|
أسطورة الطوفان و النظرية العلمية الاقوى
سامي المنصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 18:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
توطئة : ان حضارة الطوفان لم تعرف اي حصرية معينة لدى اي شعب او حضارة ما، و قد تم ذكرها في كل معظم الحضارات على وجه الارض، و قد تختلف التفاصيل لكن القضية الاساسية هي ذاتها ، طوفان يقتل الجميع إلا القليل من المحظوظين او المباركين هم و من معهم بالإضــافة ألــى الحيوانات للإبقــاء على النسل مثلاً .
ربما القصة الاكثر شهرة هي القصة نوح التوراتية و سفينته ، و من خلال سفر التكوين و كيف قرر الله تدمير العصاة و انقاذ نوح و من معه و الحيوانات عبر حثهم على بناء سفينة بمواصفات معينة ولركوبها قبيل حدوث الطوفان ، و الرواية التي تسبق سفر التكوين و هي ملحمة جلجامش البابلية ، و رحلة جلجامش للبحث عن اوتناباشتيم الرجل العظيم الذي نجى من الطوفان الذي بعثه الآلهــة ، و بعد تحذير انكي له بخصوص ذلك الطوفان ، و بنفس الصورة عند قصة نوح كان اوتنابشتيم قد نجى و معه عائلته و الحيوانات ألــخ ،و في نسخة سومرية قديمة هناك ملاحظات دقيقة في عدة مواضع كالحمامة التي عادت للسفينة التي تدل على ان الطوفان قد انتهى في سفر التكوين هي في الاسطورة السومرية عبارة عن غراب عاد ليخبر بإنتهاء الطوفان ، مقارنة النص التوراتي بالنصوص في حضارات بلاد ما بين النهرين القديمة يظهر صورة التناسخ بقوة ، و لهذا يؤيد الكثير من الاكاديميين في معظم الدراسات التي تناولت قصة الطوفان و شخصية نوح "إينوخ" ان العبرانيين اقتبسوا القصة اثناء تواجدهم في بابل ، كما ذكر هايمرز الإبن في محاضرة حول تقاليد اسطورة الطوفان ان هناك اسطورة مصرية قديمة ذكرت تلك الاسطورة ايضاً . . في الميثولوجيا الاغريقية و الرومانية القديمة ، تم ذكر قصة الطوفان ، شخصيتا ديوكاليون و بيهرا و الذين انقذوا اولادهم و مجموعة من الحيوانات من الطوفان عبر ركوبهم مركب يشبه صندوق عملاق، و هناك الاساطير الايرلندية ايضاً تتحدث عن الملكة ساسير و بلاطها الملكي و إبحارهم لسبع سنين ليتم تفادي الغرق عندما غمرت المحيطات ايرلندة ، و هناك نقطة مهمة اخرى و هي أكتشاف المستكشفين الاوروبيين لأمريكا ان هناك الكثير من الاساطير الهندية المشابهة لقصة نوح ، فقال بعض القساوسة الاسبان ان الشياطين زرعت هذه القصص في عقول الهنود لكي تربكهم ، نعم كان اكتشاف تلك الاساطير صعقة بحق للقساوسة الاسبان .
النظرية المنطقية
يخرج العالمان الجيولوجيان في جامعة كولومبيا راين و والتر بيتمان بنظرية مهمة حول قضية الطوفــان و انتشارها الواسع ، تقول النظرية انه مع انتهاء العصر الجليدي و ذوبان الجليد و الانهار الجليدية أدى الى إندفاع جدار مائي منبعث من البحر المتوسط الى البحر الاسود : يقول راين و واتر بأنه اثناء العصر الجليدي كان البحر الاسود عبارة عن بحيرة مياه عذبة معزولة و محاطة بالمزارع ، و قبل حوالي 12000 سنة من نهاية العصر الجليدي ، اخذت حرارة الارض بالارتفاع بشكل متنامي ، مما أدى لذوبان الواح جليدية ضخمة كانت ممتدة على النصف الشمالي من الكرة الارضية، و غدت البحار و المحيطات اكثر عمقاً نتيجة لذلك، و قبل 7000 سنة فاض بإتجاه الشمال من خلال ما يعرف اليوم بتركيا ، ماراً في مضيق البسفور ، و اصطدمت بالبحر الاسود بقوة تعادل 200 مرة قوة شلاللات نياجرا .مما أدى الى ارتفاع البحر الاسود بمعدل 15 سم يومياً ، الامر الذي أدى الى غمر المزارع الساحلية المحيطة بالبحر الاسود.
هذه الاحداث التصقت بذاكرة الناجين المذعورين ، و اصبحت محور الحديث و تناقلتها الاجيال من جيل لآخر حتى اصبحت في مرحلة من المراحل ما تسمى بقصة نوح ، و هي نظرية مشابهة الى حد ما لنظرية هيربرت ويلز و سوف اقوم بإقتباس مهم للزميل ابيقور حول تلك النظرية :-
بمناسبة موضوع الطوفان ،أردت هنا أعرض رأي الكاتب الانجليزي الكبير" هـ ج ويلز" بخصوص هذا الأمر: - يرى الكاتب الكبير أن حوض البحر الأبيض المتوسط كان جافا ، لأن مضيق جبل طارق كان مسدودا ولذلك كان صالحا للمعيشة ، ولنسمى الجدار الحجرى الذي كان يسد مضيق جبل طارق " سد الموت"
ويرى هذا الحوض كان صالحا للزراعة و كانت تعيش فيه مجموعة كبيرة من الأقوام المتميزة. - وفي زمن ما قبل التاريخ، بدأ "سد الموت" في التخلخل ، وبدأ يسرب المياه، و في البداية كان هذا التسريب بسيطا نسبيا ، و بدأت الأقوام التي كانت تعيش في حوض البحر تشعر بالمشكلة رويدا رويدا، و قامت المياه بإغراق المناطق الواطئة و ظلت المناطق العالية بمأمن منها . - و تحول الحوض الكبير لمجموعة كبيرة من الجزر يفصل بينها مساحات مائية تتفاوت في عمقها . - وبعد ذلك بدأ يحدث تسارع في معدل انهيار سد الموت و معه بدأ التسارع الشديد في اندفاع الماء و بدأت الكثير من الأقوام في الهروب من هذا الحوض الملعون و غرقت الكثير من الأقوام. - وبداهة أن كثيرا من هذه الأقوام عندما حوصروا إستطاعوا فك دائرة الحصار عن طريق بناء المراكب. - و عندما هربت هذه الأقوام من حوض الموت هذا ، حملت معها ذكريات الحصار المائي و الأشخاص الماهرين الذين استطاعوا أن يهربوا و من هنا نشأت قصة نوح و الطوفان.
خلاصــة :قصة الطوفان ذلك الارث البشري الحضاري التاريخي الانساني المشترك ، تجسد الكثير من صور البشرية على مر التاريخ ، احلام البشر ما كان يدور في الحقيقة و لغة الرمز الحزن و التضحية و الحلم بالمبتغى و الكمال في الطرف الآخر ، ان دراسة قصة الطوفان من معانٍ و حقائق لفصلها عن الاسطورة ، امر مفيد جداً خصوصاً في البحث عن الحقيقة ، عن الفكر الديني مثلاً ، كيفية ارتباط تلك القصة في أساطير و اديان كثيرة لدى شعــوب كثيرة ، لو لم يكن وقع تلك الحادثة كبير لما مثلت ما تمثله اليوم من اهمية و تناسخ و انتشار واسع ، هل هي قيمّة الى ذلك الحد ؟ نعم هي كذلك و أتمنى ان تدخل الجميع لطرح آرائهم بخصوص قضية الطوفان ، بتحكيم العقل و ان تكون آرائهم على ارضية منطقية لا عواطف او دفاع أعمى عن قضية دينية ما.
المصادر للإستزادة:- German Engraving of Noah’s Ark, 1658 Black Sea map courtesy of William Haxby. © 1999 National Geographic Society. All rights reserved. http://www.nationalgeographic.com/blacks...frame.html TRADITIONS OF THE FLOOD SERMON #18 ON THE BOOK OF GENESIS sermon preached on Lord’s Day Morning, August 26, 2007 at the Baptist Tabernacle of Los Angeles http://www.rlhymersjr.com/Online_Sermons_A...heFloodG18.html
أسطورة طوفان نوح
________________________________________ هناك الكثير من قصص الطوفان في الحضارات القديمة (الشرق الاوسط, الهند, الصين, أوروبا, الامريكيتين.....) ,ومن أشهر هذه القصص قصة طوفان نوح.
الطوفان الحقيقي في بلاد ما بين النهرين
"السهل البابلي خصبُ جداً. الأرض تكونت مِنْ الطينِ الذي ترسب بنهرين عظيمينِ، دجلة والفرات. تَنْزلُ هذه الأنهارِ التوأميةِ مِنْ الجبالِ في الشمالِ، بإتجاه جنوب شرق خلال الأراضي المعشبةِ ذات المرتفعاتِ، ويَعْبرُ السهلَ لوُصُول الخليج الفارسي. سَمّى اليونانيون الأرضَ بينهم بلاد ما بين النهرين، أرض بين الأنهارِ. اليوم هو يُدْعَى العراق.تقُولُ الحكايات أن جنّة عدنَ كَانتْ هنا.
"عمليات التنقيب في بلاد ما بين النهرينِ قادتْ علماءَ الآثار والعلماءَ الآخرينَ لإسْتِنْتاج أن عدد مِنْ الفيضاناتِ الجدّيةِ حَدثتْ هناك بين 4000 الى2000 قبل الميلاد. ومن المحتملُ أن أحد هذه الفيضاناتِ كَانتْ تدميري جداً بِحيث أحدثتُ إنطباعاً على السكانِ وأصبحَ موضوع للأدبِ القديمِ في تلك الفترةِ.
الفيضانُ ينمو إلى أسطورةِ
"في شكلِه الأسطوريِ المتطورِ بالكامل، فيضان ما بين النهرين ظَهرَ في ملحمة جلجامشِ، واحدة من أوّل التحفِ الأدبيةِ، التي تَتعلّقُ بمغامراتِ ملك (بطل)ِ سومر. النُسخُ الأسبقُ للملحمةِ مأخوذة منْ بداية الألفيةِ الثانيةِ قبل الميلاد.
إنّ قصّةَ الفيضانِ تُخبَرُ إلى جيلجامش مِن قِبل أوتنابيشتم ، نظير نوح في القصّةِ. يخبره الإلهِ "يا" بأنّ مدينتَه سَتُحطّمُ بالفيضانِ، ويطلب منه لبِناء سفينة لعائلتِه، خدمه، وحيواناته. بعد فيضان دام لسبعة أيام، تَستقرُّ السفينةَ على قمّة جبل. تم تجنب غضب الآلهه، وأوتنابيشتام وزوجته يُمْنحانِ الخلودَ.
إيحائات الفيضان عند العبريين
"حوالي ألفين سنةَ بعد فيضان ما بين النهرين الذي أدى إلى كتابة ملحمة جلجامشِ، جُلِبتْ القصّة من المحتمل إلى أرض كنعان (فلسطين)، الأرض التي إستقر فيها الإسرائيليون، مِنْ بلاد ما بين النهرينِ مِن قِبل الآباءِ إبراهيم، إسحاق، ويعقوب. الحكاية تم إعادة تشكيلها حولي القرن الثامن أَو التاسعِ قبل الميلاد مِن قِبل الكُتّابِ العبريينِ إلى قصة حول الله وأغراضه للبشريةِ. في هذه النسخةِ الأرضُ بكاملها سَتُغرَقُ. فقط نوح، عائلته، والحيوانات التي يَجْمعُها ستتمكن من العيش. يَدُومُ الفيضانُ 40 يومُ، وتَستقرُّ بعدئذ سفينةَ نوح على قمةِ الجبل.".......(من موسوعة كومبتون اون لاين النسخة الثانية 1997).
طبعا بعد ذلك انتقلت القصة الى المسيحية ثم الى الاسلام
قصة الطوفان من المعروف منذ زمن طويل أن قصص الطوفان تنتشر انتشارا واسعاً في جميع أنحاء العالم ، فهناك قصص عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم ، و في الهند و بورما و الصين و الملايو و استراليا و جزر المحيط الهادي ، وفي جميع مجتمعات الهنود الحمر .
و لعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية ، وقصة الطوفان البابلية ، و قصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة و على الرغم من التحريف الذي يشوب تلك القصص إلا انها متفقة على أنه قد حدث طوفان عظيم و أنه كان هناك رجل صالح قام ببناء الفلك و حمل فيها من كل حيوان زوجين إضافة إلى أهله و من تبعه من الناس المؤمنين بالله :
أولاً: قصة الطوفان السومرية
كان الناس يعتقدون حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان , و لكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن ذلك مجرد وهم ، حيث عثر في عام 1853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية ، و في الفترة ما بين 1889م 1900 م ، اكتشفت أول بعثة أمريكية قامت بحفر في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان في مدينة "نيبور " ( نفر ) ثم تبعه آخرون ..
و يبدوا من طابع الكتابة التي كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير " حمورابي " و على أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك .
ملخص القصة حسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك يسمى ( زيوسودا ) و كان يوصف بالتقوى ، وكان هذا الملك يخاف الله ، و يكب على خدمته في تواضع و خشوع ، و يصل النظر إلي المكان المقدس ، و هو يقيم أخبره بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان كما يصف اللوح العاصفة و الأمطار و التي استمرت سبعة أيام و سبع ليال يكتسح فيها الفيضان الأرض ، حيث يوصف ( زيوسودا) بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة ...
الأدلة الأثرية في العراق تدل على ثبوت قصة الطوفان :
لقد عثر " سير ليونارد وولي " في حفائره في " أور " عام 1928 على طبقة من الغرين السميك الذي يقدر بحوالي ثمانية أقدام والذي اعتبره دليلاً مادياً على الطوفان السومري هذا مع ملاحظة أن تلك الطبقة الغرينية تقع فوق و تحت هذا مع ملاحظة أن تلك الطبقة الغرينية تقع فوق وتحت آثار تنتمي على عصر حضارة العبيد ، والتي تمثل عصر ما قبل الأسرات الأولي في جنوب العراق ، ثم اتجه " دولي " بعد ذلك إلى الحفر في موضع بعيد عن " أور" بحوالي ثلاثمائة يارده من ناحية الشمال الغربي للبحث عن مدى امتداد تلك الطبقة الغرينية ، و كانت نتيجة الحفر إيجابية ، مما أدى إلى القول بوجهة نظره المشهورة في ارتباط تلك الطبقة الغرينية السميكة بالطوفان الذي ذكرته الكتب المقدسة .
و هناك من الأدلة كذلك ما حدثنا عنه " سير ليونارد وولي " من أن قد وجد في أور أسفل طبقة المباني طبقة طينية مليئة بقدور من الفخار الملون ، مختلط بها أدوات من الصوان و الزجاج البركاني ، و كان سمك هذه الطبقة 16 قدماً ( 3 أمتار ) أسفل المباني الطينية التي يمكن أن تعود إلى 2700 ق. م و أن أور قد عاشت أسفل هذه الطبقة في عصر ما قبل الطوفان ، و يستنتج " وولي " أن سبب اختفاء هذا الفخار الملون الذي كان منتشراً على طول بلاد الرافدين قبل الطوفان اختفاء تاماً مرة واحدة كان الطوفان ، الذي قضى قضاء تاماً على سكان هذه البلاد.
ثانياً : قصة الطوفان البابلية :
1 . ملحمة جلجامش : في الثالث من ديسمبر 1872 م أعلن " سيدني سمث " نجاحه في جمع القطع المتناثرة من ملحمة جلجامش بعضها إلى بعض ، مكتوبة في أثنى عشر نشيداً ، أو بالأحرى لوحاً، و محتوية على قصة الطوفان في لوحها الحادي عشر: و ملخص القصة أنه كان هناك رجل يسمى جلجامش أمرته الآلهة بأن يبني سفينة , و أن يدع الأملاك و أنه احتمل على ظهر الفلك بذور كل شيء حي ، و الفلك التي بنها ستكون أبعادها حسب هذا القياس ، عرضها مثل طولها .
و أنه نزل مطر مدار .. الخ ثم استوت السفينة على جبل نيصير ( نيزير ) [ و هو جبل بين الدجلة و الزاب الأسفل] .
2 ـ قصة بيروسوس:
في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى أيام الملك " أنتيوخوس الأول " ( 280 ـ 260 ق.م ) . كان هناك أحد كهنة الإله " ردوك " البابلي، و يدعى بيروسوس قد كتب تاريخ بلاده باللغة اليونانية في ثلاثة أجزاء و حوى الكتاب على قصة الطوفان و تقول أنه كان يعيش ملك اسمه " أكسيسو ثووس " يرى فيما يرى النائم أن الإله يجهز طوفان يغمر الأرض و يهلك الحرث و النسل فيأمره بأن يبني فلكاً يأوي إليه.
فيبني فلكاً طوله مائة و ألف يارده و عرضه أربعمائة و أربعون ياردة ، و يجمع فيه كل أقربائه و أصحابه ، و يختزن فيه زاداً من اللحم و الشراب فضلاً عن الكائنات الحية من الطيور و ذات الأربع .
و يغرق الطوفان الأرض.. و تستقر الفلك على جبل حيث ينزل و زوجته و ابنته و قائد الدفة، و يسجد الملك لربه و يقدم القرابين الخ....
ثالثاً : قصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة
وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين و تجري أحداثها على النحو التالي :
رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض و تأسف في قلبه، و عزم على أن يمحو الإنسان و البهائم و الدواب و الطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، و سار نوح مع الله ".
و تزداد شرور الناس، و تمتليء الأرض ظلماً، و يقرر الرب نهاية البشرية، إذ تحدرت إلي شر و غواية، و يحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، و أن يكون طلاؤها بالقار و القطران من داخل و من خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، و أن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً و انثى، فضلاً عن امرأته و بنهيه و نساء بنيه، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك و ما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك و من معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض و من عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً و أربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة و من معه و أهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم و انفتحت طاقات السماء، و استمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
و تكاثرت المياه و رفعت الفلك عن الأرض و تغطت المياه، و مات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور و البهائم و الوحوش و بقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أراراط.
سيناريو الطوفان يعاد رسمه على ضوء حزمة من العلوم الإنسانية الجديدة في المقابلة التي اجرتها مجلة (در شبيجل DER SPIEGEL) الالمانية في عددها 50 من عام 2000 مع البروفسور (بوركهارد فلمنغ BURKHARD FLEMMING) رئيس قسم (أبحاث المحيطات) في معهد (سنكينبيرج SNECKENBERG) في المدينة الساحلية الشمالية من المانيا (فيلهلمسهافن WILHELMSHAVEN)، حاول ان يرسم سيناريو دقيقا لطوفان فاق كل تصور حدث في منتصف الالف السادسة قبل الميلاد، حسب ما كشفت عنه آخر ابحاث الاركيولوجيا حول ولادة البحر الاسود بمخاض كوني مدمر على النحو التالي: قبل 18 الف سنة كان العصر الجليدي في ذروته وكان منسوب المياه مختلفا بين بحيرة كانت في منطقة البحر الاسود الحالي وبحر مرمرة والبحر المتوسط. واذا تأملنا الوضع جغرافيا الآن فإننا نرى ان البحر الاسود متصل بالبحر المتوسط من خلال فوهتين الاولى مضيق (البوسفور) والثانية وهي طول ممر (الدردنيل) المعروف تاريخيا بـ (الهلسبونت) وهو الذي عبره الملك الفارسي (كزركسيس) في القرن الخامس قبل الميلاد في محاولة اجتياح بلاد اليونان، وبين الفوهتين بحر مرمرة الصغير. ولكن الوضع قبل 18 الف سنة لم يكن كما هو الآن، فمكان البحر الأسود كانت بحيرة اصغر حجما منه ومنفصلة عن بحر مرمرة المنفصل ايضا عن البحر المتوسط في مناطق معزولة عن بعضها البعض. ليس هذا فقط بل كذلك التفاوت في مستويات المياه. فقد كان منسوب المياه قبل 18 الف سنة في البحر المتوسط اقل مما هو عليه الآن بـ130 متراً. اما في بحر مرمرة فكان اعلى من ذلك وبمستوى ناقص (ـ 65م) عما هو عليه الآن. اما البحيرة السوداء فكانت في الاسفل تماما وتنخفض عن منسوب المياه الحالي 120 مترا (ـ 120). ثم بدأت المرحلة الاولى من التحول البيئي والجيولوجي في التاريخ المذكور فقد ارتفعت حرارة الأرض تباعا بما التهمت به حتى اليوم 8% من اليابسة. وفي المرحلة الاولى قفز منسوب المياه في البحر المتوسط الى ناقص ستين مترا عن منسوب المياه الحالي. اي بارتفاع سبعين مترا بما فاض اليه من مياه المحيطات من ذوبان مدرعة الجليد في الشمال التي بلغ سمكها في اوربا لوحدها كيلومترين، وكانت ممتدة حتى براندنبرغ في بولندا الحالية. ان هذا الانكسار في المناخ رفع مستوى المياه في المحيطات ودفعها عبر مضيق جبل طارق الى المتوسط الى بحر مرمرة بحيث كان دفع المياه من القوة والعنف ما حول الحجارة والحصى امامه الى ما يشبه (المدحم) لتحطيم الحاجز بين بحر مرمرة والمتوسط، وليتحقق مستوى التعادل بين البحرين الى مستوى ناقص ستين مترا عما هو عليه الآن. وقبل 12 الف سنة وتدريجيا ارتفع مستوى المياه من جديد في بحر مرمرة الى ناقص خمسين مترا عما هو عليه الآن وبزيادة عشرة امتار عما كان عليه، مما جعله يقفز فوق حافة السد الواقف امام البحيرة، وكان هذا معناه تفجير عتبة البوسفور بالكامل وتحطيم هذا الممر البري الذي كان يصل بين اوربا وآسيا. واذا عرفنا ان منسوب المياه في البحيرة السوداء كان ناقص 120 مترا عما هو عليه الآن ومستوى المياه في بحر مرمرة ناقص خمسين مترا، فمعنى هذا ان المياه كانت تهوي من ارتفاع سبعين مترا بما هو اقوى من شلالات نياجارا بـ200 مرة حسب الدراسة التي قام بها الجيولوجيان الامريكيان والتر بيتمان WPITMAN) و(ويليام راين WILLIAM RYAN). وكانت كمية المياه المتدفقة اليومية بحجم بحيرة تبلغ خمسين كيلومترا مكعبا بحيث رفعت مستوى المياه في حواف البحيرة بمعدل 15 سنتمترا يوميا كما يحدث للبانيو عندما يفيض بالماء (وتطفطف) حوافه مندلقة بالماء الزائد وهي هنا بابتلاع اليابسة وما حوت من بشر. وكان زحف المياه 400 متر في اليوم لتدوم هذه الحالة مدة 300 يوم ولتنهض مستوى المياه في البحيرة في النهاية الى مستوى الماء في المحيطات حسب قانون (الأواني المستطرقة) الذي اكتشفه الفيلسوف (باسكال) وينص على تعادل مستوى الماء في المحيطات عند اتصال احواضها معا مهما كانت الاحجام، بحيث ارتفع مستوى المياه في البحيرة اخيرا الى ارتفاع زاد على 120 مترا عما كان عليه وتساوت مستويات المياه بين البحر الاسود المتشكل وبحر مرمرة والبحر المتوسط والمحيط الاطلنطي المتصل به. وهو اكثر مما جاء في العهد القديم عن ارتفاع بلغ 15 ذراعا. اي ان الطوفان كان يشبه ما جاء في الواح سومر والعهد القديم مما رسخ في الذاكرة الجماعية الانسانية ولكن على نحو اشد هولا وفي النهاية غمرت المياه المتدفقة مساحة مائة الف كيلومتر مربع بما فيها القرم واوكرانيا الحالية وبلغاريا وضربت بعنف مرتفعات القوقاز فضلا عن كل الشواطى التركية واخذت معها شعوبا بأكملها الى لجة المياه. يقول (فلمنغ) ان الشعوب التي كانت في الاماكن الواطئة وفوجئت بالطوفان لم يكن لها حظ في النجاة. اما البقية فكان عليهم ان يتركوا خلفهم كل شيء وينطلقوا هائمين على وجوههم وهم الوف حذر الموت ويقدر علماء الانثروبولوجيا ان اعداد المشردين تجاوز المائتي الف نسمة. واذا اخذنا بعين الاعتبار اعداد البشر القليلة على ظهر الارض في الالف الثامنة قبل الميلاد، فلربما قارنا هذه الكارثة اليوم مع طوفان دفع بـ200 مليون من البشر الى ترك بلادهم. وهذا يقرب الينا فكرة رسوخ هذه الواقعة في الذاكرة الجماعية حتى اليوم. واذا اضفنا عنصر بدايات الحضارة والتمكن من الزراعة وتحقيق فائض الغذاء كان معناه ان من تشرد كانوا زبدة وافضل انواع الجنس البشري من الناحية التقنية، كما لو تشرد اهل الولايات المتحدة اليوم في كارثة عارمة. او اجتاح اعصار التيفون الجزر اليابانية الثلاث الرئيسية فأخذها بما حوت من البشر. وعندما سئل البرفسور (فلمنغ) عن مدى تطابق هذا الهول مع طوفان نوح الوارد في الكتب المقدسة، اجاب بحذر انه لا يمكن المراهنة على ذلك، ولكنه قابل للتطبيق وممكن ويبقى السؤال هل ما حدث عند عتبة البوسفور قبل 7500 سنة في دراما كونية هو الذي تحدثت عنه الكتب المقدسة وذكره القرآن بتوصيف مرعب (ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر). يبدو ان الطوفان فاجأ المزراعين الاوائل في وقت صعب في شتاء اشتد مطره فاجتمع عليهم البرد والمطر الغزير المنهمر مع الطوفان الزاحف فتشبعت الارض بالماء وانبجس الماء من تنور كان بالاصل للخبز (وفار التنور). ليس هذا فقط بل ان بقية القصة الواردة في الآيات من سورة (القمر) تفتح لنا البوابة التاريخية لدراسة الحدث حينما وصفت الآية (وحملناه على ذات الواح ودسر). وكلمة (دسر) اوحت لي كما قرأت في بعض كتب التفسير انها (المسامير) فنوح بنى سفينة من الواح خشبية مثبتة بمسامير ومطلية بالقار. ولكن هذا يعني وكما تقول بعض الروايات عن نوح انه كان نجارا ووصول الجنس البشري الى تقنية تعدين الحديد. ونحن نعلم ان اكتشاف الحديد وتعدينه تم في القرن الثامن قبل الميلاد. وهذا يعني بكلمة ثانية حدوث الطوفان بعد هذا الفترة حتى يتم الربط بين زمن تقنية الحديد والحدث. الا ان كلمة (دسر) كما جاءت في كتاب (صحاح اللغة) لـ(ابن منظور الافريقي) تذكر ان كلمة (الدسر) لا تزيد عن الشيء الذي يربط الاشياء ببعض من ليف او سواه ولا يشترط المسمار وان كان يتضمنه. ان حادثة نوح على ما يبدو اكثر ايغالا في التاريخ من القرن الثامن قبل الميلاد. وان الحدث لم يتم في هذا الوقت بل في الالف الثامنة قبل الميلاد. ان القرآن لا يعنى بذكر الزمن او المكان اكثر من عنايته بالمعنى الانساني خلف القصة، فهذا اسلوبه في نزع هذه الاحداثيات عنه لادخاله معمل المطلق وهو يروي هنا نهاية قوم اوجدوا نظاما اجتماعيا في غاية السوء. فكما ذكر القرآن حجم الكارثة فقد عمد الى شرح الظروف البائسة التي رافقت الحدث من وجود الظلم الاجتماعي المهين. ان من يسمع لنوح ويتبعه هم من طبقة السوقة السفلة المغفلين (الاراذل): (وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي). وتفكيك هذه الآية يظهر افضل باستعراض الوضع الانساني (انثروبولوجيا) عن طبيعة الشعوب التي فاجأها الطوفان في ذلك الوقت (ما قبل التاريخي).
المصدر : مقالة للدكتور خالص جلبي بعنوان : ماذا جرى عند عتبة البوسفور قبل 7500 سنة ؟
جلجامش(Gilgamesh), نوح, وأسطورة الطوفان ملحمة كلكامش أوّل ملحمة في تاريخ الأدب, كتبت بالسومرية وترجمت إلى الأكدية قبل اكتشاف حروف اللغة العربية. مرَّ عليها الآن أكثر من أربعة آلاف سنة، فهي أقدم من الأوذيسة والإلياذة بألف سنة. أريد أن أتناول جزء من هذه الملحمة يتعلق بأسطورة الطوفان التي وردت فيها. إن بطل الملحمة شخصية تاريخية وهو الملك السومري كلكامش، سادس ملوك سلالة الوركاء الأولى حكم في حدود 2650 ق.م. يحاول كلكامش بلوغ مرتبة الآلهة أو الخلود، فنراه يفكر في جده (أوتنابشتم) الذي كان آدمياً ثم وُفق وصار إلهاً، وكان الوحيد الذي نجا من الطوفان، وهو يعيش في جزيرة ملأى بالحدائق الغنّاء تعرف بجزيرة الأبرار. يقص الجد القصة على حفيده القصة الآتية التي كانت سبباً في بلوغه مرتبة الآلهة: قبل خمس آلاف سنة عقد الآلهة البابليون اجتماعاً قرروا فيه عقوبة سكان مدينة (شوروباك) التي عصى أهلها آلهتهم وأغضبوهم، وكانت العقوبة عبارة عن طوفان يرسله الآلهة فيقضي على الحرث والنسل، ولكن الإله (أيـا) إله الحكمة وصديق البشر يعلم أن من بين سكان المدينة رجلاً حكيماً عرف برجاحة العقل وعمل الخير وهو أوتنابشتم فيتحدث (أيـا) إلى هذا الرجل ليساعده لأنه ليس من العدل أن يلاقي هذا الرجل حتفه مع الكفرة الفجار.. لذلك أخذ أيـا الإله يسعى لإنقاذ هذا الحكيم فيتحدث (أيـا) حيث ينصحه بما يجب عليه عمله وهو أن يقوم لساعته ويصنع لنفسه فلكاً يعصمه ويعصم أهله وعشيرته و يصعّد عليه بذر جميع الحيوانات الحية.. وبعد أن تمت الاستعدادات أصدر الإله (شمش) أوامره إلى السحب فتهطل السماء مدراراً.. وفي اليوم السابع أقلعت السماء وابتلعت الأرض بالماء، واستوت الفلك على جبل (نيصير) حيث بقيت عليه سبعة أيام ولم يجرؤ أوتنابشتم على الخروج، فأرسل حمامة لم تجد مكان وقوف لها فرجعت ثم أرسل سنونو فرجع, بعدها أرسل غراب رأى جفاف الماء, أكل و دار و تجول و لم يرجع.. نجا أوتنابشتم ومن معه فسرّ (أيـا) وبعد وقت طويل وصلت الربة عشتار و رفعت الحلي العظيمة التي صنعها الاله انو (قوس القزح). يبدو ان هذه القصة الجميلة قد أعجبت كتّاب التورات فحوّروها لتلائم دينهم, ثم أتى محمد ف"لطشها" و وضعها في قرآنه, و هكذا أصبح أوتنابشتم سيدنا نوح. هكذا تصبح الأساطير أدياناً و أبطالها أنبياء. و موضوعي القادم سيتناول أسطورة شجرة الحياة الأغريقية و كيف أصبح بطلها سيدنا آدم.
طوفان سيدنا نوح كان محدودا بقلم الشيخ عمرو الشاعر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم: فسنتناول اليوم جزءا من قصة حياة وبعثة سيدنا نوح عليه السلام , وعلى الرغم من أن قصته وجد فيها بعض الإسرائيليات مثل السكر والتعري إلا أنا سنتناول اليوم بإذن الله مسألة أخرى وهي مسألة الطوفان, حيث نجد أن الأقوال في الطوفان تأرجحت بين قولين إثنين:
الطوفان كان طوفانا عالميا وأغرق الأرض كلها , الطوفان كان محليا ولم يغرق إلا قوم نوح الذين كانوا يعيشون في منطقة جيلية !
ولكي نرجح أحد القولين ننظر في النص القرآني ونحلله لنر أي القولين أقرب إلى الدقة والصواب: الناظر في القرآن يجد أنه من الواضح والجلي أن طوفان نوح عليه السلام كان طوفانا محليا صغيرا , ولكن لما قالت التوراة أن الطوفان عم الأرض كاملة , كان لزاما على السادة المفسرين أن يقولوا بما قالت به التوراة المحرفة , وأولت الآيات لتوافق الروايات , ولننظر في قصة نوح في القرآن لنر إن كانت فعلا كما يقولون أم أنها مما يقولون به براء :
إذا نظرنا في القرآن وجدنا أن القرآن ينفي مسألة عالمية رسالة نوح تماما , فالله قالها في خمس مواضع أنه أرسل نوح إلى قومه ولم يقل إلى الناس أو إلى العالمين , فلو لم يكن مرسل إلى قوم خاصة وكان هؤلاء هم الناس الموجودون على الأرض لكان الكلام عبثا .
و إذا قيل أنه أرسل إلى قومه ثم دعا عليهم فأغرق الله العالم كله , فما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين لم تصلهم الدعوة؟ ولم تهلك الأرض كلها بذنب قوم كفرة ؟
إذا فنوح أرسل إلى قومه فقط , وليس هذا استنتاج بل هو موجود صراحة في النص القرآني , فالله تعالى يقول "قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [هود : 48] "
فالآية صريحة في وجود أمم مع نوح , ولننظر كيف فسر المفسرون هذه الآية المخالفة لما تقوله التوراة , يقول الإمام الرازي في تفسير هذه الآية ما نصه :
" { وعلى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } واختلفوا في المراد منه على ثلاثة أقوال : منهم من حمله على أولئك الأقوام الذين نجوا معه وجعلهم أمماً وجماعات !! ، لأنه ما كان في ذلك الوقت في جميع الأرض أحد من البشر إلا هم ، فلهذا السبب جعلهم أمماً ، ومنهم من قال : بل المراد ممن معك نسلاً وتولداً !!! , قالوا : ودليل ذلك أنه ما كان معه إلا الذين آمنوا وقد حكم الله تعالى عليهم بالقلة في قوله تعالى : { وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 40 ] ومنهم من قال : المراد من ذلك مجموع الحاضرين مع الذين سيولدون بعد ذلك !!! ، والمختار هو القول الثاني : ومن في قوله : { مّمَّن مَّعَكَ } لابتداء الغاية ، والمعنى : وعلى أمم ناشئة من الذين معك ! .
واعلم أنه تعالى جعل تلك الأمم الناشئة من الذين معه على قسمين : أحدهما : الذين عطفهم على نوح في وصول سلام الله وبركاته إليهم وهم أهل الإيمان . والثاني : أمم وصفهم بأنه تعالى سيمتعهم مدة في الدنيا ثم في الآخرة يمسهم عذاب أليم ، فحكم تعالى بأن الأمم الناشئة من الذين كانوا مع نوح عليه السلام لا بد وأن ينقسموا إلى مؤمن وإلى كافر .
قال المفسرون : دخل في تلك السلامة كل مؤمن وكل مؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في ذلك المتاع وفي ذلك العذاب كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة ، " اهـ
فانظر كيف أولوا الآية لمجرد أنهم استندوا في معلوماتهم إلى التوراة , ولست أدري أين قال القرآن أنه لم يكن في الأرض غيرهم , فهذه الآية التي بين أيديهم تنفي هذا الكلام , ولكن لما كان للروايات سلطان لا يقاوم فتأول الآيات من أجل الروايات ولا وحول ولا قوة إلا بالله .
إذا فالقرآن قال أن طوفان نوح كان طوفانا محليا , وقال بوجود بشر معه وهذا ينفي الأسطورة التوراتية وينفي القول بأنه أخذ زوجا من كل الحيوانات ووضعه في السفينة , فأي سفينة هذه التي تحمل كل هذا العدد من الحيوانات ؟!
سيقول قائل : ولكن الله تعالى يقول " حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود : 40] " فهذا دليل على ما يقولون به .
لن نقول كما قال البعض : نحن نجد أن حفص هو الوحيد الذي قرأ " من كل " بتنوين اللام , أما باقي القراءات فقالت " من كل زوجين " بدون تنوين, ونحن نأخذ في هذه المسألة بالقراءات وليس بقراءة حفص , فهي أكثر وتتفق مع العقل , إذ كيف يمكن أن يحمل من كل أصناف الكائنات اثنين , وكيف يأتون من جميع أنحاء العالم , فمن المعروف أن هناك حيوانات غير موجودة إلا في المناطق الباردة وغيرها لا توجد إلا في المناطق الحارة وهلم جرا , فكيف أتت هذه الكائنات من مناطقها إلى نوح وكيف استوعبتها السفينة ؟ وإنما نقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها والأمر على قدر الاستطاعة, فإذا أمره أن يأخذ من كل زوجين إثنين فهو يأمره أن يأخذ من كل ما يجده ومن كل ما هو حوله زوجين إثنين , فالكل هنا المقصود به الكل الموجود والمتوفر وليس الكل المطلق لأن هذا مما لا يطيقه ولا يقدر عليه سواء سيدنا نوح أوغيره .
إذا فالآية لم تقل أكثر من أن الله أمر نوح أن يحمل من كل زوجين , و الله أعلم بهذه الأزواج , اثنين وأهله إلا من سبق عليه القول ويحمل من آمن وما آمن معه إلا قليل .
إذا فالقرآن نفى مسألة عالمية الطوفان تماما وقال بوجود أناس غير نوح ومن معه وظلوا أحياء , لم يصبهم الطوفان .[1]
إذا الغرض من سرد هذه القصة عرض عاقبة الخسران والتوضيح كيف أن الله تعالى تعهد مسيرة التوحيد والموحدين منذ مبدأهم على الأرض وكيف أن الكافرين المعاندين المهددين للمؤمنين كانوا يستأصلون حتى تستمر المسيرة إلى أن تصل إلى ما هي عليه الآن . وكذلك الرد على من يسخرون من هذا الطوفان الذي أغرق الأرض و لا يوجد له أثار في الحفريات و على من يسخرون من السفينة التي حملت كل حيوانات الأرض .
[1]طبعا الأخوة اليهود لا يريدون التسليم بهذا لأن هذا سيؤدي إلى تهاوي أركان النظرية السامية التي يقولون بها . هدانا الله وغفر لنا
منقول بتصرف لمقالات متنوعه - اقتباس و تلخيص وتجميع المواضيع من بطون الكتب والابحاث والمدونات بحياديه لا تنتمي لدين او مذهب لكوني ليست يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً ولا ديني
#سامي_المنصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جهنم
-
الفرق بين الديانة الشيطانية و عبادة الشيطان
-
اصحاب الأخدود وأصحاب الفيل
-
الأجنة الرد على دعاة أعجاز القرآن
-
الخضر بين الحقيقة والاسطورة
-
المسيح الدجال أساطير مسيحية و يهودية و إسلامية
-
جوج وماجوج ام ياجوج وماجوج
-
أسطورة الشيطان شامله
-
أسطورة ابليس او الشيطان
-
بعض أخطاء في القرأن
-
كل ما ذكر حول بئر زمزم
-
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ
-
قصة أبي سفيان
-
حقيقة الاقصى وقبة الصخرة
-
ماهو الدليل على أن محمد لم يزر القدس
-
ابو بكر لم يكن في الغار
-
أسئلة وأجوبة للاديني
-
ما هي الروح
-
أسئلة رافقت الإنسان
-
حمورابي .. القائد التاريخي البابلي
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|