فيدرالية اليسار الديمقراطي ومأزق الفكر اليساري -2-

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4410 - 2014 / 3 / 31 - 04:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

فيدرالية اليسار الديمقراطي ومأزق الفكر اليساري -2-
****************************************
أول الأمراض التي يعانيها الجسد اليساري المغربي هو هذا التشرذم الهائل في مكوناته ، على الرغم من انتفاء العوائق الايديولوجية التي يمكن أن يتمسح بها بعضهم . وانحسار الوهج اليساري بوجهه الراديكالي العدمي ، وانتفاء المراكز الخارجية التي كانت تعمل على استقطاب ودعم الحركات اليسارية بالداخل . الا في حالات نادرة . وهذا وحده يكفي ليطرح المناضل اليساري سؤالا أو أسئلة محرجة على أقطاب و-زعماء - اليسار بالمغرب . وعلى مجمل الأحزاب اليسارية أو ذات الواجهة اليسارية .
فاليسار فكر وفلسفة قبل أن يكون تخندقا أعمى في تيار لا أفق له ولا خارطة طريق . وبذلك هو جواب عن اسئلة وجودية وروحية . لا يستطيع العيش خارج سيرورة الابداع الانساني ، والا تحول الى دوغمائية - dogme -متحجرة ، وهذا هو حاله .
ان أول رصاصة أطلقت على جسد اليسار المغربي بما يحمله من شريان القلق الابداعي ، كان هو اقفال الجداول الفنية والجمالية والفكرية التي تمتح من نهر الكون اليساري . ثم تهميش وتنحية المفكرين وسيطرة السياسيين المتاجرين بقضايا اليسار ومطالب اليسار ورؤية اليسار ورهانه . الى أن وصل اليسار بالمغرب الى الطريق المسدود الذي لايفضي اليوم الى أي مخرج . بل ان اليسار اليوم أصبح كباقي الأحزاب الادارية يحشد الى ملتقياته زبائن لا علاقة لهم ببرنامجه وبأهدافه -ان كانت له أهداف - . فبعدما تخلى عن حمل هموم المواطنين والكادحين والمستغَلين ، صار لا ينافح الا عن مركز أمنائه وقياداته ، وتم ترحيل الصراع الطبقي من مجاله الأم ، بين بورجوازية متعفنة ، وبين مختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة ، الى صراع طبقي ثانوي بين جناح السيد عمرو وجناح السيد زيد . فاختزلوا الطبقية بين نخبة اليسار ، بعدما كان لها بعد أعم وأشمل .
نعم حدثت تحولات هامة على مستوى الفكر الانساني والثقافي والسياسي ، كما ان أولويات الاجتماعي انحرفت قليلا عما عرفته السنوات ما قبل الألفية الأخيرة . وصارت التحديات أقوى مما عرفته سنوات الستينيات والسبيعينيات والثمانينيات . وهو ما كان بامكانه أن يكون باعثا على تثوير المفاهيم وتطويرها ، عوض اهمالها والقفز عليها كما يحدث الآن .
فنحن في تتبعنا لولادة مصطلح اليسار كتيار فكري وسياسي ، سنجده ولد مع الثورة الفرنسية ، عندما أيد الجالسون على يسار البرلمان الفرنسي التغيير الذي جاءت به الثورة الفرنسية واعتماد نظام الجمهورية عوض الملكية وتبني فلسفة الأنوار العلمانية التي من أهم ركائزها شعار الجمهورية الفرنسية ؛الحرية، المساواة والأخوة .
ذكر جينيالوجية مصطلح اليسار لم يكن من قبيل تعريف المعرف ، بقدر ما كان تنبيها الى مصطلح التغيير ، كمكون أساس في فكر اليسار وثقافة اليسار . والتغيير لايعني قفزة في الفراغ ، رغم أن جميع القفزات لا تسمى قفزات الا اذا عبر الانسان بجسده حيزا فارغا ليثبت على نقطة مكانية أخرى ليست هي نفس النقطة المكانية التي قفز منها . ولذلك يمكن القول انه لم يكن قفزة في الجدار ، لأن أي قفزة في الجدار نتيجتها ارتطام قد يكون قاتلا اذا كان قويا وعنيفا .
ومن ثم وجب ضبط الكلمات وتدقيق معناها ودلالتها . فالتغيير يمكن أن يحدث من ضبط المجال السياسي والاجتماعي وقراءة جميع خرائطه . لاقتراح البديل أو البدائل . طبعا لليسار المغربي تراكمات مهمة بجميع أطيافه وألوانه . وهذا معطى جد ايجابي اذا تم استثماره من أجل احياء ثراث اليسار المغرب. ، لكن ؛وهذا أمر بدهي وطبيعي تمليه طبيعة التحولات الهائلة التي عرفها النسق الاجتماعي والسياسي والثقافي بالمغر، علينا بلورة فكر جديد يستجيب لاكراهات أوضاعنا الحالية .
فقد أصبحت ثقافة اليسار شرطا أساسيا لاعادة العنفوان للعمل السياسي بالمغرب ، وشرطا أساسيا لاستعادة مكانة المغرب الثقافية ، وشرطا أساسيا للنهوض بمختلف الأدوار الاجتماعية .
نعم تخلى اليسار عن طبقاته الجماهيرية ، وأصبح معزولا عن الحاضنة الاجتماعية ، وهو الذي نهض تاريخيا ضد الاقطاع وضد الأرستقراطية . لكنه تحول عندنا في المغرب الى اقطاع وأرستقراطية . وصار أكثر نخبوية في تشويه صارخ لمفهوم النخبة ، باعتبارها طبقة تمتاز بقدراتها الذهنية والمعرفية . وليست طبقة علوية تسكن أبراجها العاجية وهو ما جعلنا نعاين ونعايش تهافت نخبتنا اليسارية على آخر موديلات السيارات والهرولة نحو الصفقات التي تضخم أرصدتهم البنكية وعقد المؤتمرات بميزانية قصور الملوك والأمراء. واذا حدث وخاطب القائد اليساري في المغرب جمهوره جاءه بلغة العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة الانسانية وحرية التعبير وحقوق الانسان .......الخ من مفردات قاموس أصبح مبتذلا بسبب توظيفه في غير أهدافه ، واستعماله كأدوات المومس لتجميل وجهها .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات