|
دعوة لوقف تداعيات مقتل الشهيد محمد بديوي الشمري
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 12:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن العراقيين لم تكفهم ما لديهم من أزمات متراكمة تكاد تهد الجبال، فيصرون على خلق المزيد منها وبمختلف الوسائل والمستويات. فكل أزمة جديدة تفتح باباً لأفعال وردود أفعال أشبه بتسلسل التفاعل الكيمياوي chain reactions)). وآخر هذه الأزمات، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، هي مقتل الصحفي، ومدير مكتب اذاعة العراق الحر، والأكاديمي في جامعة المستنصرية ببغداد، الدكتور محمد بديوي الشمري الذي قتل بنيران ضابط في الفوج الرئاسي في منطقة الجادرية وسط بغداد في وضح النهار وأمام الأشهاد، على أثر مخالفة مرورية أدت إلى ملاسنة بين الضحية ومجموعة تابعة للفوج الرئاسي. لا نريد أن نعمم هذه الحادثة المأساوية للخروج بقوانين عامة على العراقيين بأنهم يميلون إلى العنف أكثر من غيرهم من الشعوب الأخرى، ولكن يصح القول أيضاً أن هذه الجريمة هي ليست فريدة من نوعها، بل تتكرر في جميع أنحاء العراق وبأشكال مختلفة، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة. لذلك أعتقد أن هذه الجريمة البشعة تكشف لنا عن مدى شحنة الغضب والاحتقان لدى العراقيين بحيث صار إطلاق الرصاص على الآخر في مقدمة الوسائل لحل أتفه الخلافات مثل حادثة مرورية. ولا نغالي إذا قلنا أن هذه الحادثة وآلاف غيرها نتاج التركة الكارثية التي ورثها العراق من العهد البعثي الساقط. نعم سقط النظام البعثي الصدامي ولكن آثاره النفسية والاجتماعية والأخلاقية المدمرة ستبقى مع هذا الشعب إلى أجل غير معلوم. والمؤسف أن هذه الحادثة وفرت الفرصة للعديد من الكتاب الذين يستغلون هذه المناسبات للتصيد بالماء العكر للهجوم على النظام الجديد. فهناك من استغل الحادثة أن القاتل كردي والمغدور عربي، لصب الزيت على الصراع بين القوميتين، وكأن الجريمة أرتكبها الشعب الكردي ضد العرب في العراق وليس تصرف شخصي أرعن. ومن هنا فقد برزت النزعة القومية الشوفينية لدى البعض من الطرفين ليزيدوا النار اشتعالاً. وكمثال، فقد بعث لي صديق كردي عزيز، مقالة لكاتب محسوب على الكرد مصاب بهوس العداء ضد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي إلى حد أن تحوَّلَ هذا العداء من اختلاف أيديولوجي إلى عداء شخصي بحيث صار كل ما يفعله رئيس الوزراء ويصرح به في أي مجال هو جريمة كبرى في نظره، وبذلك يحاول هذا الكاتب وأمثاله تحويل الأنظار عن الجريمة وتكريسها على المالكي. فالكاتب يستكثر على رئيس الوزراء الحضور إلى مكان الحادث فيقول: ((لم نرى السيد المالكي حريصا على الدم العراقي إلا اليوم حيث انتظره الجميع ليرفع جثّة الشهيد المغدور بيديه "الكريمتين" كدعاية انتخابية ويا ليته لو اكتفى بذلك، بل رأيناه منفعلا ليضيف الى طائفيته وعشائريته، بداوته بأبشع صورها متناسيا انه على رأس اعلى سلطة تنفيذية بالبلاد ليقول "الدم بالدم")).
فمن يتابع عناوين مقالات هذا الكاتب وأمثاله من أدعياء التقدمية والديمقراطية والعلمانية، يرى أن كل ما يفعله المالكي يرقى إلى الجريمة في نظرهم. فإن حضر موقع الجريمة خطأ، وإن لم يحضر فهو خطأ ايضاً. وإن وقعت جريمة إرهابية سرعان ما انتقدوا الحكومة واتهموها بالضعف وعدم القدرة على حماية أرواح الناس، وإن حاربت الحكومة الإرهاب، دافعوا عن الإرهابيين صوروا العملية بأنها صراع بين شعب محروم من حقوقه المشروعة وبين جيش المالكي الصفوي!!! حتى أدى موقفهم المخزي هذا إلى وقوفهم إلى جانب القاعدة وداعش (وهم فلول البعث)، وهو أمر معيب. ولذلك فهم ضد المالكي في جميع الأحوال حتى رد أحد القراء (السيد علاء جاسم محمد) على صاحب المقال حيث شبه موقفه وأمثاله من المالكي بحكاية جحى الذي اشترى حماراً وكان بصحبته ابنه فركب هو ومشى ابنه فقالوا له: كيف تركب وابنك الصغير يمشي.. فمشى هو وركب ابنه الحمار فقالوا له: كيف تمشي وانت رجل كبير وابنك يركب. فركب الاثنان، فقالوا: كيف تركبان على الحمار المسكين فنزل هو وابنه ومشيا معا فقالوا: لمن اشتريت الحمار وانت وابنك تمشيان.." إلى آخر االحكاية الشعبية المعروفة ذات دلالة، فرضاء الناس غاية لا تدرك.
لا شك أن الجريمة بشعة، وهي تختلف عن بقية الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون. لأن الإرهاب يرتكبها أشخاص مجهولون وغير منظورين، رغم معرفة الجميع بأسماء تنظيماتهم ومن يدعمهم بالمال والسلاح والإعلام. ولكن هذه الجريمة ارتكبها أناس من تنظيم عسكري (بيشمركة) محسوب على جهة رئيسية مشاركة في السلطة، هم حماية رئيس الجمهورية، والمفروض بهم حماية أرواح الناس وممتلكاتهم من الإرهاب، لا الاعتداء على مواطن بريء بضربه وطرحه الأرض ليأتي نقيب عسكري فيطلق الرصاص على رأسه بدم بارد. هل حياة العراقيين رخيصة إلى هذا الحد بحيث يمكن قتله لأتفه الأسباب وكأن شيئاً لم يكن؟ وإذا ما حاول رئيس السلطة التنفيذية أن يحضر مكان الجريمة، وهو معرض للقتل من قبل الإرهابيين أكثر من أي شخص آخر في العراق، وصفوا حضوره وتصريحاته بالبداوة والعشائرية والطائفية ومن أجل الدعاية الانتخابية؟ فكل ما قاله رئيس الوزراء في هذا الخصوص أنه يجب تسليم القاتل ليحاسب أمام القضاء وينال جزاءه العادل. وما الخطأ في ذلك؟ أما قوله (الدم بالدم) الذي وصف بالبداوة والطائفية، فهو لم يخترعه بل هو مبدأ قانوني وارد في القوانين السماوية، والوضعية الجزائية المدنية. وفي جميع الأحوال، فالأمر متروك لحكم القضاء.
لقد حاول البعض تهويل المأساة، وآخر اعتبرها "حادث صغير". ففي الوقت الذي نحذر من التهويل كذلك نحذر من الاستهانة بأرواح الناس، إذ كما علق أحد الأصدقاء على هذه الجريمة: "أنها بشعة يندى لها جبين الكرد و كل المدافعين عن قضيتهم وكل من يتمنى خيرا لهم ....أنها الكفر بعينه ... هذا يتطلب التدخل الفوري والحازم من اقليم كردستان قبل الدولة المركزية لإدانة هذه الجريمة البشعة لان مسؤوليتها الأخلاقية والمبدئية تلزمها بذلك وإلا ستوضع يالتساوي في خانة المليشيات والعصابات المستهترة السابقة واللاحقة و يجب عليها تسليم المجرم للقضاء وتعويض عائلة الفقيد والحق العام بما يناسب الحدث وإعلان ذلك على الملأ.." وفي نفس الوقت يجب عدم تحميل الجريمة على الكرد كقومية، وحسناً قالت كتلة إئتلاف دولة القانون عن الجريمة (أنها لا تحمل ابعادا قومية.) كما وسارعت قيادات كردية معروفة بالعقل والحكمة، إلى احتواء الأزمة مثل السيد فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان حيث أدان الجريمة وطالب بتسليم المتهم للمسؤولين. وهذا ما تم فوراً بدون تلكؤ.
خلاصة القول، إن قتل أي إنسان بريء، وبهذه الطريقة وخاصة على أيدي مسؤولين عن حماية أرواح الناس، تعتبر جريمة بشعة لا يمكن تبريرها ولا الدفاع عنها وتحت أية واجهة. عزاؤنا الحار لعائلة الشهيد الدكتور محمد بديوي الشمري، ولكافة ذويه وأصدقائه وتلامذته، وله الذكر الطيب. ولتكن هذه المناسبة الأليمة فرصة لوحدة الصف بين القوى السياسية الخيرة لمواجهة العدو الأكبر الإرهاب والفساد، ومن أجل وقف النزيف. [email protected] http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ـــــــــــــــــــــــــ رابط ذو علاقة بالموضوع فيديو وتقارير.. مقتل مدير مكتب اذاعة العراق الحر بنيران ضابط بالفوج الرئاسي في الجادرية http://alakhbaar.org/home/2014/3/165037.html
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية نشر البغضاء والفتن الطائفية
-
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ما له وما عليه
-
ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً
-
على العراق أيضاً سحب سفيره من قطر
-
مبادرة علاوي لإنقاذ داعش من الهزيمة
-
لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
-
نهاية البعث في تحالفاته الأخيرة
-
الداعشيان في واشنطن
-
التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
-
الدعم الدولي للعراق يفضح حماة الإرهاب
-
شاكر النابلسي في ذمة الخلود
-
من المستفيد من توجيه تهم الفساد إلى الشخصيات الوطنية؟
-
هل حقاً أهل السنة من أنصار يزيد؟
-
نواب يمثلون الواجهة السياسية للإرهاب
-
تحية لجيشنا الباسل في حربه على الإرهاب
-
البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
-
إعمار العراق ولعبة الشركات الوهمية
-
مانديلا في مسيرته الطويلة إلى الحرية
-
الانتخابات القادمة والحملات التسقيطية
-
الاتفاق النووي الإيراني انتصار للعقل والاعتدال
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|