|
المزاودات بين كرد الداخل والخارج (الجزء الأول)
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 01:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سوريا مثخنة بالجراح، صراخها تصم الآذان، ورؤيتها تدمر الإنسان، مزقها الأسد بكل قدراته، بعدما شوه ثقافاتها التي بنيت عليها حضارات، وكاد أن يقضي على الروحانية في ماهيتها، عمل بكل مداركه على إفساد إنسانه، ليبني مكانهم شرائح دونية في الأخلاق والقيم. فعلى مدى عقود من الزمن، حارب القيم والعادات النقية في الوطن، ونفى كل من عاداه من المفكرين والمثقفين، أو أسكتهم في زنزاناته، أو أجبرهم على صمت القبور، تمكن من مسخ الكلمة المخالفة أو المعارضة، قضى في كثيره على ماهية الإنسان السوري، وجعله قزما في الداخل، وحاول بكل الطرق أن يجعله صامتاً منسياً في الأبعاد، خلق شريحة من المثقفين التابعين المنهارين إرادة في الداخل، منتمين إلى طغيان بشع الغايات، كما ونشر في الوطن وبين الكتاب والمثقفين المنتمين إليه دوريات فكرية، يعتمدون عليها لقتل كل معارض، فكريا أو جسدياً، ومن الخطط التي وقف عليها مطولاً، مهاجمة كل من تسول له نفسه معارضته بعد هجرته إلى الخارج مضطراً، وهي كانت الشريحة الوحيدة، قبل الثورة، التي ملكت الجرأة على النقد وتبيان فضائح سلطته الشمولية وبشائع حكومته، أما تبقى منها في الداخل والذي لازم الصمت مرغماً تحت الظروف المفروضة عليه من النظام، وهذه الشريحة تصرفت بحصافة للإبقاء على ذاتها كخلايا نائمة. بناءً على ذلك أسس وزارة خاصة للمهاجرين أو المهجرين، ظاهرياً قدمت لخدمة السوريين في الشتات، وفي حقيقتها كانت مخصصة لإسكات الأصوات المعارضة لحكمه، والقضاء على كل مهاجر أو مهجر معارض، ومعرفة أو تشويه علاقاتهم مع الأروقة الدبلوماسية أو القوى السياسية الدولية. فرزت السلطة الشمولية لهذا العمل، جيشاً من الإعلاميين، والكتاب المتخصصين، عملوا مع الفروع الأمنية بكل متانة، قدمت لهم جميع الإمكانيات للوقوف في وجه الخارج المعارض من الأدباء والإعلاميين والمثقفين، لم يقفوا على حدود أدب أو قيم أخلاقية، في مهاجمة المعارضين، اتهموهم بكل الموبقات، من الشرف إلى الانتماء الوطني، من العمالة للعدو إلى بيع الوطن من أجل رفاهية الذات، وكثيرا ما كانت النداءات تتكرر بالعودة للوطن للذين يودون الدفاع عن الأمة، فالوطنية والمعارضة الصادقة في عرفهم هو التواجد ضمن جغرافية يحكمها طاغية، وما خرج عنها أعتبر خائناً وعميلاً، وأتهم ببيع الوطنيات على حساب شعب مقاوم وسلطة وطنية تواجه أعداء يريدون كل الشر لسوريا. هكذا لقنت السلطة شريحة واسعة من أقلام ومثقفي الداخل، وهكذا واجهوا المهاجرين والمهجرين من المثقفين المعارضين، إما مقتنعين بالثقافة التي بثتها السلطة الشمولية على مدى عقود، أو فرضت عليهم تحت الظروف التي أوجدتها، أوعن سياسة أمر الواقع وهي عدم المواجهة المباشرة معها، ومهما كانت العوامل، فإنهم يبثون نفس الثقافة تبنتها معظم الأحزاب السياسية مرغمة وفي مقدمتهم تلك التي كانت تشاركها السلطة شكلاً، بأداء واجبها كأدوات لها وجذبوا معهم شريحة من مثقفي تلك الأحزاب الذين كانوا خدم وأجراء بدون مقابل لحكومة الأسد، إلى الدرجة التي جعل بعضهم منه ومن سلطته بطل المقاومة وسلطة الصمود والتصدي، ولم تبان يوما بشكل عملي، مقاومة من؟ والتصدي لمن؟ وفي الحقيقة كانت مقاومة الذين عارضوه والتصدي لكل من تسول نفسه في محاربته. نفس الثقافة تنتشر اليوم بين الأحزاب الكردية، بينهم البعض الذي يجدون ذاتهم سلطة الأمر الواقع، ومعها ظهرت أو فرزت مجموعة من المثقفين وكتاب كرد غرب كردستان لنشر تلك المفاهيم، ناسخين نفس النهج، والأسلوب، لكنها أكثر سذاجة، فهي موجهة من كردي يعاني في الداخل إلى كردي يقاسي الآلام في الخارج، ويمزجون بين المهام المتطلبة من المعارضة الداخلية والخارجية، كما يعتمدون على المآسي التي يعانيها الأهل والشعب في الداخل، ليتطاولوا بمفاهيمه إلى حد القطيعة بين المهجر وأهلهم في الوطن، متناسين وبدراية أو بدونها، إن المعاناة في الوطن يعيشها المهجر أو المهاجر روحا ونفساً، وهو نفس السبب الذي يحضه على تواصل دائم مع الداخل، يقدم ما يتمكن عليه من خدمات، والحقيقة ليست هذه هي التي تدفع ببعض كتاب الداخل بالمزايدة على الخارج ومواجهتهم بالعودة ومشاركتهم المآسي المعيشية أو الرهبة اليومية، بل إنها الخلفية الثقافية المستمدة من الثقافة التي اعتمدت عليها السلطة الشمولية لقتل الصوت المعارض في الخارج. والخلافات الظاهرة في هذه الجدلية المقيتة، تبدأ بعدمية مفاهيم ومنها: 1- على أن الوطني هو الذي يقيم في الداخل، والمهجر أو المهاجر ينجرف إلى خانة المزاودة وبيع الوطنيات، من واقعه المترف. 2-الذي يجب أن يبحث في قضايا الوطن والعلاقات السياسية، أو الأمور الإنسانية هم الداخل، والخارجي يجب أن يتبع وينفذ ما يأمر من الداخل. وينتهون إلى العدمية التالية: 1- كل من في الداخل هو الذي يعرف الحقيقة وهو المحق والمهجر بعيد عن الوطن جاهل بالحقائق وهو المخطئ سلفاً. 2- التدخل الخارجي في أمور الداخل أو عرض رؤياه أو تبني المعارضة، نفاق ومزاودة وطنية، لأنه لا يعاني كما يعاني الداخل، فلا يملك الحق بالتحدث عن مآسي الداخل، مثلما لا يحق لهم التدخل في الشؤون السياسية أو الاجتماعية، وبالتالي لا يحق لهم رفع شعار المعارضة في الخارج.
يتبع....
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عادةٌ ضاعت مع ذاكرة الزمن (الجزء الثاني)
-
عادةٌ ضاعت مع ذاكرة الزمن (الجزء الأول)
-
السياسة الأمريكية في سوريا بين المصالح والأخلاق
-
جدلية بقاء الأسد بالجهاديين
-
أمريكا وروسيا والمنظمات الجهادية
-
أقلام نست الإنسانية وتغذي الطائفية
-
الأقلام التي تخدم السلطة السورية
-
لولا الكرد لما كان جنيف 2
-
مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة 4/4
-
مهاجمة الديانة الإيزيدية-خلفياتها وغاياتها
-
مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة 3/4
-
غاية عزمي بشارة وقطر من مؤتمر العرب وتركيا ...2/4
-
غاية عزمي بشارة وقطر من مؤتمر العرب وتركيا ...1/4
-
د. كمال اللبواني من ضحايا سجون النظام
-
نخبة المعارضة العروبية وتقسيم سوريا كردياً - الجزء الثاني
-
آشيتي يبحث عن هدم أقليم كردستان وليس تصحيح مساره
-
حثالة البشر والأحزاب الكردية
-
جريس الهامس عن كردستان الخيانة
-
التكفيريون والمنطقة الكردية
-
من مآسي أحزاب غرب كردستان – 5 ما جرى ويجري في عامودا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|