كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1251 - 2005 / 7 / 7 - 09:36
المحور:
حقوق الانسان
في الذكرى السنوية السابعة والعشريـن
لاعتقالي وتعذيبي من قبل البعث لصدامي!
عرف الناس في العراق التعذيب منذ ألاف السنين, سواء أكان ذلك على شكل عقوبات تصدر وفق قوانين وضعت باسم الآلهة من قبل الحكام ونفذت عبر كهنة المعابد وأجهزة الملوك والحكام القمعية الخاصة, باعتبارهم يمثلون ويحققون "إرادة الآلهة" وقوانينها على الأرض, أم عبر الخلفاء والولاة والسلاطين والحكام في الدول الإسلامية التي تشكلت على مر التاريخ, باعتبارهم يمثلون "إرادة الله" على الأرض, أم باسم الملوك ورؤساء الجمهوريات وأجهزتهم الأمنية القمعية, سواء أكان باسم الله أم الحزب الواحد أم الفرد القائد أم جميعها معاً. وجسدت العهود الأموية والعباسية والعثمانية والفارسية في العراق قمة التعذيب اللاإنساني في الدولة الإسلامية. وكان الجلادون المسلمون من حكام وقضاة يمارسون التعذيب والاضطهاد ضد المسلمين أو من غير المسلمين باسم الله والشريعة مرة, وباسم التأديب والعدالة والحق مرة أخرى. ولم يكتف هؤلاء الحكام بالقتل تحت التعذيب فحسب, بل كانوا يواصلون التمثيل بجثة القتيل بصيغ مختلفة وتعليق الرؤوس على أسنة الرماح للتشهير بهم وتهديد وترويع الناس في آن واحد. وكم من رأس رفع باسم الله والحق على أسنة الرماح وكم من جسم قطع بنفس الحجة, وكم من امرأة بقرت بطنها وقتل وليدها لأنها ابتعدت عن إسلامهم كما يدعون. موسوعة العذاب, لمؤلفها الراحل الأستاذ عبود الشالجي, ذات الأجزاء السبعة تقدم صورة بشعة ولكنها واقعية وحقيقية لهذا التاريخ الملطخ بالدماء وعذابات الإنسان ودموع الثكالى في ظل النظم التي سميت إسلامية وحكمت باسم الشريعة. ويجد الإنسان صورة تلك العذابات في العديد من الكتب الحديثة أيضاً. ومارست الدولة الإسلامية الإيرانية أبشع أنواع التعذيب في سجن إيفين وفي غيره من المعتقلات التي بنتها, إضافة إلى ما كان قائماً في عهد الشاه الظالم. إن الحديث وحده عن أساليب التعذيب التي مورست في السجون الإيرانية تجعل جسم الإنسان يقشعر ويرتجف. ليحدثكم الوزير العراقي الكردي في وزارة حكومة إقليم كردستان في أربيل, السيد حيدر فيلي, بعض الشيء عن ما تعرض له في سجن أيفين من تعذيب همجي لا يمكن تصوره ولا يصدر عن أناس اعتياديين بل عن ساديين قتلة ومجرمين يرتدون أزياء إسلامية ويربون لحاهم وجباههم مسودة من أثر السجود ويطالبون الناس بالتوبة. لقد عكس ذلك الروائي الراحل عبد الرحمن منيف في إحدى رواياته بعد أن تحدث له الصديق العزيز والمناضل الشجاع حيدر فيلي حول ما عاشه في سجن إيفين. ويمكنه أن يتحدث لكم عما كان السجناء السياسيون الإيرانيون يتعرضون له من تلك الوحوش البشرية الكاسرة في سجون إيران وهم من "المؤمنين بالله ورسوله والأولياء الصالحين!".
ويبدو أن جمهرة كبيرة جداً من المسلمين, سواء أكان أفرادها من علماء ورجال الدين أم من مسؤولين حكوميين أم من أتباع الدين الإسلامي, يجدون في التعذيب مسألة اعتيادية وضرورية, إذ أن القرآن يتضمن آيات غير قليلة تنص بالتهديد للمخطئين من البشر بممارسة أساليب شتى من التعذيب في الدنيا الآخرة. فعذابات الإنسان المذنب في هذه الدنيا لا تقارن بالعذابات التي تنتظر المخطئ في دنيا الآخرة. ولهذا فما دام التعذيب مقبولاً من الله, كما ورد في القرآن, فلِمَ إذن لا يمارس في الحياة الدنيا لمعاقبة المخطئين من قبل ثقات الله أو وكلاء الله أو النبي محمد أو الإمام الغائب على الأرض. إنها لمحنة كبيرة ما يعاني منه الشعب العراقي في يومنا هذا. فمن جهة الإرهاب والإرهابيون يقتلون بالبشر ويختطفون ويعذبون ويسلخون جلود الناس, ومن جهة أخرى تمارس أجهزة الأمن والشرطة, وربما الجيش أيضاً, شتى أساليب التعذيب حتى الموت بالمعتقلين. والسادة الأمريكان العاملون في أجهزة الأمن الأمريكية لم يقصروا في ممارسة ذلك, وقد كشف للملأ على نطاق واسع.
لقد مارس نظام صدام حسين أشرس أنواع التعذيب بحق الإناث والذكور في المجتمع, ويمكن أن يورد الإنسان عشرات صنوف التعذيب التي أدت إلى موت جمهرة كبيرة جداً من الناس المناضلين ضد الدكتاتورية الفاشية وضد العنصرية والطائفية ومن مختلف القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية. وقد وقفنا جميعاً وأصدرت الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية بيانات وكتب كثيرة تدين مصادرة حقوق الإنسان وممارسة التعذيب ضد المعتقلين. لقد شكلت بعض الأحزاب السياسية لجان خاصة بحقوق الإنسان في أحزابها دفاعاً عن حقوق الإنسان وعبأت الرأي العام العالمي ضد نظام صدام حسين وطغمته لأنهم مارسوا التعذيب والقتل. ولقد نشرت مجموعة من الكتب والأبحاث والمقالات عما كان يتعرض له الإنسان العراقي على أيدي جلادي النظام الصدامي.
• قبل أشهر عدة وجهنا أصابع الاتهام العادلة والمشروعة ضد الدولة التي تتحدث دفاعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, ولكنها مارست وما تزال تمارس التعذيب ضد المعتقلين سواء ما حصل في "أبو غريب" أم يحصل حتى الآن في غوانتنامو على الأرض الكوبية المحتلة. وكنت قد أشرت في حينها بأن العراقيين يمارسون ذلك أيضاً وفي سجون ومواقف سرية أخرى.
• وقبل أشهر وجهنا أصابع الاتهام العادلة والمشروعة ضد ميليشيا الصدر (جيش المهدي) التي قتلت وعذبت عشرات, وربما المئات, من الناس في عمليات الإرهاب الهستيرية التي أججها مقتدى الصدر قبل أشهر في العراق, وخاصة في النجف والبصرة وكربلاء والحلة وبغداد وكركوك والكوت وغيرها.
• واليوم نقف واجمين أمام اعتراف رئيس الحكومة العراقية, وكأنه لم يكن يعرف قبل ذاك, بأن السادة العاملين في أجهزة الأمن برعاية السيد وزير الداخلية, عضو الائتلاف الوطني العراقي الحاكم وعضو قيادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وقائد ميليشيا بدر, يمارسون شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي حتى تزهق أرواح الضحايا حتى بعد اعترافهم لهم.
هذه الإشكالية الجديدة ليست جديدة. فهؤلاء السادة وقبل أن يتسلموا وزارة الداخلية مارسوا ذلك حين كانوا يعتقلون أي إنسان يتهمونه بما يشاؤون ويسلطون عليه جاب غضبهم باعتباره غضب الله! إنهم الجماعة التي تدربت على أيدي السجانين في سجن إيفين والحرس الثوري الإيراني وأجهزة الأمن الإيرانية, يضاف إليهم أولئك الذين تدربوا على أيدي أجهزة الأمن الخاصة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية. وبعضهم كان أميناً في تعلم أساليب التعذيب من أجهزة التعذيب في ظل نظام الحكم البعثي المخلوع. وبعض الذين يمارسون التعذيب ربما كان جزءاً من جهاز التعذيب السابق أيضاً.
نقلت في كتابي الموسوم "الاستبداد والقسوة في العراق", الصادر عن مؤسسة حمدي للطباعة والنشر في السليمانية, عن السيد الدكتور حسين الشهرستاني مقاطع من أحد أحاديثه عن التعذيب في سجون وأقبية النظام البعثي. والسيد الشهرستاني يحتل اليوم موقعاً قيادياً في الائتلاف الوطني وفي قيادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ونائب رئيس الجمعية الوطنية التي من مهمتها وضع الدستور العراقي, وهو عدا عن هذا وذاك مسلم مؤمن. فكيف سيتعامل مع هذه الظاهرة حيث يمارس أعضاء حزبه وأجهزة الدولة التعذيب ضد المعتقلين أياً كان المعتقل؟ سأبقى أنتظر ما يقوله وكيف سيتعامل مع هذه الحقيقة المرة التي أدانها عندما كان سجيناً وقد تعرض للتعذيب.
جمهرة من المعتقلين كانوا من أتباع النظام المنهار التي مارست التعذيب والقتل ضد بنات وأبناء الشعب العراقي ومرغت كرامته بالوحل. وجمهرة أخرى منهم كانوا يقتلون في الشوارع يومياً مجموعات من بنات وأبناء الشعب العراقي. وهذه كلها دون أدنى ريب جرائم يفترض أن يحاسبوا عليها أمام المحاكم العراقية. ولكن ليس من حق أحد, أياً كان, أن يمارس التعذيب ضد أي إنسان, حتى لو كان مجرماً مسؤولاً عن قتل عشرات الناس, فالمحاكم هي المسؤولة عن إدانته وإصدار العقوبة المناسبة على أفعاله.
إن السادة المسؤولين عن أجهزة الأمن قد طعموا بقوى من بعض الأحزاب السياسية الإسلامية أو من بعض الساديين الذين لا يمتلكون لا ذمة ولا ضمير, وبالتالي, فهم يمارسون التعذيب ضد الإنسان ويعرضون كرامته وجسده للإساءة والتدمير. وعلينا أن نوقف ذلك, إذ أن دوامة التعذيب والإرهاب والانتقام لن تتوقف إذا استمر العراق بممارستها.
لا يمكن لأي إنسان يعمل في أجهزة الأمن أن يجرأ على ممارسة التعذيب ضد أي من المعتقلين ما لم يكن قد تسلم أمراً من أسياده الجالسين في مناصب الدولة أو الحزب الذي يسندهم عن حقهم في ممارسة التعذيب لانتزاع المعلومات. فلو كان الجلاد المباشر يعرف أن ممارسته للتعذيب تجعله مذنباً ويحاسب أمام القانون لما تورط في ارتكاب التعذيب وأحياناً حتى الموت.
تماماً كما كان الحكام القدامى ينفون التعذيب أو يخففون من وطأته, ينبري البعض ليقول لنا بأن ممارسات النظام السابق وجهل الجلادين الجدد بحقوق الإنسان هو الذي ساعد على بروز هذه الظاهرة. هذا صحيح, ولكنه نصف الحقيقة أو أقل من ذلك بكثير. وعلى المسؤولين أن يعترفوا بالحقيقة كاملة, إن كانوا جادين بمواجهة هذه الظاهرة بحزم وصرامة ومنع حدوثها.
أطالب المسؤولين في الدولة العراقية, أطالب أولئك الذين ناضلوا ضد تعذيب رفاقهم من مختلف الأحزاب السياسية في سجون النظام الصدامي المخلوع, أطالب كل الناس الشرفاء في العراق الذين يمكن أن يتعرضوا يوماً إلى الاعتقال والتعذيب, أطالب الأمم المتحدة ولجان حقوق الإنسان في العالم كله, أطالبهم جميعاً برفع صوت الاحتجاج على ما يجري في العراق من تعذيب للمعتقلين, وأن يقدم الذين مارس التعذيب والذين أعطوا الأوامر على مختلف المستويات, إلى المحاكمة لينالوا جزاء أوامرهم وممارساتهم تماماً كما يفترض أن يحاكم أقطاب العهد الصدامي الذين أعطوا الأوامر أو مارسوا التعذيب بحق المناضلين, أطالبهم برفض التعذيب وإيقافه ومنع تكراره فوراً.
وهذه المطالبة تتوجه أيضاً لدعم نضال الشعب العراقي لإدانة الإرهاب الذي تمارسه القوى الظلامية والقوى الصدامية والقومية الشوفينية ضد الشعب العراقي يومياً ومن أجل إيقافه وتقديم كل ما هو ممكن لمنع استمراره وإسقاط أهدافه واعتقال فاعليه وتقديمهم للمحاكمة. أن الإنسان المالك لضمير حيٍ وحسٍ إنسانيٍ مرهفٍ, إن من تعرض يومياً للإرهاب والتعذيب في السجون والمتعقلات , إن من يمتلك وعيا حقيقياً بحقوق الإنسان وكرامة الإنسان, من هو إنسان, ينبغي له أن لا يسكت عن ممارسة الإرهاب والتعذيب في العراق وفي كل مكان..
برلين في 6/7/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟