|
الأنوميا والتَّشيؤ في العالم العربي Reification and Normlessness in the Arab World
علاء أبو جراد
الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 00:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
إنَّ المُلاحظ عنْ كثبت والمُشاهد للساحة العربية والمُتتبع والرَّاصد للبناء المُجتمعي في مُختلف الأقطار والأصقاع العربية ليجد في نفسه حيرة وفي قلبه غصّة لما آل له العالم العربي مِنْ تقهقرٍ حاد وتراجعٍ كبير في شتَّي نواحي الحياة العامة منها والخاصة. تدهورٌ ملحوظ في النظام الاقتصادي العربي إذ تُسيّطر طبقة برجوازية إقطاعية علي مفاتحُ وخزائن الدِّول بمختلف برامجها السِّياسية وألوانها الفكرية وفي المُقابل تعجُّ البُلدان والأقطار والزِّقاق والحارات بالجِّياع والفُقراء منْ أبناء الطبقة البروليتارية الكادحة التي يقتاتُ مِنْ لحومِ عُمالها البرجوازيون والرأسماليون الذين تفوحُ رائحتهم النَّتنة من بزاتِهم وأناقتِهم المذمومة.ناهيك عنْ الاضطهاد المُمارس بحقهم ولكنِّي أقول لهم ستمحقُكم إرادةُ وعنفوان هذه الطبقة المُكافحة فآن الأوان لكي يقرعوا جُدران الخزان. أما انحطاط السِّياسة فحدث ولا حرج، حُكومات رجعية وقمعية تُصلِّ وتسجدُ لراعية الرَّأسمالية،تُنفذُ سياساتها بدءاً من إلهاء الشعوب ومُحاربة الفكر والاعتقال السياسي لُمجرد تفُّوهك بكلمة وتمريرُ برامج التَّجهيل وهدم القيم العربية الأصيلة ونسفُ البناء الأخلاقي وضياع الشباب العربي وسجون تعجًّ بالمُعارضين بل بالخّونة كما يُسمّونهم وِفق ثقافتهم الاستبدادية والقمعية التي تأّسِر الأفواه إذا ما انبسَّت بكلمة وفكرة ضد. ونزيدُ من الشِّعر بيت بل أبيات، البناء المُجتمعي والأسري الذي هو محور حديثي في هذا المقال المُوجز فيكادُ ينفَطر القلب لِوصفِ هذا الحال فبعد ما كان العالم العربي جسداً واحداً مُتماسكاً يشدُّ بعضه بعضاً أصبح جسداً كهلاً هشّاً رثُّ القَوام هزيلُ البناء. شُعورٌ مُؤسِف، إنَّ النَّسيجَ الاجتماعي هذه الأيَّام هشَّاً وَهِناً مُهترئاً كأيَّامنا هذه! واقعٌ اجّتماعِي رثّ عالمٌ عربي يغرقُ بالنَّعِيق والغِربان والنِّفاق والفَوضي العلانِية والصَّامتة. عالمٌ يفتقدُ لأدّني أُسُس القِيم والبِناء الأخلاقي الدِّيني والحضاري والسُّلوكي. أصبح العالم العربي يعيشُ حالة من الاغتراب بمختلف أبعاده ومظاهره المُمثلة في العجز واللامعني واللامعيارية والعزلة الاجتماعية واغتراب الذات واللاهدف والتمرد والتَّشيو. فالبناء المُجتمعي اليوم يعيشُ حالة من الأنوميا أواللامعيارية فهي حالة تصيب المجتمع، حالة انهيار المعايير التي تنظم السلوك وتوجهه بحيث تُصبح هذه المعايير غير مؤثرة ولا تؤدي وظيفتها كقواعد للسلوك. فأصبح العالم العربي يغرق في حالة غرق القيم في خضم الرغبات الخاصة والباحثة عن إشباع بأي وسيلة. فالداءُ المجتمعي اليوم يستفحلُ في الأمة يوم بعد يوم وساعة بعد ساعة إذ يعيش الفرد العربي حالة توقُّع كبير لأشكال السلوك التي أصبحت مرفوضة اجتماعياً وغذت اليوم مقبولة تجاه أي أهداف، أي أنَّ الأشياء اليوم لم يعد لها ضوابط معيارية، ما كان خطأ أصبح صواباً وما كان صواباً يُنظر إليه باعتباره خطأ من منطلق إضفاء الشرعية علي المصلحة الذاتية للفرد وحجبها عن المعايير وقواعد وقوانين المجتمع. كما واستخدم ميرتون مفهوم الأنوميا علي أنها تصدُّعاً كبيراً في البناء الثقافي يحدثُ خاصة عندما يوجد انفصال حاد بين المعايير الثقافية والقدرات الاجتماعية والبنائية لأعضاء الجماعة للعمل معاً. فنجدُ الحال العربي اليوم مُفكَّكاً ركيكاً يفتقد إلي روح العمل الجماعي والتطوعي ويعيشُ الشباب العربي حالة من الفراغ وفزع شبح البطالة لإنعدام المعايير الضابطة لحقوق فرص العمل داخل المجتمع وفق التسلسل القانوني والأخلاقي والإنساني فانتشرت الواسطة والمحسوبية وتفشَّي في المجتمع داءُ البطالة وضعف سوق العمل والتَّكدس الوظيفي وانعدام المعيارية والنزاهة الوظيفية. كما وتراجع المستوي الثقافي للنشء إذ أصبح دور وزارات الثقافة والإعلام لا يتعدي الاحتفاليات العامة جداً والمحافل الوطنية، ناهيك عن انخفاض مستوي القراءة في العالم العربي إذ تجد المكتبات تستصرخ ويكادُ يقتلك الغبار المُكدَّس علي الكُتب والمراجع التي لم تُفتح طياتُها بعد. بالإضافة إلي ذلك كله أصبح العالم العربي يعيش حالة من التَّشيؤ إذ يشيرُ هذا المفهوم إلي التَّسليم أو البيع فإنَّ الإنسان الذي يجعل نفسه عبداً لآخر إنسان لا يسلم نفسه وإنَّما هو بالأحري يبيع نفسه من أجل بقائه علي الأقل. فيشتمل هذا المفهوم علي معنيين أحدهما إيجابي والآخر سلبي،أما المعني الإيجابي فهو أن يسلّم الإنسان ذاته إلي الكُل في سبيل هدف نبيل وهذا ما نفتقده وينقُصنا في أقطارنا العربية والمعني الآخر السلبي فهو أن ينظر الإنسان إلي ذاته كما لوم كانت شيئاً أو سلعة يطرحها للبيع وهذا النوع من التَّشيؤ يفقدُ الإنسان فيه من خلاله ذاته ووجوده الشرعي الأصيل وفقد إحساسه بهويته ويشعر بأنه مقتلع حيثُ لا جذور تربطه بنفسه أو واقعه. فعالم التَّشيؤ عبارة عن عالم علاقات اجتماعية بين أشياء تتسم بخصائص البشر،ومن ثمَّ يُصبح البشر في حوزة الأشياء وتنشأ علاقات اجتماعية بين الأشياء وعلاقات مادية بين الأفراد، الأمر الذي يؤدي إلي أن يمنح البشر ثقتهم للأشياء وليس لبعضهم البعض وإلي أن تصبح الثقة ذاتها - وهي من خصائص الذات الإنسانية - خاصية للأشياء الطبيعية من حيث هي مستقلة عن الإنسان. فالتَّشيؤ يكشف عن عدم التكافؤ بين مَنْ يخلق الحضارة وهو العامل ومن يستثمرها وهو الرأسمالي وكل منهما يمثل أشياء متشخّصة فيغترب الإنسان. ومعني ذلك أنَّ العامل في الوقت الذي فيه ينتج الحضارة فإنه ينتجها في شكله المُغترب ويلزم من ذلك أن الحضارة في تناقض مع الإنسان وهذا ما وودتُ الوصول إليه بأنَّ العمران الحضاري الذي تنعم به الأقطار العربية ليس انعكاساً لصحة العقل العربي وسلامته النفسية والمجتمعية فما هو إل تناقضاً مع البناء النفسي وصراع كبير. فخلاصة القول بالرجوع إلي البناء الحقيقي والقويم للفرد والأسرة وإعادة بناء وتأهيل المجتمع وتعزيز القيم والأخلاق وإرساء المبادئ والعدالة المجتمعية وتعزيز قيم المواطنة لكي يؤمن كل فرد في هويته العربية والقومية ويعود المُجتمع مُتماسكاً مترابطاً نسيجاً متنوعاً قوياً رغم اختلاف ألوان هذا النسيج المجتمعي. مرجع لهذا المقال: سيكولوجية الاغتراب،عبد اللطيف خليفة،دار غريب للطباعة والنشر،2003
#علاء_أبو_جراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التَّربية بالحُب
-
جامعةُ القُدس المفتوحة .. قصَّةُ نجاح كُوسموبوليتي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|