرة على تحقيق غاياتهم , تتمثل هذه العوامل في عقلية تآمرية لا يستطيعون فك الارتباط معها فهي إيقونتهم وعلامتهم المميزة, والاهم هو أنهم يعتمدون على غياب التنظيمات المعارضة لهم بشكل فاعل وواعي ويمكن أن يلتف حولها الناس وتكون ندا قويا و"وطنيا" لحركة الإخوان " الأممية" , يعتبر المال الذي استطاعوا التحكم في آليات صرفه بشكل كبير أداة مهمة جدا لشراء صخب الناس وتذمرها ورفضها للإخوان, وبطبيعة الحال استطاعوا السيطرة الفعلية على قنوات إعلام النظام السابق وسخروها لخدمة غاياتهم بل انشئوا وسائل إعلامية متنوعة وفاعلة إلى حد ما لاستخدامها من ضمن ترسانتهم, لم يفرط أخوان ليبيا في أهم وسيلة لإخضاع الرعاع/الدهماء وإجبارهم على الطاعة وهي استخدام العنف , منذ ما قبل سقوط ألقذافي كان الإخوان يدركون جيدا أهمية السيطرة على اكبر قدر ممكن من السلاح والتحالف مع ممن يملكون جزء كبير منه والأمر واضح وبين , بل لم يتوقف عند هذا الحد فكلنا نعرف أن الحركات الإسلامية هي من تسيطر على مواني جوية وبحرية ويتحكمون بمن يدخل وماذا يدخل ومتى واين وكيف؟ لم يعد سرا على احد تزويد حركات الإسلام السياسي في ليبيا من قبل حلفائها الإقليميين بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة من اجل المعركة القادمة لإعادة أمجاد خلفاء المسلمين على غرار يزيد بن معاوية وابوجعفر المنصور ( السفاح ) .
ومع ذلك وبالرغم من استيلاء الإخوان وحلفائهم على مقدرات البلد السياسية والإدارية والمالية والإعلامية والعسكرية و" تمكين " رجالهم في كثير من مفاصل الدولة , إلا أن الخناق يزداد ضيقا عليهم يوم بعد يوم , يرفضهم الناس وترفضهم الأرض ويرفضهم المستقبل , استخدم الإخوان كل أسلحتهم مرة واحدة ودفعة واحدة , لم يبق في جعبتهم سوى العنف الذي نراه ونسمعه كل يوم في عمليات الخطف والتفجير والاغتيالات والفتاوى والأموال التي تسرق , لم يعد بإمكانهم آن يغطوا عورتهم التي كشفها عقلهم التآمري ألظلامي وسيسقطون عما قريب , لا يحتاج الأمر سوى الخروج للشوارع والساحات والاحتجاج ومزيدا من الاحتجاج حتى سقوط الأخوان وحلفائهم .
#ابوزياد_الورفلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟