أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحليم محمد عبدالحليم - تجديد الخطاب الدينى ( 2 )















المزيد.....

تجديد الخطاب الدينى ( 2 )


عبدالحليم محمد عبدالحليم

الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 10:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جرت العادة أن التجديد والتغيير من الأمور الصعب على النفس تحملها ، وذلك لما فيها من شقين هامين هما : أن النفس ترفض التكليف وتأباه ، فإعمال العقل للوصول للجديد فيه تكليف ومشقة أحيانا ، وأيضا لأن النفس البشرية تحب الماضى وتصل به لدرجة التقديس ، فمن الصعب عليها أن نطلب منها ترك الماضى لأجل جديد الحاضر ، لاسيما إذا كان هذا المطلوب تجديده أمرا يتعلق بالدين فى أى زاوية من زواياه ، والتاريخ يشهد كم اضطهد المفكرون والمجددون ووجهت سهام النقد لهم !!، ففي ربيع عام 1543م أمر كوبرنيق, وهو على فراش الموت بنشر مؤلف له جاء فيه أنه إذا راقبنا الأجرام السماوية من نقطة في الفضاء تدور حول الشمس, لوجدنا تفسيرا لحركة الكواكب وشدة إستضاءتها ومساراتها الغير مفهومة ، وهذا يعنى أن
الأرض إذن ليست مركز الكون كما كان معتقدا ،فكل النجوم والأجرام السماوية التي نراها تدور حول الأرض, هي في الواقع بسبب دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. أي أن جميع المعلومات السائدة عن الأرض والأجرام السماوية ماهي إلا وهم. أما الحقيقة فشئ مختلف تماما، كفر والعياذ بالله. هكذا قابل رجال الكنيسة هذه الأنباء. فهم قد أعطوا أهمية كبرى للإنسان, ووضعوا الأرض في مركز الكون. أما أفكار كوبرنيق, فهي تحول الإنسان إلى شئ تافه, والأرض إلى كوكب صغير قليل الأهمية, يدور حول الشمس مثل باقي الكواكب، تحول الأمر من كونه اجتهادا علميا إلى تهم وتشكيك فى دين كوبرنيق نفسه ، وبدلا من توجيه الشكر لهذا العالم المفكر ، تحول الأمر إلى صراع بينه وبين كهنة الدين الذين يأبون إلا التقديس للفكر الموروث حتى وإن كان وهما أو زيفا ، المهم أنهم – كهنة الدين وقتها - وإزاء رصانة منطقه المدعم بالمعادلات الرياضية والأرقام والحسابات الفلكية الدقيقة, أضافوا إلى مؤلفه جملة "هذه ليست إلا مجرد نظرية, لا يجب أخذها بجدية". ، وفي نهاية القرن السادس عشر, جاء العالم والفيلسوف "جيرانو برونو" ليكمل أبحاث كوبرنيق, وليعطيها بعدا جديدا. أخذ برونو ينشر نظرية كوبرنيق في جميع أنحاء أوروبا, متنقلا من قطر إلى قطر, ومن مدينة إلى أخرى. أضاف إلى نظرية كوبرنيق قراءات فلكية جديدة تدعمها، طبق هذه النظرية الجديدة على كل الأجرام السماوية الأخرى. وأضاف برونو، أن الأرض ليست تدور فقط حول الشمس, لكن الشمس نفسها, ما هي إلا نجم صغير متواضع الحجم، بالنسبة لباقي النجوم التي نراها في السماء. وقال أيضا، أن النجوم الأخرى قد يكون بها كواكب مثل الأرض, وقد يكون بعضها آهل بالحياة والسكان، المهم أنهم – رافضى التجديد –حكموا على برونو بالسجن لمدة 6 أعوام كاملة, حتى ينظر في أمره. وبعد ذلك تمت محاكمته وإدانته. ولأنه رفض الإعتراف بجريمته وخطئه, حكم عليه بأقصى عقوبة، وفي ميدان الزهور بروما, وبعد أن ربط لسانه وجرد من ملابسه, قيدت يداه ورجليه في قضيب من حديد. ثم بدأ حرقه حيا وسط جمع غفير من المؤمنين الأبرار, الذين ظلوا يهتفون بالموت للكفار ، بعد 32 سنة من حرق برونو, تمكن جاليليو العالم الإيطالي من نشر كتاب له, يؤكد فيه حقيقة دوران الأرض حول الشمس بالأدلة والبراهين القاطعة. عندما علمت السلطات التابعة للكهنوت بذلك, تملكها الغضب الشديد, وقامت بتحديد إقامة جاليليو حتى ينظر في أمره، لكن عبقرية جاليليو كانت قد فرضت نفسها على الجميع ، لذلك لم تستطع السلطات إعدام جاليليو بسبب آرائه, كما فعلت مع برونو من قبل, إلا أنها لم تتركه دون عقاب، فقامت بإرهابه وتهديده وهو في سن السبعين. ولم تدعه إلا بعد أن خر صاغرا جاثيا على ركبتيه. وأجبرته على الاعتراف على الملأ بخطئه، وعدم دقة قراءاته, لأنه رجل عجوز مخرف. أما الحقيقة الثابته, فهي مايراه رجال الدين. أي أن الأرض هي مركز الكون. وكل الأجرام السماوية تدور حولها.

مثال آخر أسوقه فى هذا المقام وهو أنه في عام 1770م ظهرت خاصية عجيبة في عدة أماكن في أوربا. وأرسلت عدة تقارير إلى الأكاديمية الملكية للعلوم, بأن الماء قد تحول في عدة أماكن إلى دماء. وسارع رجال الكنيسة بإعلان أن سبب حدوث هذا يرجع إلى غضب الرب ، ظهرت هذه الظاهرة في السويد, وقام العالم "لينوس" بفحص هذه الظاهرة بعناية. فوجد أن احمرار المياة يرجع إلى وجود حشرات دقيقة صغيرة لونها أحمر، عندما وصلت الأنباء إلى كبير الأساقفة, قال بأن هذا التفسير عمل شيطاني. رفض تفسير العلم، وأقر بأن ظاهرة المياة الحمراء هي ظاهرة غير طبيعية. وأجبر العالم لينوس على التراجع عن تقريره العلمي, وأمره بنشر تقرير آخر يقول فيه بأن ظاهرة المياة الحمراء هذه هي أعلى من مستواه العلمي.

ليست أوروبا وحدها فى العصور الوسطى الظلامية قد عادت المفكرين ، بل فى تاريخ المسلمين أيضا وجدنا التصدى لكل محاولات التجديد والتنوير ، فالتاريخ يروى لنا وقائع تدمى القلب ، وكم كانوا يلفقون التهم للمستنيرين والمجددين حفاظا على ماضى قديم به خرافات موروثة وأحاديث موضوعة ساهمت فى خروج الكثيرين من دين الله أفواجا ، . فقصص تعذيب العلماء والمفكرين وإعدامهم لا ينكرها أحد، فابن المقفع الذي كان يجمع بين لغة العرب وصنعة الفرس وحكمة اليونانيين, ومؤلف كتاب كليلة ودمنة, والأدب الصغير, والأدب الكبير. وكتب أخرى كثيرة، والذي كان يوضح ما ينبغي أن يكون عليه الحاكم إزاء الرعية, أغضبت آراؤه الخليفة المنصور في صدر العصر العباسي الأول. فاتهم ابن المقفع بالكفر, وقطعت أطرافه وفصلت رأسه, وألقي بباقي جسده في النار، وشهيد الحب الحلاج المتصوف الإسلامي المشهور, اتهمه الخليفة المقتدر بالله بالكفر، وحكم عليه بالموت. فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط, ثم قطعت يداه ورجلاه, ثم ضربت عنقه, وأحرقت جثته بالنار. ثم ألقي مابقي من تراب جثته في نهر دجلة ، والعقلية الأبرز فى تاريخ الملمين ابن رشد, حرقت داره وكتبه وأتهم في إيمانه. ولم ينجو إبن سينا أو ابن خلدون من الاتهام بالكفر.
وغيرها من الاتهامات التى تطال المجددين عبر العصور والأزمان .

وشأنها شأن أى دعوة للتجديد والتنوير ، حظيت الدعوة لتجديد الخطاب الدينى بحملات تشكيك واتهامات وكذب وبهتان ، فقد اعتاد أرباب الجمود والتخلف النوم والاستراحة مكتفين بما قدمه الأولون من فكر واجتهادات ، وبدلا من أن يقوموا بفريضة التفكير وإعمال العقل ، وجهوا سيلا من التهم والقد للمفكرين المستنيرين ، ولهم بعض المزاعم التى نرد عليها وندحضها ومنها أمرين هما :

1- أن التجديد دعوة غربية يروج لها أعداء الإسلام .

ويجاب على هذا الجهل المطبق بما ذكرناه فى المبحث الأول بأنه ليس ثمة إملاء من الغرب أو أحد ، لأن التجديد فريضة إسلامية ، وذلك لأن دعوة التجديد لا تتعارض مع النصوص الشرعية المختلفة ، قرآنا وسنة ، والأصل كما هو معلوم الإباحة ، ثم يختلف الحكم بعد ذلك طبقا للأدلة المختلفة ، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ، ولا ريب أن الخطاب الدينى جزء من الدين ، فينال نفس الحكم . الأمر الآخر أن الله عز وجل أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل خدمة الإنسان ، وإذا كان بمصادره المختلفه قد جاء خدمة للإنسان ، فإن الخطاب الدينى يجب أن يتحمل مسئوليته فى خدمة الإنسان بإيضاح الأحكام ومواكبة العصر ، وهذا لن يتأتى بدون تجديد وتطوير ، مما يؤدى إلى فرضية تجديد الخطاب الدينى من أجل القيام بدوره الدينى المنوط به أداؤه .

2- يزعمون بأن التجديد سينال من الثوابت المقدسة .

ويجاب بأن هذا زعم واه حقيقة الأمر ، لأن النصوص المقدسة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، أما الذى يتغير ويتبدل فهو الفهم ، لذا نقول بأن سلطان العقل مقدم على سلطان النقل ، والقرآن الكريم كى يكون صالحا لكل زمان ومكان فلا بد من تجديد فهمه حسب معطيات كل بيئة أو زمن معين ، وهذا سر خلود القرآن ، أنه يقبل تجديد الفكر دائما ، من هنا نؤكد أن الزعم بنيل التجديد من النصوص المقدسة ما هو إلا زيف واه يروجه أعداء العقل والتفكير ، وللحديث بقية .



#عبدالحليم_محمد_عبدالحليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد الخطاب الدينى ( 1 )
- تهنئة المسيحيين بين الوجوب والاستحباب
- سقوط الإخوان لا سقوط الإسلام


المزيد.....




- الأسد يصدر قانونا بإحداث جامعة -اللاهوت المسيحي والدراسات ال ...
- الركن الأساسي في الإسلام .. كم يوم باقي على شهر رمضان 2025 “ ...
- نزل الآن التردد الجديد 2024 لقناة طيور الجنة بيبي على الأقما ...
- الأزهر يصدر فتوى بشأن المراهنات على المباريات الرياضية
- الزاوية اللؤلؤية.. قبلة المبعدين عن المسجد الأقصى
- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحليم محمد عبدالحليم - تجديد الخطاب الدينى ( 2 )