|
التدين والالحاد وما بينهما ...حوار مع الاستاذ سامي لبيب
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 15:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد قَرَنتُ في عنوان مقالي أعلاه ، الالحاد بالتدين وليس بالدين ، لأنني أعتقد بأن التدين هو تمظهر فهم واستيعاب الدين لدى الفرد المؤمن وتأثيره على سلوكه ، مُعتقداته وممارساته الحياتية ، فليست كل مظاهر التدين مُتشابهة عند كل المؤمنين بدين واحد مُعين ، رغم أنهم يتفقون على نص مقدس مُؤسس واحد ، ويختلفون في التفسيرات والتأويلات ، وكذا الالحاد فهو تمظهر المُعتقد في نفي القوة العليا ، في السلوك والمُمارسات الحياتية . فكما أن المُؤمن يسلك سلوكا ما من دوافع التزامه بتعاليم دينه التي تطلب منه ذلك ، فكذا المُلحد يسلك سلوكا مُعينا من واقع اعتقاده بأن هذا ما يُمليه عليه مُعتقده .. وللتوضيح ، فأنا أميل الى الاستعانة بمثال ، على سلوك ايجابي ، وكيف يتعامل المؤمن والمُلحد ، بنفس النمط ، والمثال هو التعامل ، مع قضية كرامة الانسان ، بشرط أن يكون السلوك مُنطلقا من ايمان "حقيقي " لدى المؤمن بما يعتقد . فالديانة اليهودية أُم الديانات التوحيدية ، ومن واقع اعتقادها بأن الانسان مخلوق على صورة الله ، تطلب من المؤمنين بها أن يتعاملوا باحترام مع الانسان ، اي انسان ، وكذلك الملحد الذي يؤمن بأن الانسان هو كائن له خصوصياته وحيزه وقيمته الانسانية ، يتعامل معه باحترام ويحفظ كرامته الانسانية . لكن لا يتعامل كل المؤمنين بنفس الاسلوب ، بل نشأت في رحم الاديان طروحات أُصولية تفترض في اتباعها الكمال وفي مُخالفيها النقص . وكذا في كل الفلسفات او الفكر الاصولي ، الإقصائي والشوفيني القومي . ولعلنا ، وأقصد كل منتقدي الفكر الديني، نتعامل مع النصوص الدينية بنوع من القداسة ، ليسهُل علينا نقدها وتفنيدها وتحميلها كامل المسؤولية عن التخلف ، لكننا ننسى في حمية نقاشنا بأن الدين هو جزء من ثقافة شعب أو أُمة ، لكنه ليس كل الثقافة . ولعلي تطرقت الى هذا الجانب في مقالتي عن ختان الاناث ، فهو موروث ثقافي فرعوني ، لكن ولكي يتحول الى فريضة دينية اسلامية ، أوجدَ مُمارسوه نصوصا دينية تُسانده ، بينما قسم كبير من المسلمين لا يُمارسه بل ويمقته ، ولا يرى في ذلك ، نقصانا في دينه . ولهذا أعتقد بأن التشابك والتكامل الذي حصل بين الدين والموروثات الثقافية السابقة واللاحقة له ، هو ما أنتج هذه البلبلة لدى ابناء ثقافة ما ، بحيث لم تعُد تستطيع التمييز بين الموروث الاجتماعي والموروث الديني . يقول الاستاذ سامي لبيب ، في مقالته الهادفة الى تداخل القراء والكتاب ما يلي : " نخطئ كثيراً عندما نُعزى تخلف وتردى حال الشعوب العربية إلى غياب الحريات والديمقراطية وتسلط أنظمة حكم إستبدادية أو غياب التخطيط والإدارة فكل هذه الأمور تمظهرات لحالة التخلف العربية وليست السبب الحقيقى المُنتج لها , فسبب التخلف والتردى يعود إلى تغلغل ثقافة دينية فى النسيج الفكرى للمواطن العربى , فالتخلف هو تخلف ثقافة أى أنماط ونهج تفكير وطرق معالجات ذهنية وسلوكيات ومن هنا يتأسس كل العوار والخلل فلا أمل فى أى تقدم وتطور بدون مواجهة حقيقية للموروث الثقافى الذى يؤصل التخلف فى منهجية حياتنا. " وهو بهذا يخلط بين الموروث الثقافي والدين ، فالدين في جوهره هو فكر ، تستطيع الاتفاق معه أو مُخالفته ، لكن المُشكلة تكمن في تمظهر هذا الدين ،اي التدين ، المُتأثر بالموروث الثقافي أو البنية الثقافية لشعب أو أُمة . والموروث الثقافي الذي فرضته الطبقة الحاكمة ومنذ تأسيس أو ظهور الديانات ، يُقرر بأن الدين الرسمي هو الهدف بحد ذاته وليس وسيلة "لسعادة " الانسان . فالحروب الدينية ، ولا يهم أي دين خاضها ، هي حروب من أجل ترسيخ وتثبيت السلطة والطبقة الحاكمة ، ولكي تُعزز انتصارها الذي أحرزته في المعارك ، خلقت نظريات دينية ، تمسح السلطة الدنيوية – الدينية بمسحة من القداسة وتحمي الدين الرسمي الذي تحول الى هدف بحد ذاته من النقد . وبما أن الأمم تتوارث المقدس ، فلم يكن من السهل "نزع " القداسة عن أفعال السلطة السياسية ، خاصة وأنها جندت لذلك عقولا وانفقت اموالا ..وحاربت من اجل تكريس سلطتها وترسيخ "أقدامها " . ولنعد الى الوضع العربي- الاسلامي الراهن ونسأل ، هل تخلص العرب من ثقافة البداوة ؟ من ثقافة تقول بأن "الشيوخ لا يُخطئون " وهؤلاء الشيوخ هم شيوخ القبيلة . الم نزل نستعمل امثالا تُكرس فوقية "الكبير " القائد والحكيم " اللي ما الو كبير ما الو تدبير " ، وبالترجمة الى العربية الفُصحى ، من ليس له قائد فهو ضائع ..!! المُشكلة ثقافية في الاساس والدين كهدف الوجود وليس الانسان ، أحد أجزاءها. فكرة القائد ، الزعيم ، الملك ، الفرعون الاله ، هي فكرة قديمة قدم البشرية ، استطاعت شعوب التخلص منها أو التحرر من قيودها ، لكن شعوبا أخرى ما زالت مُكبلة بها . لكن طرح الموضوع بطريقة ، من يسبق من ، الدجاجة أم البيضة ؟ هو طرح تعجيزي ، فالديموقراطية ، الحرية والتعددية هي شروط للتحرر من التخلف الثقافي بما فيه الموروث الديني الداعي الى التخلف . وبالعودة الى دولة ديموقراطية معروفة اسمها اسرائيل ، فلم تكن بحاجة الى التحرر من الموروث الديني اليهودي ، بل كانت الديموقراطية ، الحرية والتعددية الثقافية ، وسيلتها لبناء مجتمع متقدم علميا ، رغم وجود الموروث الديني اليهودي . فالمُتدينون اليهود منهم من هو ضد كل اشكال العلمانية والتحضر ويُنادون بدولة دينية وكذا المُستوطنين الذين يعتبرون الارض أكثر قداسة من الانسان ، لكنهم يعلمون بأنهم يلعبون لعبة الديموقراطية ، والتي تخدمهم .. فالصهيونية التي يتغنى بها الكثير ، ليست فكرا الحاديا ، بل فكر يعتمد على "مشروعية دينية " ، لكنها تؤمن بالديموقراطية ، الحرية والتعددية . المُهم احترام الانسان وكرامته ، صون حرياته الشخصية ، بما فيها حرية المعتقد ، واحترام التعددية ، هي الضمانة للقضاء على التخلف . لن يحصل التقدم فقط بالقضاء على الاديان ، أو التحول الى الالحاد ، بل باحترام الحريات وتقبل المُختلف ، والتعددية الفكرية .
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوكمة أم عقلنة ؟؟ تداعيات على مقال الاستاذة عايدة سليمان ..
...
-
ختان الاناث بين السادية والمازوخية
-
الناصرة وأزمة الحزب الشيوعي الاسرائيلي ..
-
كلمات على ضريح مجهول ..!!
-
ما هو السبب الحقيقي لتشظي أحزاب اليسار ؟؟
-
الأُسرة كوكيل أساسي في التربية للتعددية ..
-
ألمُمانعة والصمود ..بين بيرؤوس وبشار..!!
-
اليسار الالكتروني ( 2): وسائل تقليدية في عالم مُتغير ..
-
مشاكسات : اليسار الإلكتروني – الحوار المتمدن نموذجا
-
ال---- هو هي ، الحل ..؟!!
-
وأخيرا غرقت سفينة - نوح- ..!!
-
وظُلم ذوي القُربى ..شكرا للزميل غسان صابور.
-
الخُوار المُتَخلف ..!!
-
مُعاداة الشيوعية وهزيمة الاشتراكية ..
-
الذبح الحلال..
-
ظلال الجبال ..والاصطفاف ضد الاخوان .
-
ايغور ، بافل والمُستهلك العربي ..
-
- جرائم شرف -..أم جرائم قتل ؟؟!!
-
ألثُمُ أطرافَ رِدائك ..
-
مأساة ماركس ..!!
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|