أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد الخباشي - حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي :البناء البرنامجي بين المسار الصعب والطريق المبهم 3















المزيد.....



حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي :البناء البرنامجي بين المسار الصعب والطريق المبهم 3


محمد الخباشي

الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 11:07
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


في فترة سابقة، حاولت ان أغوص في ثنايا ادبيات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، بحثا عن النزعات الاشتراكية العلمية فيها. ومحاولة لتبيان البطء الذي تميزت به عملية تبلور النظرية الاشتراكية العلمية داخل المجتمع المغربي من خلال الممارسة السياسية للحركة الوطنية المغربية وحركة التحرير الشعبية التي يشكل استمرارا لها الى حدود معينة. وأعددت مسودة لكتاب في الموضوع املا في تصحيح بعض المعطيات التي لقنت للمناضلين، وأخدت دون تمحيص كافي. ولاسباب فيها الذاتي/الشخصي، وفيها ما ارتبط بانتمائي الحزبي، اقبرت هذه المسودة. وفي انتظار اعادة ترتيب بعض الفصول، ارتأيت أن انشر هنا محاور اساسية املا في طرح رؤية فيها من الاختلاف ما هو اسمى من الداتية والعاطفة. وفيها من الحجة ما اعتقد أنه كاف ليشكل مقاربة جديدة لنقد ممارسة سياسية تتبلور بشكل غير موازي لتبلور مشروع التغيير المجتمعي في تصور نظري متكامل. وسوف اتطرق الى الولادة العسيرة للاختيار الاشتراكي داخل الحزب منذ تاسيسه عام 1959، مرورا بأهم المنعطفات التي مر بها (المؤتمر التأسيس- الاستثنائي- الثالث – الرابع و الخامس)، ومحاولات التعبير عن نزعات اشتراكية علمية اعتملت في اوساط الحزب وأن لم تكن رسمية ( الاختيار الثوري- المذكرة التنظيمية- بيان 8 اكتوبر72- مذكرة العمال الاتحاديين باالمهجر- مذكرة اقليم الرباط 82.......)




الجزء الثالث : نقد ذاتي ام بداية الارتداد من جديد؟

لن أجازف بالقول ان قرارات يوليوز 1972 وضعت حدا لما طبع الممارسة السياسية الحزبية في الفترة السابقة. كما ان الاجابة على هذا السؤال تتطلب تشخيصا للادبيات الحزبية والتدقيق في الرؤية السياسية التي ستتبلور بعد ذلك الوقت. وهذا امر صعب للغاية، على اعتبار أن الحزب دخل مرحلة جديدة من تاريخه، عرفت مجموعة من الاحداث ( 3 مارس وما تلاها من اعتقالات، الحظر...) من الصعب ان يغامر الفرد في الحديث عن خط سياسي رسمي للحزب.
ومحطة 30 يوليوز 72، كباقي المحطات الحزبية التاريخة، لها ايجابياتها ونواقصها. اما الايجابيات، فالرئيسية منها، انها مكنت الحزب من عائق ظل يكبح تطور الممارسة الحزبية وتبلور خط سياسي متماسك ومنسجم مع الاهداف الاستراتيجية الواضحة. الا ان هذه المحطة لم تكن انطلاقة توجيهية وتنظيمية ذات النفس الطويل ويرجع ذلك الى طبيعة الاجتماع الذي صدرت عنه قرارات يوليوز نفسه. وانعقدت اللجنة المركزية، كهيئة تقريرية بعد المؤتمر، وصدر عنها البيان التاريخي ليوم 8 اكتوبر1972. ويعكس هذا البيان البرنامج المرحلي للحزب ورؤية سياسية واضحة، من الضروري معالجة اهم ما جاء فيه.
يعتبر بيان 8 اكتوبر اول وثيقة رسمية حزبية تناولت بتحليل التناقض الرئيسي في المجتمع المغربي. ويمكن ان نقرأ في البيان : "... تجسد التناقض الاساسي القائم في المجتمع منذ الاعلان عن الاستقلال، وبالتالي انعكس صراعا طبقيا متأججا بين قوتين رئيسيتين :
- القوة التي يجسمها تحالف الفئات الاقطاعية والبرجوازية المتداخلة المالح، والتي تعمل مع الاحتكارات الامبريالية والراسمال الاجنبي على تدعيم وتركيز الهياكل الاستعمارية والاستغلالية....
- القوات الشعبية المؤلفة من اوسع الجماهير المحرومة والمسحوقة والمستغلة"
ويعزي البيان الازمة التي يعيشها المجتمع في شتى المجالات الى "السياسة اللاشعبية المعادية لآمال ومالح الجماهير المغربية". ويضيف " سياسة سخرت طاقات البلاد وترواتها لفائدة اقلية من المستغلين الذين قومون بدور الوسيط للراسمال الاجنبي، مجسمين بذلك التبعية للاستعمار والامبريالية العالمية". اما على المستوى السياسي، يؤكد البيان على أنه في اطار الراع الدائرة رحاه في المجتمع "يعتمد الجهاز الحاكم، المعبر السياسي عن التحالف الاقطاعي البرجوازي، اولا على جهاز قمعي واسع المدى من اجل تعميم الرعب وجعل اساليب الاختطاف والتعديب مسطرة عادية في علاقته بالمواطنين،(......) ثانيا على ديمقراطية مزيفة بواسطة سلسلة من الاستفتاءات الدستورية والتجارب الانتخابية التي تقوم على تزوير الارادة الشعبية" ويؤكد البيان ان حل هذه الازمة يتطلب "التخلي عن التجاه السياسي الحالي، والسير في اتجاه يختلف جدريا عن الاتجاه السابق، في اتجاه يكفل الشعب المغربي استعادة سيادته مجسدة في ممارسة ديمقراطية حقيقية، تضمن لهالمساهمة في التقرير والتنفيذ، وتفتح امامه لمراقبة الحاكمين ومحاسبتهم"
وهذا يقتضي حسب البيان "انتخاب مجلس تاسيسي وتشريعي بالاقتراع السري المباشر العام من اجل تزويد البلاد بدستور حقيقي يجسم ارادة الجماهير". كما انه حدد اهدافا مرحلية وهي :
- اصلاح زراع حقيقي
- تصنيع البلاد وتجهيزها
- تعليم وطني تقدمي
- خطة وطنية متكاملة لتحرير الصحراء المغربية وسبتة ومليلية
- نهج سياسة خارجية تحررية
لكن قبل هذا وذاكن اعتبر البيان ان "الغاء الاحكام والمتابعات السياسية الصادرة او الجارية، لهو خطوة ضرورية على طريق احداث النافراج السياسي المطلوب". هذه المهام المرحلية، نجدها منسجمة مع الاهداف العامة للحزب في التحرر والديمقراطية. وقد حددها البيان في :
- استئال جدور الهياكل الاقطاعية والراسمالية والاستعمارية في بلادنا.
- حل مشكل الحكم باقامة مؤسسات سياسية شعبية تمكن الجماهير من الرقابة الديمقراطية على اجهزة الحكم وكل المؤسات
- اقامة اسس اقتصادية خالية من أي مظهر من مظاهر النفود الاستعماري وسيطرة الاقطاع وحليفته البرجوازية الكبرى، لضمان توزريع عادل لتروات البلاد وانتاجها العام، يكون المستفيذ الاول منه الجماهير الشعبية المسحوقة
- اقامة تنظيم سياسي واجتماعي يسهر على تأطر الجماهير الشعبيةمن اجل التعبئة الشاملة لسائر الموارد والطاقات المادية والبشرية قصد تحقيق تراكم متزاد للتوفير القومين يمكن البلاد من الاعتماد على امكانياتها الذاتية في عملية البناء الاقتصادي والاجتماعي.
ولا يسجل على البيان فقط كونه يعبر عن نضج ايديولوجي وسياسي، انما انسجامه وهو تصور متكامل ورؤية تنصهر فيه معركة التحرر في بعديها الوطني والاجتماعي، في معركة واحدة حدد طبيعتها بأنها "معركة التحرير الشامل السياي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بمدلوله الشعبي". ونبدا لكل اشكال النضال الفوقين عبر البيان عن قناعة ومبدإ، وهو الضمانة الوحيدة للنجاح، بقوله " ان النضال مع الجماهير وبواسطة تعبئة القوى الشعبية الكادحة هو وحده سبيلنا الى النصر".
يعتبر بيان 8 اكتوبر التاريخي بيانا متقدما في تحليله للتناقض الاساسي وطرحه الاهداف والشعارات المناسبة للمرحلة ويشكل تعبيرا صائبا عن النضج الايديولوجي الذي يعتمل في اوساط القواعد الحزبية. لكن بعيد الاعلان عن هذا البيان، ولم يمض من الوقت الا القصير، حتى بدأت بوادر الردة تلوح في الافق من جديد. فجاء الرد على الرسالة الملكية بخصوص الدستور، وسجل ردة على الخط السياسي المتنامي للممارسة السياسية الحزبية، والذي عبر عنه بيان 8 اكتوبر. وتجلى ذلك من خلال طرحها الخاطئ للمجلس التاسيسي للدستور، حيث اعتبر مجرد مجلس تكون مهمته البث في بعض بنود الدستور. ان التدبدب الذي تميز به الخط السياسي الحزبي هو المنطلق للاجابة على السؤال السالف، وفيه تأكيد على ان الصراع داخل الحزب لم ينته. وتجدد على ارضية مخالفة لفترة ما قبل 30يوليوز72، وان كان موضوع الصراع واحد : بناء الاداة الثورية كمهمة رئيسية وجعلها سلاحا للجماهير الشعبية للانفكاك من من غطرسة الطبقة الحاكمة ومن سيطرة الامبريالية.
هذا التدبدب سيكرسه تفجير مجموعة من المناضلين الاتحاديين للكفاح المسلح على اثر ما عرف باحذاث 3 مارس 1973. والحذيث عن تجربة 3 مارس، يجب ان ضعها في اطارها الحزبي الشامل، وان يتم التعامل معها كتجربة حزبية يجب استخراج العبر منها. كما انه قد يكون من غير الطائل تحميل المسؤولية لهذا الطرف او ذاك،بالرغم من ان هنا من نفض ايديه مباشرة بعد اخمادتلك العمليات المسلحة. ويجب التعامل معها كتجربة حزبية، وتشخص العناصر التي انبنت عليها. واخدا بعين الاعتبار الظرف السياسي آنذاك، والذي اتسم باستمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تفجير التناقضات داخل الكتلة الطبقية السائدة، محاولة الطبقة الحاكمة تدجين الحياة السياسية، مد وتنامي النضالات الجماهيرية... اعتبارا لهذا الظرف، فإن حرك 3 مارس ارادت لنفسها ان تكون بديلا، دحرا لاسلوب المساومات والمفاوضات الفاشلة ، وللانقلابية العسكرية ايضا . وقد رأت في الكفاح المسلح مبدءا املته قناعة لدى الحركة، وهي استحالة النضال الديمقراطي داخ المغرب، و"كمبدإ لتجنيد الجماهير الشعبية واستغلال ضعف وعزلة الحكم، للشروع في العمل من اجل تحقيق سلطة الشعب". وطرحت الحركة بديلا بتبنيها شعار "الثورة الشعبية المسلحة" وحددت لها هدفين رئيسيين :
1- تتميم الاستقلال ويقتضي
- تحقيق وحدة التراب المغربي باسترجاع جميع المناطق الوطنية التي لازالت تحت سيطرة الاستعمار.
- تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي للمغرب بتحطيم كل استغلال لطاقات بلادنا المادية والبشرية من طرف القوى الاقتادية العالمية
- رفض القواعد العسكرية الاجنبية في بلادنا من اية قوة دولية كيفما كانت .
- حماية المياه الاقليمية المغربية وخيراتها من السيطرة الاجنبية
- تحرير المواطن المغربي من كل انواع الاستغلال : الاقطاعة والاحتكارية

2- تحقيق الديمقراطية
- تحقيق نظام جمهوري شعبي وديمقراطي، يكون العمود الفقري فيه ديمقراطية ومراقبة واسترجاع الجماهير الشعبية الكادحة لوائل الانتاج في بلادنا.
- انتخاب الشعب مجلسا تاسيسيا يضع دستورا للبلاد يجري به العمل بعد مصادقة الشعب عليه.
- ضمان حرية التعبير والتنظيم السياسي والنقابي وحرية تأسيس الجكمعيات والاندية الثقافية
وكيفما كان الحال، فإن حركة 3 مارس، سقطت في اخطاء كثيرة كانت لها اوخم العواقب على الحركة الاتحادية وعلى المجتمع برمته. " إن اعتماد الكفاح المسلح كمبدإ في حد ذاته من غير انتتوفر له الشروط التنظيمية والسياسية ...... لا يمكن الا ان يطي الا نفس النتائج السلبية التي تؤدي اليها اعمال العنف المعزولة في غياب الحزب الثوري المنظم، وذلك مهما بلغت شجاعة المناضلين الذين يقومون بدور التنفيذ"
ومن ايجابيات التجربة،انها ساهمت في تفجير التناقضات الكامنة في اوساط الحزب خاصة القيادة. كما انها رسخت قناعة بضرورة التوجه نحو بناء الاداة الثوريةوابانت عن عدم جدوى عمليات العنف المعزولة.الا انها كان فرصة للطبقة الحاكمة التي تحركت بشكل هستيري لقمع وتصفية المئات من المناضلين، واصدار احكام انتقامية، وشل الحزب وحظر نشاطه. وشملت هذه الحملة كل الاطارات التقدمية النشيطة، وعملت على تقوية اجهزتها القمعية، بعد فشل الانقلابين العسكريين 71و72. فجاءت احذاث 3 مارس وعجلت بتحرك الآلة القمعية للطبقة الحاكمة. وبعد ذلك دشنت ، مع بداية 1974، حملة من المفاوضات والاتصالات مع قادة الاحزاب تحضيرا لاجماع وطني مزعوم. وحركت ملف الصحراء للتنفيس عن ازمتها في محاولة لاستقطاب المعارضة ولفها حول شعار الاجماع الوطني، ووعدت بتجربة انتخابية اخرى...
في هذا الظرف السياسين اعلن عن تغيير اسم الحزب من الاتحاد الوطني الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتم الاعلان عن التحضير للمؤتمر الاستثنائي ف ظرف 3 اشهر. ودخل الحزب منعطفا ينذر بان مرحلة من مساره التاريخي على وشك الانتهاء، وان مرحلة اخرى ابتدأت . تميزت المحلة المقبلة على الانتهاء بديناميكية الصراع بين مكونات الحزب وكان لذلك انعكاس على الختيارات التوجهية والسياسية. ومن خلال تطوره التاريخي، توضحت تناقضاته الداخلية، تفجر البعض منها، وبقي البعض الاخر الى حين.
ان المتتبع او المطلع على الظروف التي مر منها الحزب، لن يتردد في جعل المهمة الريسية هي اعادة بناء التنظيمات الحزبية على اسس جديدة وذي آفاق ايدولوجية واضحة واستراتيجية قارة. الا ان الامور لم تسر بهذا الشكل، بل دخل الحزب في دائرة الصراعات المغلقة من خلال المفاوضات والكواليس، ومن موقع اكثر ضعفا من المرحلة السابقة. وبدأ التهييء للمؤتمر الاستثنائي بشكل سريع في محاولة للتخلص من الارث التقيل للاتحاد، وبدأ التهيء لبلورة خط سياسي ارتداد تراجعي. هذا الخط التراجعي بدا التهييء له منذ تحرف شعار المجلس التاسيسي للدستور، وتبلور بشكل اكثر وضوحا في الوثائق المقدمة للمؤتمر الاستثنائي. وبدأت الاخطاء القاتلة الثلاث ،التي وقف عندها القائد الوطني الفذ الشهيد المهدي بنبركة، تعيد انتاج نفسها في الممارسة اليومية للحزب.
وكما سبقت الاشارة الى ذلك، فإن الظرف لم يكن مناسبا لعقد مؤتمر خاصة من الناحية التنظيمية. الا انه اتضح فيما بعد ان الحزب وضع على "سرير بروكوست" ليلائم الظروف السياسية التي يتم التحضير لها تحت شعارات ديماغوجية وجوفاء (المسلسل الديمقراطي، الاجماع الوطني ، المغرب الجديد..). ورغم ذلك، ومن اجل انقاد الحزب من الانزواء نحو الخط التراجعي الذي يتم تحضيره، بادر العمال الاتحاديون باوروبا الغربية برفع تقرير الى المؤتمر الاستثنائي. يهدف التقرير الى تطوير مكتسبات الحزب وما راكمه على المستوى الادبي ( الاختيار الثوري، المذكرة التنظيمية، بيان 8 اكتوبر...). ويهدف ايضا الى القفز بالممارسة السياسية الحزبية الى مستوى الممارسة الثورية للصراع الاجتماعي وما يقتضيه ذلك من الناحية السياسية والتنظيمية والتوجيهية.
بؤكد التقرير المؤطر بشعار"من اجل استراتيجية واضحة وتنظيم طلائعي ثوري" على ان القيادة الحزبية تتحمل كامل المسؤولية في اتمرار الاخطاء القاتلة التي تعرض لها الاختيار الثوري، رغم ما يزيد من 12 سنة ، وذلك في سياق تقيمه واستعراضه لخلصات التجربة السابقة. وتندرج ضمن هذه الاخطاء حسب التقرير، مجموعة من السلبيات التي كررها الحزب وعلى رأسها :
- التنازلات والصراعات في الكواليس مع الجهاز النقابي حول التقرير المذهبي بمناسبة المؤتمر الثاني.
- الوحدة مع نفس الجهاز عام 1967 بالرغم من معارضة المناضلين والقواعد الحزبية
- استعمال اسلوب العنف عدة مزات بدون مراعاة للمستوى التنظيمي للحزب وبدون التجنيد الكافي والتوعية الكافة والتنظيم الكافي للجماهير الشعبية التي هي الاولى المعنية بالامر.
وتحميل المسؤولية في كل هذا للقيادة بشكل جماعي دون تمييز "يبرره انضباط المناضلين القاعديين للتعليمات والمبادرات القيادية والمساهمة في تنفيذها، وبالتالي، فهي مطالبة (أي القيادة) باخذ المبادرة في تقديم نقد ذاتي بمساهمة كل المسؤولين الذين ساهموا في التجارب السابقة بايجابياتها وسلبياتها. ودون ذلك ، ودون تقييم موضوعي لتلك التجارب، ودون السقوط كذلك في التشخيص، فانهم –أي العمال الاتحاديون بالمهجر- سيضطرون الى اعتبار ان القيادة لم تكن في مستوى التقة التي وضعت فيها من طرفهم"
ويضيف التقرير بخصوص تقييم تجربة العقد الاخير : "ان حصيلة العشر سنوات الاخيرةن نضطر الى تقييمها بشيء من الخيبة، نظرا لضىلة المكتسبات بالمقارنة مع الموقع القوي الذي لازال يحتله اعداء شعبنا في بلادنا: الامبريالية والاقطاعية والبرجوازية الكمبرادورية". وطرح التقرير سؤالا يبرز حقيقة تلك المكتسبات : "فماذا حققنا على مستوى النضال المشروع لفرض الحريات العامة، وفرض تطبيق القانون، وعلى مستوى نشر الفكر الثوري وتعميمي (.....) وعلى مستوى تأطير وقيادة نضال الجماهير الشعبية ضد الاستغلال والاستبداد؟"
ويجيب عن هذا السؤال الوجيه وبكل موضوعية :"اننا في الحقيقة لم نكسب الا الشيء القليل وذلك موضوعيا بسبب القمع الوحشي الموجه ضدنا ولكن كذلك بسبب الاخطاء التوجهية والتنظيمية. فأصبح من الضروري ، بل من الحيوي ان نقيم تجربتنا بشكل موضوعي تجنب الذاتيات والتشخص حتى نتمكن من اتخلاص العبرة من اخطائنا وحتى نستفيذ من ايجابيات تجربتنا، كما اصبح من الضروري ان نضع حدا لغموض ايديولوجيتنا وتدبدب استراتيجيتنا وجماهيرية تنظمنا". لذا فان التقرير يرى ان التبني النهائي للاشتراكية العلمية هو الكفيل بوضع حد للغموض الايديولوجي. الا ان تبني هذا الخيار الايديولوجين يوضح التقرير، ليس مجرد شعار يرفع ، اذ لا يمكن فصله عن المفاهيم الاساسية للنظرية الثوريةالتي بلورها الوعي الطبقي للجماهير الكادحة واغنتها التجارب الثورية الاشتراكية. ومن خلال هذا الوضوح الايديولوجي تتضح استراتيجية العمل الحزبي ، حيث يؤكد التقرير :"ان هدفنا على المدى البعيد لا يمكن ان يكون الا تحقيق الثورة الاشتراكية وبناء مجتمع اشتراكي خال من كل انواع الاستغلال".
يتميز هذا التقرر ، اكثر من غيره ، بكونه تطرق الى مسألة الاستراتجية، الثورة الاشتراكية، وحدد ايضا الشروط الضرورية لتحقيقها ، وهي التي اختزلها في مهمات "الثورة اليمقراطية الوطنية". وقول بهذا الصدد :"غير ان الهدف الاستراتيجي ، على المدى البعيد، يتطلب تحقيق اداف استراتيجية مرحلية، وذلك لحل التناقض الاساسي". وهذا التناقض الاساسي ، بالنسبة للتقرير، ذلك الذي حدده بيان 8 اكتوبر في التناقض بين القطب المكون من الفئات الاقطاعية والبرجوازية المتداخلة الامصالح مع الاحتكارات الامبريالية والراسمال الاجنبي، والقطب المكون من القوات الشعبية. ويضيف التقرير ان الهدف الاستراتيجي المرحلي، تضح بتحديد التناقض الاساسي بهذا الشكل : "انه تحقيق الثورة الديمقراطية الوطنية واستئصال الهياكل الاقطاعية والاستعمارية من بلادنا". ولرفع اللبس عن مضمون هذه الثورة ،كخطوة نحو تحقيق الثورة الاشتراكية، واعطائها المفهوم الحقيقي كما تحدد النظرية الثورية،ولوضع حد للتاويلات الخاطئة، "فان الثورة الديمقراطة الوطنية لا تعني الاقدام على مساومات واتفاقات فوقية مع الطبقات الاقطاعية والبرجوازية الكمبرادورية عميلة المبريالية، ولكنها تعني نضالا مستميتا ضد هذه الطبقات من اجل عزلهان وفرض الديمقراطية عليها، وانتزاع التنازلات التي ستضعفها والتي من شأنها ان تثق الطريق نحو الاشتراكية".
ان طرح تقرير بهذا الشكل وبهذه الحمولة، يعبربشكل واضح عن النضج الذي وصل اليه التيار الراديكالي داخل الحزب. وبدأ يطفو الى السطح ويفرض نفسه واء على المستوى الخيار الايديولوجي او التصور التنظيمي او السياسي.
ويمكن اعتبار بيان 8 اكتوبر والتقرير الاخير المرفوع الى المؤتمر الاستثنائي ابلغ مثال على ذلك. ووصوله الى هذا المستوى، كان نتيجة لتبلوره داخل الحزب، كما سلف الذكر واصبح توجها قائم الذاتن مصر على بناء تنظيم حزبي طلائعي للعمل وفق برنامج سياسي واضح في اتجاه استراتيجية قارة لن تكون سوى الثورة الاشتراكية.
منزلقات المؤتمر الاستثنائي

من خلال ما سبق يمكن التسليم بوجود تيارين داخل الحزب، الشيء الذي سيكرسه وسيوضحه بجلاء، المؤتمر الاستثنائي: خط اشتراكي علمي وخط فرض عليه تبني الاشتراكية العلمية، وستكون ممارسته فيما بعد مناقضة لتلك النظرية، كما هو الشأن بالنسبة للوثائق المنبثقة نفسها عن المؤتمر، رغم تبنيه النظرية الثورية "بشكل رسمي".
وقد سبق وأن أشرت إلى أن المؤتمر الاستثنائي، مؤتمر للردة رسميا عن الخط السياسي الصحيح والتراث النضالي والكفاحي للحركة الاتحادية. وكانت السمة المميزة لهذا المؤتمر هو تطويع النظرية وتحريفها لخدمة وتبرير خط سياسي تراجعي. ولتوضيح هذا، يجدر الوقوف عند أهم المنزلقات التي سقط فيها المؤتمر، انطلاقا من وجهة نظر التوجه الراديكالي، مستقاة من بعض النقاشات الدائرة في أوساط الحزب أنذاك (جريدة الاختيار الثوري كمثال...).
إن تبني الاشتراكية العلمية رسميا في المؤتمر الاستثنائي، لم يتجسد بالفعل في أدبياته، ولم ينبثق عنه تصور أو برنامج سياسي متسق مع روح النظرية الثورية. والمطلع على التقرير الأيديولوجي، لا يسعه إلا أن يعد في المنزلقات وأن يسجل كيف خضع "الإبداع النظري" للتصور السياسي المحدد مسبقا، عوض أن يكون أدوات لاستخلاصه، فكان التقرير الأيديولوجي عبارة عن مجموعة من المغالطات التاريخية والنظرية، لتبرير الخط السياسي الجديد ليس إلا. وبغض النظر عن الشكل الذي صيغ به هذا التقرير، لا يمكن اعتبار هذه المنزلقات مجرد أخطاء في التحليل أو في رصد بعض الجوانب التاريخية من تطور المجتمع المغربي، بل تحكمت فيها بالأساس خلفية تبرير الممارسة السياسية المرتقبة، وضرورة إيجاد أرضية توجيهية تبررها وتقننها في نفس الوقت.
لن أتطرق إلى كافة المنزلقات والترهات التي جاء بها التقرير الأيديولوجي، بل سأتطرق إلى ما هو مرتبط بالخط السياسي مباشرة، أي فقط ما يمس مباشرة القضايا الأساسية التي ستشكل المحور الأساسي للخط الارتدادي، ويمكن إجمال هذه القضايا/المنزلقات فيما يتعلق بالتحليل الطبقي وقضية التحرر الوطني/ القضية الوطنية، تم قضية الديمقراطية و"المسلسل الديمقراطي"، وكذا تطرقه إلى الدولة المغربية وصياغة الاستراتيجية من خلال شعار "دمقرطة الدولة".
ففيما يتعلق بتحليل البنية الاجتماعية والتطورات التي عرفها المجتمع المغربي، سقط التقرير الأيديولوجي في منزلقات، قادته إلى صياغة استراتيجية فارغة وبصدد ذلك أكد على أن البنيات الاقتصادية والاجتماعية عاشت نوعا من الركود والجمود لفترة طويلة بسبب "العزلة ورفض المغاربة لكل وافد من الخارج"، وأن الاقتصاد كان مجرد اقتصاد كفاف. وهذا الطرح مردود عليه، حيث لا يمكن أن يتحقق النمو الذي شهدته المدن المغربية، في ظل بنيات اجتماعية شبيهة بالتي تطرق إليها التقرير الأيديولوجي. إنما كان هذا النمو نتيجة لعوامل أخرى داخلية عرفها نمط الإنتاج القائم. كما شهد المجتمع المغربي تناقضات داخلية، يمكن الاستدلال على حيويتها من خلال المجابهة التاريخية بين الدولة المركزية (سلطة الإقطاع) و"بلاد السيبة"، حيث رفضت أوسع الجماهير المغربية الخضوع لتلك السلطة وللاستعمار في آن، فخاضت ضدهما صراعا ضاريا.
وفي سياق تناوله لتشكل "الدولة المغربية" وتطوراتها، يجانب التقرير الأيديولوجي الصواب، حين ينزع عنها أي طابع طبقي، ويتعاطى مع تعاقب الدول بنوع من القدسية. ذلك ان إرجاع الأسس التي انبنى عليها هذا التعاقب إلى أسس دينية، غير اقتصادية، ينزع عنها أي طابع طبقي، ويجعل منها في نهاية التحليل دولة لكل المغاربة، أي فوق الطبقات.وهذا المنطق ينسحب أيضا عن تعاطي التقرير الأيديولوجي مع التحليل الطبقي للمجتمع المغربي حيث اعتمد "تصنيفات مهنية" أكثر مما هي طبقية، وأحدث تداخلا وخلطا بين هذه التصنيفات، كما انه أقحم شرائح من البرجوازية الصغرى ضمن الطبقة العاملة، وفي الوقت ذاته يغيب أي طابع طبقي عن الكثلة الطبقية السائدة باستعماله لمفاهيم غامضة أحيانا كلفظ "المحظوظين " مثلا، وفي أحيانا أخرى يستعمل "طبقة" و"طبقات"... وهذا الإنكار لأي تصنيف طبقي للمجتمع المغربي تشويه للتناقض الأساسي في المجتمع. ذلك أن وضع التقرير الأيديولوجية لقطبي التناقض ككثل هلامية، كقوله إن الصراع يكمن بين المحظوظين والشعب المغربي، سيقوده إلى نتائج نظرية أخرى، وسياسية، لا تنطبق مع المنهج المادي الجدلي في التحليل.
ويتجلى ذلك من خلال بعض الطروحات الأخرى، فالقول بأن الدولة دولة لكل المغاربة، سيقود التقرير الأيديولوجي إلى استنتاج أن المخرج من الأزمة التي يعيشها المجتمع المغربي، هي بناء الاشتراكية عن طريق تحويل لجهاز الدولة ودمقرطته !! (ملاحظة: استعمل هنا بناء الاشتراكية على أنها استراتيجية التقرير الأيديولوجي، رغم أن ما طرحه كبدائل تحت هذا الاسم لا تمت بصلة للاشتراكية).
والنتيجة هي أن التقديس الذي تعاطى به التقرير الأيديولوجي مع تاريخ البنيات الاجتماعية والاقتصادية، وتشويه تطورها، يهدف إلى إيجاد الأرضية التوجيهية التي تبرر السمة المميزة لموقف ورؤية الاتحاد الاشتراكي للمرحلة السياسية و"للإجماع الوطني" و"المسلسل الديمقراطي". وفيما يخص قضية الصحراء، لم يسع سوى إلى تبرير "التعاقد مع الحكم لتحرير الصحراء المغربية" وسيتضح ذلك من خلال الممارسة العملية لقيادته، والمتميزة بالانزواء نحو تزكية خطة الطبقة الحاكمة، بل المساهمة فيها مساهمة حقيقية (الجولات المكوكية الدعائية لعبد الرحيم بوعبيد نحو المشرق العربي...). ومن جهة أخرى، فقد كانت القيادة المستندة إلى تبرير ضرورة الانخراط في "المسلسل الديمقراطي"، باعتبار التناقض في المجتمع يكمن في التناقض بين أنصار الديمقراطية وأعدائها، دون أي تصنيف طبقي لهؤلاء أو لأولئك، تحت ذريعة أسموها الخصوصية.
وفي الحقيقة، فإن للمجتمع المغربي خصوصيته، كما نجذ في كل المجتمعات ما هو خاص بها. لكنها جميعها، خاضعة لقانون تطور المجتمعات، إذ لا يمكن أن تحجب هذه الخصوصية، في أي مجتمع، التناقضات الأساسية والثانوية الكامنة فيها. بمعنى أن ما هو خاص، وهو بالضرورة مرتبط بمراحل تطور البنية الاجتماعية، بسرعة أو بطء هذا التطور، لا يمكن تجريده عن العناصر الأساسية في عملية التطور، والمتعاركة في إطار صراع اجتماعي محدد لهذا التطور.
ويمكن القبول مبدئيا، أن التناقض هو بين أعداء الديمقراطية وأنصارها. لكن لا يمكن اختزال الديمقراطية في "المعركة الانتخابية" من جهة، من جهة أخرى، لا يمكن إعفاء من يتبنى الاشتراكية العلمية، من تحديد طبيعة هؤلاء واولائك، أي طبيعتهم الطبقية، دون تجزيء للأبعاد الثلاثة المحددة لهذه الطبيعة: الموقع الاقتصادي /الاجتماعي ثم الالتزام بإيديولوجية محددة، والممارسة السياسية كعنصر ثالث. وأي إغفال لعنصر ما يعرض التحليل للانزلاق إلى مواقع التحليل التوفيقي أو الانتقائي وهذا الخندق هو الذي اختاره التقرير الأيديولوجي، وعيا بأنه خارج الفكر الاشتراكي العلمي.
ولقد ترجم المؤتمر الاستثنائي نزوعه الارتدادي والتراجعي من خلال البيان العام والتقرير السياسي، من الناحية السياسية. فقد ثم التراجع عن مضمون بيان 8 أكتوير كوثيقة رسمية متقدمة في مسار الخط السياسي الحزبي، وتبنيه لمضمون الجواب على الرسالة الملكية، بل يؤكد صحة ما جاء فيها. وقد أصرت بذلك القيادة المستنفذة على فرض توجهها هذا ولو اقتضى الأمر التضحية بكل الضوابط التنظيمية والأخلاقية، لقيادة عملية انشقاقية، بوعي أو بدونه، وتغييب الديمقراطية ونهج أسلوب الإقصاء والتهميش بدل الحوار الديمقراطي أو حتى المقارعة...
ويعتبر المؤتمر الاستثنائي، محطة أساسية في تاريخ حزب القوات الشعبية الذي حمل على عاتقه مهمات التحرر الوطني الشامل، وطني واجتماعي، حيث قطع فيه مع جذوره التاريخية من خلال التوجه الجديد الذي فرض عليه من طرف قيادة ضمنت لنفسها شروط انتزاع تزكية القواعد الحزبية بشتى الوسائل، كما ساعدتها في ذلك ظروف موضوعية. كما أن المؤتمر كشف عن خطين داخل الحزب: خط تتزعمه القيادة ومن لف حولها، وخط نقيض له عارض بشدة مقررات المؤتمر الاستثنائي وصلت إلى حدود الطعن في شرعيته. ولم يكن الأمر مجرد اختلاف أو حتى اختلاف حول مقررات مؤتمر ما، فلو كان الأمر كذلك، لكان الأمر شيئا عاديا، على اعتبار أن الوحدة الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية، حتى بتوفرها، تحتمل الاختلاف ولا تنفيه. لكن المؤتمر الاستثنائي، كشف عن تناقض، يعتمل داخل الحزب، وقد سبقت الاشارة إلى ذلك، لم يبدأ مع المؤتمر، إنما بدأ بتدشين عملية انشقاقية والارتداد عن التراث النضالي للحزب مباشرة بعد اجتماع اللجنة المركزية في 8 أكتوبر 1972. ويفقد التوجه الملتف حول القيادة الحزبية وإضرابها، بذلك كل مشروعية تاريخية وحتى نضالية. في حين يحمل التوجه الآخر كل عناصر الاستمرار، من حيث التزامه بالاشتراكية العلمية، ودفاعه عن مكتسبات الحركة الاتحادية وتشبثه بتراثها النضالي، وطموحه لبناء تنظيم طلائعي، أوضحت معالمه فيما سبق لكنه أصبح وجها لوجه أمام مسؤولياته، فإما الرضوخ للأمر الواقع وبالتالي انبطاح الحزب، وارتمائه مع الخط الإصلاحي في أحضان الطبقة الحاكمة، وإما التصدي لهذا الانحراف. فالأمر الأول لا يمكن احتماله إطلاقا (وقد يصدق بالنسبة لأشخاص أو أفراد)، أما الخيار الثاني فيقتضي خوض صراع مرير من اجل توضيح اختياراته المذهبية والسياسية. فكانت الصرخة الأولى، انبعثت من خلال بيان موجه إلى كل المناضلين الاتحاديين موقع من طرف مناضلين من القاعدة الاتحادية بمناسبة فاتح ماي 1975، وكان بمثابة الخطوة الأولى الضرورية نحو خوض الصراع من داخل الحزب ضد التوجهات التحريفية، وانطلاقة حاسمة تقتضيها ضرورة العمل على عزل زمرة القيادة وأتباعه (الخط الإصلاحي). وقبل التطرق إلى مضمون هذا النداء، لابد من توضيح بسيط، حيث يمكن أن ينطرح تساؤل من قبيل: إذا كانت القاعدة الاتحادية كلها مقتنعة بالانتماء والانتساب إلى الخط الموازي لخط القيادة وأتباعه، وإذا كان هذا الخط بالفعل يشكل أقلية داخل الحزب، فلماذا التضخيم من حجم المعركة المزمع خوضها؟.
إن الأمر لم يكن بهذه البساطة، على اعتبار أن الرؤية لم تتضح لكل القواعد الحزبية، وان التمايز حاصل فيها، بحيث أن الأغلبية ممن اتضح لهم المنحى الذي أخذه الخط السياسي الحزبي، هم في المنفى، ومغيب أغلبهم في السجون.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد لعبت عوامل أخرى دورا سلبيا في تباطؤ عملية التوضيح وعزل القيادة، من بينها التعامل المزدوج للطبقة الحاكمة، المتسم بتسليط القمع على أشده، والهجوم الرجعي والدعائي ضد الفكر العلمي، والتشجيع المكشوف للتيارات الظلامية الفاشية، والحملات الدعائية التبشيرية التي كانت توفر لها كامل الدعم والمساندة.
هذه العوامل وان ساهمت في تأخير وتباطؤ معركة بناء الذات، فإنها لم تفلح في كبح وإقبار صوت اليسار الاتحادي، حيث كان "النداء" الانطلاقة الأولى للنقاش في أوساط القاعدة الاتحادية، كما أسلفت، تلته مبادرات أخرى تسير في نفس الاتجاه.
لقد صدر النداء بمناسبة فاتح ماي 1975، أي في أعقاب الارتداد الذي سجله الخط السياسي الحزبي وممارسته العملية، وأثر المخاض الذي يعيشه الحزب بعد انعقاد المؤتمر الاستثنائي.
سجل النداء في البداية أن تغيير اسم الحزب يحمل في طياته تغير في جوهر الخط السياسي الحزبي. كما سجل أن التعجيل بعقد مؤتمر استثنائي دون مراعاة للوضعية الحزبية أمر يتنافى ومبدأ المركزية الديمقراطية، كما تعرض للملابسات المرتبطة بهذين الحدثين.
ومن خلال دراسة للتقارير المنبثقة عن المؤتمر الاستثنائي، سجل النداء ملاحظات تؤكد أن جوهر توجه الحزب عرف تغيرات أساسية:
- إيديولوجيا: طمس التقرير الأيديولوجي حقيقة الصراع الطبقي في المغرب، ونفى وجود الطبقات، في محاولة لتحليل المجتمع المغربي. وفيما يتعلق ب"الاختيار الاشتراكي" الذي طغت فيه جزئيات البناء الاقتصادي والاجتماعي، دون تحديد استراتيجية واضحة، فقد اكتفى التقرير بطرح مجمله في إطار "تحويل أجهزة الدولة".
- سياسيا: تخلى المؤتمر بصراحة عن الشعارات والأهداف التي كان الحزب يسعى لتحقيقها، وخاصة المجلس التأسيسي للدستور، الذي كان دوما العمود الفقري في برامج الحزب. كما أن البيان السياسي يتنافى وروح بيان 8 أكتوبر بالإضافة إلى الموقف من استكمال تحرير الأراضي المغتصبة والممارسات التي تبررها "الوطنية المتفتحة" والاستغلال المشترك للثروات، الذي يعتبر تراجعا خطيرا فيما يخص الوحدة الترابية، وسيرا بها نحو التقسيم بشكل أو بآخر.
- تنظيما: يسجل النداء عمق الهوة الفاصلة بين المبادئ المسطرة في التقرير التنظيمي والممارسات العملية.
ويؤكد النداء طعنه في المؤتمر الاستثنائي باعتباره مبادرة جديدة فرضت على القواعد كسابقاتها.كما أن هذا الطعن لا يطرح من باب النقد السلبي، بقدر ما تمليه الغيرة على الحزب وضرورة تجذير اختياراته الثورية في اتجاه التطور التاريخي الذي كان من المفروض أن يسلكه باعتباره المعبر عن مطامح الجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجل ذلك لا يمكن القبول باستمرار الأخطاء التي سقط فيها الحزب، بل يجب أن يكون نضاله في إطار تعميق وتطوير مكتسباته التاريخية. ومن اجل ذلك، فإنه لمن المستحيل –يؤكد النداء- التخلي عن المكاسب الأساسية: بيان 8 أكتوبر كبرنامج نضالي، والمذكرة التنظيمية التي ألحت على احترام مبدأ المركزية الديمقراطية، ونبذت شكل التجمعات المائعة كأسلوب تنظيمي. وعملية الربط بين الخطوط العريضة لبيان 8 أكتوبر والمذكرة التنظيمية هو الانسجام مع الاختيار الثوري للشهيد المهدي بنيركة.
ولكي يكون الحزب في مستوى مطامع الجماهير الشعبية، فمن اللازم العمل على تطوير هذه المكتسبات من أجل وضع الأسس لبناء تنظيم ثوري طلائعي. وذيل النداء بالعبارة التالية: "إننا إذ نغتنم فرصة فاتح ماي لنحيي نضال الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم، ولنحيي الانتصارات الجديدة للقوات التحررية والثورية ضد الإمبريالية في فلسطين وفيتنام وكمبوديا وأفريقيا وأوربا... نوجه نداء حارا لجميع المناضلين الاتحاديين للتعبئة من اجل مؤتمر ثالث حقيقي يتمكن من تعميق مكتسباتنا وتصحيح أيديولوجيتنا وتجسيد استمرار نضال حزبنا لاختياره الثوري".
وقد كان هذا النداء بالفعل الخطوة الأولى لانطلاق شرارة التوضيح لكافة القاعدة الاتحادية، التي طالما ذهبت تضحياتها الجسيمة ضحية المساومات والتلاعبات القيادية، ونحو استرجاع قوة الحزب النضالية وتأكيد استمرارية خطة التقدمي الأصيل. وقد تبعته مبادرات سياسية تهدف إلى توضيح الرؤى والوقوف أمام الخلط بالتعبير عن مواقف تقدمية مناهضة للإمبريالية وعملائها وكذا الدور الذي لعبته جريدة "الاختيار الثوري". ولم يكن اليسار الاتحادي آنذاك مقتصرا على هذا، بل إحساسا منه بضرورة تقديم بديل توجيهي متكامل، يسلح النضال اليومي برؤية شاملة لأهداف الحزب القريبة والبعيدة المدى، بادر المنفيون الاتحاديون بإنجاز مشروع أرضية توجيهية ترسم الخطوط العريضة لوجهة نظرهم في القضايا الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية، سوف أقفز على نقاشه في هذا الموضوع الى حين.
عاد طابع الازدواجية ليخيم على الحزب من جديد، حيث أفرز المؤتمر الاستثنائي توجهين تحدثت عن الخطوط العريضة للقضايا الخلافية. والحزب إذ تعتمل داخله هذه التوجهات، فلأنه شهد تطورات وتفاعلات مرتبطة بشكل وثيق بالتطورات والتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية. وفي هذا الاتجاه، استقطب الحزب للمشاركة في الانتخابات التي جرت عام 1977.
ولقد أدت هذه التجربة الانتخابية، وما أسفرت عنه في جولاتها الأولى إلى تبلور موقفين داخل الحزب: الأول ذهب إلى أن التجربة أكدت تعنت الحكم وعدم تركه أي هامش لبلوغ حد أدنى من الأهداف التي يتوخاها من العملية الانتخابية، وهي العمل على الرفع من وعي الجماهير، وتمتين الارتباط بها، وفي نفس الوقت فضح أعدائها وخصومها. وقد تجلى ذلك في القمع المسلط على المناضلين، وإلغاء انتخاب بعض المناضلين، ثم التزوير المكشوف والمفضوح في مختلف المستويات. وهكذا فقد استنفذت التجربة إمكانياتها، ولم يعد للكل من خيار سوى رفض الاستمرار فيها ومقاطعة الانتخابات المقبلة التي لن تعرف سوى نفس المضايقات.
أما الموقف الثاني، فإنه يدعي أن الدخول في الحكومة يشكل الضمانة الأساسية لانقاد المسلسل الديمقراطي والاستمرار في التجربة، وأنه لا بديل عملي سوى هذا الموقف.
وفي ظل هذا الوضع انعقد المؤتمر الوطني الثالث في دجنير عام 1978، بعده وفي أول اجتماع للجنة المركزية، برزت حدة المواجهة بين التوجهين، إلا أن هذا الاجتماع في حد ذاته، تحددت له آفاقه وأهدافه يختزلها البحث في تزكية قرار الاستمرار في التجربة بأي ثمن، وليس إتاحة الفرصة من أجل أية مراجعة نقدية. فبذل أن يتم الحسم على قاعدة الضوابط التنظيمية والمسطرة الديمقراطية، تم اللجوء إلى "تفويض القيادة صلاحية اتخاذ القرارات اللازمة".
ورغم كل ما حصل، الاستمرار في التجربة الانتخابية، وما يعنيه من تدجين للحياة السياسية، فقد كانت في الحقيقة، لهذه الملابسات إيجابياتها. حيث ما فتئ الاختيار الإصلاحي يزداد انكشافا، في الوقت الذي كان المجال مفتوحا للاتجاه الجدري لتوضيح رؤيته. لأن هذه الممارسة، وهذه الذرائع، ستصطدم بقوة الواقع، حيث لا يمكن القفز على الطبيعة اللاديمقراطية للطبقة الحاكمة، كسمة مميزة لها، متأصلة فيها. وبالتالي، يمكن أن يقتنع، من لازال في حاجة إلى ذلك، بأنه لا مفر من الخيار الأول، بالإضافة إلى أن الترهات والأضاليل التي يتغذى منها التوجه المهادن لن تظل إلى الأبد، ولقد بنيت تلك التجربة، باعتبارها أعلى درجات "الانفراج السياسي"، إن الطبقة الحاكمة مصرة على اجثتات من سولت له نفسه أن يناهض الواقع القائم ومحاكمات 77-78... أكبر دليل على ذلك.

في الجزء الرابع ، المؤتمر الثالث استمرار لمسار المؤتمر الاستثنائي



#محمد_الخباشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في موضوع استفتاء حول استقلال كردستان - اطروحة الحزب الشيوعي ...
- حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي :البناء البرنامجي بين المسا ...
- حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي:البناء البرنامجي بين المسار ...
- المهمة الاية لليسار العراقي : تحرير العراق أم تجفيف دجلة وال ...
- اليسارالحقيقي ويسار بروكوست
- لماذا صوت الاوروبيون ضد الدستور؟
- بصدد اشكالية تجديد المشروع الاشتراكي
- جوانب من مهمات البناء الاشتراكي
- ثورة اجماعية ام تورة اشتراكية؟ : سؤال مغلوط لقضية مغلوطة
- وجه من مأساة الاشتراكية العربية


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد الخباشي - حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي :البناء البرنامجي بين المسار الصعب والطريق المبهم 3