|
مسلم من درجة -أسود-
هشام العمراني
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 07:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في بقعة جغرافية تسمى " جمهورية أفريقيا الوسطى "، البلد غير ساحلي في وسط القارة الإفريقية . والذي تغطي مساحتها حوالي 620 ألف كيلومتر مربع، و يقدر عدد سكانها ب حوالي 4.4 مليون اعتبارا من عام 2008 ، وحسب تقرير كتاب حقائق العالم فإن نسبة المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى هي 15%، بينما يتديّن 25% منهم بالبروتستانتية و 25% تابعين للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، في حين يعتنق 35% من سكان الجمهورية معتقدات أفريقية محلية. ما يقع في هذه الجمهورية من تدخل عسكري أجنبي. كنت قد تتبعت الموضوع من قبل، لكن لم أعطيه اهتمام كبير على اعتبار أن "الحرب هي الأصل في إفريقيا والسلم استثناء"، لكن ما نقلته بعض المشاهد من صور لعمليات قتل لإنسان " أسود" بأساليب ما قبل التاريخ، وتغطية كل ذلك بالحرب الطائفية والصراع الديني، وكذا الكيفية التي تغطي بها قنوات محسوبة على أنظمة دينية، تبني نفسها وصية على شؤون الإسلام والمسلمين، والمقوم لكل انحراف في إيمان المؤمنين، الأحداث الدائرة بهذا البلد الغني/الفقير. فيا للعجب، كيف يغض الطرف عن مثل هكذا جرائم ؟ أم أن سكان إفريقيا الوسطى و "مسلميها" مجرد رعايا ومسلمين من درجة أسود؟ مند البدء مع الرسالة المحمدية لم يلقى السود معاملة متساوية مع البيض من إخوانهم في الدين الجديد، رغم أن لا فرق بينهم سواء كانوا سود أو صفر أو حمر أو بيض أو ..... إلى بالتقوى، حسب ما جاءت به نصوص الديانة الإسلامية. مند البدء كان السود من دفع القسط الأكبر من ضريبة تبني مبادئ الدين الجديد، ولنا في كتب السيرة وما أخبرنا به مؤرخو هذه المرحلة أمثلة عدة: العبد الحبشي بلال دو البشرة السمراء، الذي ذاق الويلات مقابل تشبثه بالدعوة المحمدية، وكان نسخة "سبارتاكوس" المنقحة لعبيد الجزيرة العربية، عتق بعد عناء العذاب الشديد، وكان من أوائل من تبنوا دعوة محمد ، لكن لم يخبرنا المؤرخون ولا كتاب السيرة بأن بلال يوما ما تولى منصب مهم، في أركان الدولة الحديثة البناء، على أساس مبادئ دينية جديدة، فبعد إسلام بلال وعندما فرضت الصلات وظهر الأذان كلف بهذه المهمة، ويقال كذلك أنه "أستخلف على المدينة نائب لأبي بكر يوم خرج لمحاربة المرتدين" وهذا قول غير ثابت. لكن نفس الكتب التي أخبرتنا عن بلال، تخبرنا بمن لم يدق يوم طعم سوط واحد، ولا عرفة معنى تحمل كل أنواع التعذيب من أجل التبات على الموقف الديني، بل ومنهم من كان قبل تبنيه الإسلام ودخوله في أركان الدولة التي أنشأت انطلاقا من نصوص هذا الدين، قاب قوسين أو أدنى من إنهاء أمر حامل رسالته ، ولنا النموذج في خالد ابن الوليد، الذي غلب "وحي" المسلمين بفطنته وتكتيكه الحربي، وألحق بهم خسائر جسيمة في معركة أحد، التي كاد أن يقضي فيها على رسول الإسلام، كما شارك خالد أيضًا في صفوف الأحزاب في غزوة الخندق، وقد تولى هو وعمرو بن العاص تأمين مؤخرة الجيش ، خوفًا من أن يتعقبهم المسلمون، كما كان على رأس فرسان قريش الذين أحالوا بين المسلمين ومكة في غزوة الحديبية. كل هذه الإنجازات، التي عرقلت بكل تأكيد تطور الدولة الدينية في البداية، جعلته بطل "وسيف لله المسلول" على الكفار بعد تبنيه الدين الجديد، عندما اختلت موازين القيوى لصالح الدولة الدينية، تول مهمات جسام في أركان هذه الدولة، ولم يعرف قائد عسكري مثله خلال فترة حياته، فهو الذي أرسل "للفتح" ولم يقل له "إبقى في المدينة مالك والحرب، فمن سيؤدن لنا بعدك" كما قالها أبو بكر لبلال عندما طلب الإذن للخروج في "الجهاد". فهل الفارق بين خالد وبلال اللون أو النسب؟؟؟. العبد وحشي، الذي يشترك مع بلال في اللون والصفة، رفض التخلي عن عبوديته ليضل مخلصا لسيده على أن يتبع ديانة لم يكن على أتم الاقتناع بفوائدها عليه، العبد الذي عرف بأن حربته لا تخطئ، عتق وكان المقابل كبير، اشترى حريته بروح حمزة "القوي"، الذي شكل الجناح العسكري لبناء الدولة الدينية بهذه البقاع القبلية، وقصة وحشي معروفة لذا الجميع، هذا العبد الذي ندم على المقابل الذي دفعه من أجل حريته، دفعته ولهة الحب، بعدما اعتنقت حبيبته الدين الجديد، وأصبح يمثل له هذا الدين القوة المستقبلية، فرغم المكاسب المالية التي جناها من عمله " البطولي"، فضل وحشي تبني الدعوة المحمدي، والدفاع عنها بنفس الحربة التي حاربه بها، وحرمه من قوة شكلت إضافة نوعية في مرحلة نشأة الدولة الدينية الجديدة. وحشي كان فقط الأداة التي نفدت بها الجريمة ( الثأر)، والمنفذ امرأة قيل عنها : عزيزة في الجاهلية، هند بنت عتبة، فالتاريخ لم يمحى ما قمت به من فعل شنيع، وما قالته من شعر رزين عند مقتل حمزة، الأمر الذي أعدت له عن سابق إسرار وترصد، لهدف واحد كانت مستعدة لعتق وحشي ومنحه ما يكفيه عمره كله من المال والحلي، الانتقام. هند التي خلدت انتقامها وإحساسها لحضت أخذه بشعر تغنى به فطاحله الأدب في الجاهلية: نحن جازيناكم بيوم بدر ***** والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر***** ولا أخي وعمه وبكري شفيت نفسي وقضيت نذري***** شفيت وحشي غليل صدري فشكر وحشي على عمري ***** حتى ترم أعظمي في قبري هذه المرأة هند، وتجنب لما قد يحل بها بعدعلبت بني عمومتها المسلمين ودخولهم عاصمة قريش مكة، وتفوق الدولة الدينية على "الدولة" القبلية، ادعت هند دخولها الإسلام، وجاء العفو شامل على كل أبناء العشيرة والقبيلة، من أخ كريم ... هند استقبلت استقبال الأبطال ولقبت بعزيزة الإسلام، بعدما كانت عزيزة الجاهلية، والمتآمرة على الدعوة المحمدية. العبد وحشي الذي كفر عن ما اقترفه من ذنب حسب اعتقاده، وندم عليه، كفر عنه بعد تبني مبادئ الدولة الدينية العادلة، لكن لم تكن بذاك العدل الذي اعتقده، كان أول وأخر ما سمعه من رسول الإسلام، وهكذا نقلها رواة الحديث: " فقد التقى النبي محمد بوحشي قاتل حمزة، حين جاء مسلماً، وذلك بعد إسلام أهل الطائف، قال وحشي: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله فلما رآني قال: أنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني، قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن على مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمه جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضرب بالسيف على هامته. رواه البخاري. " فها هي حربته تنهي قصة رجل كان ينافس محمد في دعوته، رجل كان اسمه مسيلة ابن حبيب الحنفي، المنتمي إلى أحد أكبر القبائل العربية ، بني حنيفة، ولقبه معتنقي الدين الإسلامي "مسيلمة الكذاب"، الرجل الذي عرف عنه – حسب ما وصلنا من أخبار المحدثين- فصاحة لسانه، كانت نهايته على يد عبد سابق أراد نيل رضا رسول المسلمين، كما نالته عزيزة الجاهلية، الجاني الرئيسي في مقتل حمزة، فهل للأمر ارتباطا بسواد وحشي الذي لا ذنب له فيه، أم بنسب ولون هند التي كانت عزيزة لا آمة في الجاهلية؟ لم نسمع بنبي أسود، فكلهم يشع النور من وجوههم من شدة البياض. وهكذا استمر الموضوع إلى الآن، فلو كان سكان جمهورية إفريقيا الوسطى دوي لون غير أسود لكانوا مسلمين من الدرجة الأولى، ولثارت ثائرة كل شيوخ القنوات الدينية والتكفيرية وحتى تلك المتخصصة ب(العلاج) بالرقية، لو كان حفدة مسلمو بني قريش، ورثت كل النعم من الجنة حتى الإبل، هم من ينكل بهم لما رضي بذلك أمراء عزيزة الجاهلية ، أحفاد خالد ومعاوية ، الخدام المطيعون للإمبريالية. فهاهم أحفاد بلال ووحشي ومن سار على لونهم يطردون ويهجرون قصرا، ينكل بهم وبأماكن عبادتهم، لا لشيء إلا أنهم دوي بشرة سوداء، ولا نسب لهم ولا مال، وحظهم التعس وضعهم في بلاد ترابها يختزن كنوزا أسالت لعاب الرأسمال، كل السلاح مباح من أجل تشريع الاستغلال، ولو باستعمال سياسي للإسلام. هنا موضع الداء، فالمحدد الرئيسي في كل هذا هو موقعك الطبقي لا اعتناقك الديني، فالدين مجني عليه في كل هذه البشاعة المرتكب في السود كما هي مرتكبة في البيض، وغالبا ما يكون غطاؤها دين من الأديان.
#هشام_العمراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلم من درجة -أسود-
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|