|
النفط .. وأحلام الفقراء
عثمان الشويني
الحوار المتمدن-العدد: 4410 - 2014 / 3 / 31 - 04:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
منذ ما يقارب 14 سنة خلت وبالضبط في خطاب 20 غشت سنة 2000 ، تكلم الملك الشاب الذي استلم آنذاك السلطة حديثا بلغة واضحة وأعلن عن إيجاد النفط بتالسينت شرق المغرب بكميات وفيرة قد تكفي المغرب ثلاثين سنة قادمة ، وبذلك سيغطي المغرب احتياجاته التي تستنزف خزينة الدولة ، فكبرت أحلام المغاربة لان واقع البؤس والفقر سيصبح ذكرى من الماضي ، وسيكون بمقدور شباب هذا الوطن ان يستغل البنزين في أمور أخرى غير إضرام النار في جسده ، هذه الأحلام سرعان ما ستتبدد بعد اكتشاف انه لا وجود للنفط بتالسينت وان الأمر فضيحة حسب تعبير المنابر الإعلامية ، فأين تجلت الفضيحة ؟
الفضيحة حسب تعبير اغلب المنابر الإعلامية كانت في الخدعة الذكية من «مكايل كوستين»، رئيس شركة «لون سطار»، التي زفت بشرى اكتشاف مخزون كبير من النفط من أجل مضاعفة قيمة أسهمها في بورصة نيويورك وفك أزمتها الداخلية التي كانت ستعصف بها ، وقليلون من تكلموا عن الفضيحة الأكبر وهي تولي أعلى سلطة في البلاد في خطاب رسمي إعلان وجود النفط ثم بعد ذلك صمت جميع المسؤولين صمتا رهيبا احرق تلك الآمال التي ارتسمت لدى المغاربة ، ولان الملك لا يخطئ ولا يعتذر فإن وزير الطاقة والمعادن آنذاك يوسف الطاهري هو بدوره لا يخطئ ولا يعتذر وقس على ذلك باقي المسؤولين من كبيرهم إلى صغيرهم .
ولأن المغرب بلد التبريرات بامتياز فقد اطل بعض "العياشة "، ليقولوا إن الملك خدعه كوستين وخدع كل المغاربة معه ، وهذا عذر أقبح من زلة ، فالمغرب ليس كباريه سيدخله أي زائر للمتعة ، حتى يكون بمقدور أي شركة للتنقيب أن تبيع الوهم للمغاربة ، فأين كان المستشارون العلميون للملك وأين كانت دراسات الباحثين وما دور المكتب الوطني للطاقة والمعادن ؟وما دور وزير الطاقة والمعادن ؟ بل إن السؤال الأهم من كل هذه الأسئلة لماذا ليس لدينا شركاتنا التي تنقب عن النفط ؟
وبغض النظر عن بعض المشوشين الذين قالوا إن فضيحة تالسينت كانت مجرد دعاية للملك الشاب وللعهد الجديد شأنه شأن كل الشعارات التي استهلكت مع مطلع الألفية الثانية لتصنع استقرارا خادعا تنتقل على أثره السلطة بشكل سلس ، فإن الحقيقة التي لا يتناطح عليها كبشان بان أحلام ومتمنيات البسطاء في بلادنا لا تساوي غراما في ميزانهم . وان الاعتذار لهذا الشعب جريمة لا يمكن ارتكابها.
وبعد مضي هذا الوقت الكافي لنسيان الفضيحة حسب رأيهم أطلت علينا مجموعة من المنابر الإعلامية الدولية كقناة CNBC والقناة الصينية الدولية وعديد الصحف المقرية الوطنية منها والدولية لتؤكد خبر اكتشاف النفط في المغرب بكميات وفيرة وفي آبار متعددة على طول الساحل الأطلسي ، وأن الشركات الأجنبية ( ولا ادري لماذا يسمونها هذا الاسم كأن هناك شركات وطنية ) تتسابق للظفر برخص التنقيب وعقود الاستغلال ، وأن المغرب سيصبح واحدا من اكبر منتجي الغاز الطبيعي والبترول في العالم ، والحري بهم القول إن صدق الخبر ، أن الشركات الأجنبية ستصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي والبترول في المغرب ، فحصة المغرب لن تتعدى 20 % من العائدات في أحسن الأحوال أقل بكثير من الامتيازات التي تخولها دول المنطقة كليبيا والجزائر ... بالإضافة إلى أن مشكل الصحراء الغربية يشكل عامل ابتزاز في يد الامبريالية الأمريكية وحلفائها رغم أن هذا النظام لم يعد يحتاج ابتزاز، فقد سلم البلاد بما فيها للشركات الرأسمالية الكبيرة التي سرقت ثروات المغرب . وعلى عكس المرة السابقة فقد صمتت كل القنوات الرسمية عن الخبر عملا بمبدأ الصمت حكمة ، فالدولة في غنى عن فضيحة جديدة قد تضاف لمسلسل الفضائح الذي اغرق البلاد ، والصمت في هذه اللحظات قد يتيح لاقتصاد الريع هامشا واسعا للتحرك . كثير من المتفائلين يدركون جيدا أن اكتشاف النفط من عدمه لن يغير شيئا في الوضع الاجتماعي للمغاربة، ومثالهم في ذلك الفوسفاط والمعادن والفلاحة والصيد البحري وكل الثروات التي تشحن إلى أوروبا و أمريكا بأبخس الأثمان مقابل عمولات لسماسرة راكموا ثروات هائلة.
اكتشاف النفط في المغرب لن يفعل شيئا سوى مضاعفة أحلام البسطاء ، وجعل الكثيرين يعيشون أوهام أجدادنا ما بعد الاستقلال الشكلي، فالنخبة الحاكمة والمرتبطة بشكل مباشر بالمؤسسات النقدية الدولية قد أغرقت البلاد في المديونية والتبعية وجعلت الاقتصاد المغربي رهين تقلبات السوق الرأسمالية العالمية ويخدم مصالحها ، و كفوسفاط البلاد ومعادنه وثرواته البحرية وكل خيراته سيلتحق النفط المغربي بأرصدة المستغلين عبر العالم وسيأخذ السماسرة حصتهم من دمنا لينفقوا القليل منها على دعايتهم و ماكياجهم لخداع الشعب ، وسنعيد سيناريو الخمسين سنة الماضية بشكل أفظع وأكثر وحشية ، أو ربما أحلام الفقراء تشتعل نارا تحرق قصورهم الورقية لتصنع أجيالا أكثر إصرارا على الحياة بكرامة، أجيال ترفض أن تحكمنا أمريكا وفرنسا ودماها الخشبية .
إن نظرة ضيقة للأمور قد تجعلنا نتفاءل أو نتساءل ، لكن نظرة واسعة بحجم رؤية الإنسانية ستشعرنا بالتقزز والرهبة من الأخطار المحدقة بكوكبنا جراء تزايد التدمير الايكولوجي الذي أصبح يهدد وجود البشر، والذي يلعب فيه النفط دورا رئيسيا بانبعاث غاز ثاني اوكسيد الكربون السبب الرئيس في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض ، لكن البعض سيتساءل بسخرية ، هل نفط المغرب من سيدمر الأرض ؟
لا ليس نفط المغرب ( إن وجد ) وحده من سيدمر الأرض يا سادة ، بل كل هذا النظام الهمجي القائم على الربح بأي وسيلة والذي يمثل فيه تدمير البيئة وتدمير الإنسان شرطا وجوده ، فالعلم تطور بالشكل الذي أصبح من السهل استغلال مصادر طاقة نظيفة كالطاقة الشمسية أو مياه البحر أو ... لكن هذا النظام الهمجي لن يترك ذلك يحدث ويتكبد هو خسارة استثماراته في البترول ، فالشركات المتحكمة في الاقتصاد العالمي هي نفسها المتحكمة في القرارات السياسية وهذا ما يجعلنا نسير نحو النهاية بسرعة جنونية، وخلاصة القول إذا اكتشف النفط في المغرب ولم يستفد منه الشعب ( وهذا أمر محتوم ) فتلك مصيبة، لكن المصيبة الأكبر ستكون في استمرار النظام الرأسمالي العالمي في تدمير البشرية دون مقاومة ودون أن نشعر بالذنب اتجاه أنفسنا واتجاه الأجيال القادمة ، فلنناضل إذا من أجل نظام عالمي جديد.
#عثمان_الشويني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|