|
باراسيكولوجي : بغداد - كركوك - أربيل
عماد البابلي
الحوار المتمدن-العدد: 4409 - 2014 / 3 / 30 - 20:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تبدأ الحكاية عند قراري للسفر إلى شمال العراق للعلاج وبحثا عن أجوبة علمية لحالتي المرضية المتعلقة بأوجاع مزمنة في منطقة الحوض ، تلك الأجوبة نادرة جدا مع الوضع الطبي في الجنوب العراقي ، عيادات الأطباء ليست عيادات بالمعنى الصحيح لكنها عيادات بيطرية بعيدة كل البعد عن أي معنى إنساني أو حتى قريب للإنسانية .. وصلت إلى كركوك في تمام الساعة العاشرة صباحا بعد طريق دام 8 ساعات بسبب كثرة نقاط التفتيش ، الهواء في كركوك نقي جدا ، وقبل موعد الطبيب في الخامسة عصرا ، كان لابد من القيام بجلسة يوغا خاصة في أحد الأديرة حتى تستعيد رئتي عافيتها من أزمنة طويلة من الهواء الفاسد في مدينتي الحقيرة ، كانت عملية التنفس رائعة ولم تكن أنفاس تلك التي تدخل وتخرج مني بل مناطيد ملونة تحيط بي من كل جانب ، كان الدير يمثل لي رمزا مقدسا يوازي في المعنى ما يمثله مرقد لشبح موجود وغير موجود لملايين البشر ، الدير كان مقاما ومرقدا ومزارا ابحث فيه عن بقايا ذات عتيقة سرقها التاريخ ووضعها في كل دورة زمنية من تناسخ ملعون إلى تناسخ أكثر لعنة منه ( التناسخ أكثر علمية من وعود الدعارة الإلهية في تفسير ما بعد الموت ) ، انتهيت من الدير عند الرابعة عصرا وتوجهت للطبيب برفقة صديق لي الذي كان بانتظاري سلفا لمرافقتي إلى الطبيب ، في السوق لفت انتباهي مشهد : ( ثلاث متسولات دون سن السابعة من العمر يجلسن على الرصيف يلعبن بدمى عتيقة وتتوقف سيارة تاكسي قربهن تحمل ثلاث نساء يعملن في الدعارة ) المشهد كان رائعا بالنسبة لي ، تزامنية مكتملة الشروط تثير سؤالا بعيدا عن الباراسيكولوجي : الوجه الحقيقي للحياة يكمن في أما أن تكون متسولا أو تسلم شرفك لكل ماهو فاقد الشرف ، فأي الطرق تختار ؟!!! .. تستمر سفرتي الجميلة في كركوك ، مجتمع مختلط ولكن هادئ جدا رغم كل البرامج التي تريد تفتيته ، الناس في الشوارع منفصلة ذهنيا عن بعضها البعض ، الفردية أستطيع رصدها في عيونهم ، تلك الفردية هي الميكانزم الدفاعي الذي طورته أجهزتهم المناعية ضد كل الظروف السوداء التي مروا بها من حكم كلاب البعث للعراق ، الكائن الذي لا يطور آليات تكيفية ناجحة مع نوع البيئة المحيطة أترك لكم أختيار ما هي نهايته ؟! .. قضيت تلك الليلة في بيت صديقي كعادتي في كل زيارة ، بيت كوردي بسيط ، تستطيع أن تتنفس به عطور القرى الكوردية البعيدة عن المدينة ، حيث كانت تقاسيم الفردوس تهدى بالمجان بين البشر ، في الغد توجهنا إلى أربيل تلك المدينة المقامة على بقايا معركة تاريخية فاصلة بين الاسكندر وبين دارا الفارسي ، المعركة بين الفلسفة وبين الدجل ، كم نحن بحاجة للأسكندر في هذه الأزمنة ! .. لم أدخل أربيل بسهولة كما كنت أفعل في كل مرة في دخولي للسليمانية ، طوابير من البشر يقفون عند الكابينات ، بانتظار تأشيرة دخول وكأنه بلد ثان !! وفعلا هو في الطريق ليكون بلد أخر ، ليكون الواد المقدس لباقي العراقيين الهاربين من اللاحضارة المعاشة في مدنهم ، كانت الطوابير غير مرتبة محكومة بقانون مرقط مرعب ، بقدر الفوضى التي تحملها تجعل في أول الدور ، فرضية تافهة عراقية بامتياز حصري والكل كان يضحك وسعيد ، الغالب والمغلوب ، معادلة غريبة على باقي الشعوب ولكنها في العراق رائعة جدا وتسمح لك بقدر من العبث الغير مقلق على العكس من عبث ألبير كامو .. جلسنا في كوفي بسيط وكان هناك نادل سوري يعمل فيه ، كنت أراقبه من بعيد ، لم يهرب من القتل بقدر هروبه من شبح الجوع الذي كان العامل رقم واحد للموت في سوريا بعد الإرهاب ، كان خدوما جدا ، الظروف حولته لقدح ماء مطيع لصاحبه ! وحدها الظروف تتحكم في حياتنا وتحولنا إلى ما تشاء من أشياء ومن مفردات وفي النهاية نحن نصنع ظروفنا ونصنع ناموسها المتحكم في كل خرائط الحياة .. رجعنا تلك الليلة من أربيل وكانت السفرة رائعة بحق رغم الأوجاع التي تأتيني بين فترة وأخرى في منطقة الحوض ، في الصباح رجعت إلى مدينتي ، لم يكن الطريق سالكا ، جرذان الإرهاب قطعت الطريق وتوقفت عند منطقة طوز خورماتو ، سائقنا أخبرنا وبعد أن أجرى اتصال مع شخص أخر بالنص الأتي : ( صايرة بدر على الطريق ) ، تذكرت معركة بدر في تلك اللحظات ، وعشتها في خيالي المجنون ورأيت نفسي مصورا لتلك المشاجرة بقدر كونها لم تكن معركة ، سبعون مقابل 300 ، لم يكن هناك قتال ولكن هناك سوى الصياح والسب ، كنت أستمع جيدا لأبي الحكم وهو يعاير الصحابة بأمهاتهم ( أبن أل ؟؟؟ ويا أبن أل ؟؟ ) ، السيارات كلها رجعت ، إلا سائقنا الذي راح يلح علينا بالعروج إلى بغداد عبر تكريت حفاظا على القافلة كما فعل أبو سفيان في معركة بدر ، بعض الركاب رجعوا وهم يصرخون ( لدينا أطفال ) ، قررت المضي قدما معه عبر تكريت ، نصف السيارة تقريبا رحل ، ولم تكن سوى دقائق حتى رأينا راهبة في الخمسينات ثقف على الطريق لتؤشر للسائق بأن يأخذها معنا ، المنطقة كانت منقطعة تماما ، من أين أتت الراهبة ! غريبة جدا أمرها ، والأغرب بأنها كانت طوال الطريق تثرثر عن العراق ، وكانت تذكر المخبول عدي بخير !!! كانت الشفرة معقدة جدا تلك التي جعلت هذه المتشحة بالصليب وسط صدرها أن تركب معنا في منطقة لم يكن فيها بشر ، لم يهمني تفسير تلك الشفرة بقدر العيش في جمالها ، هكذا تنص أحدى أهم القواعد في الباراسيكولوجي والمستوردة التواريخ الدفينة للصوفية (( إن لم تنجح في تفسير الرؤيا عش جمالها فقط )) .. بقيت ممددا مع كتاب نيتشه ( هذا هو الإنسان ) الذي أهداني إياها صديقي ليكون لي سلوانا عبر الساعات الطويلة للطريق ، من طوز خورماتو إلى تكريت كانت الطريق يتوسط تلال خضراء رائعة لم اسأل عن أسمها ، ولكن هناك كانت نقطة تفتيش وكانت السيارات بالمئات ونفس المعادلة ، الكل يضحك والكل سعيد بهذا الزحام والسيارات التي تتدافع في ما بينها .. عبرنا تكرين وشاهدنا الملوية وكانت الراهبة هي التي من أشار لها ، رأيتها وجاء في بالي الخليفة المتوكل والسبب في بناء سامراء ، جارية تركية ربما أسكرته جدا في ليلة من الليالي فقرر بنائها ... وصلت لبغداد وركبت إلى مدينتي جنوبا حاملا معي بعض أفكار جيدة لزمن غير جيد
#عماد_البابلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سطور لا علاقة لها بالأرض
-
سعدي الحلي ، ثيمة باراسيكولوجي
-
عاشوراء الدوق فليت الأبدية
-
أنصاف بشر .. تحليل أنثرو - نفسي و بارا سيكولوجي
-
بارا سيكولوجيا قدح الشاي
-
تأملات سوداء في أمعاء بشرية
-
الرسالة الشيوعية الأخيرة
-
بشر يأكل بشر في صحن الفقه الشافعي
-
سأهبك طبشورا يابشار
-
النانو - بارا سيكلوجي .. محاولة فلسفية لشرح أحجية ما
-
تحليل سوسيولوجي بنكهة العرب
-
أزمنة وثورات .. ونساء !!
-
أنصاف عرب وأرباع عرب .. واقل !!
-
إلى .. كارمن
-
من وحي إله المتاهة
-
شعب ياكل ربه إذا جاع
-
الكاربون المصاب بالضجر
-
عالم علاء الدين المضطرب .. أغتصاب الأطفال من الناحية النفسية
-
أصل المتاعب كانت مهارة قرد .. كتابة برائحة العفن
-
فانوس نيتشه السحري .. ومضات شعرية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|