|
ما قبل الحداثة
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4402 - 2014 / 3 / 23 - 20:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ما قبل الحداثة ******** طبعا هناك هوس كبير باستيراد جميع ما يصدر عن الغرب ، ومن الأكيد أن هناك نوعان من الاستيراد ؛ استيراد سلبي وآخر ايجابي . لكن المؤكد أن المجتمع العربي بجميع طبقاته لايستورد في معظمه الا المنتوجات السلبية ، الا قلة نادرة هي التي تستورد ما هو ايجابي . والدليل هو الواقع الذي لا يرتفع . منذ أن احتك المثقف العربي بمفهوم الحداثة وهو يحاول جاهدا التبشير به ، وبثه لقرائه والعمل باستماتة على الدفاع عنه ، في شيزوفرينية واضحة . فسقطت الحداثة في المجتمع العربي وفي الدولة العربية سقوطا مروعا . وقد كان من أهم أسباب سقوطها انها لم تُطرح كمشورع له مداخله وآليات تصريفه ، بقدر ما كانت اما كصهوة لتسويق خطاب براق ومثير ، أو كنوع من الانبهار بما حققه الغرب من فتوحات في جميع الميادين باسم الحداثة . المجتمع الذي لم يتحرر بعد من هيمنة النظام أو الدولة ، يستحيل وصفه بالمجتمع الحداثي ، كما لايمكن نعت المجتمع الخاضع للفكر السحري الذي يهيمن عليه رجال الدين الرجعيين بالمجتمع الحداثي ، بالاضافة الى خضوعه لهيمنة الدول الامبريالية سواء كانت ذات توجه اشتراكي او راسمالي ، فالغطاء الكبير الذي يجمعهما هو الشمولية والكلية . وهذا ينزع عنه أي ارتباط بالحداثة ، التي تعتبر في المقام الأول ابداعا في أشكال الوجود المؤسساتي والاجتماعي ، واستقلالا عن أي ارتباطات خارجية . لايمكن بعد هذه الاضاءات السريعة وصف المجتمعات العربية بالحداثة ، لأن أساس الحداثة كما يقول آلان تورين هو كون الغرب عاش الحداثة وفكر فيها ، بينما نحن انبهرنا بها وعملنا فقط على استيراد مصطلحها . لمعايشة الحداثة وعيشها او لزرعها في المجتمع العربي يلزم احداث ثورة في الذهنية العربية وفي وجدانها ؛ ثورة ذات خاصية وسمة ذاتيين . وغير خفي على تاريخ تطور الأفكار ، أن رحم الأفكار رحم انساني وغير مرتبط بعرق او جنس بشري ما . والأدلة في يومنا هذا متعددة وكثيرة . ويكفي أن نجيل في ذهننا ما تعرفه مختلف الشعوب الأخرى من تطورات تعكس روح العصر ، بينما نحن نتميز دون العالمين بالاقتتال البيني لفكرة او لحدث مرت عليه قرون طويلة . او نحن لا نزال نجتر طرق وأساليب الحكم الأموية والعباسية ؛ مع الفارق الهائل بين العصر العباسي وعصرنا نحن . في الجوهر وفي الحقيقة ما نزال نعيش عصر ما قبل الحداثة . ومساهمتنا الكونية مساهمة منعدمة ، الا في حالات مد العالم بنعمة صارت نقمة على شعوبنا ، وعلى شعوب العالم . أقصد بذلك نعمة المواد الأولية ، وخاصة البترول . واذا كان العقل هو العنصر المحتفى به حداثيا ، فاننا لانزال بعيدين عن جميع تجلياته . وما قد يشير اليه الكثير من المفكرين العرب بالعقل وهم يرصدون انتاجات العرب الذهنية بالعقل ، ليس الا انطباعا سطحيا عن عادة انسانية قد نصادفها في المجتمعات القبلية والأكثر تخلفا . فالعقل الذي تعامل معه ديكارت وكانط وهيجل وماركس ، هو عقل اضافي مهمته الكشف عن الجديد في العلاقات الانسانية وفي الماهية الانسانية . أما ما نسميه نحن بالعقل فهو معطى جبلي نتصرف به حسب طبيعة الأحوال والمناسبات ، بمعنى آخر انه معطى طبيعي ، لم نعمل على تطويره أو اعادة تأسيسه بما يجعلنا أمة ذات خصائص حضارية في الزمن الذي نعيشه منذ أكثر من قرن . لا يتعلق الأمر هنا بعلاقة الماضي بالحاضر وبالمستقبل ، فالقضية أكبر بكثير من هذه العلاقة السطحية ، التي أرغقها الباحثون رصدا وقراءة دون تمكين الانسان العربي الدخول في روح العصر .ومعلوم أنه لا حاضر بلاماضي ولا مستقبل بلا حاضر . كما ان التطور الانساني يخضع لزوما الى معيار الغربلة ، فما ينفع الناس في وقت ما قد يضرهم في وقت آخر ، كما ان ما يستمر بقوة النفع في خدمة الانسان يستحيل كنسه . الأمر يتعلق بجوهر الكينونة الشخصية ، سواء كانت جماعية او فردية . وهذا الجوهر لا يتحدد بالجغرافيا أو الدين أو العرق ، بقدر ما يتعلق بنوعية الانتاج وفرادته . فكلما أنتجت أمة منتوجا نوعيا فرضت نموذجها على الأمم الأخرى . وقس ذلك على منتوجات الأفراد والدول . في مجتمعاتنا وكما نعيش في كنف تقاليدها وعاداتها ، لايمكن الحديث عن الحداثة أو ما بعد الحداثة الا بالتنصيص على الغرب أو مناطق أخرى من العالم متفرقة، كاليابان والصين والبرازيل . واذا كان العقل هو الشجرة التي تتفرع عنه جميع القوانين والمعارف والعلوم الانسانية . فان قراءة بسيطة لمجمل علاقاتنا سواء كانت أفقية أو عمودية ، تجعلنا نجزم أننا ما نزال نعيش عقل القبيلة ، الذي يتحدد أساسا على القرابة الدموية أو على اوالية الولاء . بدل القرابة الانسانية واوالية العطاء ونوعية هذا العطاء . الى درجة أن الجهل أصبح قيمة يحتفى بها عندنا . وليس من دليل على قيمة الجهل لدينا مستوى حكامنا واللغة التي يتوجهون بها الى شعوبهم . ودليل آخر هو انخراط النخبة المثقفة في لعبة أداء دور الغطاء الواقي لمختلف القوى المهيمنة على المجتمعات العربية وعلى خيراتها . وحين نجعل القضاء العربي معيارا لمساءلة حداثتنا ، فاننا حتما نتأكد من مدى تخلفنا وابتعادنا عن عصر الحداثة ، في وقت تجاوز فيه الغرب مفهوم ما بعد الحداثة ، الى المجتمع الذري الذي يتميز بانفصال شبه كلي عن الجماعة الانسانية والانخراط في علاقات فردانية موغلة في أنويتها، بفعل تفشي ثقافة الاستهلاك ، وثاقفة المظاهر المرتبطة بآليات الاشهار والعرض ..............يتبع
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجدر الاشارة
-
مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا -رواية-2-
-
بعيدا عن ايباك قريبا من ايران
-
مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا *
-
جرائد ليست للقراءة -1-
-
في فهم منظومة الثورة المضادة
-
جديرون نحن بالقتل
-
كيف افهم الحداثة الآن وهنا
-
كل ثقافة وأنتم مثقفون
-
حركة 20 فبراير بالمغرب ، الثابت والمتغير
-
عيد الشعب
-
لا تقلق اني راحل
-
القضاء المغربي وحفاظات وزير العدل
-
دروب الاستعارة طريق الحرية
-
أن نحترق خير من أن نتعفن
-
من يشتري حلمي غيري
-
تناقضات الدستور المغربي بخصوص الجهوية
-
نحو جنيف 3
-
كل السراب مملكتي
-
أوزيريس بصيغة مغربية
المزيد.....
-
السجن 11 عاما لسيناتور أمريكي سابق لتلقيه رشاوى من رجال أعما
...
-
مبعوث ترامب: على مصر والأردن تقديم بديل لرفض استقبال الفلسطي
...
-
المقاومة الفلسطينية وأسطورة ترامب
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|