كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 11:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس من المبالغة القول : إن الدكتور برهان هو الأكثر حرصا على الليبراليين العرب واحتراما لهم . وهو في سجاله معهم , يريد ان يصل واياهم الى نقاط تفاهم مشتركة تشكل نقطة انطلاق للنهوض بالواقع العربي الرديئ .
من اجل ذلك علينا ان نحدد التخوم بيننا بدقة ونعرف اين نتفق واين نختلف . لنعمل على اساس الاتفاق ولنترك نقاط الخلاف مفتوحة على المستقبل تنتظر التصويب من خلال ما يبينه التطوراللاحق على الصعيد العربي والعالمي .
بعد قراءتي المتانية لمقاله – رد على الليبراليين العرب - . وجدت ان من المفيد معرفة ان كان الدكتور يعتبر نفسه حتى الآن ماركسيا ام لا . أنا رأيته في ردوده لايزال شيوعيا كلاسكيا يريد ولو حد ادنى من الديمقرطية الاجتماعية التي تحقق العدل والمساواة كما يتضح من الفقرتين التاليتين من مقاله
فقرة اولى (إن الديمقراطية تستدعي الحرية بالماهية لكنها تحتاج كي تتحقق إلى إحاطة نظام الحرية بمنظومة من الاصلاحات السياسية والاجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تحفظ حق ممارسة الحرية للجميع ولا تترك فئة صغيرة من أصحاب السلطة المالية أو الاقتصادية تسيطر سيطرة مطلقة على موارد السلطة السياسية أو الثقافية أو الإعلامية. ومن هنا تستدعي الحرية المساواة وأن المساواة لا تستقيم من دون حد أدنى من العدالة الاجتماعية.)
فقرة 2 (بالنسبة لي لا أرى أن حل أزمة الرأسمالية العالمية يكمن في العودة إلى تقديم منطق السوق على منطق الاتساق المجتمعي أو في إعادة بناء المجتمع والعلاقات الاجتماعية كلها انطلاقا من فكرة السوق الاقتصادية التنافسية وعليها. وليس هناك ما يمنع في نظري من بلورة سياسات اقتصادية وطنية ودولية بديلة من دون تهديد الحريات ولا الخروج من الديمقراطية الحقيقية وليس الشعبية النافقة.)
حتى يستقيم الحوار رأيت من المفيد عرض وجهة نظر الدكتور برهان بالمسائل التالية وله الحق في ان يستجيب بالطريقة الي يريدها او لا يستجيب فهو حر
1- كيف يقيم الدكتور تجربة الاتحاد السوفياتي وبقية التجارب الاشتراكية ؟. هل كان فيها شيئ من الاشتراكية ام انها عمقت الراسمالية تحت يافطة شيوعية ؟
2- ايهما افضل لو ان تلك البلدان عمقت الراسمالية على الطريقة الليبرالية الغربية ام على الطريقة الماركسية
3- اتمنى ان يقدم الدكتور تصورا اوليا عن كيفية اختراق الراسمالية على هذا الكوكب متى وكيف ؟! لتبدا مرحلة الديمقراطية الاجتماعية العزيزة جدا على قلب الدكتور
4- ما هو رايه بمشروع الشرق الأوسط الكبير ؟
5- ما هو رأيه بكلام صديقه النائب السجين رياض سيف الذي قاله من داخل سجنه في مقابلة صحفية نشرت في النهار بتاريخ 14 /1/ 2005
(( لقد سخر صدام كغيره من الطغاة في العالم كل امكانات البلاد لضمان استقرار نظامه مما جعل التخلص منه مهمة صعبة على الشعب العراقي وحده وصادف ان اجتمعت مصلحة امريكا مع مصلحة الشعب العراقي في ازالة صدام وازاحته من السلطة , والشعب الأمريكي يتحمل في هذه العملية تكاليف ربما تزيد عن 200 مليار دولار بالاضافة الى ارواح آلاف من الجنود الأمريكيين و وفي الوقت نفسه تمكن الأمريكيين من اقناع دائني العراق باسقاط اكثر من 80%من ديونه . بناء على هذه المعطيات أين يكمن خلاص الشعب العراقي بعد زوال صدام ونظامه ؟ إنه في اقامة نظام ديمقراطي حقيقي يقود اعمار العراق ويعيد بناء الدولة ومخاطبة امريكا باسم الشعب العراقي وباللهجة الودية والوسائل الديمقراطية لصياغة علاقة متوازنة بين الشعبين والدولتين في امريكا والعراق . تماما كما حدث في ألمانيا بعد ان حررها الأمريكيون من النازية .
ان امريكا دولة مؤسسات يحكمها نظام ديمقراطي ولا يمكنها ان تتجاهل المطالب العادلة التي تتحدث باسمها حكومات شرعية تمثل الشعب ...الخ )
6- كيف يمكن بلورة سياسات اقتصادية وطنية ودولية بديلة في ظل العولمة الحالية ؟
من جهتي أطمئن الدكتور بأن لاحل لأزمة الرأسمالية العالمية ما دام نظامها قائم على الاستغلال والمنافسة او الاحتكار في السوق ؟ والحل هو بنظام اشتراكي بديل ؟ اما اذا كان يقر الدكتور بان نظام الانتاج الرأسمالي معمم على كافة الكرة الأرضية فيصبح من العبث الطلب منه تحقيق العدل والمساواة لأن ذلك مستحيل ومناف للنظام الرأسمالي .
من جهة اخرى لقد بينت الحياة أن الماركسية التي عارضت الليبرالية كونها تنطلق من الحرية الفردية , سهلت الأمر على الرأسماليين الكبار وخدمتهم بالنهاية , لأنها لم تقدر تقديرا موضوعيا دور الرأسمالية على هذا الكوكب وما في احشائها من قدرة على التكيف مع الأزمات , فعارضت النظام الرأسمالي كله بنظام اشتراكي يقوم هو الآخر على الطبقية في البداية , ولكن هنا دولة الاشتراكية هي دولة الغالبية , دولة الطبقات الشعبية , دولة المنتجين . دولة ديكتاتورية البروليتاريا , حيث الدولة في الماركسية هي – لجنة الطبقة المسيطرة – وقد انكرت وجود دولة تعاقدية تداولية تمثل مصلحة المجتمع ككل من خلال تمثل جميع فئاتها عبر برلمان منتخب يعبر عن توازن القوى على الأرض . بحجة ان وعي العمال لمصالحهم مزيف وهم في الانتخابات بالنهاية يحددون من سيركب على ظهورهم من البورجوازيين كل اربع سنوات .والحل هو بالعنف الثوري والانتفاضة التي تطيح بالطبقات المستغلة عند الأزمات ومن ثم قمع المستغلين وشل مقاومتهم .
انا اعتقد لو ان الماركسين عملوا من خلال النظام الراسمالي بشكل ليبرالي من اجل مصالح الطبقات المنتجة واجبار الرأسماليين على تقديم التنازلات لهم وتخفيف اسغلالهم وتحقيق ضمان صحي واجتماعي لكانوا خدموا الاشتراكية مستقبلا اكثر بكثير من دعوتهم للاطاحة بالنظام الراسمالي ككل . والان يتبين في الوقت الحاضر ان باللامكان الوصول الى دولة تعاقدية انتخاباتها غير مزيفة من خلال ماراكمت تجربة الجنس البشري من وعي في اذهان الناس على الأقل في البلدان المتقدمة .
باختصار يتبين حتى الآن ان مايخدم البشر ككل وفي المقدمة منهم المنتجون هو الليبرالية وجديدها الانسان وحقوقه التي لم تعد كما كانت في نشاتها الولى حريات فردية وسياسية فقط بل أصبح من البديهي ان الليبرالية تعني الضمان الصحي والاجتماعي وحق العمل لكل انسان على هذا الكوكب . اما اذا كانت فئة قليلة يقودها بوش او تاتشر تريد الليبرالية من اجل زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقرا فان علينا ان نحاصرها ونضيق عليها ما امكن عبر الفهم الجديد لليبرالية التي توازن بين الشق الاقتصادي والسياسي وتطالبهم بحل المشكلات البيئية او الفقر او التخلف او الاستبداد بما يخدم تنمية الجنس البشري ككل .
أعود للحديث عن سوريا وموضوع اليبراليين فيها . كونها المعنية بالسجال بين الليبراليين والدكتور كما تبين حتى الآن من ردود متبادلة .
اعتقد ان المشكلة في سوريا يادكتور هي بين نهجين
- نهج قديم مايزال يقرأ اللوحة العالمية كما كانت ايام الحرب الباردة ويحد التناقض الأساسي بين حركة التحرر العربية والامبريالية متمثلة بامريكا واوروبا وهذ1 ماعكسه فهم التقرير المقدم الى مؤتمر الحزب الشيوعي – فصيل يوسف فيصل – الذي يتوهم الكثيرون في سوريا انه الأقرب الى الليبراليين من بقية الفصائل الشيوعية . يتفق في هذا المجال البعثيون والناصريون وخاصة المعارضون منهم لنظام الحكم القائم في سوريا . والاسلاميون السلفيون والمتشددون , هؤلاء جميعا تمثلهم فلسفة الدكتور طيب تيزيني ولازمته المشهورة التي يكررها في كل كتاباته ويبدأ بها كما يبدأ المسلم حديثه بالبسملة وسورة الفاتحة .
( ها هنا نكون وجها لوجه امام التدفق العولمي الامبريالي الجديد باتجاه الواقع العربي عبر استفراده الجماهير العربية وتذريرها وتحطيم آخر ما يجعل منها قوة تاريخية يراهن عليها و نعني هويتها العربية ومطامحها في التقدم التاريخي . واذ يراد لهذا أن يتم فإنه يتم عبر وتائر هائلة متصاعدة من إفقارها وإذلالها وتهميشها وسحق ذاكرتها القومية التاريخية الديمقراطية . وذلك عبر الالية الحاسمة على صعيد الفعل العولمي , وهي محاولة ابتلاع الطبيعة والبشر و وهضمهم وتمثلهم , ومن ثم تقيؤهم سلعا . من هنا يتصاعد السؤال الكبير راهنا : كيف لنا أن نواجه ذلك الأخطبوط المتدفق وقد باغتنا في مرحلة نحن فيها أقرب مانكون عزلا؟ إن ذلك السؤال يصوغ الاشكالية العظمى في عصر العرب الراهن : إذا رفع ذلك الأخطبوط الصهيوني الأمريكي العولمي صراعه معنا ومع العالم كله الى السقف الأقصى المتمثل بتفكيك الهوية من حيث هي والوطن ومن حيث هو والانسان من حيث هو , بعد أن كانت الامبريالية الراسمالية تسعى مع المشروع الصهيوني الى تابيد تخلفنا وتجربتنا , فما عسانا ان نفعل ونحن من نحن ؟)
- نهج جديد يرى ان سوريا تعاني من الاستبداد وتحتاج الى دفعها بشكل سلمي وتدريجي نحو دولة تعاقدية وتداولية . وهناك مناخ دولي يساعدها على ذلك – بالمناسبة انا ارى ان الدعوة الى خط ثالث وهم بالمعنى النظري , هناك خطين هما الاستبداد والديمقراطية . وشعار الخط الثالث قد يكون مفيد من الناحية السياسة ويلجأ اليه البعض خوفا من العزلة ومراعاة للشعور التاريخي للوطنيين السوريين الذين يرون بامريكا واوروبا عدوهم الخارجي دائما . هذا لايعني ان لا تعارض بين المشروع الأمريكي والمشروع العربي , لا بل اقول ان العمل الجاد على الأرض من خلال هذا الفهم الصائب هو وحده الكفيل بخدمة المشروع العربي اكثر من خدمة المشروع الأمريكي او الأوروبي .
هؤلاء اميز بينهم ثلاث جهات لا تزال ضائعة ومبعثرة وتعاني من عقبات عديدة
1- اليبراليون القوميون الذين بدأوا يتفهمون الواقع العالمي الجديد وموضوع الانسان وحقوقه وهم موزعون بين السلطة والمعارضة ولكن تعبيرهم السياسي ورموزهم كتيار ما زال هو الأضعف
2- الاسلاميون الليبراليون الذيت يعترفون بالآخر ولا يشترطون دولة اسلامية مرجعيتها الحاكمية لله وفي مقدمتهم المفكر الاسلامي جودت سعيد والمرحوم الشهيد معشوق الخزنوي . اما الاخوان المسلمين المتمثلين بعلى صدر الدين البيانوني فلا ارى فيهم شخصيا حتى الان ذلك التيار, واتخوف من ان تكون دعوتهم للديمقراطية هي تكتيك للوصول الى السلطة كما كانت دعوتهم في الثمانينات للتفجير الطائفي من اجل الوصول الى السلطة , ربما هم سائرون على الطريق الليبرالي ولكن يجب دفعهم وتشجيعهم ليس عبر ممالئتهم والاشادة بهم وهم في ميثلقهم لا زالوا حتى الان يرفضون الاعتراف بالأخر ويرون في ميثاقهم ص (12 - فالاسلام بالنسبة الى الفرد والى الجماعة بوصلة ذاتية (جوانية )تؤشر بايجابية باتجاه ما يعتقد الجميع أنه الحق والخير والجمال ويشعر كل من خرج عن اتجاه هذه البوصلة أنه مطالب نفسيا واجتاعيا بتقديم معاذيره من تأويل او تسويغ حتى لايقع في دائرة ( المنكر) الذاتي أو الاجتماعي او الشرعي )
3- اليبراليون الشيوعين او اليساريون الذين غادروا تنظيماتهم الشيوعية الشمولية القديمة والتي يتم الغمز من قناتهم عبر شتمهم ومطالبة البعض ان تعاملهم الدولة بوصفهم مجرمين جنائيين لا سياسيين, والى جانبهم حزب الشعب الديمقراطي الجديد الذي تمكن بشق النفس من مغادرة خانة الشمولية نهائيا واصبح في مقدمة الفصائل السياسية السورية التي تنادي بالتغيير الديمقراطي والانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية .
واذا كان الدكتور برهان يريد ان يساعدنا في معركتنا التي نريدها ان تكون سلمية وحضارية عبر السجال بين الراي والراي الاخر, فانني ادعوه كما دعوته في ردي السابق الى ربط الديمقراطية بالفلسفة الليبرالية كي تكون شرط تعميمها وليس تحرير الديمقراطية من الفلسفة الليبرالية كي تتعمم في سوريا
كامل عباس - اللاذقية
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟