|
مشروع القانون الجعفري وُلِدَ ميتاً
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4413 - 2014 / 4 / 3 - 21:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استلمت رسائل من عدد من الأصدقاء، مشكورين، يعاتبونني على "صمتي" ازاء ما يسمى بـ: (مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري والقضاء الجعفري). وكذلك علق قارئ، على مقالة لي، اتهمني بتأييد القانون أو السكوت عنه لأسباب طائفية! نسي الأخوة سامحهم الله، أني كنت من أوائل الذين انتقدوا بشدة هذا المشروع المشبوه، وفي الأيام الأولى من نشره في أواخر العام الماضي، وكان عنوان مقالي: (قوانين لتكريس الصراعات الطائفية)(1). كما وقد أجاد عدد كبير من الكتاب الأفاضل في نقدهم له بما فيه الكفاية ولم يبقوا لي شيئاً أضيفه في هذا الصدد، إذ لا فائدة من التكرار.
على أية حال، في العراق إذا وجهت لك تهمة أو إشاعة مسيئة وتسكت عنها فهذا يعني أن التهمة أو الإشاعة صحيحة!!، لأن ذهنية المجتمع العراقي مهيأة لتصديق الإشاعات. ولذلك رأيت من الضروري العودة إلى الموضوع لتوضيح ما استجد عنه، وكذلك لأطمئن الحريصين على حماية المجتمع من القوانين الرجعية، وبأني لست مؤيداً لهذا القانون الرجعي الطائفي!!
أولاً، هذا "القانون" ولد ميتاً وهو مازال في طور مسودة أو لائحة أو ما يسمى بمشروع قانون. وإن الذي كتب مسودته واقترحه على مجلس الوزراء، (السيد حسن حلبوص الشمري) وزير العدل، له أغراض شيطانية ونوايا مشبوهة متعكزاً تارة على الدين وتارة على الدستور، وبذلك فقد أساء إلى سمعته وسمعة الحزب الذي ينتمي إليه (حزب الفضيلة)، وحتى إلى الدين والمذهب الذي ينتمي إليه، أكثر مما أساء إلى النظام العراقي الجديد. فلو كان هذا الوزير حقاً حريصاً على العدالة، ووحدة وسلامة الشعب العراقي (المتمزق أصلاً)، لما أصدر مثل هذا المشروع المتخلف المثير للمزيد من التفرقة وكأن الشعب العراقي تنقصه أسباب التفرقة. في رأيي أن غرض الوزير من تقديم هذا المشروع هو فتح أبواب الجحيم على النظام العراقي الجديد، وتحديداً على رئيس الوزراء السيد نوري المالكي. فهو يعرف أن خصوم المالكي معبئين بمناسبة وغيرها، لشن حرب عليه وإلصاق كل سيئة به، وإن لم يجدوا سيئة عليه فيختلقون الكثير منها وإلصاقها به. وإذا ما نصحنا بعدم التصديق بهذه الافتراءات احتراماً لعقولنا وعقول القراء، اعتبرونا من مثقفي السلطة ومدافعين عن المالكي و بأجر مدفوع !!! كما وعلمتُ أنه لما قدم الوزير المشروع، رفضه رئيس الوزراء، ويبدو أنه أخيراً وافق لاعتقاده أن البرلمان سيرفضه... وهذا في رأيي من المؤكد. فمشروع هكذا قانون أثار كل هذا الجدل من شأنه تكريس انقسام المجتمع على أسس طائفية، ومنح أعداء الديمقراطية ذخيرة حية للهجوم على عراق ما بعد صدام، وإظهار حكم صدام بالتقدمي ...الخ، فلا بد وأن يُرفض ويُلقى في حاوية القمامة.
فالمشروع رجعي ومتخلف ومعارض لمسار التاريخ، ومعادي لأبسط حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وبالأخص الطفولة البريئة، إذ يسمح بالاغتصاب الجنسي للأطفال بذريعة الزواج، أي يروج لمرض البيدوفايل (Paedophile) في المجتمع العراقي المصاب أصلاً بألف علة وعلة اجتماعية. وإذا كان عذر الوزير بحق الزواج من طفلة في التاسعة من العمر أنه أراد الاقتداء بالنبي محمد الذي تقول الروايات أنه تزوج من السيدة عائشة وهي في الرابعة من العمر، ودخل فيها وهي في التاسعة قبل 14 قرناً، فهذه الحجة باطلة ومرفوضة اليوم ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين. وهذه الحجة مرفوضة حتى دينياً لأن كثيراً من الأمور كانت مسموح بها للرسول، وغير مسموحة لغيره من المسلمين في نفس العصر وإلى الآن، ومنها على سبيل المثال، كانت للرسول نحو 12 زوجة في آن واحد، بينما لا يجوز للمسلم الزواج من أكثر من أربع نساء، وبشروط تعجيزية أهمها توافر العدالة والتي هي مستحيلة إذ كما جاء في الآية: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم). كذلك لم يجز القرآن لزوجات النبي بالزواج بعد وفاته، وهذا الشرط لا يطبق على مطلقات وأرامل المسلمين. ويمكن تطبيق هذا المنع على الزواج من الطفلة قبل سن البلوغ أي 18 سنة. فالخليفة عمر بن الخطاب قام بتغيير نحو أربعين مادة كان معمولاً بها في عهد الرسول وأبي بكر، واجتهد حتى في النص القرآني حيث حرَّم زواج المتعة، وحقوق المؤلفة قلوبهم.
كما واستند وزير العدل في كتابة مشروع قانونه إلى المادة الثانية من الدستور: "أ- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام." ولكنه أهمل الفقرتين الأخريين من المادة نفسها وهما: ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور." فمشروع القانون المطروح للتصويت يتعارض مع هاتين الفقرتين.
ولعل مصدر آخر استند أليه السيد الوزير في جواز الزواج من الطفلة، وهو ما جاء في رسالة أية الله السيد روح الله خميني في كتابه (تحرير الوسيلة)، ما نصه: "مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى مع الرضيعة، ...." (الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، ص216، دار المنتظر، بيروت- لبنان، ط2، 1405هـ ، 1985م). وقبل سنوات كتبت رداً على هذه الفتوى الخمينية بمقال عنونه (الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ) (2)، الذي أثار جدلاً مفيداً، وكتب أحدهم دفاعاً عن فتوى الخميني، قائلاً أن هناك اتفاق بالإجماع بين جميع المذاهب الإسلامية حول جواز الزواج من الطفلة في التاسعة.
والجدير بالذكر أن السيدة مريم الريِّس، المستشارة القانونية للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي، شنت هجوماً عنيفاً على وزير العدل لتقديمه مشروع هذا القانون سيئ الصيت إذ قالت فيه: "لا يسعني إلا ان اقول بأنك قد أهنت المرأة التي ولدتك وبأن العقد النفسية التي تربيت ونشأت عليها لن تبني بها بلداً... فبموجب هذا المشروع تقوم النفقة وتنعدم مع وجود الاستمتاع... فالمرأة المريضة والكبيرة والعاجزة لا تستحق النفقة!!!!" وتساءلتْ: " أي عدالة هذه يا وزير العدل...؟ ولا يسعني هنا الا أن اعود واسأل هل لك أن تزوج أبنتك وهي في عمر التسع سنين؟؟ لا بل تسقط النفقة عنها اذا لم يستمتع بها زوجها ...؟" وهناك مسألة أخرى جديرة بالطرح وهي، ما هي حاجة العراق إلى هذا القانون الطائفي، إذ لدينا قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 الذي أصدره الزعيم عبدالكريم قاسم، وهو خلاصة ما توصل إليه المتضلعون في القوانين، آخذين بنظر الاعتبار التعددية الدينية والمذهبية في العراق الذي كان بحاجة إلى قانون مدني موحد لمختلف مكونات الشعب العراقي وليس لقانون طائفي مفرق. إضافة إلى أن القانون رقم 188 يسمح لأي فرد إجراء عقد الزاج والطلاق أمام رجل الدين من مذهبه، إضافة إلى أمام القاضي المدني. وعليه فمشروع القانون هذا جائر ويتعارض مع الدستور، وضد حقوق الإنسان والمرأة والطفولة، لذلك فهو باطل، ولا بد للبرلمان القادم من إلغائه وإلقائه في حاوية القمامة. ـــــــــــــــــــــــ روابط ذات علاقة 1- عبدالخالق حسين: قوانين لتكريس الصراعات الطائفية http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=611
2- عبدالخالق حسين: الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ...! http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=88920
3- مريم الريس لوزير العدل: أنت معقد نفسيا ولم تمارس المحاماة إلا أشهر http://www.uragency.net/women-s-issues/911-2014-03-31-10-22-51.html
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل السيسي أتاتورك مصر؟
-
دعوة لوقف تداعيات مقتل الشهيد محمد بديوي الشمري
-
حرية نشر البغضاء والفتن الطائفية
-
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ما له وما عليه
-
ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً
-
على العراق أيضاً سحب سفيره من قطر
-
مبادرة علاوي لإنقاذ داعش من الهزيمة
-
لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
-
نهاية البعث في تحالفاته الأخيرة
-
الداعشيان في واشنطن
-
التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
-
الدعم الدولي للعراق يفضح حماة الإرهاب
-
شاكر النابلسي في ذمة الخلود
-
من المستفيد من توجيه تهم الفساد إلى الشخصيات الوطنية؟
-
هل حقاً أهل السنة من أنصار يزيد؟
-
نواب يمثلون الواجهة السياسية للإرهاب
-
تحية لجيشنا الباسل في حربه على الإرهاب
-
البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
-
إعمار العراق ولعبة الشركات الوهمية
-
مانديلا في مسيرته الطويلة إلى الحرية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|