|
محاذير فى بناء التحالف
حمدى الحناوى
الحوار المتمدن-العدد: 1253 - 2005 / 7 / 9 - 09:23
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الموقف فى مصر الآن دقيق، والشعارات تترى والتجمعات تتكاثر. هذه علامة صحة لكنها تنطوى على تفتت يجعل التحالف لازما. غير أن فكرة التحالف أيضا تطرح محاذير لا بد من مناقشتها بلا حساسيات. يتحدث الجميع عن الديموقراطية، ولكن الديموقراطية صارت كلمة حمالة أوجه. وفى ظل حكومات تعتمد الإجراءات البوليسية كاستراتيجية للتعامل مع كل القوى خارج الحكم، يستطيع كثيرون أن يزعموا أنهم ديموقراطيون. ويجب أن نحذر من ديموقراطية قد تكون مجرد طريق إلى ديكتاتورية أكثر هولا من كل ما عرفنا.
سيقول البعض هذا كلام يثير الانقسام أو يدعمه، وأزعم أن تفادى الانقسام لا يكون بأن نسير مغمضى الأعين. لا بد من بناء الثقة، ولن يكون ذلك بالتنازل مسبقا عن مبادئنا أو خبراتنا التاريخية. منذ خمسينيات القرن الماضى أتذكر شعارا كان يقول "فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء، فليعد للدين مجده أو ترق فيه الدماء". لا نرى الآن ذلك الشعار لكن الجوهر لم يتغير، وما زال أصحاب تلك الدعوة يقولون أنهم مكلفون بها شرعا من الله. ومن يعتقد أنه يحكم بتكليف من الله لا يعرف حدودا فكرية أو قانونية بل يعطى لنفسه حق تجاوز كل الحدود.
نعرف أن من مبادئ الديموقراطية فصل الدين عن الدولة، وعندنا نص دستورى يقول أن الدين الإسلامى هو المصدر الأساسى للتشريع. فهل يقبل دعاة الحكم الدينى تعديل تلك الفقرة ليكون هناك نص قاطع بأن الدين لله والوطن للجميع. أعتقد أن هذا ضرورى لبناء الثقة. وهم يجب أن يدركوا أن هذا النص ليس إقرارا بأن يحكمنا أحد بتكليف من الله. وتفسيره بهذا المعنى هو مجرد مناورة تحمل النص أكثر مما يحتمل.
يضاف إلى ذلك ضرورة استبعاد أساليب الاحتراب التى ترتكز على مبدأ التكفير. لا أعترض مسبقا على الدعوة لحكم دينى لكن من يدعو لهذا يجب أن يعلن برنامجه بشكل قاطع ليكون الجميع على بينة، ولئلا يكون التحالف منصة للقفز إلى المجهول. وقد حققت الحركة الشعبية نجاحا يجب البناء عليه، ويجب أن تتكاتف كل القوى التى شاركت فى تحقيق النجاح. لكن الفجوة واسعة بين الأطراف، واختلاط الأوراق مشكلة حقيقية، ويجب التقدم إلى الأمام بحذر.
لا يعنى هذا تلقائيا رفض التحالف مع دعاة الحكم الدينى. لكن التحالف يجب أن يبدأ بما يمكن الاتفاق عليه كحد أدنى ثم يرتفع سقف هذا الحد الأدنى كلما استمر الحوار وزادت مساحة الاتفاق والثقة. تلك بداية تسمح لكل طرف بأن يستمر فى بناء قوته ولا تسمح لطرف بأن يفرض برنامجه على الآخرين. من هنا تكون المزايدة على التعبئة السياسية بشعارات إسقاط النظام مجرد حق يراد به باطل ولا يصلح كبرنامج للتحالف. والوضع الراهن لم يصل إلى حالة الثورة، وقد ينتهى إلى فوضى تستغلها قوى أخرى طامعة. صحيح أننا نحتاج ثورة تخرجنا من وضع انتقالى طال أمده، لكن الثورة ليست أى انقلاب. وعموما، فإن ما جرى حتى الآن كان أكبر من أى شرارة يمكن أن تشعل ثورة، ولا مجال للزعم بأنها لم تشتعل بسبب قمع البوليس. القمع زيت يزيد النار اشتعالا. والحقيقة أن النجاح الأول أعطى انطباعا بمرونة النظام وتقبله للإصلاح. والأهم أن المعارضة لا تقدم حتى الآن برنامجا محددا لحل مشكلات الناس المتراكمة. ولهذا لا تصل التعبئة السياسية حتى الآن إلى المستوى اللازم ويقف غالبية الناس فى وضع الترقب.
فى ضوء هذا أرى أن مطلب انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد لا يمثل أولوية عاجلة. هذا مجرد استدعاء لشعارات ثورة 1919 ونحن الآن فى القرن الحادى والعشرين. نحتاج طبعا إلى دستور جديد، لكن هذا عمل ضخم يجب أن يأخذ وقتا كافيا لا أن يسلق فى بضعة أشهر. الأولوية الآن للتعبئة ومد الجذور. ويظل محور العمل تعميق الديموقراطية لكن هذا لا يعنى بالضرورة استخدام تلك الكلمة التى تتعدد تفسيراتها.
ليكن التركيز على حرية التعبير والتنظيم والضمانات ضد الاعتقال والتعذيب وضمانات نزاهة الانتخابات. الأولوية بعد ذلك ليست لشعارات توظيف العاطلين بل لبنود تقول بوضوح كيف يمكن إيجاد وظائف للعاطلين، وينطبق نفس النهج على تصحيح مسار التعليم، وتحسين الرعاية الصحية، وتحقيق عدالة ناجزة. ويعتبر الدستور الحالى دستورا مؤقتا وهذا لا يلغى حق الحركة الشعبية فى العمل من أجل ضع دستور جديد بترتيب الأولويات.
#حمدى_الحناوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|