سامي المنصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4410 - 2014 / 3 / 31 - 19:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحتوى قصة زكريا الذى يطلب من الله ان يرزقه بابن على الكثير من الاختلافات والتى ينتج عنها كثير من التساؤلات النقدية
جاءت هذه القصة فى سورة آل عمران 38-41 ومريم 3-11
وها هو نص السورتين :
آل عمران 38-41
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)
مريم 3-11
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
قام جامعوا القرآن بنقل هذه القصة عن مصادر مختلفة أو حفاظ تعددت رواياتهم مما نتج عن ذلك الاختلافات والتناقضات التى سأقوم بتوضيحها فى النقاط الاتية
1-مع من كان يتكلم زكريا؟ مع الله أم مع ملا ك او جوقة من الملائكة ؟
ان كلا السورتين وقعتا فى الخلط . فتارة يأتى الحديث على لسان الله , وتارة على لسان ملائكة تتكلم جماعيا بنفس الكلمات .
ففى آل عمران 39 { فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب إن الله يبشرك بيحيي...}فاذ بزكريا يرد على الملائكة قائلا { قال رب أنى يكون لى غلام}والمخاطب هنا هو الله وليس ملاكا او ملائكة!
ويستمر الخلط فى سورة مريم حيث نجد الله متكلما بصيغة المتكلم وموجها حديثه لزكريا مباشرة قائلا
{ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } !!
وتتركنا نصوص القرآن حيارى , فلا ندرى ان كان المتكلم ملاك او ملائكة او الله , او هل كان الله موفدا لزكريا ضمن جوقة الملائكة !!
2- يطلب زكريا من الله ان يهبه ولدا وهو مدرك تمام الادراك لحقيقة انه رجل مسن وان امراته عاقر, فعندما يستجاب له فانه يندهش ويسأل قائلا { أنى يكون لى غلام}وكأنه فوجئ بالامر .
فهل نسى هاتين الحقيقتين عندما طلب من الله الذرية؟
3-فى آل عمران 38 يزعم القرآن انه جاء على لسان زكريا { هب لى من لدنك ذرية طيبة}
بينما جاء فى مريم 5 على لسانه
{ فهب لى من لدنك وليا}
فهل طلب زكريا من الله هذه الطلبة مستخدما تعبير {ذرية طيبة} أم كلمة {وليا}؟
4-يرد زكريا على الله فى آل عمران 40 ومريم 8 قائلا
فى آل عمران 40
قال رب أنى يكون لى غلام
وقد بلغنى الكبر وإمرأتى عاقرا
وفى مريم 8
قال رب أنى يكون لى غلام
وكانت امراتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا
ولنا عدة ملاحظات على الايتين
أ-اتفقت بداية الايتين فى قول زكريا { قال رب أنى يكون لى غلام} ثم جاء الاختلاف , حيث تنقل لنا آية آل عمران قوله {وإمراتى عاقرا} بينما نقلتها مريم {وكانت امراتى عاقرا}
وكذلك نجده مرة يقول { وقد بلغنى الكبر }ومرة { وقد بلغت من الكبر عتيا} فأيهما قال؟
حيث ان الحادثة التى نحن بصددها حدثت مرة واحدة وبالتالى كان هناك ردا واحدا بصيغة واحدة.فمن اين جاءت هاتين الصيغتين المختلفتين؟
فان كان قد قال احدهما فالاخرى محض خيال , أو ان الاثنتين من خيال الراوى صاغهما باكثر من طريقة بتصرف دون ان يراعى ما قاله زكريا بالفعل.
ب-فى الايتين نلاحظ اختلاف الترتيب الزمنى للكلام , حيث ان آية آل عمران تجعل زكريا يقول اولا انه قد بلغ الكبر ثم ثانيا ان امراته عاقرا.اما آية مريم فعكست الترتيب فجعلته يقول اولا ان امراته عاقرا ثم انه بلغ الكبر.فمن الواضح ان الراوى كان يجهل الترتيب الزمنى لكلام زكريا وانه كان غير دقيق فى نقله للكلام , او على اقل تقدير هو ينقل ما يحلو له بصرف النظر عما قيل بالفعل فى هذه الحادثة , فيقوّل شخصياته ما يريد ان يقول هو نفسه وليس ما قالوه بالفعل
ج-هذه الملاحظة قد تفسر لنا سر اختلاف الترتيب الزمنى للكلام فى الملاحظة السابقة , حيث يلاحظ ان راوى القرآن فى سورة مريم يستخدم قافية ( يفضل الفقهاء لفظ " فواصل " حتى يتجنبوا شبهة " قوافى " الشعر !!) تنتهى بالياء والالف (...يا) فمن الاية الثانية حتى الاية الثالثة والثلاثون فرض الراوى على نفسه هذه القافية والتزم بها تمام الالتزام.فكل آية من تلك الايات انتهت بهذه الكلمات المنتهية بقافية الياء والالف ,وهذا بيانها:
{ذكر رحمة ربك عبده زكريا – إذ نادى ربه نداء خفيا – ...شقيا –... وليا – ...رضيا –... سميا – ...عتيا – ...شيئا- ...سويا – ...وعشيا –... صبيا – ...تقيا – ...عصيا – ...حيا –... شرقيا – ...سويا –...تقيا –...زكيا –... بغيا –... مقضيا –... قصيا – ...منسيا – ...سريا – ...جنيا –... إنسيا –...فريا –... بغيا –... صبيا –... نبيا –... حيا –.... شقيا –...حيا }
ولان الراوى وضع قصة زكريا فى بداية سورة مريم ,فانه وجد نفسه مضطرا لانهاء كل آية من آيات تلك القصة بقافية الياء والالف. فعندما جاء الى الاية التى يقول فيها زكريا انه قد بلغه الكبر{ وقد بلغنى الكبر}-كما فى آل عمران- نجده كان مضطرا لاضاف كلمة {عتيا} حتى تستمر و تستقيم القافية فى سورة مريم فصاغ قول زكريا بهذه الصيغة { وقد بلغت من الكبر عتيا}متجاهلا الترتيب المذكور فى آل عمران.وهذا يدل على ان اهتمام الراوى كان ينصب على الشكل الجمالى السمعى بصرف النظر عن المضمون والامانة النقلية فى الاقتباس.
د- طلب زكريا من الله ان يعطيه آية , فنجد رد الله عليه فى آل عمران 41 ومريم 10 كالاتى:
آل عمران
قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا
مريم
قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا
ولنا ملاحظتين
أ-اختلاف الرد فى السورتين حيث ان احد هما تنسب للمتكلم قوله{ ثلاثة أيام إلا رمزا }والاخري تنسب له قوله {ثلاث ليال سويا}مع ان المناسبة واحدة والمتكلم واحد! فاين امانة النقل؟
ب-فى آية مريم نجد الراوى –كعادته-يقفى آياته بالياء والالف فأضاف كلمة {سويا} فكان كل همه –كما ذكرت من قبل-ان تخرج آياته ببريق صوتى مبهر أو بجرس موسيقى تطرب به الاذان بصرف النظر عما قيل بالفعل!
5-بمقارنة آل عمران 41 مع مريم 10 –11 نلاحظ الاتى
آل عمران
قال رب اجعل لى آية
قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا
واذكر ربك كثيرا
وسبح بالعشى والابكار
مريم :
قال رب اجعل لى آية
قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا
فخرج على قومه من المحراب
فأوحى عليهم ان سبحوا بكرة وعشيا
أ-آل عمران تستخدم لفظ {العشى}بينما {عشيا}فى مريم.وكذلك لفظ {الابكار}فى آل عمران , و{بكرة}فى مريم
ويلاحظ الترتيب المعكوس فى الايتين حيث تضع آل عمران التسبيح بالعشى اولا ثم بالابكار,والعكس فى مريم.
ب-لجأ راوى سورة مريم الى عكس الكلمات السابقة تحقيقا لقافيته التى لايرضى عنها بديلا.فلو اتبع ترتيب آل عمران لقال "عشيا وبكرة" وبهذا يكسر قافية الياء والالف ,فضحى بالترتيب وبحقيقة ما قيل بالفعل للمحافظة على القافية
ج-وقع الاختلاف والتناقض بخصوص من الآمر بالتسبيح ومن المأمور فى الروايتين , ففى آل عمران يامر الله زكريا بالتسبيح , بينما تاتى سورة مريم برواية مختلفة فتجعل زكريا هو الذى يوحى الى قومه بالتسبيح.وهذا يدل على عدم إلمام كلا الراويين بتفاصيل القصة او على الاقل احدهما مما نتج عنه التناقض فى الروايتين.
In the beginning Man created gods as an attempt to discover the mysteries of the universe and himself.
إن المعرفة يتم تداولها من خلال الحفاظ أو الشعراء و هم أفراد في المجتمع يمتلكون موهبة الحفظ أكثر من غيرهم ( الذكاء في حينها كان يقاس بالمقدرة على الحفظ ) و الحفظ ليس موهبة فقط بل يحتاج إلى تدريب و استخدام تقنيات معينة أهمها السجع فالسجع يساعد على الحفظ
و الحافظ يعرف ملخص القصة و الخطوط العامة لها و النقاط المحورية و لكن يصيغها بألفاظه و يضع لها فواصل معينة ( سجع معين ) و هكذا يمكن تداول حكاية ما من جيل لأخر عن طريق الحفاظ و لكن يجب أن لا نتوقع أن تبقى القصة بحرفيتها فلابد أن يدخل عليها تعديل سجعي معين فلكل حافظ فواصل مفضلة تختلف عن الأخر
و الأقرب للمنطق أن الروايتين هما رواية واحدة في الأصل و لكن أنتقلت عن طريقين مختلفين فوصلت إلى من جمع القرآن من مصدرين كل مصدر صاغها وفق أدواته في الحفظ و أثر من جمع القرآن تركها على حالها و أعتبرهما سورتين مختلفتين
اقتباس و تلخيص وتجميع المواضيع من بطون الكتب والابحاث والمدونات بحياديه لا تنتمي لدين او مذهب لكوني ليست يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً ولا ديني - كاتب و باحث و محلل في تاريخ ألاديان
#سامي_المنصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟