|
نظام يوليو1952 والعداء للديمقراطية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4417 - 2014 / 4 / 7 - 15:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نظام يوليو1952 والعداء للديمقراطية طلعت رضوان يتوقف كثيرون من المتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة والبائسة، بما فيهم من ماركسيين وحتى بعض الناصريين ، على أنّ عيب عبد الناصر (الوحيد) هو ((غياب الديمقراطية)) ويتجاهلون جرائمه فى خراب مصر بسبب الحروب التى كان يمكن تجنبها وقتل أولادنا فى حرب 56 واليمن وكارثة بؤونة/ يونيو67. وجرائمه فى تبديد موارد مصر على (العروبة) وجريمته عندما أسّس لمنظومة (عسكرة المجتمع) بتعيين اللواءات فى وظائف مدنية (محافظين ، رؤساء مدن وأحياء ، رؤساء شركات إلخ) وجريمته بالتمسك بعبد الحكيم عامر، وجريمته فى اختيار كثيرين من الوزراء (شمس بدران نموذجًا) وفى اختيار سكرتيره (سامى شرف نموذجًا) وهل (غياب الديمقراطية) تـُبرّر تحويل مصر إلى معتقل كبير وتعذيب خصومه السياسيين حتى الموت مثلما حدث مع الشيوعيين والإخوان؟ وهل (غياب الديمقراطية) المدخل لفهم موقفه العدائى ضد الليبراليين الذين لم يسمح لهم بالرد على التيار الأصولى بدلا من إعدام بعضهم (سيد قطب وستة آخرين- نموذجًا) وهل (غياب الديمقراطية) مدخل آخر لفهم أكذوبة أنه كان ((ضد الإخوان المسلمين)) بينما هو الذى دشـّن للدولة الدينية، باعتراف ناصرى كبير وشهير(أ. عبد الحليم قنديل) الذى كتب ((البرلمان الإسلامى الذى حلم به عبد الناصر، ليس صيغة متواضعة، إنها أكثر تقدمًا من صيغ محدودة طرحها إسلاميون من طراز حسن البنا)) (الناصرية والإسلام- مركز إعلام الوطن العربى- صاعد- عام 91- ص 63)؟ وتلك الأسئلة وغيرها كثير تتغافل عنها الثقافة المصرية السائدة ، البائسة والمنحطة ، وبسبب ذلك ظلّ عبد الناصر يحظى بالتقدير لدى قطاعات عريضة من المتعلمين المصريين الذين أطلقتْ الميديا عليهم (مثقفين) ولأنّ أ. طارق البشرى تـُعتبر شهادته غير مجروحة، بسبب دفاعه عن زعامة عبد الناصر الفردية بحجة أنه ((لم يكن هناك بديل عنها فى تلك الظروف)) (الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال- ديسمبر91- ص162) وكتب أنه خلال 18عامًا من حكم عبد الناصر ((تجلتْ إيجابياتها. ويمكن القول باطمئنان أنّ مشروع الدول المستقلة ، بآفاقها المتسعة شاملة الاقتصاد والتطوير الاجتماعى ، تعود فى قمتها الأولى إلى محمد على وفى قمتها الثانية إلى عهد عبد الناصر)) (377، 379) وهو نفس الكلام الذى يُردّده المتعلمون من ماركسيين وناصريين (تشبيه عبد الناصر الذى دمّر مصر بمحمد على مؤسّس مصر الحديثة) ورغم ذاك التمجيد ل (بطل العروبة) وقائد (حركة التحرر) إلى آخر تلك الأكاذيب ، فإنّ البشرى قدّم فى كتابه الكثير من الوقائع ما يُناقض دفاعه. فإذا كان عيب عبد الناصر(الوحيد) غياب الديمقراطية ، فما علاقة ذلك بعدائه لأبسط قواعد العدالة الاجتماعية؟ ومن أمثلة ذلك القانون رقم 181 الصادر فى 14سبتمبر52 الذى نصّ على فصل الموظفين بغير الطريق التأديبى (أى بدون محاكمة) وكان البشرى محقــًا فى تعقيبه ((فأجاز فصل من تعلق شبهات قوية فى مسلكه أو سمعته (أى مجرد شبهات) وشكل لجانـًا فى كل وزارة أو مصلحة لذلك ولجنة للقوات المسلحة وأخرى للشرطة. ومنع هذا القانون المحاكم من نظر أى طعن فى قرارات الفصل . ثم صدر عدد من القوانين بإجازة هذا الفصل بالنسبة لرجال القضاء ومجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة والجامعات والأزهر. وبالفعل تم فصل عدد كبير من الموظفين طبقــًا لهذا القانون بغير محاكمة. وتم نقل كثيرين من الضباط إلى وظائف مدنية (179) وإذا كان عهد السادات ومبارك عرف (ترزية القوانين) فتلك الآفة بدأتْ فى أغسطس52 (بعد شهر من سيطرة الضباط على مصر) حينما استخدم ضباط يوليو بقيادة عبد الناصر، السنهورى رئيس مجلس الدولة الذى أفتى بعدم عودة مجلس النواب للانعقاد (182) وكان الهدف هو إقصاء كل السياسيين قبل يوليو52 وبصفة خاصة أعضاء حزب الوفد. وفى 13نوفمبر52 صدر قانون نصّ على أنّ كل تدبير اتخذه القائد العام (للثورة) ورئيس حركة الجيش ((من أعمال السيادة)) التى تمتنع المحاكم (سواء مجلس الدولة أو القضاء العادى) النظر فيها (183) (أليس هذا ما فعله محمد مرسى؟) ويعترف البشرى أنّ كل ذلك تم من خلال العلاقات الودية مع الأمريكان الذين قدّموا أبحاثـًا ودراسات عن طريق تنظيم المخابرات (المصرية) (186) وأنّ السفارة الأمريكية وثقتْ علاقاتها ببعض ضباط المباحث الذين تدربوا فى أمريكا (من 294- 296) وما علاقة (غياب الديمقراطية) بالجريمة التى ارتكبها عبد الناصر عندما أمر كمال رفعت بجمع السلاح من الفدائيين المصريين الذين شاركوا فى الكفاح المسلح ضد الإنجليز فى مدن القنال خاصة عام 51؟ وكانت حجة الضباط (فى سبيل تدعيم دكتاتوريتهم، وهو ما غاب عن البشرى أهمية تحليله) هو ((وجود جهاز قابض يحتكر النشاط المسلح)) (من 175- 177) وبينما فعل ضباط يوليو52 ذلك مع الفدائيين لأنّ أغلبهم من اليساريين ، ثم الغدر بكل القوى الوطنية ، كان موقفهم على النقيض فى تعاملهم مع الإخوان المسلمين ، وهو ما أكده البشرى الذى كتب ((كانت دعوة الإخوان من أشد الدعوات جذبًا للضباط . وكانت لعبد الناصر علاقات وثيقة بهم . وكانوا التنظيم الوحيد الذى أخطره عبد الناصر (بالثورة) قبل قيامها وأجـّل موعدها يومًا حتى ترد إليه موافقة الهضيبى المرشد العام . وأيّدتْ جماعة الإخوان (الثورة) ولم تر مشكلة فيما اتخذه الضباط من إجراءات تتجافى مع التصور الوفدى للديمقراطية أو حل الأحزاب)) (149) وهنا يتوقف العقل الحر أمام تعبير(تتجافى) الذى استخدمه البشرى ، لأنّ الأدق أنّ ما فعله الضباط وحاز رضا الإخوان هو العداء لحزب الوفد والعداء لكل آليات الليبرالية. والعداء لأى تحركات شعبية ، وهو ما أكده البشرى الذى أضاف أنّ نظام يوليو لم يكتف بتصفية الأحزاب والجماعات السياسية المُعارضة.. وإنما وجّه نيرانه الكثيفة إلى ما جرى التعبير عنه بالأحزاب الشعبية الجديدة (أحزاب الثلاثينات والأربعينات) سواء من حيث الأصول الشعبية أو مطالبهم السياسية والاجتماعية أو من حيث تياراتهم الفكرية (151) ولماذا لا يربط الماركسيون والناصريون (غياب الديمقراطية) التى يعتبرونها عيب عبد الناصر الوحيد ، بما فعله عبد الناصر عندما أراد إعداد دراسة عن إصلاح الجهاز الإدارى للدولة ، فاستدعى خبيريْن أمريكييْن ، فأعدا تقريرًا بعنوان (الإسلام والحكم) جاء فيه ((إنّ الثقافة الإسلامية من أصلح الأسس للحكم الناجح فى العصر الحديث)) ( د. سليمان الطماوى – ثورة يوليو52 بين ثورات العالم - دار الفكر العربى - عام64- ص 161) فلماذا تتغافل الثقافة السائدة البائسة والمنحطة عن تلك الجريمة ؟ ولماذا يتم تعمد إغفال وتجاهل الربط بين (غياب الديمقراطية) وتدشين (الدولة الدينية) ؟ وأعتقد أنّ تعبير (غياب الديمقراطية) الذى يُردّده الماركسيون وبعض الناصريين هو اسم الدلع لأبشع أنواع الدكتاتورية المُتمثلة فى أنّ تكون السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) فى قبضة فرد واحد أحد لا شريك له فى الحكم وهو ما فعله عبد الناصر، فقد صارتْ عضوية الاتحاد الاشتراكى جواز المرور للحصول على حق (المواطنة) وشرط الصلاحية القانونية ((وصار تنظيمًا قابضًا ينبغى كسب عضويته كشرط قانونى لممارسة المواطنين حقوق المواطنة. ومن أهم هذه الحقوق الترشح للمجالس المُنتخبة. أى استوعب الاتحاد الاشتراكى قسمًا هامًا من الحقوق السياسية التى تترتب على الجنسية أصلا. ثم صارت عضوية الاتحاد الاشتراكى لعضوية مجلس الأمة (ق 158لسنة63) شرطـًا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية. وشرطـًا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية. كما أنّ قانون الإدارة المحلية 124لسنة60 اشترط عضوية الاتحاد القومى لانتخاب المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى . ثم انتقل هذا الشرط إلى عضوية الاتحاد الاشتراكى بالقانون 65لسنة64وكذا نظام العمد والمشايخ عـُدل بالقانون 59 لسنة64 الذى اشترط فى الشخص المعيّن أنْ يكون عضوًا عاملا فى الاتحاد الاشتراكى مع فصله من منصبه إذا فقد هذا الشرط . وبشهادة ناصرى كبير (د. عصمت سيف الدولة) ذكر أنّ الاتحاد الاشتراكى ((نشأ تابعًا للسلطة التنفيذية فبقيتْ للسلطة التنفيذية كل السلطات بدون متابعة أو مراقبة أو محاسبة)) وبشهادة ناصرى آخر(كمال رفعت) ذكر أنّ ((هيئة التحرير والاتحاد القومى كانا يفرضان هيمنة شبه كاملة على الحركة النقابية)) ومن جرائم عبد الناصر (وهى جريمة لا علاقة لها بغياب الديمقراطية) القانون 267 لسنة 60 بإنشاء المؤسسات العامة التعاونية الذى نصّ على أنّ أموال الجمعيات التعاونية من مكونات رأسمال المؤسسة (العامة) رغم أنّ رأس المال يُعتبر ملكية خاصة للأعضاء. وبعد أنْ كانت الصحافة تتمتع بقدر كبير من الحرية قبل يوليو52 لدرجة الهجوم على الإنجليز والملك ، تم تكميمها بقانون (التأميم) رقم 156لسنة60وصار الاتحاد القومى هو من يُعيّن المحررين ورؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة . وبتلك الصورة تمكن عبد الناصر من وضع الطوق الحديدى حول رقبة شعبنا ، وتشعـّبتْ صلاحياته بفضل (ترزية القوانين) من رسم خطط الدولة الداخلية والسياسة الخارجية إلى أدنى التخصصات مثل تقرير استثناء البعض من رسوم الجمارك وتعيين كافة موظفى الدولة فى الدرجات العالية وكافة أعضاء الهيئات القضائية والسلكيْن السياسى والقنصلى والشرطة واتحاد الإذاعة والتليفزيون وأساتذة الجامعات وتعيين مجالس إدارة كل الهيئات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام وموظفيها الكبار. وفى السنوات التى لم يكن فيها مجلس نيابى كانت القوانين تصدر منه. وقد صدر فى شهر واحد (قبل العمل بدستور64) 140 قانونـًا (من 264- 283) فما علاقة تعيين الموظفين وعلاقة عضوية التنظيم الحديدى التابع للدولة (هيئة التحرير، الاتحاد القومى، الاتحاد الاشتراكى) لعضوية النقابات العمالية؟ ما علاقة كل ذلك بغياب الديمقراطية؟ أليس التنظيم الحديدى للدولة هو النسخة المعدّلة لتنظيم الحرس الحديدى الذى أنشأه الملك فاروق؟ وإذا كان مجلس الأمة فى يده التشريع وبالتالى قرّر عبد الناصر أنْ ينتزع منه صلاحياته من خلال (المرضى عنهم وغير الضالين) من خلال عضوية تنظيم الدولة الحديدى هو بالفعل تعبير عن (غياب الديمقراطية) فما علاقة ذلك بالجمعيات التعاونية والنقابات العمالية ؟ أليس الغرض من تلك الجمعيات والنقابات الارتقاء بالمستوى المعيشى وتحسين ظروف العمل ؟ فما علاقة ذلك ب (غياب الديمقراطية) وأليس (خنق) الحركة العمالية أصدق دليل على أكذوبة أنّ عبد الناصر كان ((نصير العمال)) ؟ كما يزعم الناصريون وبعض الماركسيين ، رغم علمهم بالمذبحة التى دبّرها الضباط لعمال كفر الدوار بعد أسبوعيْن من سيطرتهم على السلطة ، وصدور أحكام (عسكرية) بسجن عدد كبير من العمال ما بين 5- 15 سنة وإعدام العامليْن محمد البقرى ومصطفى خميس ، وهو ما أثار من بئر الأحزان مذبحة دنشواى 1906 بمعرفة الضباط الإنجليز ضد الفلاحين ، فجاء ضباط يوليو وكرّروها مع العمال . وأليست القبضة الحديدية حول رقبة الجمعيات الزراعية أصدق دليل على أكذوبة أنّ عبد الناصر كان ((نصير الفلاحين)) ؟ وإذا كانت الولايات المتحدة عدوة الطبقة العاملة وعدوة الفلاحين وعدوة أية ثورة شعبية ، فلماذا لا يربط الباحثون العروبيون والناصريون ذلك بتطابق تلك العداوة بما فعله النظام الناصرى؟ وربط ذلك بما ذكره كثيرون من ضباط يوليو52 الذين كتبوا مذكراتهم عن الاتفاق (الودى) بين الأمريكان والإنجليز بعدم تدخل القوات البريطانية ضد الضباط ليلة 23يوليو52؟ والدليل على ذلك أنّ القوات البريطانية لم تـُطلق رصاصة واحدة فى تلك الليلة المشئومة رغم وجود 80 ألف جندى بريطانى فى مدن القنال ، لذلك كان البشرى على حق عندما كتب أنّ خلع الملك فاروق كان أشبه بحصاة أزيلتْ من طريق الضباط (137) وعن كارثة بؤونة/ يونيو67 نقل البشرى ما ذكره الفريق أول محمد فوزى فى مذكراته من أنّ أجهزة الاستطلاع حتى عام 67 لم تكن قد أستكملتْ ولذلك عجزتْ إدارة المخابرات الحربية وأجهزتها وفروعها عن توفير المعلومات للقيادة العليا . وبالتالى فإنّ جميع المعلومات أو التقديرات عن العدو ومقدراته القتالية كانت خاطئة. وأورَدَ فوزى ملخصًا للتقارير اليومية للمخابرات الحربية يُستدل منه على فداحة الأخطاء مثل التقرير المُعد يوم 2 يونيو67 فذكر أنّ التقدير الوارد فى ذاك التقرير كان خاطئـًا وتأثيره على القوات المسلحة المصرية كان مُدمّرًا (202، 203) وبينما كان التفريط فى أمن مصر (رغم كل شعارات عبد الناصر عن العدو الإسرائيلى) انشغل النظام الناصرى كما ذكر فوزى بارتباط وزير الحربية بكل من إدارة المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة ووزارة الحكم المحلى لإتمام السيطرة العسكرية على المحافظات . كما تم تعيين العسكريين رؤساء مجالس إدارات وأعضاء فى أغلب مؤسسات وشركات القطاع العام . ثم ارتباط مع وزارة الخارجية بتعيين بعض السفراء من الضباط . ثم السيطرة على المدارس الثانوية والكليات الجامعية بتعيين الحرس الوطنى فى مهمة التدريب . ويعترف فوزى أنّ تعيينه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة عام 64كان دون رغبة عبد الحكيم عامر ((ولذلك سُلبتْ منى سلطات رئيس الهيئة. وأصبحتُ أنا ووظيفتى بدون مسئولية أو سلطة. بل ومُحاصر من وجهة النظر الأمنية)) ورغم تصريحات عبد الناصر العنترية ضد إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل فإنه ((لم يكن على بينة من حالة سلاح الطيران المصرى ولا كان قادرًا على سؤال المشير فى هذا الشأن وذلك باعترف محمود رياض وزير الخارجية فى مذكراته. ورغم قرارات عبد الناصر فى مايو67من سحب قوات الأمم المتحدة وإغلاق خليج العقبة. وما ردّدته إذاعة (صوت العرب) التى أنشأتها المخابرات الأمريكية ((عن شرب القهوة فى تل أبيب)) رغم كل ذلك تقدّم المشير عامر(فى مايو67) بمذكرة لعبد الناصر بنقل عشرة من أكفأ الضباط إلى وزارة الخارجية. وكانت المفاجأة التى أذهلتْ محمود رياض عندما قرأ أسماء الضباط ، إذْ كان فى مقدمتهم اللواء أحمد إسماعيل الذى قاد فيما بعد حرب 73. ووافق عبد الناصر على مذكرة المُشير دون أدنى اعتراض . كما ذكر محمد فوزى أنّ عبد الناصر لم يكن على معرفة بشئون الجيش (من 353- 356) وأعتقد أن شهادة أمين هويدى (الذى شغل عدة مناصب فى عهد عبد الناصر منها المخابرات) ذات دلالة خاصة وغير مجروحة فقد أشار إلى تقصير القيادة العسكرية فى تجهيز الخطط وتعديلها بالسرعة المطلوبة. وفى التدريب المستمر وقت السلم لتكون مهيأة وقت الحرب. وفى تفرغ الوحدات لمسرح العمليات ووضع خطط التعبئة وتجربتها وإجراء المناورات وتدريب الرئاسات . والأخطر ما ذكره عن أنه لم يُخصّص من الوقود لأغراض التدريب أكثر من 50% من حجم الوقود المُخصّص للقوات المسلحة. وأنّ القوات الجوية عجزتْ عن تدريب الطيارين المصريين ثم أضاف معلومة غاية فى الأهمية (من بين المعلومات المسكوت عنها فى الميديا الناصرية / العروبية) وهى أنّ عدد الطيارين المصريين لم يتجاوز 150طيارًا بينما كانت الطائرات القاذفة والمقاتلة يبلغ 154طيارة (بعجز4 طيارين) ثم قارن (هويدى) ذلك بالوضع فى إسرائيل (المزعومة) فى الميديا الناصرية، حيث كان لديها ألف طيار للعمل على 376 طيارة (أى أنّ احتياطى الطيارين الإسرائيليين بلغ 624طيارًا) وانتهى هويدى فى شهادته إلى أنّ قيادة الجيش ((فرّطت فى الأمانة التى وضعتها البلاد بين يديها فأهملتْ إعداد قواتها . تفريط فى الأمانة واستهانة بمقدرات الشعب)) وأشار إلى أنّ المعلومات عن العدو لم تكن متيسرة سواء عن مطاراته أو مستودعاته. ولم يكن فى المقدور تمييز طائرات العدو(نقلا عن البشرى- ص351) وما علاقة (غياب الديمقراطية) كعيب (وحيد) من وجهة نظر الناصريين وبعض الماركسيين بالتعذيب والقتل داخل معتقلات عبد الناصر؟ ألم يكن الاعتقال كافيًا لقمع الخصوم السياسيين ؟ ولذلك كما كتب البشرى أنّ ما ((حدث فى تلك الفترة ولــّد آثارًا سلبية وشائهة فى فى التكوين الجمعى للشعب المصرى . وولــّد فى النفس المصرية قدرًا ضارًا من النزوع الانسحابى نظرة المُتفرّج من بعيد)) (330، 331) وما علاقة (غياب الديمقراطية) بالموقف اللا إنسانى الذى اتخذه عبد الناصر مع والد شهدى عطيه الشافعى ، الذى طلب مقابلة عبد الناصر بعد اغتيال ابنه فى (حفل الاستقبال ، التقليد المُتـّبع فى كل معتقلات عبد الناصر) تحدّد للرجل الموعد بعد ستة شهور من الإلحاح (رغم وجود سابق معرفة.. ورغم أنّ شهدى كان أحد المُتيّمين بالتجربة الناصرية عن أكذوبة الاشتراكية العربية) ذهب الرجل فى الموعد المُحدّد الساعة العشرة صباحًا. أدخله الحرس غرفة وأغلقوها عليه. ظلّ فى الغرفة حتى الساعة الرابعة عصرًا دون كوب ماء أو السماح له بدخول الحمّام . فى الساعة الرابعة تم فتح باب الغرفة. توقـّع الرجل أنّ أحد الحراس دخل ليأخذه إلى عبد الناصر، فإذا به يرى عبد الناصر أمامه. وقبل أنْ ينطق الرجل بكلمة قال (معبود الجماهير) للأب المفجوع فى اغتيال ابنه ((إيه.. جاى ليه.. واحد قليل الأدب.. أدبوه مات.. عاوزنى أعمل لك إيه ؟ )) ثم أعطاه ظهره وخرج . وسوف أترك للقارىء التعليق على ذاك المشهد : للحكم على هذا الطاغية منزوع الرحمة والضمير. وتصوّر حالة الأب المدفونة ذكرى ابنه فى وجدانه. وتم اغتياله وهو يُدافع عن مبادئه وعن عبد الناصر، ثم إذا به يسمع تجريحه ((واحد قليل الأدب.. أدبوه مات)) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التأريخ بين الموضوعية والعواطف الشخصية
-
التنمية والقهر قبل وبعد يوليو1952
-
ضباط يوليو 1952 والسفارة الأمريكية
-
قراءة فى كتاب شامل أباظة (حلف الأفاعى)
-
قراءة فى مذكرات إبراهيم طلعت
-
الأزهر فى سباق الارتداد للخلف
-
غياب الدولة المصرية عن تاريخها الحضارى
-
الإعلام المصرى البائس والنخبة الأشد بؤسًا
-
الصراع المصرى / العبرى : الجذور والحاضر
-
قراءة فى مذكرات أحمد حمروش
-
قراءة فى مذكرات عبداللطيف البغدادى (3)
-
قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (2)
-
قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (1)
-
طغيان اللغة الدينية وأثرها على الشعوب
-
قراءة فى مذكرات اللواء محمد نجيب
-
رد على الأستاذ أحمد عليان
-
قراءة فى مقدمة ابن خلدون
-
كارثة العروبة على مصر
-
العلاقة التاريخية بين الدين والقومية
-
القرن التاسع عشر وتحديث المدن المصرية
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|