|
التنمية والقهر قبل وبعد يوليو1952
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4411 - 2014 / 4 / 1 - 00:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يذهب ظنى أنّ مصر- قبل سيطرة الضباط على الحكم فجر الأربعاء 23يوليو1952- كانت مؤهلة لتكون دولة عظمى فى منطقة الشرق الأوسط على أقل تقدير. وسواء خطــّط الاستعمار العالمى (خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) برئاسة الولايات المتحدة لوأد النهضة المصرية ومساعدة إسرائيل لتكون هى أقوى دولة فى المنطقة أم لا، فإنّ ما حدث بعد يوليو52 يؤكد على أنه تم توريط مصر فى صراعات إقليمية وحروب كان يُمكن تجنبها (حرب 56 واليمن وكارثة بؤونة/ يونيو67) ومشروعات تخريبية تبيّن أنها بتحريض الأمريكان (قانون الإصلاح الزراعى الذى تسبّب فى تفتيت الرقعة الزراعية- نموذجًا) و(مديرية التحرير- نموذجًا ثانيًا) وإقامة المصانع على أجود الأراضى الزراعية (قليوب وشبرا الخيمة- نموذجًا ثالثـًا - إلخ إلخ) وتدمير المشتى العالمى (منطقة حلوان) بإقامة مصنع الحديد والصلب الذى يأتيه الحديد من أسوان . ثم مصانع الأسمنت إلخ . وقبول الضباط للآلية الأمريكية الشريرة المُسماة (المعونة) عندما وافق الضباط بعد يوليو52 على البرنامج الأمريكى (النقطة الرابعة) التى وصفها محمد نجيب فى مذكراته أنها كانت واحدة ((من عدة اتفاقيات خائنة)) ومع ملاحظة أنّ قبول الضباط ل (معونة) النقطة الرابعة تم فى الوقت الذى كانت مصر غنية بمواردها الذاتية ، وخاصة فى المحاصيل الزراعية. وميزان المدفوعات والميزان التجارى لصالح مصر، أى أنّ مصر- فى ذاك الوقت لم تكن فى حاجة إلى ما يُسمى (معونة أمريكية) وهو مصطلح ليس له أى أساس علمى أو واقعى ، فالحكومات الأمريكية المُتعاقبة لا تلقى بدولاراتها هباءً ، وإنما لتحقيق مصالحها الاستعمارية ، وهو الأمر الذى لم ينتبه إليه الضباط (بفرض حـُسن النية) وبلعوا الطـُعم السام الذى ظلّ يسرى طوال فترة حكم عبد الناصر وخليفته السادات وخليفته مبارك ثم خلفاء مبارك حتى لحظة كتابة هذه السطور (برمهات 6255- مارس2014) ومع مراعاة أنّ (سُم المعونة الأمريكية) يسرى فى جسد المواطن المصرى الذى يُعانى من كل المشكلات المعيشية ، ولا ينتقل (السُم) إلى جسد الحاكم ولا من حوله من مستشارين ومستوزرين إلخ . أدّتْ كل هذه العوامل إلى تخلف مصر اقتصاديًا وتنمويًا ، وابتعدتْ – خاصة- عن مجال العلوم الطبيعية وتطبيقاتها التكنولوجية. وبالتالى تم إزاحة مصر نهائيًا عن التقدم والتنمية ، لتتبوأ إسرائيل المكانة التى كانت مصر تسير فى طريقها قبل يوليو52. إذْ كانت إسرائيل فى عام 1970(أى بعد 22 سنة من الاعتراف بها دوليًا) سادس دولة نووية (د. فوزى حماد- مجلة الهلال- يوليو2002) وورد فى إعلان المبادىء الصادرعن القمة العالمية لمجتمع المعلومات (جنيف 2003 وتونس 2005) أنّ الدول العربية (كلها) تـُخصّص لميزانيات البحث العلمى ما لا يزيد عن نصف فى المائة من إجمالى الناتج القومى، وهى نسبة تكاد تكفى مرتبات الموظفين، بينما تـُخصّص كوريا الجنوبية 5ر2% وإسرائيل 3% من إجمالى الناتج القومى . كما تؤكد الإحصاءات أنّ الدول العربية تـُنتج فى مجال المعرفة وإصدارات الكتب – تأليفـًا وترجمة- حوالىْ ستة آلاف عنوان فى السنة ، ويبلغ نصيب العلم فيها أقل من 2% ولا تزيد إصدارات الترجمة عن 350 عنوانـًا فى السنة فى كل الدول العربية (بما فيها مصر وفق التصنيف العروبى/ الناصرى) بينما تـُصدّر إسرائيل حوالىْ 450عنوانـًا مترجمًا فى السنة (أركيولوجيا العقل العربى- شوقى جلال- دار العين للنشر- عام 2009 من ص169- 171) وشاركتْ إسرائيل فى مشروع الجينوم البشرى ونقل الرائحة عن طريق الكمبيوتر، وزوّدتْ طائرات الحلفاء فى حملة البلقان بأنظمة توجيه كمبيوترية. وشاركتْ فى شبكة الردع الصاروخى (د. هشام الحديدى – أهرام 4/6/2001) تلك المقارنة بين مصر وإسرائيل بعد يوليو52 تجعل العقل الحر يسترجع المعلومات المـُتوفرة عن مصر قبل كارثة أبيب/ يوليو52 وقبل كارثة وجود وزارة للإعلام. فى المرحلة التى وصفها عبدالناصر ب (العهد البائد) كان المفكرون المصريون يسعون لتشييد قواعد دولة عصرية تمثلتْ فى : عدم الاستسلام للأصوليين الإسلاميين بقيادة حسن البنا ومن تبعه من الإخوان المسلمين ، حرية البحث العلمى ، صحافة حرة تـُقاوم الفساد ، حرية تكوين الأحزاب (بمجرد الإخطار ودون شرط العدد لدرجة وجود حزب من ثمانية أشخاص ، وأطلق عليه شعبنا فى أهازيجه الظريفه (حزب سبعه ونص) لأنّ زعيمه كان قزمًا ، أى أنّ مصر لم تعرف بدعة (لجنة شئون الأحزاب) حكومة مسئولة أمام البرلمان، تمصير الاقتصاد المصرى (دور طلعت حرب نموذجًا) إذ نجح بنك مصر فى تحقيق حلم الاقتصاد الوطنى ، ومن أمثلة ذلك أنه خلال الفترة من 1922- 46 أنشأ 21 شركة مصرية فى مجالات مختلفة ، بدأتْ بمطبعة مصر وانتهتْ بشركة مصر للحرير الصناعى ، مرورًا بشركة مصر للنقل والملاحة وشركة مصر للتمثيل والسينما. كما كان الجنيه المصرى أغلى من الجنيه الاسترلينى بفارق قرشيْن ونصف. وكذا ظهور العديد من الشخصيات المصرية البارزة فى مجالات الأدب والفن والعلوم (مصطفى مشرفة وسميرة موسى- نموذجًا) وفى تلك الفترة كانت مصر على وشك أنْ تكون امبراطورية ، إذْ أنّ الجنود المصريين بقيادة (جوردون باشا) استولوا على منطقة (مرولى) الواقعة على نهر السومرست (نيل فيكتوريا) وبناءً على ذلك تم إلحاق ((جميع البلاد الواقعة حول بحيرة فيكتوريا وبحيرة البرت بمصر)) (عبد الرحمن الرافعى- عصر إسماعيل- ج 2- مكتبة النهضة المصرية- عام 1948- ص 287- وثيقة رقم 7) ونظرًا لمكانة مصر المؤهلة لتكون دولة عصرية ، كان من الطبيعى أنْ يكون القانونى الكبير (عبد الحميد بدوى) الذى كان أول من دعا إلى إنشاء مجلس الدولة ، أنْ يكون رئيسًا للوفد المصرى فى اجتماع اللجنة التحضيرية لهيئة الأمم المتحدة عام 1945. كما رأس وفد مصر فى مجلس الأمن . وكذلك تم اختياره كأول قاض مصرى ضمن قضاة محكمة العدل الدولية. أما (محمد عوض محمد) الجغرافى المصرى الكبير، فقد رشحته مكانته العلمية والدولية الرفيعة للمشاركة ((فى وضع ميثاق الأمم المتحدة ، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، وأكثر من ذلك تم تكليفه بوضع الوثيقة الخاصة بإلغاء الرق ، وتواصل عمله بهذه المنظمة الدولية بانتخابه عضوًا بالمجلس التنفيذى لمنظمة اليونسكو، ثم اختياره عضوًا بلجنة حقوق الإنسان التابعة لها)) (نقلا عن إبراهيم عبد العزيز- رسائل طه حسين – هيئة الكتاب المصرية- مكتبة الأسرة- عام 2000- ص 146، 172) وفى ظل ذاك المناخ كان شعبنا يمتلك شجاعة نقد المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر) وعلى سبيل المثال (بالطبع) ما ذكره الأديب نجيب محفوظ حيث كتب أنه يتذكر مونولوجًا حفظه وهو طفل يقول : الدنيا دى زى الأنجـــــر مليان فته وسط الأزهر حواليه غفر ونقيب أكبر يدى لقرايبه ويبعتــــــر (أهرام 7/7/94- مربع وجهة نظر) وفى هذا المناخ عندما نادى الأصوليون بضرورة تدريس الدين فى الجامعة وكذلك تدريس القرآن للمسيحيين ، تصدى لهم أحمد زكى أبو شادى على صفحات مجلة (أدبى) فدعا إلى منع تعليم الدين فى جميع مدارس التعليم العام فكتب إنّ ((تعليم الدين فى المدارس غير موحدة العقيدة ، فيه أخطر عوامل التنافر، كما نعرف ذلك بالتجربة. والفضائل الأدبية التى يجب أنْ تـُدرّس فى المدارس يجب أنْ تقوم على السيكولوجية الحديثة. وعلى فلسفة علم الاجتماع ، بحيث يشعر كل طالب بشخصية ضميره كوازع ومرشد فى نور العلم الصحيح ، لما فيه من خيره وخير وطنه وخير الإنسانية. أما شئون العبادات لمن يؤمن بها ، فلا شأن لها بالمدرسة ولا بأى مظهر من مظاهر الحكم. ولا يجوز أنْ تتسرب إلى المعاملات ولا ينبغى أنْ تـُفرّق بين أبناء الوطن الواحد)) (مجلة أدبى- يناير- مارس 1937) وفى نفس الاتجاه كتب محمود عزمى كى يؤكد على المفهوم العلمانى للتعليم قائلا ((نحن ممن يدينون بضرورة جعل التعليم العام قائمًا على فكرة (المدنية) غير ذات الصبغة الدينية. وأنّ التعليم الذى يُصرف عليه من خزينة الدولة يجب أنْ يكون غير خاضع لغير اعتبار القومية. وليس له نزعة دينية خاصة)) (مجلة الجديد – 15 فبراير1925) وعندما نادى الأصوليون بضرورة عودة الخلافة (مرة أخرى) تملقــًا للملك فاروق تصدى لهم محمد سيد كيلانى فى كتابه (الشريف الرضى) فكتب أنّ الخلافة ((كانت شؤمًا على الشرق والشرقيين)) وفى هذه الفترة رفض رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس تتويج الملك فاروق فى حفل دينى تدعيمًا لفكرة الدولة العصرية التى تفرق بين الدين والسياسة ، ولم يرضخ لضغوط مشايخ الأزهر ولم يرضخ لضغوط كل الأصوليين . ولم يرضخ لرغبة الملك وأتباعه فى القصر. ومصطفى النحاس كان على المستوى الشخصى شديد التدين، ومع ذلك كان يرفض التوقيع على أى قرار أو أية ورقة حكومية عليها عبارة (باسم الله الرحمن الرحيم) وكان منطقه فى ذلك أنّ التدين شىء والعمل العام شىء آخر. وحدث أنْ أعلنتْ وزارة الأوقاف عن مسابقة لتعيين موظفين إداريين ، وجاءتْ النتيجة بنجاح عدد كبير من المسيحيين ، فألغى وكيل الوزارة المسابقة. كتب المسيحيون الناجحون شكوى إلى النحاس باشا ، فأصدر قرارًا من مادتين الأولى : التحقيق مع وكيل الوزارة والمادة الثانية تنفيذ نتيجة الامتحان ، لأنّ كل المتقدمين لهذه المسابقة مصريون . وفى تلك المرحلة الليبرالية التى حاول عبد الناصر رجمها شاركتْ المرأة فى النهضة المصرية (هدى شعراوى، منيرة ثابت، درية شفيق وسعاد الرملى وأخريات) وشهدتْ أول فتاة مصرية ترتدى روب المحاماه (نعيمة الأيوبى) عام 1932 وفى نفس العام شهد أول فتاة مصرية تقود طائرة (لطيفة النادى) وفى تلك المرحلة من تاريخ شعبنا ، لم تكن مصادفة أنْ يقف النائب فكرى أباظة فى البرلمان فى الثلاثينات من القرن العشرين ويطالب بإلغاء خانة (الديانة) من جواز السفر وقال ((ألا تكفى مصريتنا لكى تدل على هويتنا ؟ فمصر قبل الأديان والدين لله والوطن للجميع . فلماذا التفرقة ؟ وما ضرورة هذا التمييز الدينى؟)) أما محمود عزمى (المفكر المصرى الكبير) فقد أقام دعوى قضائية ضد الحكومة طلب فيها إلغاء خانة الديانة من كل المحررات الرسمية. لذا كانت د. لطيفة الزيات على حق عندما جسّدتْ مشهد وداع عميد الثقافة المصرية (طه حسين) فكتبتْ ((وأنا أشيّع جنازة طه حسين ، شعرتُ أننى أشيّع عصرًا لا رجلا. عصر العلمانيين الذين جرءوا على مساءلة كل شىء. عصر المفكرين الذين عاشوا ما يقولون وأملوا إرادة الإنسان حرة ، على إرادة كل ألوان القهر)) (حملة تفتيش – أوراق شخصية- كتاب الهلال المصرى- أكتوبر92- ص 95 وهيئة الكتاب المصرية- مكتبة الأسرة- عام 2000- ص 100) صدقتْ د. لطيفة الزيات فى قولها الحكيم ، فبعد يوليو52 تصاعد كل أشكال القهر، بينما خفتتْ وتراجعتْ الأصوات المُندّدة بالقهر. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضباط يوليو 1952 والسفارة الأمريكية
-
قراءة فى كتاب شامل أباظة (حلف الأفاعى)
-
قراءة فى مذكرات إبراهيم طلعت
-
الأزهر فى سباق الارتداد للخلف
-
غياب الدولة المصرية عن تاريخها الحضارى
-
الإعلام المصرى البائس والنخبة الأشد بؤسًا
-
الصراع المصرى / العبرى : الجذور والحاضر
-
قراءة فى مذكرات أحمد حمروش
-
قراءة فى مذكرات عبداللطيف البغدادى (3)
-
قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (2)
-
قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (1)
-
طغيان اللغة الدينية وأثرها على الشعوب
-
قراءة فى مذكرات اللواء محمد نجيب
-
رد على الأستاذ أحمد عليان
-
قراءة فى مقدمة ابن خلدون
-
كارثة العروبة على مصر
-
العلاقة التاريخية بين الدين والقومية
-
القرن التاسع عشر وتحديث المدن المصرية
-
الخيال والإبداع الروائى
-
تحايل إيزيس على (رع)
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|