|
الإنسان السعيد لا يشيخ !!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 18:10
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
الإنسان السعيد لا يشيخ ! ــ رغم أني أُحلت رسميا على المعاش ، بعد انصرام الستين سنة التي مرت لحظاتها ، في أحينا كثيرة ، في تثاقل مميت ، وفي أحيانا أخرى بسرعة جنونية ، محملة بالكثير من الأمل في العديد من أيامها ، التي لم تخلو من الآلام في العديد من لحظاتها . ــ فإني لم أع إلا مؤخراً ، وفجأة ، أني قد تجاوزت نصف قرن وعقد ونيف من الزمان ، لم أشعر خلاله بثقل السنين على كاهلى ، ولم أحس بوطأة التقدم في العمر يلاحقني ، كما لم استشعر أبدًا ببرودة الشيخوخة تستوطن مفاصلي ، حيث كنت ، وإلى حين قريب ، لا أعرف الفارق بين ابن الأربعين وابن الستين ، وظللت أناطح التحديات المادية والمعنوية ، وأتجاوزها بمزيد من المقدرة والوصل إلى الأهداف في كل ما أبدأه من أعمال أنهيها بتفوق ، دون أن اكترث بالنظر إلى الوراء -الضروري في هذه المرحلة الحساسة من العمر- لاستيعاب دروس ما مضى من الزمان بين مزيج غير متجانس من الفرحة والحزن ، الألم والأمل ، الانتصار والانكسار ، والتطلع بثقة إلى مستقبل أسعد ، لم أحياه ، كبقية بني البشر ، الذين يقضي جلهم العمر كله يأملونه دون جدوى ، كما في قول باسكال : "فنحن لا نحيا أبدا ، بل نأمل أن نحيا…" و "إننا لن نغدو سعداء أبدا طالما بقينا نروم دائما بلوغ السعادة " .. أو كما في قول بوذا : "إن الحياة كلها ألم ليس بمقدورنا أن نتخلص منه ، إلا إذا تخلصنا أولا من آمالنا ". ومع هذا وذاك ، ورغم أنه ليس في مسيرة الستين عاما ونيف من عمري ، والذي أمضيت جلها بين الإحباط والتفاؤل ، الحلو والمر ، ما يدعو إلى الفخر ، فإني كنت ولم أزل فخورا بكل ما حققت خلالها من نجاحات ، على قلتها ، وراض على ما لم يتحقق فيها ، نتيجة أخطاء لم أخجل يوما من الاعتراف بها ، والاعتذار عنها ، لأنه من المستحيل أن يُعثر من بينها على ما يثير الخجل ، أو ما يستدعى الإخفاء ، لكونها لم تكن فى مجملها عن عمد أو سوء نية ، وكانت وليدة ظروفها ونتيجة ملابساتها ومحصلة تفاعلات اللحظة التى كانت (راهنة)، بكل ما فى الظروف والملابسات واللحظة من إكراهات وتحديات ، حيث لم أفعل قط ، ولم أقل يوما بغير ما كنت ولازلت مقتنعا به ، ولم أتأرجح بين المتناقضات ، ولم أمسك عصا من منتصفها ، وربما لم أمسك عصا أصلا فى حياتي بغية إخافة أحد أو رهبة من أحد -حتى وأنا أمارس السياسة والنقابة ، التي تحتمل مثل تلك الممارسات الهجينة ، أو وأنا بداخل فصول الدرس خلال الاثنين والثلاثين سنة التي قضيتها كأستاذ للغة العربية وآدابها. ــ صحيح أنه قد يتقدم الإنسان في العمر ، بل ويطعن فيه ، وينقلب حاله ، وترتد قدراته ، ويضطر إلى تغيير عدسات القراءة المرة بعد المرة ، وتتراجع قواه متجهة نحو الضعف والوهن ، إلى درجة لا تقوى معها ساقاه على حمله ، ويضطر إلى الاستناد إلى عكاز أو إلى ذراع بشرية ، فينتكس في خلقه ويصير كمن انقلب رأسًا على عقب ، وتعتريه كل أحوال التدهور والارتداد ، وتشمل كافة التغيرات الظاهرة والخفية لكافة التركيبات والأنشطة والبدنية. ، مصداقا لقول الله تعالى: وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُون" يس 68 . ومع كل ذلك ، فالإنسان لا يشيخ إلا إذا فقد قدراته العقلية أو جانبًا من تلك القدرات ، ولم يعد يقوى على تحقيق الذات وإضفاء معنى للحياة السعيدة الوجدانية ، وتحديه الشعور بالافتقار إلى معنى الوجود ومسوغَّه الناتج عن الشعور بأن وجوده زائد على حاجة البشر ، وأن الستار أسدل ولم يعد له دور يؤديه ، وشكه في أن التقدم في العمر حالة من القدرة وليس حالة من العجز ، وعدم يقينه بأن الشيخوخة ليست مرحلة من مراحل العمر ، وإنما هي حالة نفسية وليست بالضرورة حالة فيزيائية ، وإنها مرض لا يصيب سوى الإنسان المريض ، إن هي ظهرت قبل الأوان . ــ ورغم ان تقدم الإنسان في السن عملية متداخلة معقدة بين الوراثة الجينية والمحيط والنظام الغذائي وعوامل عدة متعلقة بالإجهاد ، فإنها مرحلة لابد أن يعيشها المرء - الطفولة والبلوغ والشباب ثم الشيخوخة - ولا يمكن لأي أحد فينا إيقافها أو تأخيره ، إلا أن الإنسان لن يشيخ طالما ظل عقله يضفي على وجوده معنى ، يمكنه من نيل السعادة الوجدانية بكل ما يملك من طرق ووسائل متعددة للوصول اليها ، وعلى رأسها وأنجعها جميعها ، عدم الخلط بين مفهوم الشيخوخة وكبر السن ، والتيقن الهادئ بحقيقة "أنه ليس كل كبر في السن شيخوخة " كما قال الوزير البريطاني "ويب" في كلمته في المعهد الفكري "تشاتم هاوس": "الفكرة أن سن الـ59 هو سن الشيخوخة يجب أن تصبح ثقافة الماضي لا المستقبل. يجب أن نتحدى الإدراك السائد بخصوص التقدم في العمر". وأضاف قائلا : " يجب أن ينظر إلى ذلك بأنه شيء من الماضي ، وبدلا من ذلك علينا أن ننظر إلى المستقبل بأن له خيارات وفرصا جديدة ". المقولة مقبولة جداً ومفادها منطقي جدا ، لأن مثل تلك الثقافة والتفكير الجديدين ، تجعلا المتقدم في السن يتقبل أن عليه مزاولة نشاطاته الحياتية والعملية لفترة أطول ، حتى يتجنب معاناة الشيخوخة ويحقق بذلك ذاته الحقيقية ويرضي وجدانه ويعيش البهجة والراحة الباطنية باستمرار رغم وجود تحديات وظروف الحياة الصعبة ، ويسعد باهتماماته المتنوعة وعلاقاته الاجتماعية العديدة مع الناس من كل الأعمار وليس مع المسنين فقط ، لأن الإنسان لا يكون سعيدا إلا بقدر ما يستطيع تحمله من المشقة والعناء وربما السأم أحيانا .. حتى يتجنب ما أصاب زهير بن أبي سلمى من سأم وملل عبر عنه في البيت الشاعر الشهير: سئمتُ تكاليف الحياةِ ومن يعش==ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم ! حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدراجة الهوائية وسياسينا !!
-
لماذا أدمن ركوب القطار !! (5)
-
لماذا أدمن ركوب القطار !! (4)
-
الإعدام جزاء من جنس جريمة !!
-
فضيحة الشكلاطة
-
رد على اللواتي اتهمن حاسوبي بالتحامل عليهن!!
-
المراحض العمومية والسياسة !!
-
لماذا أدمن على ركوب القطار ؟؟؟ (3)
-
هل تحرن الحواسيب هي الأخرى ، كالحمير !!
-
لماذا أدمن على ركوب القطار ؟؟؟ (2)
-
سحقا لك حظي الوغد ، ما أتعسك !
-
الحدائق تتحدث دون وسيط أو مترجم أو حروف وكلمات !
-
قرانا وقراهم !!!
-
لهذا السبب أصبحت مدمنا على ركوب القطار !
-
لكل جهنمه !!(4)
-
مداخل مدن أم مفارغ زبالة ؟؟
-
التعيين العائلي في الوظائف العمومية !
-
خائن من يعتصب ورود مدينتي !
-
لكل جهنمه 3
-
المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق !
المزيد.....
-
فيديو جديد يظهر لحظة الكارثة الجوية في واشنطن.. شاهد ما لاحظ
...
-
عملية سرقة مجوهرات -متفجّرة- في متحف.. كيف نفّذها لصوص الفن؟
...
-
-قلق من جيش مصر-.. سفير إسرائيل يثير تفاعلا بحديث عن القوة ا
...
-
حماس وإسرائيل.. إطلاق سراح الرهينتين عوفر كالديرون وياردين ب
...
-
-واشنطن بوست-: ترامب يطهر FBI.. إنذارات بالاستقالة أو الفصل
...
-
الرئيس الصومالي يعارض اعتراف واشنطن بأرض الصومال
-
رسوم جمركية جديدة يفرضها ترامب على الصين، فما تأثيرها؟
-
جدل في ألمانيا - هل سقط -جدار الحماية- من اليمين الشعبوي؟
-
تقرير: أكثر من 50 ألف مهاجر قاصر مفقود في أوروبا
-
مظاهرة في ساحة الأمويين بدمشق تطالب بإنهاء سيطرة -قسد- على ش
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|