|
يوم مات حافظ الأسد(1) الإنذار الأول بالزلزال الطائفي
علاء الدين الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4402 - 2014 / 3 / 23 - 17:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أحسب أي سوريٍ تجاوز عمره 25 سنة الآن لا يذكر يوم 10 حزيران من عام 2000. إنه يوم مات حافظ الأسد بعد 30 سنة من حكم سوريا، أو كما قال رياض الترك "مات الديكتاتور" ودفع ثمن هذه العبارة سنين إضافية بالمعتقل بعد 18 سنة بزنرانته الإنفرادية أيام من يراه ديكتاتورا، أو كما قال مروان شيخو في خطاب التشييع أمام جثة حافظ الأسد "لماذا لا تتكلم… أنت تسمعني الآن". لسنا هنا الآن بصدد مناقشة هل كان ديكتاتورا مستبدا ظالما دمويا أم قائدا قوميا مناضلا حاميا لسوريا وفلسطين والعرب. أريد تذكّر هذا الحدث الأضخم في تاريخ سوريا منذ 30 سنة من ناحية أهملها الكثيرون من المؤرخين والمحللين بل حتى أهملتها ذاكرة الشعب السوري رغم دلالتها الضخمة وما أخفته خلفها من كوارث على سوريا تظهر الآن بعد ما يزيد عن عشر سنين من وفاة أبي بشار الأسد. يوم أعلن رسميا عن وفاة حافظ الأسد ساد الشارع السوري مشاعر متناقضة متلاطمة، نقول بدون مبالغة كأمواج بحر هائج. مشاعر تناقضت ما بين حزن عميق وما بين فرح كبير، ما بين أسى كبير وما بين شماتة وتشفي. لكن ضمن هذا الطيف الهائل من المشاعر المتباينة بين أفراد الشعب السوري ساد الجميع شعور هائل بالصدمة والخوف. الصدمة والخوف من القادم وحدت الشعب السوري في موقفه من وفاة "حاكم سوريا المطلق خلال 30 سنة". كان الخوف ناتج عن معرفة -واعية أو غير واعية- أن البنية السلطوية المالية العسكرية الأمنية التي تركها حافظ الأسد خلفه هي بنية لا يمكن التحكم بها إلا من خلال شخص واحد، وقد كان هو هذا الشخص الطوطم لثلاث عقود مضت. وروى الجيل الأعمر بذلك الوقت للشباب الصغير كيف كادت دمشق أن تحترق يوم اختلف حافظ مع رفعت الأسد بالثمانينات وكيف تحرك الجيش والمدافع والدبابات حول دمشق. وفي 10 حزيران 2000 كانت نفس المدافع والدبابات قد تحركت حول دمشق والمدن الكبرى في سوريا. ضمن هذا الخوف من المجهول بين رجالات سلطة حديدية لكل منهم قوته وأصدقاؤه وأعداؤه ضمن نفس هرم السلطة، تحرك خوف غير مفاجيء. انتشر خوف بين العلويين من انتقام ما سيطالهم بعد أن مات جلادهم الذي أقنعهم بنفس الوقت أنه حاميهم. كان خوفا غريزيا طبيعيا نشأ لعدة أسباب أهمها سببان رئيسان: 1- تاريخيا، وخلال القرون السابقة تحت الاحتلال العثماني الظلامي لسوريا الذي طبق كل أشكال الظلم الديكتاتوري الفاسد ضد السوريين مثل غيرهم من شعوب السلطنة بمن فيهم عامة العثمانيين أنفسهم، نال الطائفة العلوية حظ مضاعف من الظلم والاضطهاد، يعود بشكل أساسي للمرارة العثمانية من حروب اسماعيل الصفوي ضد السلطنةالعثمانية في القرن 17. وبما أن العلويين محسوبون على الشيعة فقد نالهم الانتقام أكثر من غيرهم وكذلك الاسماعيليون. وما زالت ذاكرة العلويين مليئة بذكريات وقصص "خوازيق" السلطان عبد الحميد المخصصة للعلويين فقط. هذه الذاكرة لم يمكن محيَها بسهولة من الذاكرة الجماعية العلوية وبقي الخوف من الآخر مستترا في ثنايا العقل الباطن. نفس الخطايا التاريخية التي أصابت كثيرا من الشعوب التي لا تعالج جراح الماضي بوعي التاريخ ونقده. 2- السبب الثاني هو سياسة حافظ الأسد بما يمثله من مؤسسة سلطوية تحت مسمى حزب البعث العربي الإشتراكي. هذه السياسة اتبعت الأسس التقليدية والصحيحة لضمان استمرار السلطة الشمولية والتي تتلخص بمبدأ "فرق تسد"، وسنتابع ببقية الكلام هذه النقطة. هذه السياسة بدأت أولا بمحاربة كل ما أنتجته فترة النهضة الثقافية والوطنية التي شهدتها سوريا منذ الأربعينات إلى الخمسينات تحت شعارات "محاربة الفكر البرجوازي الرأسمالي الإمبريالي الغربي". فمن يقرأ تاريخ سوريا بعناية منذ القرن العشرين إلى أواسط الستينات يُصاب بالذهول لدرجة تعمق مباديء نبذ التمييز الطائفي والقومي في بلد كان يُعد متخلفا مقارنة بقمة الحضارة والقوة في أوروبة والتي كانت للتوِ قد دفعت 60 مليون ضحية تحت شعارات التمييز العنصري والأيدلوجي. • تعود قوة مباديء التسامح الإنساني الوطني أساسا في سوريا إلى العوامل الأساسية: التالية: لما يمكن أن نسميه قانون الجغرافيا الذي فرض على السوريين تقبل الآخر منذ 10000 سنة، فلم تشهد أرض صغيرة بالعالم ما شهدته أرض سوريا من اختلاط بشري بفعل التجارة أو الهجرة أو الحروب. • التراث الديني المسيحي والإسلامي الغالب منذ 2000 سنة والمبنى على نظرة مسيحية متسامحة مع الآخر، ونظرة إسلامية أشعرية تقوم على حرية العقيدة تعتمد على حرية التسامي الروحي للإنسان وصولا لله وليس كالنظرة الإسلامية السلفية التيْماوية (نسبة لابن تيمية) القائمة على خطوط سلوكية ظاهرية حادة غير متسامحة. • استمرار القيم التقليدية القديمة الناشئة عن آلاف السنين من الحكم الشمولي والتي تمنح المتعلم والغني مكانة اجتماعية عليا قيمية. وبما أن غالبية من نخبة النصف الأول من القرن العشرين كانوا قد نهلوا من ثقافة غربية ثائرة بمباديء حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية فقد كان تأثير هذا النخبة عظيما في الشارع السوري والمصري خصوصا. إن ورطة "المنهج التعميمي" التي سيطرت على اسلوب الامبراطوريات القديمة وانتقلت للأحزاب القومية العربية والإسلامية قادت البعث بحرب السلطة لمحاربة كل ما أنتجته البرجوازية السورية الوطنية دون تمييز. وفيما بعد استنتجت مؤسسة حافظ الأسد أن هذه الحرب ضد كل موروث الخمسينات أصبح سلاحا فعالا في ضمان استمرار السلطة. قامت جماعة الإخوان المسلمين في بداية الثمانينات بمحاولة انقلاب مسلح ضد السلطة مستغلة حراكا نخبويا سياسيا سلميا بذلك الوقت قاده عدد من المعارضين لطلب المباشرة بالإصلاحات الديمقراطية والإدراية. فكان الرد الدموي المتطرف القسوة الذي قابلها به حافظ الأسد وأخوه رفعت، وبنتجيتها وأيضا بسبب تمرد رفعت الأسد ترسخت لدى "القائد للأبد" أهمية خلق الشروخ في هرم السلطة وفي الشارع. معروف لكل السوريين مدى الكراهية والتصارع بين رجالات حافظ الأسد لكن أيضا معروف لديهم مدى انصياعهم لسلطانه كقاض نهائي بينهم، هم مدركون رغم صراعهم أن ضمان امتيازاتهم هو وحدتهم بأعلى مستوى السلطة وهذا ما يضمنه الولاء الأعمى لرأس الهرم. فكل قائد فرع مخابراتي ولكي يضمن استمرار "مصدر سلطته غناه" يسعى للظهور أمام "القائد" على حساب أقرانه، وخلال الصراع على رضى "القائد" يصل الاحتكاك لسلطات ضباط الجيش الكبار وكبار المسوؤلين الحكوميين والبعثيين، ومع كل صاحب مركز (كما يسميه السوريون "مسؤول") هناك مجموعة من أصحاب الأموال المسيطرون على السوق والمتصارعون أيضا على السوق. باختصار وبعد تحييد رفعت الأسد كان من المستحيل القول بوجود "الرجل رقم اثنين" بهرم السلطة السورية، كان هناك مجموعة رجالات عسكريين وأمنيين وحكوميين وتجار يشكلون معا المستوى الثاني من السلطة وبالتالي يستحيل على أي فرد أو أفراد منهم مواجهة الباقي وبالتالي تهديد السلطة المطلقة لحافظ الأسد.
نتابع بالمقال القادم نقاش انتشار التفسير الطائفي وشياطين الرعب الخيالية.
#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا ليست طائفية في سورية؟ -2-
-
لماذا ليست طائفية في سورية؟ -1-
-
الخليج العربي، أزمات حكام أم قوانين سوق
-
مشكلة القطار والرجل السمين. بين الأخلاق وسعة الاختيار
-
تلفزيون الواقع السوري
-
أخطاء أم خطايا، الائتلاف والمجلس السوريان
-
النظام السوري وسلاح الوقت
-
جنيف2 دكان الأوهام، تجارة الطوائف بين الوفدين
-
سوريا ساحة صراع الكل مع الكل
-
لماذا الأقليات؟
-
البيان النهائي لجنيف 2
-
سوريا الضحية الأولى للحرب العالمية الرابعة
-
بيان مؤتمر الشعب السوري الذي لم ينعقد
-
يجب أن تحضر إيران جنيف2
-
ماذا قرر السوق الدولي حول سورية؟
-
تساقط النخبة العربية، من العظم إلى الفيس بوك
-
عقد الغاز السوري الروسي بين الحقيقة والخيال
-
شمشون الجبار لا يريد هدم المعبد، فقط هدم حلب
-
التهدئة في وسط آسيا مقابل إشعال سورية
-
سوريا، بضاعة طوائف وممانعة وثورة
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|