|
ج/6 :حسن العلوي و تفريس الصفويين وإحياء ابن سبأ (6-9)
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 18:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أن نواصل قراءتنا في الفقرات التي وعدنا القارئ في الجزء السابق من هذه الدراسة بمناقشتها نود أن نتناول بالتحليل والدحض المبتسرَين قضيتين: الأولى، هي تلك الخلطة البلهاء التي تجمع الفُرس والمجوسية والتشيع والصفوية في سُبة سياسية واحدة، كررها حسن العلوي في كتابه هذا حتى السأم، ويكررها اليوم جميع المصابين بـ"فوبيا إيران" في العراق وخارجه إذ أن هؤلاء، وفي مقدمتهم صاحب "دماء على نهر الكرخا"، بجهلهم وحقدهم القومي الذي أعمى بصائرهم يسيئون إلى العراق ويضرون أفدح الضرر بعملية الدفاع عن مصالح شعبه الحيوية وإلحاق الهزيمة بالأطماع الإيرانية ومحاولاتها للهيمنة المستمرة والمتفاقمة وخصوصا في عهد النظام الطائفي القائم اليوم في طهران.
وإذا تجاوزنا كلمة "المجوسية" وهي شتيمة تكفيرية تستهدف شعبا مسلما بكامله، بشيعته وسنته، وتخرجه من دينه لأسباب تتعلق بالتحريض السياسي المتبادل، فستبقى لدينا الكلمات التالية: الفرس، الشيعة، والصفويين. ولنبدأ بالصفويين: تاريخيا وسلاليا لا علاقة على الإطلاق للفرس بالصفويين. فالصفويون، كمؤسسين وزعماء لدولة وفئة حاكمة عرفت بهذا الاسم، هم سلالة إذرية آسيوية من عائلة الشعوب التركية، وأصلها من شمال شرقي الصين الحالية وتمثل أقلية "الإيغور" اليوم بقاياهم العرقية هناك. والصفوية نسبة يشتقها البعض من أسرة "آل صافويان" والبعض الآخر من اسم الشيخ صفي الدين الأردبيلي مؤسس طريقة صوفية عرفت بهذا الاسم في مدينة أردبيل بأذربيجان وليس في إيران بداية، أو من كليهما؛ وحتى حين سقطت الدولة الصفوية في بلاد فارس سنة 1736 فإن قيادة الدولة التي خلفتها بزعامة نادر شاه القاجاري هي تركمانية أيضاً ومن قبيلة "القزلباش أي ذوي العمائم الحمراء" الذين حكموا إيران حتى سنة 1925 حين سقطت دولتهم وزالت من الوجود بانقلاب قاده رئيس الوزراء آنذاك رضا بهلوي وخلع الشاه التركماني القاجاري أحمد ميرزا واتخذ لنفسه صفة ولقب الشاه وبقيت الأسرة البهلوية في الحكم حتى سقوطها إثر الثورة الإيرانية سنة 1979.
هؤلاء هم الصفويون، الإذريون، الأتراك، الآسيويون، الأسرة المالكة والنخبة الحاكمة والدولة التي حكمت إيران لعدة قرون. أما الفرس "البرسيس" فهم شعب آري (من عائلة الشعوب الهندوآرية) كما بينا في جزء آخر من هذه الدراسة، وهم ضحايا الصفويين الأوائل والذين نالوا أكبر الأذى والاضطهاد والقمع منهم حيث أجبروهم على تغيير مذهبهم الديني الطائفي السني وكانوا مسلمين سنة على المذهبين الشافعي والحنفي بالقوة، وقمعوهم بعنف بلغ إبادة السكان الفُرس في عدة مدن، وقد صمدت منهم أقلية مهمة لا تزال تعيش في بلادها حتى اليوم في ظروف تمييز طائفي صعبة. هذا على الصعيد السلالي والأسرة الحاكمة ونخبتها، أما على صعيد المضمون إذْ قد يعتبر البعضُ أن التشيع الصفوي صار يشمل الفرس وغير الفرس في إيران والعراق فالأمر لا يشمل التشيع العراقي العربي أيضا ولتوضيح ذلك نقول:
مضمونيا نعرِّف "التشيع الصفوي" بأنه ذلك المذهب الطائفي الذي يُمأسس المذهب الشيعي الجعفري (يجعل المذهب ورجاله ومرموزاته مؤسسة بين المؤسسات التي تتشكل منها الدولة) وهذا أمر ليس جديدا، بل أوجده الإسلام السُني بعد انفراط عقد السلطتين الدينية والزمنية "الدنيوية" اللتين كانتا مجتمعتين في شخص الخليفة الراشدي فالأموي فالعباسي حتى ابتكار منصب السلطان إلى جانب الخليفة في عصور التراجع والانحدار الحضاري والذي تكرس في السلطنة العثمانية أيضا، فاختص الخليفة بالسلطة الزمنية وشيخ الإسلام أو مفتي الديار بالسلطة الدينية الجزئية أو الشكلية. وحتى هنا، إذا اتفقنا على أن التشيع الصفوي هو بهذا المعنى "المؤسساتي" فهو لا علاقة له بالتشيع العراقي العربي الذي استمر رافضاً للتمأسس والاندماج بالدولة أو الرضوخ لها، وقد فصلنا القول في هذا الموضوع في مقالة بعنوان (التشيع العراقي نقيض التشيع الصفوي / "الأخبار" البيروتية العدد 1988 في 24 نيسان 2013)"1" وخلاصتها الجوهرية هي رفض أي شكل من أشكال التوحيد النوعي أو حتى المماثلة والمشابهة بين تجربتي التشيّع في العراق وإيران. فالخلافات بين التجربتين تتصل بالعوامل والآليات والنتائج والمديات الاجتماعية ومستوى اندماج الخصوصيات المجتمعية المختلفة تماما بين العراق وإيران. وقد بلغ الخلاف ذروته بين التشيّع العراقي القواعدي الرافض للدولة البرانية بشكلها الكسروي، وهو المبدأ الجوهري في التشيّع العراقي. وهو مبدأ لا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا، رغم محاولات الساسة الشيعة المعاصرين زجّ المرجعية النجفية في شؤون الحكم والسياسة.
يمكن اعتبار الشيخ إبراهيم القطيفي "توفي 1543 م" القادم من القطيف في الجزيرة العربية إلى عاصمة التشيّع العالمية النجف خير ممثل سجالي لهذا التشيّع "الضد صفوي"، أما التشيّع الصفوي شبه الكهنوتي المشابه نوعياً لتمثيل التسنّن في تجارب الخلافة العباسية والأموية، حين تحول رجل الدين وجماعته إلى مؤسسة من مؤسسات الحكم المنفصل عن المجتمع، فيمكن اعتبار الشيخ علي الكركي العاملي "توفي سنة 1533 م" القادم من جبل لبنان إلى أصفهان عاصمة الدولة الصفوية والمعين من قبل الشاه الصفوي إسماعيل بمنصب "شيخ الإسلام" ثم بمنصب "وكيل الإمام" في عهد الشاه طهماسب الممثل الأوحد له. وبهذا فلا علاقة للتشيع العراقي والشيعة العراقيين بالتشيع الصفوي حتى بهذا المعنى المضموني، وهكذا تنكشف تهمة أو سُبة (الفرس، المجوس، الشيعة، الصفويين) وخصوصا بنسختها الموجهة إلى الشيعة العراقيين العرب، عن كونها خلطة شتائمية بلهاء وهراء محضا ليس إلا!
القضية الثانية التي آثرنا التوقف عندها هي ضرورة التفريق بين أمرين مهمين لنكون، ومعنا القارئ، على بيّنة من أمر مهم لئلا نخلط النقد الصحيح والضروري والموضوعي لأمور مهمة في إطار موضوع التشيع وأصوله وما هو أصيل أو مضاف وطارئ فيه بالهجاء الطائفي والعنصري الذي يستعمل هذه المبررات النقدية الصحيحة وعلى منوال "كلمة حق يراد بها باطل" لتحقيق مآرب أخرى كما يفعل حسن العلوي في كتابه هذا. ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن ننظر بنقدية وطرق تحليلية تتوسل المقاربات العلمية لا الإنشاء والعواطف الجياشة إلى حقيقة الإضافات التي جاء بها بعض الفقهاء الشيعة من فُرس وغير فُرس، أي بعد أن تكرس وجود التشيع ككيان مجتمعي هو الطائفة في زمن إمامها محمد الباقر وليس قبل ذلك، مسجلين أن هذه الإضافات قد حدثت فعلا وتكرست بالتدريج في فترة القرون الست الخوالي التي استغرقها تشيع إيران، ولكننا آثرنا عدم الخوض في الجانب الفقهي من هذه الإضافات أو الاجتهادات لأنه ليس من مشمولات هذه الدراسة النقدية. إن هذا الموضوع لا يمكن القفز أو المساومة عليه علميا وتاريخيا وفقهيا، ولكن يجب الفصل بينه كهم وانشغال تراثي علمي بحت تنبغي دراسته بالمنهجيات العلمية المعروفة، وبين خطاب النزعة العنصرية الطائفية التي يلهث خلفها حسن العلوي لتفسير تاريخ الشيعة والتشيع، بل والتاريخ الديني الطائفي برمته، على أساس عقلية تآمرية ظلامية جاهلة يتبناها. بعد هذا الاستدراك الضروري نعود الآن لمواصلة قراءتنا في الفقرات الخاصة بهذا الجزء من الدراسة:
شكك حسن العلوي بحديث الغدير نصاً وواقعاً، وهو الحديث النبوي الذي اعتبره الشيعة دليلا على أحقية الإمام علي بن أبي طالب في خلافة النبي، والأحقية هنا يمكن أن يُنظر إليها بطريقتين: الأولى، كتأكيد لواقعة تاريخية لا أكثر وهذا ما يفعله غالبية الفقهاء والعلماء السنة والشيعة فلا أحد ينكر وقائعية هذا الحديث ونصه. والثانية، هي التي ينظر بها الأشخاص ورجال الدين الشيعة الأكثر تعصبا على اعتبار الحديث دليلا على وقوع خطأ تاريخي بحق الإمام علي بن أبي طالب لم ينته وينبغي تصحيحه في الحاضر، وهؤلاء هم حاملو رايات الطائفية السياسية الذين يجعلون من وقائع التاريخ المنصرم مرموزات إيمانية وطائفية سياسية غير قابلة للنقاش مع الآخر الطائفي في الحاضر الزمكاني.
ولكننا نفهم من كلام حسن العلوي أنه يعتبر هذا الحديث ضمن الأحاديث الموضوعة، أي أنه لا يعترف حتى بحقيقته كواقعة تاريخية ثابتة ويضعه في مصاف الآيات القرآنية المفسرة تفسيرا سياسويا، فقد كتب (فقد طالب بعض الصحابة بالخلافة لعلي فظهرت مشكلة الولاية وحيث النص على خلافة علي وهو ما يسمى بحديث الغدير. وقد أدى الخلاف على الخلافة إلى تأويل آيات قرآنية واختراع أحاديث وأوجد أحزابا متنابذة تتراشق بالتهم وتنشر التأويلات "..." وظهرت من نتائج المعركة السياسية الأولى هذه، فكرة الإمامة، إذا "إذْ؟" لم يجد أتباع الإمام علي "ع" سوى فكرة الإمامة يطلعون بها ويردون بها على خصومهم وهي أعظم عندهم من الخلافة الزمنية وأوسع منها صلاحية ومقاما.. ص 37). وفي موضع آخر من كتابه يعتبر حسن العلوي اليهودي عبد الله بن سبأ هو غارس أول بذرة في حقل الإمامة، مكررا ما راج في عهد بني أمية من خرافات وأساطير وأحاديث موضوعة، وضعها شخص واحد لم يسبقه إليها أحد سيف بن عمر التميمي (مات هذا الأخير بعد 160 عاما من وفاة الإمام علي بن أبي طالب ولكنه روى حديثه المشهور عن عبد الله بن سبأ وكيف قتله الإمام علي وأحرق جثته، وهي الرواية التي لم يسبقه أحد إليها، سوى نتف صغيرة رواها الطبري في أحداث الثالث الهجري، ومنها نشأت هذه الشخصية الأسطورية).
وسيف بن عمر معروف بكذبه، ومتهم من قبل أغلب علماء وفقهاء وأئمة السنة بأنه وضّاع (يضع أي يؤلف الأحاديث وينسبها إلى النبي) ومطعون في روايته وزنديق، فهذا محمد بن حبان السمرقندي يقول عنه (يروي الموضوعات ويضع الأحاديث واتهم بالزندقة). أما الحاكم النيسابوري فقال عنه (سيف بالرواية ساقط ومتهم بالزندقة)، ابن عدي قال عنه (بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها). ويقول عنه ابن معين (ضعيف الحديث فليس فيه خير). وقال ابن أبي حاتم (متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي). وقال عنه السيوطي إنه وضّاع. وقال محمد بن طاهر بن علي الهندي عنه (سيف بن عمر متروك، اتهم بالوضع والزندقة وكان وضاعا)، أما أبو داود صاحب السنن فقال (ليس بشيء). وقال عنه النسائي إنه ضعيف، وهؤلاء كلهم من أئمة وعلماء أهل السنة. ولكن ماذا قال المعاصرون بخصوص شخصية ابن سبأ؟ نستكمل الكلام في هذا الموضوع في الجزء القادم من هذه الدراسة وهو السابع.
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من شمشون إلى بن لادن : الانتحاري في التاريخ
-
المضيء هادي العلوي يستشرف احتلال العراق وتمزيق أحشاء المحتلي
...
-
ج5/حسن العلوي في كتابه : مجوس بعمائم شيعية يقودهم ابن سبأ /5
...
-
4/ حسن العلوي و أوتوحيكال والعلماني سرجون (4-9)
-
بين الفقه والسياسة.. مراجع النجف وخلافاتهم
-
ج3/حسن العلوي: مزج الجهل بالتلفيق الأيديولوجي/3-9
-
هل وضع الشمري والمالكي حجر الأساس لتقسيم العراق اجتماعيا؟
-
ج2/حسن العلوي -في دماء على نهر الكرخا-: حين يمحو الكاتب ذاته
...
-
ج1/ الفكر العنصري كما تجلى في كتاب حسن العلوي - دماء على نهر
...
-
تكفير الآخر في الفقه الشيعي
-
الحدث في الأنبار: صراع سياسي اجتماعي لا طائفي انفصالي
-
خطباء جمعة أم جنرالات؟!
-
هدية -داعش- إلى المالكي ليلة عيد الميلاد!
-
ج3/ في وداع مانديلا : الثوري حين يتصالح ويتسامح 3-3
-
القاعدة بين تكفير الشيعة و استهداف المسيحيين
-
ج2/في وداع مانديلا: الثوري حين يتصالح ويتسامح 2-3
-
ج3/ بديهيات فاسدة: البعث السني وجمهورية قاسم الشيعية!3-3
-
في وداع مانديلا : الثوري حين يتصالح و يتسامح 1-3!
-
ج2 /بديهيات فاسدة: البعث السني وجمهورية قاسم الشيعية!2-3
-
ج1/ بديهيات فاسدة: البعث السني وجمهورية قاسم الشيعية!
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|