المقدمة:
الحقيقة كالكعبة، يمكن أن نستقبلها من إتجاهات متعاكسة. ولا خطل في أن نختلف وإنما الخطل في أن نحترب جراء هذا الإختلاف.
وحين نقول نحن الشيوعيين بأننا لا نقدم الدين في أطروحاتنا الفكرية، فلأسباب أهمها على الإطلاق، هو إعتبار الدين علاقة روحية مقدسة ما بين العابد ومعبوده، وهي بذلك شأن شخصي لا يجوز التدخل به. وهي علاقة خيرة طالما لم تنح إلى السلفية، وهي علاقة مطلوبة طالما لم تتخد الضوابط العامة للإيمان، وهي ضرورية ومن أولى سمات الوطنية أيضا.
ولكن، وفي الفترة الأخيرة، بدأت بعض الجهات تخضع هذه العلاقة ومعها تخضع ضوابط الإيمان العامة إلى معايير غريبة وسطحية لدرجة أنه ألغت الفوارق ما بين روحيتها والسلفية البغيضة التي لا ترى الحق إلا بين أيديها. وكمثال بسيط نسوق الحالة الجارية بين إخواننا الكتاب المتناولين هذا الشأن والذين نلمس طروحاتهم على موقع (كتابات ). فبعضهم بدأ يتكفير الكوراني وذاك يكفر الإمام فضللله والآخر بتكفير أحمد الكاتب. ولا أحد يستمع لأخيه، ولا أحد يقر بأن أخاه يمتلك شيئا من الخقيقة. وكأن الحق مقتصر على المراجع وكأن ليس في الإسلام غير المراجع وكأن ليس في الدنيا غير الإسلام مصدر للإيمان.
وفي خضم هذا الإحتراب، بدأت تتسرب إلى الإعلام مصطلحات فاشية سلفية بغيضة من قبيل (( السيد القائد )) للدلالة على محمد باقر حكيم، والذي إختصر بعضهم القضية الوطنية بأكملها بقناعاته بما فيها إستعدائه اليومي لأمريكا على بلده بإختلاقه الأخبار عن تسريب السلاح أو تسريب وثائقه ،،الخ، والذي لو أزلنا إسمه وقرأنا ما يكتبه عنه إخوانه في المذهب، لما شك السامع أن المعني شخص بعيد عن الإسلام جملة وليس عن آل بيت نبيه فقط.
كما وفي خضم هذا الإحتراب، بدأت الطروحات تحصر الإيمان ليس في مذهب بعينه فقط وإنما ببعض رموزه وتكفر البعض الآخر. ولو راجعنا أسباب التكفير لوجدناها لاتخص الإسلام ولا الإيمان، إنما هي قناعات جانبية تشير وبما لا يقطع الشك إلى تراجع الإيمان ذاته إلى مرتبة المعايير الثانوية.
وحبذا لو إنتبه الإخوان إلى أنه ليس في العراق مذهب واحد فقط، وليس في العراق دين واحد فقط، وليس في الكون دين واحد يختصر كل الحقيقة برؤياه فقط، وإلا لما إعترفنا بأنبياء غيرنا.
وفي هذه السطور تعمدت التطرق إلى العلاقة الروحية والإيمان من وجهة نظر عراقية ولكن غير إسلامية، لا لشيء سوى لقناعتي بالآية الكريمة: (( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) التي لا تثبت أي فضل لا لمرجعية هذا أو ذاك ولا للإسلام فقط بل للتقوى، والتقوى ليست محصورة بدين واحد فقط. فإن عارضني أحد بالآية الكريمة (( ومن يتخذ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) فسأعارضه بنص ومضمون الآيتين الكريمتين: (( إن الذين آمنو والذين هادوا والنصارى والصابئين ومن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) ( بقرة 62 ) و: (( يا أيها الذين آمنو عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا إهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعلمون )) (مائدة 105)
وهنا أسجل بالغ إحترامي للمراجع الشيعية والسنية وللإسلام ولكل الأديان بلا إستثناء. وليس لي قصد من هذا المقال سوى إيضاح أن الحقية لا تقتصر على أحد. لذا، أقدم للقارئ نبذة مختصرة عن ديانة المنداء، ليقارنها بغيرها ويحكم فيما إذا كان إحترابنا البيني مبررا أم لا؟! هذا، مع ملاحظة أن بعض الآراء الواردة أدناه هي إجتهادات شخصية، ربما لم أصب بها.
الصابئة المنداء:
الصابئة والمنداء إسمان لديانة واحدة. وهي الديانة الثانية في القدم في وادي الرافدين، بعد الديانة السينية (اليزيدية) وعمرها لا يقل عن خمسة آلاف عام. ويدعي الباحث المندائي سليم برينجي أن الإسم (( منداء )) عرف حديثا عن طريق التقويم اليزدجردي (الفارسي). بينما أنا أرى إسم المنداء أقدم من الإسم الدارج حاليا وهو الصابئة.
فكلمة مندا تعني: بيت المعرفة. ويقابلها بيت آي الكلدانية. والصابئية أساسا بدأت نواتها في بيوت المعرفة المغرقة في القدم في القسم الجنوبي والشرقي من سهل شنعار (القسم السهلي من وادي الرافدين) والتي ربما تعود إلى بدايات الألف الثالثة قم. ويعرف التراثيون أن أول بيوت المعرفة كانت في خانقين وأكد وكل جنوب شنعار حتى رأس الخليج الكلدي (العربي)
والإسم الكهنوتي للمنداء هو: ميرياي. وهي كلمة تعني: المارييّن، او أبناء الله. حيث الكلمة (( ماري )) هي صفة من صفات الله، وإسم أعظم له.
وللصابئة إسم آخر وهو (الميسانيون) وهو إسم جغرافي، بسبب سكناهم في دشت (سهل) ميسان بالإساس. وميسان إسم سومري قديم أيضا ويعود لمنتصف الأف الثالثة قم، حين كانت ميسان (ميتاني) دولة عريقة الحضارة.
وإسم الميسانيين، تسبب في بعض الخلط حين جري الحديث عن هذه الطائفة باللغات الأخرى. فهناك طائفة الميسينيون، وهم طائفة يهودية نشأت على عتبة القرن الميلادي الأول في البحر الميت، مثلما هناك طائفة الماسونيين (أو الفرمسيونيين أيضا) ومؤسسها أغريبا (أو هيرودس الثاني) عام 40م وهم أيضا بالبدء كانوا طائفة يهودية، ثم أصبحوا الآن يجمعون ما بين اليهودية واليمينية المسيحية.
ولا صحة للإدعاء بأن إسم الصابئة جاء من كلمة: صبأ، أي نفر وخرج. بل ربما أصل كلمة صبأ بالذات جاء من إسم الصابئة، بسبب العزلة الطقوسية. وإسم الصابئة أساسا آت من كلمة مصبوتا التي تعني: المتعمِّد أو المغتسِل. والفعل (صب ) من العربية يعني أراق. والجنوبعراقيون حتى اليوم يقولون: صبْ بدل إسكب. وهو ربما يدعم أن الفعلين صبأ وصبب صابئيا الأصل.
اللغة المندائية: السريانية (البابلية) والآرامية (الهورامية) لغة ميسان وجنوب شنعار عموما. وكلاهما فرعان للغة الأكدية ولا يختلفان عنها سوى ببعض المصطلحات
الديار: دشت ميسان (الأهوار والأهواز ومحافظة ميسان) وحوض نهر الكرخة من إيلام حتى العمارة، وجنوبي الفرات.
وبعض من خصوصيات الديانة المندائية هي:
العفة الطهارة والتعمد (الإغتسال) بالماء الجاري. اللباس الطقوسي الأبيض مع ملحقات هي غصن زيتون وعصا، تقديس الأجداد، تحريم الطلاق إلا لأسباب قاهرة كالخيانة الزوجية، ثانوية مكانة المرأة، وراثية الكهانة، صيانة أسرار العبادة، تحريم حلق الشعر، مراسيم الدفن الطقوسية (ولا مجال لذكرها هنا) قدسية الماء. تقول برحلة الروح وتقول بالكفارات، تكن أشد العداء لليهودية. والنبي يحيى (ع) يقول: (( لن أذهب إلى أورشليم مدينة الشر والخاطئين التي بناها أودوناي وملاها بالأكاذيب ))
المحرمات:
القتل، السرقة، الزنا، الكذب، شرب الخمر، البكاء على الميت، الختان، التبرج، الذبيح بلا بسلملة ولغير الله
الصيام ثلاثين يوما متفرقة.
الصلاة: ثلاثة فروض: صباحا (ثماني ركع) ظهرا (خمس ركع) مساءً (خمس ركع) مع ثلاث صلوات نوافل: عصر وليل وقبيل السحر. وحركات الأيدي خلال والتكبير والدعاء والسجود تتطابق كليا مع مثيلتها الصلاة في الإسلام مع عدم التكتف.
نص التشهد: (( أكا هي، أكا ماري، أكا مندادهي مدخر إلي )) التي تعني: أشهد أن الله حي موجود، أشهد أن العلة الأولى موجودة، أشهد أن الملك الخليل موجود ))
البسملة هي: (( بشمهيون إد هي ربي )) التي تعني: بإسم ربي الحي العظيم.
الصلعمة: عليه أزكى الصلاة والسلام
الوضوء مشابه تماما للوضوء في الإسلام. القبلة شمالا. نحو أكرا (عقرا) أو حقيقة نحو منابع دجلة والفرات ورمزها الكوكبي هو النجم القطبي الشمالي. وكلمة (( يردني )) المندائية تعني النهر الجاري. والكلمة قديمة جدا وهي سومرية الأصل، ومنها الإسم ردانون (الأردن) وهو فرع العظيم الذي يلتقي نهر دجلة شمال بغداد.
والصابئة موحدون. أو هم حقيقة أنقى من قال بالتوحيد (( بحيث لا يجد الفيسلوف إذا أتعب نفسه قليلا مندوحة عن الأخذ بآراءهم التوحيدية )) كما يقول الأب غرغوريوس الملطي في تاريخ مختصر الدول. إلا أن المنداء يقدسون الكثير من الملائكة أهمهم هيولزيوا، (وهذا هو الإسم الكردي القديم لنهر الزاب الكبير) وهذا الملاك هو بمثابة جبرائيل الإسلام، وأياهو سومر، ونوديمود أكد، وطاؤوس اليزيديين، وهو الذي جاء بالطين حسب طلب الرب ليخلق منه الإنسان. كما يقدس المنداء الملاك سروان (وهو إسم أحد فروع العظيم أيضا) وتقدس الملاك برباويس الذي يرمز له طير البجع، وهو ملاك الماء الحارس. وهو حقيقة الصورة الثانية للملاك هيول زيوا.
والمنداء يؤمنون بالمخلص، ومخلصهم هو سيتيل (الملاك سيت) وهو شيت إبن آدم الذي فدى والده آدم. وقد تجرد جسده الطاهر من اللحم والدم، وبقي روحا حيّا رغم فناء جسده، ولابده يوما عائد إلى هذا العالم.
وعالم البرزخ بالمنظور المندائي مقداره ثلاثة أيام ثم تصعد الروح إلى السراط والقيامة. حيث يكون الخلود بالجنة (مطراثا) للمؤمنين والعذاب للكفرة في الجحيم التي يتم على سبعة أدوار ثم يكتنف الباري النفس المعذبة إلى رحمته فيما بعد. وهنا تختلف عن الإسلام حيث يقول الإسلام بخلود الكافرين بالنار.
وما يشاع عن عبادة المنداء للنجوم لم أجده صحيحا. بل أراها علاقة الفلكي المنجم العارف بأسرار تأثير الأفلاك على حياة البشر، أي هي علاقة عرفانية بحتة لا ترقى إلى العبودية بأي شكل.
الترتيب الكهنوتي هو:
الحلالي: أول درجات الرتب الدينية وهو طالب العلم.
الأشوليا: وهو العالم المجتهد (أو ربما يقارب الشماس المسيحي)
الريشا: (ربما مقابل درجة آية الله)
الترميذا: (ربما مقابل حجة الإسلام)
الكنزورا: المرجع الأعلى
لا توجد مذاهب في المنداء، كما لم أنتبه لحالة عادة الإفتاء لدى المنداء، أو هي نادرة، أما لخطورة حالة الإفتاء، وبالتالي لابد من تجنبه، أو لأن الدين تركزت معالمه ولم يعد فيه من مستجد، أو لصعوبة الطقوس الدينية التي أصبحت تقريبا حكرا على كبار علماء الدين، وبالتالي تنحصر مهمتهم بتعريف الأصول وليس بإستنباط أصول جديدة أو إصدار فتاوي.
ونظرة المنداء عن منشأ الكون تتجاهل الأرقام الخارقة القصر التي تعطيها الديانات الأخرى (فالطبري على سبيل المثال يعطي رقما أقل من عشرة آلاف سنة (تاريخ الطبري ص332) بينما فلاسفة العهد القديم من الكتاب المقدس يعتبرون أن آدم خلق قبل 4500 - 5200عام). فهم على سبيل المثال يعطون رقما ما مجموعه 7700 مليون سنة منذ خلق أول ملاك حتى خلق السماء والأرض. ويقول المنداء أن الأرض حين بردت غطت سطحها مياه آسنة متعفنة تسمى مياسياوي ومنها خرجت كائنات صغيرة.
وفي الفترة الأخيرة، وربما بناءً على صرخة السيد هاليفي التي ذكرناها في مقال لنا سابق، وربما بناءً على مؤامرة الإستشراق في دراسة الميثولوجيا الرافدية، بدأت تطفوا إلى السطح أقاويل عن لا رافدية أصل الصابئة.
طبعا يطرح هذا السؤال ليدل بشكل أو بآخر على عدم أهلية شنعار لإنتاج هكذا ديانة منها عرفنا مواصفات غاية في الخطورة، كالتوحيد الحديث وخصوصيات النبي الرسول، ومواصفات الإيمان والصلاة بشكلها الحالي وحتى الآذان والشهادة.
وللأسف فأحد باحثين المنداء وهو السيد سليم برينجي يعتنق هذا ويقول: (( يرى المندائيون أنهم يرجعون بنسبهم إلى مصر. وإقترنت هجرتهم منها مع هجرة اليهود منها إلى أرض كنعان، وإن الصابئة والمندائيين بعد اليهود من أقدم الأقوام المهاجرة غير الآرامية من أرض فلسطين إلى إيران،، يعد الصابئة من الأقوام الآرامية وكان موطنهم الأصلي مصر وفلسطين القديمة وأما اليوم فإنهم يسكنون جنوب العراق وإيران، وهم أول اللاجئين الفلسطينيين في التاريخ فقد إضطروا إلى الهجرة بنتيجة الحروب مع الأقوام المجاورة، المندائيون كاليهود ورثة الأبجدية الكنعانية، فقد إنتقل الصابئة وعلى مراحل من أرض مصر وكنعان إلى فلسطين )) (الصابئة المندائيون ص 7، 11، 23 وغيرها)
ويعتمد السيد سليم برينجي في إدعاء بحرميتية ( فلسطينية ) الصابئة على المبررات التالية: إسم نهر الأردن، التعميد وغصن الزيتون الذي يمسكه الراهب الصابئي أثناء الطقوس، الخروج الإسرائيلي من مصر، وجود صابئة (أو ديانة مشابهة) في حرّان الشام والتي ذكرت بقصة لقاء المأمون معهم، مولد يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان).
وسنخضع هذه المبررات وغيرها للمعالجة لنرى صحة هذا الإدعاء.
اولا: أنبياء المنداء
إن الترتيب البعوثي الرئيسي الصابئي هو: آدم (أبو البشر وعليه أنزل كنزرابا (الكنز الكبير - قرآن المنداء) شيث (المهدي الصابئي) نوح براهين (إبراهيم) يحيى بن زكريا. كما يؤمنون بياقيف (يعقوب) وميشا (موسى نبي الظلام عندهم).فإن صدقنا هذا الترتيب سقطت دعوات مصرية أو بحرميتية الصابئة، مقدما، ودون إستفاضة نقاش. فالمواقع الميثولوجية لنزول آدم، شيت، نوح وإبراهيم هي شنعار. مثلما تجتمع الميثولوجيا على إن الطوفان وبطله عراقيان، سواء كان الإسم نوح أم جلجامش أو زيوسودرا.
بقي يحيى بن زكريا، المعروف بيوحنّا المعمدان. فإن كان يوحنا ويحيى هما حقّا إسمان لنبي واحد، فهذا النبي قتل عام 30 م تقريبا (حسب النص المسيحي) أو رفعت روجه إلى السماء (حسب النص المندائي). أي إنه جاء بعد مؤسس الديانة (آدم) بكذا ألف عام. وهو أعاد شعيرة التعميد وحسب. وربما لا نقبل القول بأن يحيى هو يوحنا المعمدان الذي يقال أن قبره في شمال سوريا الحالية. لأن الموروث عن يوحنا أنه يسمي التعميد (بابتزم) بينما إسم التعميد الطقسي المندائي هو مصبوتا. ولا يعقل أن يسمي نبي أمة إحدى شعائرها بإسم بينما هي تسميه بإسم آخر. ويوحنا كما يشاع عنه أنه يهودي الأصل. واليهود يختنون، بينما المنداء يعتبرون الختان بمنزلة الكفر الذي لا يغتفر. وهم أصلا طردوا إبراهيم من معابدهم وأجبروه على الهجرة لكونه إختتن كما يقول المنظور المندائي. أي لا يجوز أن يكون يوحنا نبيا مندائيا وهو يهودي يختتن من صغره ولاشك.كما لم يقل الإنجيل بأن يوحنا خلال التعميد كان يتجه إلى قبلة معينة، وهو الأمر المحرم صابئيا. حيث لا يجري التعميد إلا والوجه إلى الشمال (القبلة). ولنا رأي بهذا نورده في كتابنا (أسفار ميسان) لاحقا.
ما يهمنا الآن شخص يحيى، الذي يرد إسمه مندائيا على شكل: يهيا يهانا.
ويقول السيد عزيز سباهي: (( يلاحظ إن الأسم يهيا يتبادل مع الإسم يهانا، وفي كتاب حرّان كويتا (الفيفة) لا ذكر لوالد يحيى زكريا ولا لرجال الدين الكبار ولا لخوف اليهود منه وإن محاولات الضغط على المنداء كانت تتم عند مصب نهر الفرات أيضا، ويتكرر في الأدب المندائي إسم أينا وسندركا (عين الماء والنخلة) وفي كتاب تعاليم يحيى يتكرر الحديث عن الصيد والصيادين وإصطياد السمك والشباك، وفيها من الرموز والمصطلحات ما يدل على إن المؤلف إبن بيئة الصيادين في الهور، فيصف يحيى كيف دفع قاربه إلى الهور وكيف كان يشاهد السمك في الممرات التي تخترق القصب والبردي، وقال مرة لأصحابه، لقد جئتكم بصيد من الأهوار البعيدة، ويشار إلى صيد السمك بالفالة والزرّة أي الصيد السمك على الضوء والصيد بالشص بواسطة طعم التمر، وفي موضع يقول الصيادون ليحيى: إننا لم نسمع صوتك في الهور وقاربك لا يشبه قواربنا، قاربك غير مطلي بالقار )) ( أصول الصابئة ص 78 - 162)
وهكذا! وفي الشرق القديم، يمكن الجزم بأنه لم تجتمع رموز: الفالة، الهور، النخلة، القار، الصيد بالزرّات، القصب، البردي، القار،، إلا في منطقة ميسان. وأخيرا فأسماء أبناء يحيى هم: هندان، شارت (ساره) بهرام، رهمات هي (رحمة الله) أنصاو (يانش) سام، انهرزيوا، شار (ملك) (والكلمات بين القوسين منّي) والأسماء كما نرى فارسية أو عربية أو أكدية. وأسماء ملائكة المنداء هي: سلمى، أثرى، هوشياو، ندا، أدثان، يوثان، سار، سروان، زهير، زهرون، بهير،بهرون، تار، تروان ،،الخ. وهي أسماء أما عربية أو فارسية أيضا أي من منطقة دشت ميسان.
ومن هنا، فلا البعوث ولا أسماء التراث الأسطوري المندائي خارجة عن بيئة جنوب شنعار، ولا علاقة لها بالبحر الميت.
ثانيا: غصن الزيتون
يعتبر السيد برينجي أن إمساك الكنزورا (الراهب الصابئي) بغصن الزيتون أثناء طقس التعميد، دليل إضافي على بحرميتية الصابئة.
أن أكبر موطن للزيتون في الماضي هو ليس ساحل المتوسط الشرقي عموما بل ليبيا وتونس. بحيث جاء إسم ليبيا أساسا من أوليفيا، أي أرض الزيتون. هذا من جانب. ولا إثبات أن جنوب العراق ووسط غرب إيران (منطقة الطيب مثلا) خالية من الزيتون آنذاك، وهو الموجود فيها حاليا وإن ليس بكثافة محسوسة. وقد وردت صور لشجرة الزيتون في المنحوتات الناتئة لسومر وأكد وبلاد آشور (الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور ص 90) علما بأن ميزة عيد الشيشيان المندائي هي غصن غَرَب (الحور النهري) وهو الشجر المميز لشنعار أيضا.
ثالثا: التعميد وإسم نهر الأردن
التعميد هو الإرتماس بالماء. وهو شعيرة كهنوتية ترافق الولادة، الزواج، الأيمان، التخلص من الذنوب، الأعياد ،،الخ. وهو عادة، تكاد تكون منتشرة في غالب ديانات العلم القديم.
و الحاجة أم الإختراع، والإختراع، إذا إستطاع حل معظلة بالميسور، تكرر إستعماله أو لنقلها جرى التعود على إستخدامه، والتعود أبو العرف والعرف أحد مسلمات الفلسفة (أو الدين). وفي منطقة للمياه الآسنة كالأهوار فالحاجة للإغتسال بالماء النظيف تكون يومية ولاشك. وفي بحر من المياه الآسنة العكرة يصبح الماء العذب نادرا. والندرة لاشك تحتم التقتير، أو قلها الصيانة بحيث مع مرور الزمن يرقى النادر إلى مقام الكريم، ويرتسم إستخدامه بنوع من الهيبة التي مع الزمن سترتقي إلى مصاف القدسية. ومن الجانب الآخر، فلابد إن القلوب والأبصار تنتظر مقدم هذا الماء العذب، أو تتوسل إلى الأرباب أن لا يتأخر. والأنظار حينما تشخص إلى جهة الرجاء، لاشك مع الزمن ستتحول تلك الجهة محطا للأنظار ومن ثم تحفّها القداسة، حتى تصبح قبلة شعائرية. ما بالك إذا كان هذا الماء العذب ليس يجدد الماء الراكد العكر فحسب وإنما يجلب الطمى المحمل بالغذاء لأسباب العيش - الأسماك، القصب والبردي. ولنقرأ الآن في ترنيمة من كنزا رابا: (( بإسمك اللهم لا أصلي لك كاليهود ولا المسيحيين ولا المجوس ولا عبدة الأصنام. اللهم إني أصلي لك، كعادة الأجداد، بالماء الطاهر الجاري العظيم،، ماء الحياة الذي لا يدرك الإنسان قدرته)). وكذلك ترنيمة يذكرها السيد سباهي (أصول الصابئة ص 64) عن كتاب الشعائر (القلستا) تقول: (( كنت أنا موجود في العالم، صوت الماء الحي الذي حول الماء العكر نبعا وتحول إلى ماء صاف تدفق وأزاح الماء العكر)).
إذن، فالتعميد حتمته ضرورة البيئة العكرة الآسنة، ثم حولته مع الزمن إلى شعيرة. أو حتمته ضرورة أن العابد، الآتي من كدح اليوم وسط الماء الآسن، لن يقوم بصلاته ما لم يتطهر بماء صاف جار. وسرى الزمن فأصبح الإغتسال شعيرة لإرتباطه بما يليه وهو الصلاة. والوضوء بالإسلام شعيرة، رغم إنه يمهد للصلاة وليس الصلاة ذاتها.
وفي مصر النيل التي يعتبرها السيد برينجي موطنا محتملا، فالنيل يبنع من الجنوب، وقبلة الصابئة ستكون الجنوب. بينما قبلة المنداء إلى الشمال.
والبحر الميت تأتي مياهه الحلوة فعلامن الشمال. لكنها قليلة أولا ولا تغير شيئا، مثلما لا توجد حياة في البحر الميت لينشأ عليه تجمع سكاني تتطور عاداته وأعرافه إلى فلسفة. كما إن تعاليم يحيى وقصة حياته تتحدث عن السمك والهور والقوارب الأمر المعدوم في البحر الميت ونهر الأردن.
والإسم (( جوردون )) ذو دلالة فائقة الأهمية هنا. فهو بالحقيقة يتكون من مقطعين: جور (بجيم ثقيلة) + دو + ن. و جور (المعربة خصيبيا إلى غور) كلمة سومرية بابلية تعني: الهاوية والمنخفض والوادي. و (( دو )) تعني: إبن. و (( ن )) تعني ماء. والإسم (( جوردون،)) سومري قديم بلا جدال، ومعناه الإصطلاحي هو: ماء الهاوية أو ماء الوادي أو ماء الغور. وكما قلنا فالإسم السومري لنهر العْظـَيـم (فرع دجلة) هو: ردانو (العراق في التاريخ ص27)
رابعا: علاقة الصابئة بالحرانيين
هناك حرّان في سوريا، وحران جنوب وسط تركيا، وحرّان شرقي دجلة جنوب العمارا وهي حارا أو هارا. وربما حران هي اوران، أو اور أيضا. والتوراة لا تقول حوران ولا حاران بل هاران. وللتدليل على العلاقة ما بين الحرّانية والمنداء، غالبا ما يتنسد إلى خبر ورد عن الخليفة العباسي المأمون، وهو مختصرا : (( حين إرتحل المأمون إلى روميا، إجتاز ديار مضر، فإستقبله على الطريق عدة طوائف ومنهم طائفة ذوو لمم كثة ويلبسون الأقبية،، فقال لهم المأمون ألكم كتاب أم نبي، فمجمجوا بالقول فقال لهم أن دمكم حلال،، فقالوا نحن ندفع الجزية فقال إنما تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وأنتم لا كتاب لكم فإختاروا أما أن تتحولوا إلى الأسلام أو واحد من هذه الأديان المذكورة بالكتاب أو أقتلكم حين أعود. فأسلم كثير منهم أو تنصّروا خوفا،، وبقي بعض منهم على معتقده فإقترح شيخ ما عليهم أنه إذا رجع المأمون قولوا نحن الصابئون فهذا إسم دين قد ذكره الله بالقرآن فإنتحلوه فتنجون به،، ففعلوا ،، لكن المأمون توفى قبل العودة فرجع بعضهم إلى الحرّانية وتصابى البعض وتستر البعض بالإسلام (الفهرست ص 389 ومصادر أخرى)
والطعن بهذا الخبر غير مبرر لعدة حيثيات أهمها مصداقية إبن النديم الذي أورده. كذلك فأن تناحل الأخبار في التاريخ الإسلامي كان أما لأغراض مذهبية إسلامية أو بسبب إسرائيليات كعب الأحبار ووهب إبن منبه أو لإثبات بطولات خارقة. لكن يستحيل من الجانب الآخر على شخص عالم فيلسوف كالمأمون أن لا يعرف الصابئة وهم في ميسان على بعد مسيرة ليلة من عاصمته - بغداد. ومستحيل أن لا يعرف عنهم شيئا وهو العالم المتبحر بالقرآن وآياته كالواردة أعلاه في سورة البقرة. والمأمون تأثر بالمنطق (علم الجدل) الشيعي عن طريق وزيره الأول الإمام علي بن موسى الرضا، كما كانت تشد أعلام المذهب الشيعي والصابئة علاقات توجت أخيرا بالصداقة الحميمة ما بين الشريف الرضي وإبراهيم بن أسحق الصاب (أصول الصابئة ص 10). وقد تدرج الصابئة حتى وصل ثابت بن قرّة إلى منجم الخليفة المعتضد. كل هذا يشير إلى معرفة دار الخلافة بالصابئية. والمأمون ما سأل الحرّانيين عن كتابهم ونبيهم، إلا لأنه يجهلهم، بسبب إنغلاقهم أو عدم ورود إسمهم بالقرآن. هذا من جهة. وللصابئة كتاب كنزربّا وهو صحائف آدم، وهو كتابهم الرئيسي. فكيف لم يعرف به الحرّانيون إذا كانوا صابئة؟!
المهم وتجنبا للإسهاب نضع بين أيدي القارئ فوارق الديانتين الصابئية والحرّانية (تفسير الميزان ج 1، 2، 6، 7، 14 وبقية المصادر)
الحرّانيون الصابئة
=========== ==========
الأنبياء أراني، أغاذيمون، هرمس، آدم، شيث، نوح، إبراهيم، يحيى
سولون
التعميد يتطهرون بالماء عموما تتعمد بالماء الجاري حصرا
القبلة جنوبا شمالا
الكتب السماء (عن الطبائع الأربعة) كنزرابا (صحائف آدم) الفقه
الكون (عن الحرث والنسل) تعاليم يحيى، فقه التعميد،
العلوية (الأجرام) النفس العبادات، النكاح، الأدعية
الرؤيا، ما وراء الطبيعة وكتاب 1012 سؤالا، التنجيم
أيام الأسبوع
إيليوس (يوم الشمس) الأحد هوشابا (عطلة)
سين (يوم القمر) الإثنين إترين هوشابا
أريس (مريخ) الثلاثاء ثلاثاهوشابا
نايق (عطارد) الأربعاء ارباهوشابا
بال (المشتري) الخميس همشاهوشابا (هيوزيوا)
بلثي (الزهرة) الجمعة أورفتا
قرنس (زحل) (عطلة) سبت شفتا
الأشهر والأعياد:
مارس (عيد رأس السنة) قينا
نيسان ارقوا
أيار قربان إلى الشمال هطيا. عيد ديمانه وميلاد يحيى
حزيران (عيد تشميس السر) كديا
تموز إحتفال البكاء على تاووز دولا العيد الكبير و الشيشيان
آب عيد الخمر نونا (الطوفان)
أيلول أمبرا
تشرين الأول حرق الطعام تورا أعياد: الفل، الصغير
تشرين الثاني الصوم صلمى
كانون الأول الإحتفال لقبة الزهرة سرطانا عاشورية ضحايا الطوفان
كانون الثاني عيد القمر اربا
شباط صيام للشمس شمبلتا (أو شباتا)
وللحرّانيين الآلهة التالية: مريخ، بيل شيخ الوقار، فسفر، قوسطير الشيخ المتنخب، ذات جناح الريح، صارح إبنة الفقر التي خرج هؤلاء منها. كل يوم 20 نيسان يتوقعون ورود إله الماء إليهم.
ومعابد الحرانيين المعنيين في قصة المأمون هي: كعبة مكة المكرمة لزحل، معبد أصفهان لمارس، معبد مندوسان ببلاد الهند، معبد نوبهار في بلخ للقمر ومعبد غمدان بصنعاء للزهرة. ومعبد كاوسان في فرغانة للشمس، ومعبد ببلاد الصين للعلة الأولى (الله). هياكلهم من حيث الشكل: المدورة وهي معابد (العقل، العلة الأولى، الصورة، النفس) المسدسة الشكل وهي معابد المشتري. والمثلثة وهي معابد عطارد، ومثلثة في مستطيلة معابد الزهرة، والمستطيلة معابد المريخ، والمربعة للشمس وعطارد ومعابد القمر مثمنة.
وتقويمهم هو السنة البابلية القمرية وتبدا في مارس
بينما الصابئة موحدون ليس لهم غير الله ربا. لكن لديهم كثرة من الملائكة الصالحون. ولهم هيكل واحد بإسم المندا أو الإشخنثا. وهو كوخ صغير من القصب بابه من الجنوب ليدخله العبد ووجهه إلى القبلة (الشمال). لا يعبدون الشمس والقمر أو الزهرة، لا يسشربون الخمر، لا يذبحون لغير الله، لا يبكون على ميت، لا يحرقون الطعام. والسنة أيضا تبدأ في مارس لكن عدد الأيام ثابت في كل شهر وهو ثلاثون يوما لذا، يضيفون خمسة أيام في نهاية السنة لا تعتبر من التاريخ يكسل بها الصابئة ولا يمارسون أي عمل. وهو ما يسمى بعيد البنجة (بنجة من الفارسية والكردية تعني الخمسة) أو بروانا. وتاريخهم يبدا بنزول آدم، والسنة الجارية (2002م) هي 445370 آدمية.
ومن هنا، فالحرانيون المعنيون في قصة لقاء المأمون هم حقيقة يزيديون (سينيون) وليسوا صابئة.
خامسا: الغنوصية
يتخذ من بعض الأفكار الغنوصية التي تقول بها الديانة الصابئية على لاشنعارية الصابئة بإفتراض أن الغنوصية مذهب يوناني إنتشر شرق المتوسط.
وهذا ما لا نراه.
فإن كون كلمة غنوصية يونانية الأصل من gnosis لا يعني بالضرورة أن من يعتنقها أو يقول بها يوناني. فمسلمو نيجيريا ليسوا عربا وإن قالوا بديانة العرب الأساس - الإسلام. هذا من جانب. وإن كانت الغنوصية حقّا يونانية فلا مانع من أن تنتقل إليهم عن طريق الإسكندر المقدوني (القرن الرابع قم) المعروف بعدم تحسسه من فلسفات الشعوب التي وقعت تحت سيطرته. وهو ما يجيز إفتراض أن الغنوصية مذهب مجموع من عدة أصول أهمها الشرقية.
والغنوصية مذهب صوفي الطابع يقول أن بداية الكمال هي معرفة الإنسان، وغاية الكمال هي معرفة الله فهي الغاية والكمال (موسوعة الفلسفة ج2 ص 19 - 86) ومعرفة الله هي العرفان بالمعنى العربي. والمعرفة، كما هو معلوم تستند إلى البراهين والحجج العقلية بينما العرفان هو مركب المعرفة زائدا قناعات الروح المبنية أساسا على موضوعة التوق للخلاص النهائي. وقناعات الروح، أما مبنية على حقائق عقلية إندرست حيثياتها من الذاكرة البشرية، أو حقائق مفترضة تفسر المحيط المجهول من خلال الأسئلة الثلاثة من أين، كيف، إلى أين؟؟؟
وهذه الأسئلة العرفاينة واجهها الإنسان حتى في المراحل الأولى من إنتقاله إلى الحالة البشرية. ولا أحد يجزم بأن الحيوانات عموما أو الراقية منها لا تختلج مخيلتها بهذه التسؤلات لحظتمّا.
وفي الحقيقة ولكون المتصوفة العرب يستخدمون لفظ العرفان كأعلى مراحل المعرفة الربانية أو الإندماج بالذات الإلهية، فسأميل بدوري لإستعمال كلمة العرفان للدليل على الغنوصية. على إن المعاني الأساسية للعرفان هي: الخلاص من هذا العالم، ثنوية الروح والمادة (أو النور والظلمة والخير والشر) في الكون، أن الصانع هو (الله)و عرفان هذا الصانع هو الغاية كما قلنا، وألوهية هذا الصانع تتجلى أيضا من خلال وحي لإنسان ما.
فهل كان اليونانيون أول من قال هذه الأفكار؟! لا حتما. لأن لقمان الحكيم قال بها. ولقمان هو أما أحيقار السرياني أو هوكار البابلي الذي عاش حوالي 2000قم. والقرآن يتحدث عن أن إبراهيم فكّر بالآلهة حين نظر إلى الشمس وإفترضها ربّا، فلما غابت أنكرها، ومن ثم إفترض القمر إلها فلمّا غاب أنكره. هذا بغض النظر عن ماهية إبراهيم أو عن أي إبراهيم يجري الحديث. والصابئة يعتبرون أنفسهم حنفاء على ملة إبراهيم، ولم ينكروه إلا حين تختن. والصابئة بالمناسبة، يقولون إن حادثة إنكار ربوبية الشمس والقمر أعلاه حدثت مع شيتيل. وشيتيل هو شيت إبن آدم. إي إنهم يعطون لهذه الواقعة التي أعتبرها شخصيا من أوائل علامات العرفان، تاريخا أقدم وربطا جوهريا بهم.
ويقول الدكتور بدوي: (( أن الثنوية هي أساس الزرادشتية، قد ثبت بالدليل القاطع أن الغنوصية تأثرت بزرادشت، ومؤلف سفر يوحنّا المزعوم يذكر العنوان: أقوال زرادشت، كما تحتوي مخطوطات قمران نزعة زرادشتية واضحة )) ( موسوعة الفلسفة ج2ص86)
وزرادشت عاش في القرن السادس قم. إلا أن القول بالثنوية هو مذهب بابلي قديم تحدث أول الأمر عن الإله بل (إبلس) نقيض مردوخ، رغم إنه لا يصل إلى مردوخ قوة.
ويقول السيد عزيز سباهي: (( إن الغنوصية خليط من الأفكار الفارسية الهندية البابلية، أخذت من الهلنستية المعرفة ومن البابلية علم الفلك ومن الزرادشتية حرية الإختيار بين الخير والشر، والفكر الغنوصي المصري إستق عناصره الفارسية والباببلية من ميسان )) ( أصول الصابئة ص147 وما بعدها))
وكل هذه الدلائل تكاد تشير إلى أن ليس للعرفان من الهلنستية (اليونانية) غير الإسم اللاتيني gnosis وحسب. ووجوده في منطقة لا يعني أن هذه المنطقة موطنه، وهو مذهب عالمي.
سادسا: اللغة الصابئية
اللغة المندائية هي الآرامية والسريانية (بابلية). ولمنطقية اللغة المندائية أشير إلى بعض المفردات للدلالة على علاقتها بالأكدية والعربية.
الأكدية الصابئية العربية
---- ----- -----
أليما آلمي عليم
أو أو أو
أوورا دنهورا أنهار
إليم آلمي رب إله
أوومي آماي يوم
أمي إمّا أمّة
إيموق إمقييم قيوم قوي
آسا أس آس
اينا أينا عين
أرخي يخرا شهر، تاريخ
بتولو بتولا بتول عذراء
كالو كلّي كل
قدوشو قدوش مقدس
لبنيتو لبنا لبن
لبا لب لب، قلب
شليم شلمي سلام
شاما إشمي سماء
صالام صلماثا صنم أو صورة
ريشو ريشا رأس، ضخم، بداية
لاباشو لاوشِن يلبسون
مي ميا مياه
بيتو بيث بيت، آل، عشيرة
طلامت طلالا ظل
كوزوب كذبا كذب
قابوو قالا قول
كلبو كلبا كلب
رابي رابا كبير، عظيم
سوقي سوقا سوق
شاموو إشتمع إستمع
قاقاري أقرا قارة
أردا أرا أرض
ناصارو ناصورا يحرس يراقب ينصر
ماخار مدخر الأول
موتم مختا موت
شوم إشما إسم
لا لا لا
شامش شامش شمس
شمشم شوشما سمسم
شابا شوا سبعة
ياور ياور ياور، مساعد
شاناتي شانات سنين
نارو نهورا نهر
شلوم إشلاما سلام
ناشو ناشا ناس
قلاتو قلايا قلي، أو إحتراق
واحد هو واحد
إترين إترين إثنين
شلاشا ثلاثا ثلاثة
أربا أربا أربعة
خانشي خمشا خمسة
شيبيت شابا سبعة
على إن إثبات شنعارية الصابئة أو عدمه، ليس بالأمر الهام أزاء روحانية هذه الديانة. وأترك القارئ مع بعض الآيات من كتاب كنزا ربا (الكنز الكبير) وهو صحائف آدم ع. وبعض من تعاليم يحيى ع.
الله موجود وموجود خليله الملاك، بشهادتك أيها الخالد مالك الأنوار المنبعث من ذاته ولا دخل لأحد بنشأته، صمد وإسمك لا يزول (وهي تقابل سورة التوحيد القرآنية)
بسم الله المتعال، لست مجوسيا ولا يهوديا ولامسيحيا، إني طاهر متعمد بالماء الجاري الذي وهبه الله للبشر. ليباركني الله الواحد الأحد، والملك الخليل، إنني أبتعدج عن السيئات وأحفظ أقوال الله ودساتيره وهي منير طريقي في الحياة
أيها المؤمنون الطاهرون والصالحون إنهضوا وإسجدوا لله وصلوا على ملائكته
أنا أعبد الله الحي القيوم رب الخلائق أجمعين المكرم المعظم الدائم رب الصدق والحقائق ليس لقدرته حدود أو نهاية هو النور الأزلي الكريم الرحيم الرؤوف المنجي السند القادر العالم الخبير البصير ذو الإرادة العليا لا تدركه الأبصار ولا يوصف جلت عظمته لا شريك له في النلك طاهر مطلق وقدس نوراني يسبح بحمد الخلائق أجمعين، عليم جليل خبير بصير جميل لا يعرف الإساءة هادي منزه موجود في قلب كل طاهر يسبح بحمده الجميع وترتل الملائكة بإسمه هو الذي زرع العلم في قلب آدم وحواء ونسلهم وعلمهم العبادة وإقامة الصلوات، وأمرنا أن نتخذ لأنفسنا أزواجا
عندما تقربوا أزواجكم فإغتسلوا وتطهروا ولا تقربو الزنا والفاحشة والسرقة ولا تقتلوا أبناء الناس.
أيها المؤمنون المسلمون ويا أيها المسلمون المؤمنون لا تخالفوا ما عاهدتم الله عليه، إنبذوا الرذيلة والكذب ولا تكنزوا الذهب والفضة فالدنيا فانية زائلة
لا تعبدوا الشيطان والإصنام والتماثيل فمن يعبد الشيطان من دون الله فهو في جهنم.
لا تشهدوا كذبا وتجنبوا السحر لا تقضوا بينكم بالباطل، إحترموا آباءكم وأمهاتكم وأخاكم الأكبر، لا تتراجعوا عن الحق، تصدقوا على الفقراء والمساكين والعميان
إن تصدقتم على أحيد فلا تجاهروا بذلك ولا تمنو، تصدقوا بالسر فلا تعلم يمينكم ما أعطت يساركم ولا تعلم يساركم ما أعطت يمينكم، لكي لا يفتضح أمر المتصدق عليه.
من عمل صالحا ولم يتصدق بما من الله به عليه فمؤاه النار في الآخرة
إذا رأيتم جائعا فأطعموه وعطشانا فأسقوه وعريانا فألبسوه
إن الصيام الأكبر في هذه الدنيا هو الصيام عن الشهوات، غضوا من أبصاركم وأسماعكم ولا تنطقوا كذبا ولا رياءً، لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقربوا إلا نساءكم
من تاب تاب الله عليه وغفر له ذنوبه.
من تعاليم يحيى (ع)
ويل لمن حكّم بحكمين في قضية واحدة
ويل لعالم لم ينفع بعلمع الآخرين
الحكمة أن لا تستهزء بالجاهل
حاسب نفسك أمام وجدانك أولا
يقبل الله دعاء المحب للناس القاضي لحوائجهم
من يعمل خيرا خيرا يرى
سر السعادة والنصر في تزكية النفس والإبتعاد عن الحسد
نص عقد الزواج المندائي: ((هذا ما عاهدت عليه الفتاة فلانة بنت فلانة، بشهادة الله رب العالمين وملائكته الصالحين وأنبياءه الأربعة والعشرين وبحضور رجال الدين، والله هو صاحب هذا العهد وبإسمه نبدأ كل شيء،،، إني لن أعدل عنه أبدا وأنفذ جميع بنوده الصادرة والله أحكم الحاكمين)).
وبعد
وأزاء هكذا روحانية وإقرار بالربوبية وأزاء هكذا أخلاق سامية، أزاء هذا، هل يجوز القول بأن مرجعا ما هو وحده من يمتلك الحقيقة ؟!