أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - التأريخ بين الموضوعية والعواطف الشخصية















المزيد.....


التأريخ بين الموضوعية والعواطف الشخصية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4415 - 2014 / 4 / 5 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لفتَ نظرى أنّ أغلب ضباط يوليو1952 الذين كتبوا مذكراتهم ، يخلطون بين الوقائع التى فيها تأكيد على إدانة عبد الناصر وغيره من الضباط ، وبين ميولهم الشخصية فى الدفاع عن ما أطلقوا عليها (ثورة يوليو52) أو الدفاع عن عبد الناصر. وتطبيقــًا لما أذهب إليه عن هذا الخلط فإنّ ثروت عكاشة (كمثال) أدان فى مذكراته الضباط الذين وثق فيهم عبد الناصر، وأدان عبد الناصر نفسه فى الكثير من تصرفاته وقراراته ، ومع ذلك كتب عنه ((كان عبد الناصر شديد الحساسية بانفعالات الجماهير والتأثر بصوتها)) (مذكراتى فى السياسة والثقافة- دار الهلال المصرية- يناير88 ويناير90- ج 2- ص 425) كتب عكاشة ذلك رغم أنه نقل تصريح عبد الناصر الذى قال فيه ((أنا وحدى المسئول عن الناحية السياسية)) أى أنّ عبد الناصر مُصمّم على الانفراد بالسلطة ، وهو ما أكده عكاشة الذى كتب ((ومضى عبد الناصر مُنفردًا بالسلطة. وكان هذا أمرًا له خطره أشفقتُ منه عليه. فهى مسئولية يستحيل أنْ يضطلع بها فرد واحد مهما أوتى من مواهب وقدرات)) ومع ذلك أصرّ عكاشة على الدفاع عنه فأضاف فى نفس الفقرة ((ومع ذلك فما من شك أنّ عبد الناصر كان يتميّز بحس سياسى مرهف يُدرك به نبض الجماهير سياسيًا واجتماعيًا ، وسرعان ما يستجيب لها)) وحاول عكاشة الجمع بين الموضوعية وعواطفه الشخصية فأضاف ((لذا لم نحاول نحن الوزراء أنْ نناقشه فيما انفرد به من مسئوليات سياسية وأمنية. وكان لهذا أثره فى نفسى . وظلّ هذا الأثر حبيسًا فى أعماقى ، بل إنه أخذ يتأجج فى نفسى حتى باتَ مصدر عذاب لى يُضاعفه إمساكى عن الإفصاح عنه)) (129، 130)
ثم يكون أكثر صراحة وهو يتذكــّر تجربته كوزير مسئول فى النظام الناصرى فكتب لقد ((مررتُ بهذه المرحلة مُتأرجحًا بين الشك واليقين ، وهو ما لا يكون إلاّ مع صحوة فى الضمير واستغراق فى التفكير ومحاسبتى لذاتى عن سلبيات نظام الحكم الذى أنتمى إليه، كان معها القهر والتنكيل ، ولم يؤخذ لى فيها برأى كما لم أستطع دفعها.. وكم تمثلتُ أنى تحت سقف بيت متداع يكاد ينقض حجرًا بعد حجر)) (133، 143) فكيف يكون عبد الناصر (يُدرك نبض الجماهير) مع القهر والتنكيل وأنّ مصر ونظامها السياسى أشبه بالبيت المتداعى ؟ وأثناء الصراع بين عكاشة (للارتقاء بالثقافة) ووزير الإعلام المُلتزم بأوامر عبد الناصر فى تخدير عقول شعبنا ، فإنّ عكاشة عندما أخبر عبد الناصر بهذا الصراع قال له ((إنت ملتزم بتنفيذ تعليماتى)) فكان تعليق عكاشة (المهذب) وفيه من الدبلوماسية أكثر من الحقيقة ((وهكذا غلبتْ سياسة الكم سياسة الكيف مما هبط بالمستوى الثقافى)) (136، 137) وعندما دعاه عبد الناصر ليتولى وزارة الثقافة للمرة الثانية عبّر له عن الجدب فى الحقل الثقافى ((وما نالته مشروعاتى الثقافية من هدم وإهمال وتخريب)) وعندما حدثه عن أهمية الكيف وليس الكم قال عبد الناصر((لستُ أعنى تضييق الرقعة الثقافية ولا النظر إلى الكيف وحده ، بل أعنى أنْ تكون ثمة موازنة بين الكيف والكم حتى لا يطغى أحدهما على الآخر)) (193، 194) أى أنّ عبد الناصر مُصمّم على (الكم) الذى يستطيع به السيطرة على عقول شعبنا من خلال المسرحيات الهابطة.
وكيف يكون عبد الناصر لديه وعى بنبض الجماهير، بينما عكاشة نفسه ذكر أنه فى يوم 22 أكتوبر61نشرتْ الصحف خبر اعتقال بعض الأشخاص وفرض الحراسة على أموال 167 مواطنـًا مصريًا بعضهم من أصول أجنبية. وتلاهم غيرهم تباعًا. ثم كان تعليق عكاشة المهم ((وبهذه الحراسة حادتْ (الثورة) عن مسارها التنموى وغدتْ أقرب ما تكون إلى المسار الأمنى)) ثم كان التعليق الأكثر أهمية وهو أنّ أغلب من فـُرضتْ عليهم الحراسة لم يكونوا من أعداء (الثورة) وأنّ ما حدث ((كان بعيدًا كل البُعد عن مبادىء العدالة والرحمة)) ويندهش عكاشة فيكتب مُتعجبًا ((كيف لجأتْ السلطة إلى هذا الإجراء القاسى الذى جرّ إلى زعزعة الثقة. وأنّ ما حدث لم يصدر عن أفكار وضمير الجماعة المصرية)) هنا كان عكاشة (المثقف) الواعى بمفردات (ضمير الجماعة المصرية) بينما عكاشة (الضابط/ الوزير) يرى أنّ (ناصر) يشعر((بنبض الجماهير)) ويستمر عكاشة (المثقف) فى تحليله للشخصية المصرية فكتب ((فالشعب المصرى نشأ زراعيًا وفى طبيعة الشعوب الزراعية الميل إلى التدرج . وعلى هذا عاش الشعب المصرى منذ القِدم إلى اليوم يحترم الملكية الخاصة حتى الذين لا يملكون شيئـًا)) وهذه الفقرة اشترك فى كتابتها عكاشة (المثقف) وعكاشة (الوزير) لأنه جمع بين إيمان الشعب بالملكية الخاصة وبين إقراره بالمصادرة ولكن بالتدريج . ثم ينتصر (المثقف) على (الوزير) عندما كتب ((والله يعلم ماذا فعلتْ الأجهزة المنوط بها الإشراف على الحراسات – مدنية وعسكرية- بأموال ضحايا هذه القرارات التى مكـّنتْ لبعض المصريين ضعاف النفوس أنْ يسلكوا سلوكـًا تأباه الإنسانية مع مواطنين ليس لهم ذنب اقترفوه سوى أنهم أثرياء ، تصيّدتهم أجهزة الأمن واسعة النفوذ والمتعدّدة الأشكال بطريقة لا عدالة فيها . وأنّ جهاز الحراسة كان أحد المٌستفيدين من بقاء الحراسات. والغريب أنّ بعضًا ممن نالهم الضـّيم معروف عنهم ولاؤهم (للثورة) على حين أنّ كثرة من عتاة الرأسماليين قد أفلتوا من هذا الضـّيم . والله وحده يعلم سر بقائهم بمنجاة من تلك اليد التى وقعتْ بين براثنها بعض العناصر التى لا تملك سوى مرتبها أو معاشها)) ثم كان (المثقف) هو الذى كشف عن واقعة تجنـّبها كثيرون ، وهى مصادرة أموال المفكر د. مراد وهبة سنة 61هو وبعض أفراد أسرته مثل د. يوسف مجدى مراد وهبة الذى كان مؤمنـًا بالفكر الاشتراكى (من 155- 161) فهل نضبتْ مصر من مُبدع واحد يمتلك موهبة كافكا ليكتب عن هذه الفانتزيا أو الكوميديا السوداء ؟ وعكاشة الذى كتب عن المظلومين الذين وقعوا تحت براثن من لا أخلاق لديهم ، ذكر أنّ المصادرة كانت تصدر بقرارات تحمل توقيع عبد الناصر. وذكر أنه صُدم بهذه القرارات وكتب ((وقد كان لزامًا علىّ أنْ أفضى لعبد الناصر بما يجول فى خاطرى ترديدًا لما يجول فى خواطر الناس . ولا أدرى لمَ أمسكتُ عن مفاتحته برأيى فيما وقع)) فلماذا لم يُفاتح الزعيم الواحد الأوحد ؟ لأنّ (المثقف) انهزم أمام (الضابط / الوزير) فكان تبريره تقليديًا فكتب ((فقد كان قرارًا جمهوريًا صدر ولا معدل عليه فآثرتُ الانتظار إلى حين على مضض)) (160)
يعترف عكاشة أنّ عبد الناصر قال عن حرب اليمن ((أنـّى لنا أنْ نخرج من هذه الورطة)) وكان تعقيب عكاشة أنّ ((حرب اليمن كان الأوفق تفاديها لما هو أهم وهو أمن مصر فى مواجهة إسرائيل . ولكى نتحرّر من التخلف . وكانت حرب اليمن أحد العوامل ذات التأثير فى الهزيمة الفادحة التى تكبدتها القوات المسلحة المصرية عام 67. ولعلنا فى حاجة إلى مؤرخ يكشف لنا عن خبايا حرب اليمن وعمّنْ أوقعنا فى شراكها فيتعقب خيوطها ويحدثنا كيف بدأت ويُزيح الستار عن تلك الأصابع الخفية التى استدرجتنا إليها – مصرية أو أجنبية- والتى تضافرت معًا على الزج بالجيش المصرى النظامى فى حرب عصابات تختلف طبيعة ميدانها الاختلاف كله عن طبيعة مسرح العمليات الحربية فى سيناء الذى يتقرّر على ساحته أمن مصر. فلقد دفعنا بقواتنا إلى إقليم وعر ناءٍ قطعتْ إليه بحرًا كاملا على امتداد طوله. فإذا قواها قد أستنفدتْ وطاقاتها قد أعتصرتْ وأسلحتها قد أستهلكتْ ولم تدخر لتواجه جيش إسرائيل فلقد التقتْ به وهى منهكة لتتجرّع مرارة هزيمة لا يد لها فيها . أليس هذا مطلبًا جديرًا بالبحث والاستقصاء من أجل مصر؟)) (164) ولأنّ أغلب المؤرخين (المصريين) مصابون بداء العروبة والناصرية، فإنهم يُحجمون عن دخول تلك المنطقة المليئة بالألغام التى ستـُفجر قناعاتهم الراسخة رسوخ الجبال.
وعن شيوع الفساد الذى مارسه كل المُحيطين بعبد الناصر كتب عكاشة ((وكانت النتيجة الحتمية لهذه الظاهرة فى نهاية الأمر ما تفشى فى صفوفنا من عبث واستهتار. ومرد هذا كله كما أرى هو أنّ الحاكم المطلق – أى حاكم مطلق – لا يعنيه من التجاوزات إلاّ ما يمس شخصه والولاء له ، فحسبه أنْ يكون آمنًا وما بعد هذا فأمره هين . وعلى نمط الحاكم الفرد تكون غالبية أعوانه)) (277، 278) وتلك الفقرة ذات دلالة عميقة عن التناقض فى شخصية عكاشة ، وتكشف إلى أى مدى كان يمور الصراع داخل نفسه بين (المثقف) و(الضابط/ الوزير) فبينما كتب أكثر من مرة أنّ عبد الناصر كان ((يشعر بنبض الجماهير)) إذا به يُقر أنّ عبد الناصر بصفته الحاكم المطلق ((لا يعنيه من التجاوزات إلاّ ما يمس شخصه والولاء له)) إذن فإنّ الحاكم المُطلق (وتلك هى صفاته) لا يمكن أنْ ((يشعر بنبض الجماهير)) إلاّ فى الميديا التى روّجت لتك الأكذوبة. وإذا كان الحاكم المُطلق – مثل عبد الناصر- لا يهتم بأى تجاوزات إلاّ ما يمس شخصه ، فمعنى ذلك أنه لا يعمل أى حساب للجماهير، بينما الملك بلاسجوس قال لبنات داناوس حين استجرنَ به ((لا أملك أنْ أعدكنّ بشىء لحمايتكنّ . فقد تجـُرنى تلك الحماية إلى ويلات تنزل ببلادى . لذا كان حتمًا علىّ أنْ أعود إلى شعبى أستطلعه رأيه)) تلك الجملة الخالدة قالها ذلك الملك العظيم ، لذلك امتلك الكاتب الأمريكى الساخر (مارك توين) انتقاد سياسة أميركا الاستعمارية فكتب ((ما أوْلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنْ تستبدل بنجوم علمها وشرائطه جمجمة وعظمتيْن بعد أنْ امتهنتْ القرصنة الدولية)) كتب ذلك عام 1898 عندما حاربتْ الولايات المتحدة الأمريكية إسبانيا وما زعمته من رغبتها فى تحرير الفلبين من أيدى الإسبان ، فإذا هى آخر الأمر تستولى عليها. فهل كان (تحت مقصلة نظام الحاكم المُطلق) أنْ يتجرأ كاتب مصرى فيكتب مُنتقدًا سياسة عبد الناصر وتدخله فى شئون البلاد العربية والإفريقية بحجة (التحرير) كما زعمتْ الميديا العروبية / الناصرية ؟ وهل كان يستطيع أحد أنْ يعترض على قرارات عبد الناصر عندما أصدر فى مايو67 قرار طرد قوات الأمم المتحدة تمهيدًا لكارثة بؤونة/ يونيو67رغم أنّ رئيس هيئة أركان القوات المسلحة المصرية زار سوريا وعاد ((ينكر وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية)) ؟ كما ذكر كل من أرّخ لهذة الفترة بما فيهم عكاشة الذى أضاف أنّ مسئولية المعارك تتقاسمها القيادتان السياسية والعسكرية. وبالرغم من أنّ القيادة العسكرية سارعتْ بحشد قواتنا وتحريكها إلى الجبهة دون اعتراض منها على أنْ تدخل حربًا فى التو واللحظة مع معرفتها بأنّ القوات المسلحة ليست على الاستعداد لخوض معركة حاسمة مع إسرائيل . كما لم تكن التجهيزات الدفاعية كلها كاملة مستوفاة ، إذْ كانت ميزانية الدفاع التى تنوء بحرب اليمن لا تفى بالتزاماتها. وأنّ ثلث الجيش المصرى المُدرب كان فى اليمن وعلى بعد ثلاثة آلاف من الكيلومترات من سيناء وغارقــًا فى حرب عصابات غير نظامية. وكيف تكون القيادة العسكرية قادرة على أنْ تخوض معركتيْن حربيتيْن رئيسيتيْن فى جبهتين متباعدتين؟ وكان تعليق عكاشة ((لقد انطوى قرار إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية على مخاطرة غير مأمونة. وأنّ هذا القرار كان على سبيل المظاهرة لا الجد على ما فيه من مغامرة)) ورغم ذلك فإنه يصر على وضع مساحيق التجميل على وجه عبد الناصر فأضاف ((ولم يكن فى الحسبان أنه سوف يفضى إلى الحرب)) فهل كانت إسرائيل (ربيبة الاستعمار) على حد قول عبد الناصر، سوف تقف متفرجة وتـُمصمص شفتيها وتلطم خدودها وتـُمزق ثيابها ، بعد أنْ أعلن القادة الإسرائيليون أنّ غلق خليج العقبة تهديد لأمن إسرائيل ؟ وهو ما اعترف به عكاشة. وهل أمن مصر يستحق تلك الفجاجة الناصرية (تهديد أمن إسرائيل ثم لم يكن فى الحسبان أنه سوف يُفضى إلى الحرب) ؟ ولكن عكاشة سرعان ما حطم مساحيق التجميل فكتب ((كان طبيعيًا أنْ تقع الهزيمة المروعة لأنّ القوات المسلحة ظلتْ فى أيدى قادة تجمّد مع مرور الزمن فكرهم واكتسبتْ مناهجهم البالية قداسة الآلهة المعبودة . ولو كان المشير عامر قد ترك مكانه يوم قرر مجلس القيادة ذلك عام 62 أو لو كان عبد الناصر حزم أمره وأصرّ على تنحيته ، لما حاقتْ بمصر تلك النكبة. لكل ذلك نجح جيش إسرائيل لأنه منذ البداية سدّد ضربته نحو الرأس فكانت المأساة)) (من 369- 374) وعن فساد المنظومة السياسية الناصرية أضاف عكاشة أنّ ((عددًا من الضباط الأكفاء الذين أهـّلتهم الدولة بالدراسات العسكرية ، أخذوا يطمعون فى مزايا المناصب المدنية. لاسيما فى مناصب وزارة الخارجية ورئاسة الشركات بالقطاع العام . بالإضافة إلى عدد من الضباط الأكفاء ذوى النزاهة ، لم يجد شمس بدران بدًا من إقصائهم إلى مناصب مدنية ، إذْ كانوا من المُستعصين عليه. كما دخل شمس بدران بنفوذه الواسع لدى الشركات والمؤسسات ، مُحرّمًا شغل أى منصب بدون الرجوع إلى المشير، أو بمعنى آخر بدون الرجوع إليه نفسه. وهنا بدأ النزيف داخل القوات المسلحة بتكالب أعداد غفيرة من الضباط على الوظائف المدنية. وكان سبيلهم إلى ذلك طرق بابه بشتى الوسائل للظفر بمنصب هنا أو هناك. فكان هذا تخريبًا للقوات المسلحة من ناحية ، وإثارة للأفراد المدنيين فى أجهزة الدولة والقطاع العام من ناحية أخرى . وبلغ الأمر فى النهاية أنْ أقحمتْ المؤسسة العسكرية نفسها فى مجال الاقتصاد ، كما زاد عدد العسكريين فى السلك الدبلوماسى والحكم المحلى . فلا عجب أنْ يستيقظ العالم كله صباح 5يونيو67 المشئوم ليجد القوات المسلحة المصرية تتلقى ضربات العدو دون أنْ تملك عليها ردًا)) ولكن من الذى اختار شمس بدران لمنصب وزير الحربية عام 66 ؟ إنه عبد الناصر (من 397- 399) ويوم 8 يونيو قال شمس بدران أمام من عيّنه وأمام عامر وباقى الوزراء ((أما إتخمينا حتة خمه)) ووصل به الاستهتار لدرجة أنْ قال لهم ((لمَ أنتم حزانى هكذا ؟ هل أنتم فى مأتم ؟ أأطلب لكم قهوة سادة)) (376) أما سبب اختيار عبد الناصر لسامى شرف والتمسك به ليكون سكرتيره ، فحين سأله عكاشة عن هذا الاختيار، قال له إنّ سامى شرف ((شهد ضد شقيق له شارك فى أعمال مضادة (للثورة) كما أقسم لى أنه على استعداد لأنْ يذبح أبناءه إذا أمرته بذلك)) هذا هو عبد الناصر (معبود الجماهير) لا يثق إلاّ فى الشخصيات منزوعة الضمير، لذا كان عكاشة على حق عندما كتب ((كاد حلقى يغص بالطعام وقلتُ له إنّ هذه الشهادة من هذا الضابط تسلخه من إنسانيته. وأنّ القسم بذبح أبنائه لا يصدر عن إنسان سوى . وإنى لأعجب كيف يغيب عنك هذا)) لذا لم تمض سنوات ((حتى نصّب سامى شرف نفسه قيصرًا يدين له الوزراء والسفراء وأصحاب المراكز العليا الحسّاسة بالولاء. وسرتْ على ألسنة الناس نكتة تقول : إذا كان لأحدكم حاجة عند سامى شرف فليتوسط لها عبد الناصر (لمزيد من التفاصيل – من 436- 450)
وكيف كان عبد الناصر يشعر بنبض الجماهير- كما ذكر عكاشة- فى حين أنه لم يشعر بأى (نبض) تجاه الجنود المصريين الذين أرسلهم ليموتوا فى جبال اليمن ، ليس ((هذا فقط بل إنّ الجنود الذين ماتوا رفض عبد الناصر عودتهم إلى مصر، وأصدر قرارًا بدفنهم فى اليمن . أما الجرحى من جنودنا فكانوا ينامون فى طرقات المستشفيات)) (من شهادات ضباط مصريين حضروا مجزرة اليمن ثم تم شحنهم إلى سيناء فى كارثة يونيو67- فى كتاب (ضباط يونيو يتكلمون- تحرير عصام درّاز- المنار الجديد للصحافة والنشر- عام 89 ص 136 كمثال واحد فقط) ولكن عكاشة عندما يجعل (المثقف) ينتصر على (الضابط/ الوزير) يكون محايدًا ومُنصفــًا وهو يكتب شهادته وخلاصة رأيه عن النظام الناصرى فكتب (1) ((كان مُحرّمًا على كل ("كل" جاءتْ بالنص) المصريين فى تلك الآونة أنْ يتحدثوا فى مجالسهم الخاصة داخل بيوتهم عن سياسة بلدهم وإبداء رأيهم فيها مهما كانت مغرقة فى الوطنية (2) أنه مُحرّم على المصريين- لا سيما من يُجيد اللغات الأجنبية- أنْ يُطالعوا المجلات والكتب الأجنبية المطروحة فى السوق المصرية والتى تتناول السياسة المصرية أو سياسة منطقة الشرق الأوسط أو حتى السياسة العالمية. ومُحرّمًا عليهم تحليلها سواء فى مجالسهم الخاصة أو مع الأجانب الذين يعرفون تفاصيل تلك الأخبار معرفة دقيقة. حتى لو كانت المناقشة للدفاع عن وجهة نظر مصر وسياستها وإلاّ عـُدّ ذلك تخابرًا مع دول أجنبية (3) عدم ثقة الحكومة المصرية وقتذاك فى إخلاص المصريين لوطنهم مهما شهدتْ لهم مواقفهم السابقة وتاريخهم المُشرّف أو مكانتهم فى الدولة ، مما يُشير إلى اهتزاز الثقة بالنفس لدى الحاكم والتخوف من ضياع السلطة (4) وإذا كانت الدولة البوليسية بدأتْ مع يوليو52 فإنها استمرّتْ فى عهد السادات لأنّ أجهزة التصنت والتسمع كانت مازالت تـُسلط على بيوت الناس وتليفوناتهم وأسرارهم على الرغم من الدعاية الفادحة عن إيقاف أجهزة التجسس وإحراق الشرائط القديمة وهدم السجون وإغلاق المعتقلات وإطلاق الحريات . وقد كنتُ واحدًا مما صدقوا ما أعلنه السادات ليلة 14مايو71 عن عودة الديمقراطية. غير أنّ أحداث 14مايو أو ما يُسمونه (ثورة التصحيح) كانت فى حقيقة الأمر نهاية للصراع على السلطة بعد أنْ انتزع السادات السلطات التى كانت لخصومه ثم اعتقلهم وقدّمهم للمحاكمة (5) ضيق السلطات بأى نكتة تـُقال بين شخصيْن فى جلسة ودية داخل جدران البيوت عن طريق استراق السمع بالأساليب البوليسية المختلفة (461)
كتب كثيرون – غير عكاشة- أنّ عبد الناصر كان أحد الحكام الدكتاتوريين عندما كان يسمع أى نكتة تنتقده أو تنتقد نظام حكمه ، ومن بينها نكتة (بعد أزمة الأرز فى وزارة زكريا محيى الدين) عن مواطن يحمل (كرنبه) فسأله جاره ((إنت إتجننتْ دا ما فى ش رز. ح تحشيها بإيه؟)) فقال ((ح أحشى ها كفايه وعدل)) (جملة عبد الناصر الكاذبة) ولكن النكتة التى أشعلتْ غضبه أكثر، بعد هزيمة يونيو67كانت عن قائد القوات الجوية الذى رأى بالمنظار أسطولا أجنبيًا يقترب من شواطىء مصر فقال ((مين هناك ؟)) جاءه الرد ((إحنا الأسطول السادس الأمريكى فى عرض البحر المتوسط . إنت اللى مين؟)) فقال القائد المصرى ((إحنا الأسطول المصرى فى عرض النبى)) وانتشرتْ نكتة (فى عهد عبد الناصر) تقول أنه طلب من وزير الداخلية القبض على من يؤلف النكت ضده ، وله مكافأة لو اعترف ، تطوّع سجين من نشالى الأتوبيسات طمع فى المكافأة وقال لوزير الداخلية ((أنا صاحب النكت ضد الريس)) أخذه الوزير لعبد الناصر اللى قال للنشال ((أنا اللى رفعت راسكم.. وأنا اللى اللى)) فقاطعه النشال وقال ((يا ريس أنا قلت نكت كتيره.. بس النكته اللى حضرتك قلتها دى أنا ما قلت ها ش))
وذكر عكاشة أنّ التجسس على المواطنين شمل الوزراء وهو ما اعترف به وزير الداخلية شعراوى جمعة فى التحقيق معه فى شهر أغسطس 71حيث سأله المُحقق : وُجدتْ أشرطة فيها تسجيلات للدكتور ثروت عكاشة وهو نائب رئيس الوزراء ، أعنى وهو فى الحكم ، فهل كنتَ أنت الذى وضعتَ تليفونه تحت المراقبة ؟ فأجاب ((أى مكالمات تليفونية لغاية 28سبتمبر70 (تاريخ وفاة عبد الناصر) كانت بأمر الرئيس عبد الناصر. وبيطلع عليها ونظام البوستة عندى من صورتيْن : صورة للرئيس وصورة لى بوزارة الداخلية)) (462، 463) رغم كل ذلك أصرّ عكاشة على الدفاع عن عبد الناصر وروّج لأكذوبة أنه كان ((يشعر بنبض الجماهير)) فهل من يشعر بنبض الجماهير يترك جنودنا المصريين يُدفنون فى اليمن وفى حرب لا علاقة لمصر بها ويترك الجرحى فى طرقات المستشفيات ويتضايق من أى نكتة تنتقد نظامه السياسى ؟
وأعتقد أنّ شهادة الفنان التشكيلى والناقد عز الدين نجيب لها أهميتها ، حيث عمل فى وزارة عكاشة واحتكّ به أكثر من مرة من جهة ، كما أنه أشاد بعكاشة فى العديد من كتاباته ، ومن هنا فإنّ شهادته غير مجروحة عندما كتب ((كان د. ثروت عكاشة قد تخلــّص من اليساريين فى الوزارة ، ولم يستعص عليه إلا سعد كامل . وأقام الوزير- الذى كان بالأمس ثوريًا – مذبحة لسعد كامل ، فعقد اجتماعًا عامًا لكل العاملين بالثقافة الجماهيرية فى كل المحافظات حتى ملأوا صالة مسرح الجمهورية. وشنّ عليه حملة ضارية مستخدمًا كل الوسائل ، بما فيها الموظفين القدامى الذين أبعدهم سعد كامل (بموافقة الوزير أيامها) إذْ أطلق عقالهم ليهاجموه ويتصيّدوا له الأخطاء . وحين طلبتُ الكلمة أنا وبعض زملائى الشبان ، أغفل الوزير طلبنا . وكانت السيدة رعاية النمر مديرة قصر الجيزة تجلس على يمينى ، فقالت فى عتاب رقيق للوزير أنها مندهشة من أنه فى الوقت الذى يُصرّح فيه الوزير بتمسكه بنا ، يجلس الآن فى حجرة مجاورة المديرون القدامى على موعد مع سيادته)) وهنا انفجر الوزير وصاح بصوت مجلجل ((أنا لستُ شيوعيًا يا سادة. ولستُ ماركسيًا. قد أسمح بوجود بعض الماركسيين فى وزارتى لكن لن أسمح بالشيوعيين . وسوف أدق رأس الأفعى (يقصد سعد كامل) ولولا أنكِ يا رعاية مثل ابنتى لتصرفتُ معكِ بشكل آخر)) وبعد أيام تم استبعاد سعد كامل . ثم اختتم الفنان عز الدين نجيب شهادته قائلا ((أدركتُ أنّ عقد الزواج العرفى بين النظام الناصرى واليساريين قد انتهى باستتاب الوضع الجديد للنظام ، وقوى مركز عبد الناصر مرة أخرى . وكان لابد أنْ يتخلــّص من اليساريين بعد انتهاء مهمتهم لكن بيد ثروت عكاشة)) (الصامتون – تجارب فى الثقافة والديمقراطية بالريف المصرى- على نفقة المؤلف – عام 85- من ص 110- 113) وبتلك الشهادة المهمة من الفنان عز الدين نجيب ، يتأكد ما أذهب إليه من أنّ عكاشة حسم الصراع داخل نفسه- قبل أنْ يكتب مذكراته وأثناء كتابة المذكرات – لصالح عكاشة (الضابط/ الوزير) ضد عكاشة (المثقف) عندما دافع عن الدكتاتور وادعى أنه كان يشعر ((بنبض الجماهير)) مع أنه كان يرتعب من مجرد سماع نكتة تنتقده أو تنتقد منظومته السياسية / العروبية التى قتلتْ أولادنا فى حرب السويس 56 ثم فى مجزرة اليمن ثم فى كارثة بؤونة/ يونيو67.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنمية والقهر قبل وبعد يوليو1952
- ضباط يوليو 1952 والسفارة الأمريكية
- قراءة فى كتاب شامل أباظة (حلف الأفاعى)
- قراءة فى مذكرات إبراهيم طلعت
- الأزهر فى سباق الارتداد للخلف
- غياب الدولة المصرية عن تاريخها الحضارى
- الإعلام المصرى البائس والنخبة الأشد بؤسًا
- الصراع المصرى / العبرى : الجذور والحاضر
- قراءة فى مذكرات أحمد حمروش
- قراءة فى مذكرات عبداللطيف البغدادى (3)
- قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (2)
- قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (1)
- طغيان اللغة الدينية وأثرها على الشعوب
- قراءة فى مذكرات اللواء محمد نجيب
- رد على الأستاذ أحمد عليان
- قراءة فى مقدمة ابن خلدون
- كارثة العروبة على مصر
- العلاقة التاريخية بين الدين والقومية
- القرن التاسع عشر وتحديث المدن المصرية
- الخيال والإبداع الروائى


المزيد.....




- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - التأريخ بين الموضوعية والعواطف الشخصية