سامي المنصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4410 - 2014 / 3 / 31 - 04:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إبراهيم الخليل
ابراهيم الخليل
إبراهيم الخليل – مولده وسيرته
هو حسب التوراة ابرام بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح .
وحسب القران هو إبراهيم بن آزر ( و إذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصنا آلهة ) سورة الأنعام وقد قال بعض المفسرين إن تارح هو الاسم العلم لأبي إبراهيم و ازر اسمه الوصفي أما الأستاذ النجار فيقول في كتابه ( قصص الأنبياء ) :" إذا صح أنه كان لوالد إبراهيم اسم علم وايم وصفي فيكون معناه القوي أو الناصر أو المعين أن لفظ آزر من الأزر , أي القوة و النصر و العون ومنه الوزير أي المعين . وهي كذلك في اللغات السامية التي منها لغة إبراهيم , ومن ذلك عازر و عزيز في العبرية .
إن أحدث التحقيقات الاثارية التي توصل إليها العلماء تشير إلى أن إبراهيم الخليل ظهر في القرن التاسع عشر قبل الميلاد أي قبل حوالي أربعة آلاف عام . وهذا يتفق مع ما ذكره بعض المؤخرين العرب في تعيين تاريخ عهد إبراهيم الخليل , فقد حدد المسعودي الفترة الممتدة بين عهد إبراهيم الخليل وبين عهد خروج موسى من مصر ب 567 سنة ولما كان العلماء توصلوا إلى تعيين زمن الخروج بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد فيكون هذا التحديد متطابقا تماما لما توصل إليه العلماء بتعيين زمن إبراهيم الخليل في القرن التاسع عشر قبل الميلاد , ويتفق المؤرخون على أن مولد إبراهيم الخليل كان في العراق إلا أن الروايات اختلفت في تعيين مكان ولادته في العراق بالضبط , فبعضهم ذكر أن مولده كان في أور الكلدانيين و بعض الآخر عينه في بلدة " أوروك " ( الورقاء ) وفي رواية أخرى أن مدينة " كوثا " كانت نسقط رأسه ةفيها طرح في النار . وأطلال مدينة كوثا ما تزال قائمة حتى يومنا هذا وتسمى " تل إبراهيم " وإلى جانب التل مزار يعرف بمقام إبراهيم . ويقول ابن بطوطة أن مولده كان في البرس " برس نمرود " وقد ذكرت محاولة النمرود لحرق إبراهيم هناك . وفي برس تل مرتفع يقوم عليه مزار حديث يعزى إلى كونه مقام إبراهيم الخليل أو قبره إلا أن أكثرية المراجع الإسلامية ترجح ولادته في " كوثا " .
وقد جاء ذكر إبراهيم الخليل مقرونا بالملك نمرود , ومما في ذلك أن الملك نمرود دفعته أحلامه المزعجة إلى مراقبة الحوامل وقتل الذكور من مواليدهن , وقد زار عماله أم إبراهيم عوشاء للكشف عليها قبل أن يأتيها المخاض , وجسوا جانبها الأيمن فاختفى الجنين في الجانب الأيسر وجسوا الجانب الأيسر فاختفى الجنين في الجانب الأيمن , فانصرفوا دون أن يظفروا بطائل , الأمر الذي اضطر عوشاء أن تلجأ إلى كهف في القرب من كوثا , وهناك رأى إبراهيم الخليل نور الحياة لأول مرة وفي ذلك دليل على كون عشيرة إبراهيم الخليل كانت تسكن في منطقة كوثا التي كانت تعتبر مركزا هاما للساميين في العراق منذ أقدم العصور بعد أن هاجروا من الجزيرة العربية وأخذوا يؤسسون مستوطناتهم على ضفاف الفرات في سوريا و العراق .
وينتمي إبراهيم الخليل بحسب رواية التوراة إلى القبائل الآرامية وهي قبائل عربية نزحت من موطنها الأصلي في جزيرة العرب و استقرت على ضفاف الفرات في شمال سورية . ثم نزلت بعض أسرها إلى العراق ومن جملتهم عائلة إبراهيم الخليل . وإذا أخذنا بما توصل إليه العلماء حول تعيين تاريخ هجرة الآراميين فتكون أسرة إبراهيم الخليل قد جاءت إلى منطقة بابل في حوالي الألف الثانية قبل الميلاد , وهكذا يمكن القول أن إبراهيم الخليل كان عراقيا بالولادة عربيا في قوميته التي ترجع إلى وطنه الأصلي الجزيرة العربية . و يقول البروفيسور " ديشز " ( إن أسرة إبراهيم الخليل كانت قد جاءت إلى بلاد بابل من أرض كنعان التي كانت وطنها الأصلي ) وهذا لا يغير كون وطن إبراهيم الخليل الأصلي هو جزيرة العرب , لأن الكنعانيين ومعهم العموريين والآراميين كلهم نزحوا من الجزيرة العربية في الأصل ٍ
ولما نادى إبراهيم الخليل بعقيدة التوحيد بين قومه الوثنيين لاقى كثيرا من أنواع الاضطهاد و التعذيب وقد خرج منها سالما ثم دحر نمرود بينما سار إبراهيم وأتباعه إلى " حاران " ( حران حاليا ) ومنها إلى أرض كنعان ( فلسطين ) . وقد اجتاحت البلاد موجة من القحط و الغلاء فانحدر إبراهيم هذه المرة إلى مصر . وكان لوط ابن أخيه معه , فأقام في مصر مدة من الزمن صارت له فيها ثروة كبيرة , وقد أصاب لوط من غنى عمه شيئا غير يسير , ثم غادر إبراهيم مصر وكل ما كان عائدا إلى كنعان وأقام في حبرون , وهي اليوم الخليل ؤ.
ثم وقع نزاع بين قوم إبراهيم ولوط أدى إلى انفصالهما فاختار لوط أن يرتحل إلى سهل الأردن حيث كانت " سدوم و عمورة " , وحدث بعد هذا أن بعض ملوك البلدان الواقعة على الفرات أغاروا على مدن سهل الأردن فأخذوا سدوم وأسروا لوطا مع أهل بيته و استولوا على أملاكه . فلما بلغ الخبر إبراهيم سلّح غلمانه وعبيده وكبسهم ليلا فكسرهم واسترجع لوطا ونسائه وجميع الأسرى وكل ما كان لهم , فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه وباركه ملكي صادق ملك شاليم ( أورشاليم ) قائلا " مبارك ابرام من الله العلي مالك السموات و الأرض , ومبارك الله العلي الذي أسلم أعدائك في يدك " فأعطاه إبراهيم عشرا من كل ما استولى عليه وأبى أن يأخذ لنفسه شيئا من الغنيمة .
وقد رزق إبراهيم ابنا من الجارية المصرية هاجر أسماه اسماعيل , ثم ولدت له زوجته سارة ابنا في شيخوخته وسماه اسحق . وتذكر التوراة أنه رزق في أخريات أيامه أولادا أيضا من زوجته " قطورة " ومات و عمره مائة وتسعون سنة ودفنه اسحق و اسماعيل في حبرون في نفس المقبرة التي دفنت فيها امرأته سارة .
وقد ورد في كتب تواريخ الصابئة أن إبراهيم الخليل تربى في كوثا ولما خالف جماعته احتج إليه الناس إلى أن سجن وكان يستمر في مناقشة الناس أياما وهو في السجن فلما خاف الملك أن يفسد عليه سياسته ويرد الناس عن أديانهم نفاه إلى أطراف الشام .
ونخلص مما تقدم إلى أن إبراهيم الخليل قد نادى بعقيدة التوحيد قبل حوالي أربعة الاف عام , أي قبل ظهور موسى بحوالي سبعمائة عام . ومما لا شك فيه أن دعوته هذه إلى الإله الأوحد , إله السموات و الأرض , المخالفة للعقائد الوثنية المحلية و المقومة التي جابهها بسبب ذلك هي التي ألجأته بوحي من الرب إلى الهجرة من العراق .
________________________________________
شخصية ابراهيم الخليل و صلته بالجزيرة العربية
كان إبراهيم الخليل زعيماً ذا مقام سام اجتماعياً و دينياً و سياسياً بين جميع بلاد الشرق وقد اشتهر باستقامة سيرته و سمو مبادئه , و الأرجح أنه كان من أكبر زعماء قبائل العرب المسماة بالبائدة ز كانت كلها في قيد الحياة في زمنه قبل أن تنقرض الواحدة قبل الأخرى , وعلى هذا فقد كان نطاق اتصالاته يشمل كل الهلال الخصيب تقريباً ومن ضمنه الجزيرة العربية و دلتا النيل الشرقية , حتى ليقال أنه كان أميراً من أمراء البابليين قبل مغادرته العراق , وعندما حل بدمشق وهي في أول نشأتها قيل أنه نصب ملكاً عليها . و يرى الأستاذ هيوز : " أن أغلب الظن بان ذلك قد سجل في تاريخ مدينة دمشق بين سكانها الأولين لأن اليعازر الدمشقي الموكل على بيته كان من هناك " . و يرجح أن إبراهيم الخليل بصفته من الزعماء الروحانيين قد تبادل الرأي و بحث مع كبار رجال الدين المصريين معتقده الديني . و يقول الأستاذ كنيون أن الحثيين الذين كان إبراهيم الخليل يسكن في جوارهم في فلسطين كانوا ينظرون إليه كأمير عظيم بينهم .
وقد روى يوسيفوس نقلاً عن نيقولاس الدمشقي ( القرن الأول قبل الميلاد ) أن إبراهيم الخليل قد بلغ دمشق أولاً وولّي أمرها , و هذا كلام الدمشقي الذي رواه يوسيفوس : " خرج إبراهيم الخليل بجحفل كبير من بلاد الكلدان .. فملك في دمشق ثم زايلها بعد مدة و أقام في أرض كنعان ... و ما برح اسم إبراهيم الخليل إلى الآن موقراً و مشتهراً في بلاد دمشق وهناك قرية تسمى باسمه ويقال أنها نسكنه " . وعدّ يوستينوس ملوك دمشق فقال : " ومن بعد دمسقوس ملك حزال ثم ندوراس ثم إبراهيم و إسرائيل " . ورأى كثير من العلماء : " أن هذه التقليدات لا تخالف الصواب ولا أقل من أن تكون دليلاً على إقامة إبراهيم مدة في دمشق بمنزلة أمير ثري و أليعازر قيم بيته كان من دمشق و قد جاء ذكر هذا التقليد في كتب علماء مسيحيين و مسلمين " . ومما يدل على أن إبراهيم الخليل كان ينتمي على أسرة من الأمراء في بابل ما رواه ياقوت الحموي من أن جد إبراهيم الخليل أبا أمه قام بحفر نهر كوثي وهو أول نهر أخرج بالعراق من الفرات . فذكر ياقوت نقلاً عن أبي المنذر أن نهر " كوثي سمي بكوثي من بني أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام وهو الذي كراه فنسب إليه وهو جد إبراهيم عليه السلام ألو أمه بونا بنت كرنيا بن كوثي وهو أول نهر أخرج بالعراق من الفرات " .
ومما لا شك فيه أن نبؤة إبراهيم الخليل قد انتشرت في الآفاق حتى خلد اسمه في جميع البقاع التي مر بها كما نشاهدها اليوم في المزارات و المقامات العديدة التي تحمل اسمه وهي منتشرة في البلاد العربية عامة . ومع أن إبراهيم الخليل كان قد استمر في العراق إلا أنه كان على اتصال دائم مع أبناء عشيرته و القبائل العربية التي كانت تربطه بها صلة القرابة و الوطن الواحد . وكان شانه في ذلك شأن العرب الذين كانوا يستقرون في المدن و القرى ويأخذون في حياة الحضر ولكن في الوقت نفسه لم ينفروا عاداتهم القديمة من البداوة وما إليها لأن طابع العرب الميل على البداوة وحكم القبيلة و الاعتزاز ببداوتهم و تمسكهم بتقاليدها . و هكذا فقد كان إبراهيم الخليل مرتبطاً كليا بالجزيرة العربية و كانت له أجمال و أغنام كما كانت له اتصالات تجارية و سياسية وزراعية مع القبائل التي كانت تسكن البادية المتصلة بالأردن و الفرات و الحجاز , و كان خبيراً بطرق البادية و مواقع آبارها . ولما كانت اللهجات العربية لم تكن قد تباعدت عن بعضها البعض في زمنه فقد كان إبراهيم الخليل يفهم لسان أهل البلاد التي توجه إليها إذا كانت كلها تتكلم بلهجة واحدة , فقد نزح من أور الكلدان و اجتاز سورية و فلسطين ومن المحتمل أن يكون قد مر بالحجاز لزيارة مكة وذلك قبل رحيله على مصر , وهذه كلها بلاد عربية خالصة و قد كانت له اتصالات برؤساء قبائلها . وإذا أخذنا بما وردنا بالتوراة عن ارتباط إبراهيم الخليل بعشيرته بمنطقة حران ( آرام النهرين و فدان آرام ) فيكون في توجهه إلى حران قد حل بين أهله و عشيرته , لأن منطقة حران كانت في زمن إبراهيم الخليل مستوطنة آرامية نزح أهلها من شمال الجزيرة و استقروا في السهل الممتد بين البليخ و الفرات . كما أوضحنا ذلك فيما تقدم .
ومن المحتمل أن يكون إبراهيم الخليل و صلته بالبلاد العربية يقول الأستاذ مونتغمري : " إن ما اتسم به إبراهيم الخليل من الخلق الرفيع و عزة النفس هو من صفات الآباء . و الاعتداد بالنفس التي يتصف بها الشيخ العربي . و ملاحظة هذه الظاهرة تكشف لنا عن الصفة الظاهرة من صفات الساميين , فقد حافظ الساميون على مقوماتهم الأصلية حتى هذا اليوم على الرغم من التأثيرات الأجنبية الدخيلة التي زاحمت تلك المقومات القديمة . فبعد سقوط الإمبراطوريات السامية اجتاحت البلاد دولة فارس ثم اليونان فروما فبيزنطة فبلاد فارس من جديد , وأخيراً حكم الصليبيين المتقلب , وكل هؤلاء من العنصر الهندو – أوروبي . ومع اجتياح العديد من هذه العناصر الغريبة في العرق و الدين للبلاد بقي العنصر السامي على أصله محافظاً على اللسان العربي تعززه ديانة عربية خالصة متغلبة و متصدرة " .
اقتباس و تلخيص وتجميع المواضيع من بطون الكتب والابحاث والمدونات بحياديه لا تنتمي لدين او مذهب لكوني ليست يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً ولا ديني - كاتب و باحث و محلل في تاريخ ألاديان
#سامي_المنصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟