حسين جمو
الحوار المتمدن-العدد: 1251 - 2005 / 7 / 7 - 09:11
المحور:
القضية الكردية
تفرض القضية الكردية نفسها على الشرق الأوسط بعد فترات طويلة جداً من الثورات و التمردات , و التي رغم قوتها إلا أنها لم تصل إلى الدرجة التي تستطيع فيها إيقاف اللعبة الدولية بحق الكرد منذ بدايات القرن الماضي .
لكن النظام العالمي الذي أدار اللعبة تلك, بدأ هو نفسه بالدخول في أزمة " قيمية" و حضارية ربما تستدعيه إلى التوقف عن إدارة عجلة المآسي بحق " بعض " كردستان , وهو ما يلزمه القيام بخطوات مماثلة في كل المناطق التي استمتع الرأسمال فيها بمآسي الشعوب .
و للخروج من هذه الأزمة التي يمكننا تعريفها بأنها عملية أو حصيلة تراكم الأخطاء و الظلم إلى الدرجة التي بقيت فيها الأخطاء الغير مرتكبة بحق الشعوب غير متوفرة , و بالتالي لا بد للنظام الداخل في الأزمة من عدم تكرار الظلم في مكان واحد على الأقل , وهو ما يستدعي الدخول ربما في مواجهات مباشرة مع ظواهر الدكتاتوريات المرافقة لبروز الولايات المتحدة كامبراطورية , مثلما حدث في يوغسلافيا و العراق و. ويمكن تفسير العقاب الأميركي لهذه الدول و ربما دول أخرى قادمة كنتيجة لعدم قدرة هذه الدكتاتوريات على تطوير القمع بصورة لا تحمل المسؤولية لمركز النظام و هو هنا الولايات المتحدة .
مثل هذه التغييرات في مركز النظام يستدعي إلى تغير في العلاقة مع الدول المرتبطة بها و التي تستند على ميراث لا شرعي ., وهي هنا الدول التي منحها النظام الرأسمالي الاستعماري أراضي كردستان .هذه الدول بالمقابل تبدي مقاومة تجاه مثل هذه التغييرات . إذاً , النظام و أطرافه بدؤوا يدخلون في مواجهة نتيجة عدم الاتفاق على درجة المرونة المطلوبة في التعامل مع التسارع الذي تفرضه العولمة والتي هي عملية ضغط للزمان و المكان . ونجد مثلاً , أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لا تخدم الإستراتيجيات التركية . و النتيجة أنه في محاولة الولايات المتحدة النفاذ من أزمتها بشكل انفرادي و عدم استعداد حليفتها تركيا دفع ثمن ذلك , كانت النتيجة نشوء هرم من الأزمات الممتدة داخل العلاقات المسيرة للنظام برمته.
وتبرز مثل هذه الأزمة في تركيا على شكل محاولة العودة إلى الحرب مرة أخرى ضد (PKK) نتيجة عم قدرتها على القيام بالتحول الديمقراطي , و بالتالي الحصول على التبريرات اللازمة لاستمرار القمع و تأخير الحل الديمقراطي للقضية الكردية كون بنية النظام التركي لم تكن صاحبة الفكر ة الديمقراطية للقضية الكردية . و بالنهاية هي تحاول إطالة عمرها عبر الهروب إلى داخل الأزمة التي تعيشها تركيا على كافة الأصعدة , و يصح بأن نقول أنها نموذج مصغر من أزمة النظام العالمي و مكملة له .و ما حادثة قتل المواطن أيوب بياز و هو مقيد اليدين على يد الأمن التركي في الشارع إلا أحد الأمثلة على مدى عمق الأزمة النفسية التي يعاني منها الفكر السياسي التركي الحاكم .
و الولايات المتحدة تبدو اليوم غير مستعدة على مساعدة أنقرة في حربها ضد " ديار بكر " لأنها تعيش في أزمة محاولة تطبيق القيم التي تعتبرها نتاج فلسفتها السياسية الخاصة , بعد سنوات طويلة من تحويل هذه القيم في الحرية و الديمقراطية لخدمة السيطرة و الربح.بالاضافة إلى أنها أحوج ما تكون إلى القوى الديمقراطية الحقيقية في المنطقة , ويشكل الكرد طليعة هذه القوى الديمقراطية باعتراف أمريكيين أيضاً , نتيجة للجهود و النضالات العظيمة التي بذلها الكرد في سبيل تنظيم أنفسهم و تحولهم إلى القوة الديمقراطية الضاغطة على القمع , بحيث أمكنهم التقدم بسرعة تفوق قدرة الخصم على التراجع .
ما نحتاج إليه الآن هو الفهم العميق للأزمة الحضارية عالمياً و إقليمياً للنفاذ منها محلياً . وهو ما يستدعي من القوى و الأحزاب الكردية إبداء موقفها ,و الكشف عن المساحة التي تستطيع الحركة فيها ضمن هذه الأزمة الفوضى التي ربما ستحدد شكل النظام العالمي لسنوات طويلة قادمة. لكن ما نشهده حالياً يشير إلى ضعف فكري فادح لعموم الحركة الكردية في المنطقة , من مبدأ عدم أخذها لقيمة التراكم النضالي و الثوري في أي جزء من كردستان و تأثيرها على القيمة النضالية في جزء آخر. و بالتحديد الأحزاب الكردية في سوريا , و التي هي عاجزة حتى الآن عن إبداء موقفها من العمليات العسكرية التركية ضد(PKK) في الوقت الذي أدان فيه مثقفون و سياسيون عرب و أتراك هذه العمليات في اجتماعات خاصة , و نقول بأن ذلك عجز لأنه ليس من الفكر و لا المنطق السياسي تقييم نشاطات (PKK) السابقة و الحالية دون معرفة تراكم الظلم الذي تعرضوا له, ودون الأخذ بعين الاعتبار درجة انحطاط الانسانية في كردستان, ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان الأمر صدفة التطابق أو التماهي ما بين مواقف هذه الأحزاب و بين المنطق السياسي الأمريكي تجاه أكراد تركيا.لكن لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه لا توجد أزمة عميقة لدى معظم الأحزاب الكردية السورية , و إلا ما معنى البكاء على كردي يقتل في أربيل على يد إرهابيين , ومن ناحية أخرى الخجل من الاعتذار لتركيا رسمياً لأنها لم تصدر(هذه الأحزاب) بياناً تدين فيه الأعمال الإرهابية ل(PKK) عندما يقتل الكرد في مدنهم و قراهم على يد الجيش التركي .
مثل هذا التناقض يجعلنا نعتقد بأن هذه الأحزاب تفتقر إلى التراكم النضالي و أحياناً ترفضه, وقاصرة عن تعريف الظلم المتراكم على الكرد و تفسيره , و هي بهذا تكشف عن مدى الاغتراب النضالي و السياسي الذي تعيشه . وفي حال البقاء ساكناً هكذا داخل الأزمة فإن كردستان ستكون مرة أخرى ميدانً ملائماً لممارسة الألاعيب فيها من قبل القوى الدولية و الإقليمية, و ستكون أيضاً مليئة بالقوى الكردية المؤهلة لتتواطأ. و التوطؤ ليس من الضروري أن يأخذ شكل صفقة سياسية بين تركيا و أحزاب كردية , و إنما مجرد التجاهل بأن هدف الأكراد في تركيا ليس شن حرب جديدة و إنما إنهاء الحرب المستمرة تبدو كافية .
حتى الفرار من المعركة يمكن أن يخلق ضجة كبيرة في صفوف الخصم , لذا فالصمت في زمن التحولات و الثورة هو أعلى درجات التوطؤ .و السبيل الذي يمكن أن يقودنا إلى عدم التورط في الوقوف مع القوى المعادية للديمقراطية و بالتالي للشعب الكردي هو الالتزام بمبدأ عدم الدخول في مقاومة عمياء ضدها , و لا القبول بوفاق لا مبدئي معها .
#حسين_جمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟