جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 15:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
زمان, كان كل ما يحدث في الكون يقع في داخل مساحة إهتمام العراقيين.
كانوا يتابعون أخبار الحرب الباردة بين السوفيت والغرب من كوبا وحتى جدار برلين عبورا إلى اليمن الجنوبية وصومال محمد سياد بري وأثيوبيا منغستو مريام.
أما خارطة الصراعات الفلسطينية فيمكن لكثير من العراقيين ان يتحدثوا لك عن ابرز نجومها وبداية من ياسر عرفات ووصولا إلى أحمد جبريل وعبدالرحيم أحمد ومرورا بنايف حواتمة والحكيم جورج حبش
وخبرتهم في الجغرافية لم يستمدوها من أطلس ملون وإنما من خلال نقلاتهم المعرفية اليومية ما بين جبال الأوراس ومعارك الثورة الجزائرية في الجزائر إلى الصحراء المغربية التي قاد ثورتها البوليساريون من أجل قيام دولة مستقلة عن المغرب إلى مضيق هرمزالذي يمر به أغلب النفط الخليجي إلى غابات بوليفيا التي شهدت مقتل ثائر العصر الخمسيني والستيني تشي جيفارا. ولو سألت عراقيا من ايام زمان عن سياسي الجزائر مثلا لعدَّ لك بسرعة أكثر من عشرة اسماء لزعامات تبدأ بإبن بلا وتصل إلى بو تفليقة اللي ما يريد ينطيها بعد أن قرر الترشيح لدورة رئاسية رابعة.
اليوم, ورغم أن العالم قد تكور وتغوغل وتَفَيَّس داخل شاشة صغيرة في أي لابتوب أو آي باد أو آي فون, إلا أن كثيرا من العراقيين ما عادوا يعرفون أين تقع فنزويلا, ليس لأنهم قد اضحوا ناقصي عقل, وإنما لأن المشاكل والهموم والمصاعب الذاتية التي أحاطت بهم في العقود الأخيرة قد جعلتهم يفقدون قدرتهم على المتابعة وحتى على التركيز, فلقد تراجعت الأسماء التي يحفظونها والجغرافيات التي يعرفونها, وربما صار كثير منهم لا يحفظ من الأسماء إلا ما هو بعدد الأصابع, وهي عبارة عن ثنائيات ضم قسم منها اسماء مثل بوش وصدام, أو علاوي والمالكي, أو الطالباني والنجيفي.
إني أخشى على العقل العراقي السياسي والثقافي أن يتراجع إلى أكثر مما هو عليه الآن , إذ أن كثيرا مما هو عليه وضعنا الحالي ينبئنا بأننا ركبنا حقا في آلة زمنية تكفلت أن ترجعنا إلى معارك القرن الأول هجري بثنائياتها المعروفة آنذاك. وبكل التفاصيل التي شهدها عصر الصحابة.
أما العلم فيقول إن نسيان ما يجري في الحاضر وعدم القدرة على متابعته مقابل إستذكار أحداث التاريخ السحيق ما هو إلا إحدى الدلالات الأكيدة على مرض الخرف الذي يعاني منه بعض الشيوخ.
ومثلما يمرض الأفراد كذلك تمرض المجتمعات والأوطان والأمم.
ومشكلتنا كمجتمعات وأوطان وأمة أننا شخنا قبل ان نبلغ سن الرشد أو سن الرجولة.
ولقد بلغنا سن الخرف مبكرا.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟