|
اتِّحادٌ مِنْ طرازٍ جديدٍ
سعود قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 10:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكتبُ، اليوم – كما وعدتُ في مقالٍ سابق – عن التجلِّيات الأردنيَّة للحراك العربيّ الهادف إلى بلورة اليسار في صيغة تتناسب مع حجمه الحقيقيّ ودوره التاريخيّ. أبرز مظاهر هذا الحراك بدأ، في بلادنا، بهدوء، منذ أشهر، وقد قطع شوطاً مهمّاً على هذا الطريق، ويستعدّ لقطف تباشير ثمار عمله قريباً. إنَّه العمل مِنْ أجل تشكيل اتِّحاد للشيوعيين الأردنيين؛ حيث بدأ تلمّس هذه الفكرة مِنْ خلال اجتماعاتٍ عديدة عقدتها مجموعات مختلفة من الشيوعيين، خلال السنة الماضية؛ ثمَّ جرى التقدّم خطوة أخرى مهمّة، على هذا الطريق، بعقد اجتماعٍ أكثر شمولاً (لم يجرِ الإعلان عنه) في مقرِّ «اليسار الاجتماعيّ» في اللويبدة (في عمَّان)، وانبثقتْ مِنْ ذلك الاجتماع لجنة تحضيريَّة مصغَّرة تُعِدُّ لاجتماعٍ أوسع وأكثر شمولاً كي يتمَّ التداول، خلاله، في أمر تشكيل «اتِّحاد الشيوعيين»، وليفرز لجنةً لإعداد ورقةٍ سياسيَّة وأخرى لإعداد لائحةٍ تنظيميَّة، لـ«الاتِّحاد». يشارك في العمل مِنْ أجل إنجاز «اتِّحاد الشيوعيين» جميع التشكيلات الشيوعيَّة المنظَّمة (الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، واليسار الاجتماعيّ الأردنيّ، وتجمّع الشيوعيين الأردنيين وآخرون)، والشيوعيّون «المستقلّون» (غير المنتسبين لأيٍّ من التشكيلات الشيوعيَّة المنظَّمة)، ومجموعات الشباب الماركسيَّة الجديدة التي لم تكن لها علاقة سابقة بالحزب الشيوعيّ لكنَّ أعضاءها يصنِّفون أنفسهم كشيوعيين. ولهذه الفكرة أساس موضوعيّ صلب، الآن؛ فالرأسماليَّة، التي نكصتْ إلى نمطها المتوحِّش، خلال العقود الأخيرة، وقدَّمته باعتباره حلّاً سحريّاً جديداً لأزماتها، بعدما استنفذتْ نمطها الكنزيّ ابتداءً مِنْ سبعينيَّات القرن الماضي، وصلت، الآن، إلى طريقٍ مسدود؛ فراحتْ مراكزها الدوليَّة تفلس، واحداً إثر الآخر؛ وهذا في حين أنَّ أميركا اللاتينيَّة، التي كانت حتَّى وقتٍ قريب تُعتَبر مجرَّد فناءٍ خلفيٍّ للولايات المتِّحدة، شقَّتْ طريقها الخاصّ نحو أنماطٍ متباينة من الديمقراطيَّة والعدالة الاجتماعيَّة والتنمية؛ فكسرتْ قيود تبعيّتها، وشرعتْ بإرساء قواعد تحرّرها، وانطلقتْ نحو آفاق نهوضها. في هذا السياق، بدتْ منطقتنا العربيَّة كخندق أخير للإمبرياليَّة العالميَّة، تدافع فيه عواصم المتروبول بشراسة عن هيمنتها الآخذة بالتراجع، وتحاول الالتفاف على الانسداد التاريخيّ الذي وصلتْ إليه الأنظمة العربيَّة التابعة لها. وعند هذا المنحنى، بالذات، لجأت إلى احتياطيّها القديم من الوهَّابيَّة السياسيَّة، وراحتْ تمكِّنه مِنْ تولِّي السلطة في تلك الأنظمة المتهاوية، علَّه يساعد في إطالة أعمارها عن طريق توظيف الدين في خدمة سياساتها. فهل يمكن لمنطقتنا أنْ تكون جزيرةً معزولة عمَّا يجري حولها، في العالم كلّه، مِنْ تحوّلاتٍ تقدّميَّة عميقة؟ إذاً، الظرف الموضوعيّ آخذٌ بالنضج بسرعة، بينما الظرف الذاتي لا يزال دونه بكثير. الناس، في الشارع، ترفع شعارات (ومطالب) تقع في صُلب البرنامج التاريخيّ لليسار؛ لكن، أين هو اليسار؟ مِنْ هنا، نشأتْ فكرة حشد طاقات الشيوعيين، على أمل أنْ تتدحرج كرة الثلج، هذه، فتصل إلى مستوى حشد طاقات القوى والتيَّارات اليساريَّة والقوميَّة والديمقراطيَّة في إطارٍ جبهويٍّ واسع ومتراصّ يطرح الخيار الاجتماعيّ التقدّميّ المغيَّب؛ بدلاً مِنْ أنْ تظلّ الحياة السياسيَّة محشورة بين خيارين ينتميان إلى إطارٍ واحد: أنظمة تابعة ببدلة وربطة عنق أو أنظمة تابعة بلحية ومسبحة. وفكرة تأطير الشيوعيين الجديدة، راعت واقعهم الحاليّ، واستخلصت الدروس المفيدة مِنْ تجربتهم القديمة، كما أنَّها أخذتْ بعين الاعتبار التطوّرات المهمّة التي شهدتها الحياة السياسيَّة في بلادنا ومنطقتنا في السنوات الأخيرة؛ أي أنَّها لم تنبثق مِنْ أفكار جاهزة ومعادلات ذهنيَّة؛ بل من الواقع الموضوعيّ ومعطياته الحقيقيَّة. وهكذا، فالإطار التنظيميّ الجديد للشيوعيين، سيكون إطاراً مرناً، تتفاعل فيه أفكار متعدِّدة، وآراء مختلفة، وتجارب متنوِّعة، ليخرج منها في النهاية موقفٌ مشتركٌ لا يلغي الآراء المختلفة التي كان هو محصِّلة تفاعلها، وإنَّما يصهرها في بوتقة فعلٍ واحدٍ منتج. والعلاقات التنظيميَّة لن تكون بتشدّد العلاقات التنظيميَّة المعروف للأحزاب الشيوعيَّة ونوعيَّة انضباطيَّتها الحديديَّة، بل أكثر سلاسة ويسراً ومفتوحة على الاقتراحات الإبداعيَّة. كما أنَّ شروط العضويَّة ستكون فضفاضة ومرنة وواقعيَّة. ويترافق، مع هذا المسار، الآن، مسارٌ آخر لبناء تجمّعٍ لليسار الأردنيّ، يشارك فيه عددٌ من المجموعات اليساريَّة (والقوميَّة)، وقد بدأت لجنة المتابعة الخاصَّة بهذا التجمّع، عقد اجتماعاتها المنتظمة، منذ فترة، لتتداول، خلالها، في أمر تطوير هذه التجربة على أسس جديدة، كما أنَّها أصدرت العديد من البيانات والتحليلات التي توضِّح مواقفها مِنْ عددٍ من القضايا المحليَّة والعربيَّة.
#سعود_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى اليسار دُرْ
-
الوحدة.. الوحدة
-
شيء عن تجربة اتّحاد الشيوعيين الأردنيين..
-
الماغوط .. الشاعر الجميل الأكثر جنوناً
-
تلك الغيمة في بنطال تيسير سبول وماياكوفسكي
-
الرحلة الروسيَّة
-
أفضل مِنْ أن أكون على حق
-
مثل كتلة من الرخام العاري
-
رسائل حبّ عاملة النحل
-
نهايات -رغبويَّة- وبدايات موضوعيَّة
-
مهدي عامل ونقد الفكر اليومي
-
ماركس والمسألة اليهوديَّة
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|