|
مجتمع يغدق جهلا
مصطفى كجي
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 02:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مجتمع يغدق جهلا مصصطفى كجي من عجائب الأمور التي تناهت الى مسامعي في الآونة الأخيرة و التي أصبحث تشكل مادة دسمة عند بعض المثقفين في مجموعة من الملتقيات الفكرية ، هو الحديث عن ما يسمى مسألةُ عودة الدين في الغرب وعودته في عالمنا الإسلامي، في سباق محموم بين هؤلاء حول من سيكون له قصب السبق المعرفي كأول من تطرق الى الموضوع بالدرس والتحليل ،وتتلخص فكرة الموضوع الآنف الذكر في كون الغرب بدأ يعود الى الدين شيئا فشيئا كاستجابة موضوعية لواقع مجتمعي مفرط في العقلانية ،بعد أن بلغت به ثخمة الحداثة إلى التفكيرفي العودة الى الدين لتحقيق نوع من التوازن الروحي الذي يفتقده الإنسان الغربي في عالم حقق فيه كل شيئ عدا الجانب الروحاني. أما في العالم الإسلامي فالأمر يختلف حسب منطق هؤلاء عن الغرب حيث العودة هنا عودة طقوسية غير مرغوب فيها لكونه لم يصل بعد إلى الحداثة بماهي انتصار للعقلانية على الفكر التيولوجي وبالتالي فالعالم الإسلامي مطالب اليوم باقتفاء أثر الغرب بالتخلي عن الدين إلى حين ، كتكتيك ظرفي لتحقيق ما أنجزه الغرب من تقدم ثم العودة مجددا إلى الدين بما هو الأصل و المنطلق لتحقيق ذلك التوازن الروحي المفقود في عالم الحداثة . في الحقيقة وأنا أطلع على بعض المقالات التي وردت في الموضوع أصبت بدهشة كبيرة من شدة التبسيط والتسطيح الذي وقع فيه هؤلاء في فهمهم للتاريخ وتصورهم للمنطق الذي يحكم مساره، ومن خلال منطوق كلامهم نستنتج خلاصة واحدة ووحيدة وهي أنهم حاولوا أن يقيسوا التاريخ على مقاسهم و يحشروا تطوره في قالب جاهز معد من ذي قبل يعرف سلفا الطريق الذي ينبغي ان يسلكه ،فهو أشبه بذلك القطار الذي ينطلق من محطة معينة والذي يتحتم عليه سلك مسار محدد لبلوغ محطة معلومة فما على القطار سوى اقتفاء أثر السكة بحيث لا مجال هنا للخطأ أليس هذا هو الفهم الجبري للتاريخ ،وحتى منطق هيجل وفهم هذا الأخير للتاريخ لا ينسجم مع ما يذهب اليه هؤلاء المثقفون هذا ان حاولنا ان نجد لهم عذرا وسند فلسفي ودعامة نظرية في ما ذهبوا اليه بحكم أن هيجل حتى وإن كان مثاليا في فهمه للتاريخ مؤمن بمركزية الفكر والعقل وخضوع الواقع الإنساني له بحيث أن هذا الاخير لا يفعل شيئا عدا تحقيق أهداف العقل المتمثلة في بلوغ الروح لهدفها وهي الحرية. على الأقل نجد عند هيجل فكرة الجدلية بما هي حركية التي تحكم منطق التاريخ في مساره التطوري (الأطروحة ،نقيض الأطروحة ،التركيب) رغم ما يمكن أن نسجله من اختلاف من حيث الغايات والأهداف التي سينتهي إليها التاريخ إذ تبدو معروفة ومحددة سلفا حسب هيجل في حين أن هذا الهدف غير معروف ولا أحد يستطيع تحديد غايته خارج الاطار المادي الذي يجعل الإنسان في صلب عملية صناعة التاريخ بكلمة واحدة الإنسان صانع تاريخه وليس نتيجة له ويأتي قولنا هذا للدفع بعقولنا نحو الإستعداد لتقبل التغيرات التي تحدث في عالم اليوم والعمل على مواكبتها فكرا وممارسة عوض الاستكان إلى الجاهز واليقيني والإقتيات على أقوال السالف الصالح الذي يرفض كل ما هو جديد تحث مبررات صيانة السنة من التحريف و التزوير ألم يقل ابن تيمية قديما "ليس في الإمكان أحسن مما كان "في إشارة واضحة إلى قداسة الماضي وإطلاقيته وسد الباب أمام كل محاولة للإجتهاد إعمال العقل . كل هذا يدفعنا الى طرح سؤال مزعج كيف يمكن للغرب أن يعود الى الدين بعد أن تخلص منه بمشقة الانفس ؟ سؤال لا شك انه محير ,فبعد قرون من التطاحن بين المؤسسة الكنسية والعقل خلفت ملايين من القتلى والمعطوبين باسم الحاكمية الإلهية وتطبيق شرع الله على أرضه ومن منا لم يطلع على قصص كل من جيوردانو برونو وجاليلي جاليليو وفولتير ....في صراعهم المرير لتخليص البشرية من الفكر الأسطوري الذي طبع حقبة القرون الوسطى ،لقد سعى المفكرون الكبار في اوروبا إلى فتح جبهة في مواجهة غلو الفكر الكنسي وكان لابد أن يكون الدين في في قلب الإنتقادات واتخدوا منه منطلقا لنقد الواقع الإجتماعي والسياسي فنقد الدين كان ضروريا فرضته اللحظة التاريخية آنذاك مادام أنه يقف في وجه العقل ولجم كل محاولة للتقدم الى الامام بمعنى آخر كان لابد من هدم الاساس النظري الذي يقوم عليه الفكر الكنسي إن أرادوا أن يسيروا إلى الأمام .فكيف إذن أن يخاطر الغرب بكل هذا الإرث ويعود ليرتمي في أحضان الميتافيزيقا بدعوى تحقيق التوازن الروحي وكأن هذا التوازن لا يتحقق إلا من خلال الدين وحده ؟ طبعا نفهم تماما لماذا يصر هؤلا المثقفون على التشبث بهذا الطرح فالبون الشاسع الذي يفصل العالم الإسلامي المتخلف والغرب المتقدم ولدت لديهم إحساس بالدونية وشعور بالعجز عن مواكبة التقدم الحاصل في الغرب وأمام هذا كانت صدمة الغرب الذي تقدم آخدا المشعل من المسلمين حاضرة في الأذهان وعوض أن يوظفوا هذا المعطى بشكل ايجابي من أجل النهوض بأحوال المجتمع ومقارعة الغرب فكريا ومجاراته علميا للبحث عن دواء لهذا التخلف نجدهم ويا لسخرية الأقدار يعودون على غرار الفقهاء التقليديون الى النبش في الثرات يبحثون عن الحلول بين ثنايا النصوص التي كتبها السالف الصالح في شروط تاريخية معينة مختلفة بالضرورة عن شروط عصرنا الحالي لينتهي بهم المطاف إلى فكرة عبقرية وهي أن الغرب حتى وإن تخلص من الدين فهاهو يعود إليه مجددا منكسرا مدحورا يطلب الصفح و العفو عن ما اقترفه من جرم في حق الدين ،ومن ثم فلا خوف على المسلمين من الآن فصاعدا ما داموا على دين محمد محافظون ولىشريعة الله مطبقون فقط يجب العمل على تنقية الدين من بعض الشوائب التي تشوبه حفاظا على نقائه وصفائه و بهذه الطريقة فإن التقدم لا محالة سيكون نصيبنا وسيعود المسلمون إلى زعامة العالم وسيقودون فتوحات إسلامية جديدة شرقا و غربا وسيفتحون من جديد الاندلس وممر القوافل نحو الهند وسيردون الإعتبار لكل هزيمة تلقاها أجدادهم . عندما نجد مثقفين يفكرون على هذا النحو لا يسعنا إلا أن نضع أياديا على قلوبنا طالبين التسليم من ما هو آت ،مرعب حقا ما يحدث عندنا اليوم نبحث عن تبرير ما لا يبرر حتى لو تطلب منا ذلك الضرب بعرض الحائط شرط الموضوعية والمصداقية العلمية فقط من أجل إرضاء عنجهية مريضة تزداد أكثر فأكثر في مجتمع لا يريد أن يعترف أنه متخلف وحتى إن فعل ذلك فكل اللائمة ملقاة على الغرب الذي يسخر كل قوته لتفكيك وحدة المسلمين ونهب ثرواتهم واحتلال أراضيهم .طبعا هناك من سيعترض ويقول أن هناك دراسات ثتبث نزوع الأفراد في الغرب إلى التدين نقول أن الظاهرة ليست بجديدة ولا بغريبة على المجتمع الغربي فالتدين كان حاضرا بقوة على مر العصور فقط تبقى طريقة استثماره التي تختلف كليا عن ما كان معمول به في القرون الوسطى وما هو معمول به حاليا في المجتمعات الإسلامية فالتدين في الغرب هو تدين فردي بشكل لا يؤثر على علاقات الافراد المختلفين دينيا في حين أن التدين عند المسلمين هو تدين جماعي يقصي من صفوفه كل من لا يشاركهم في المعتقد وهنا يكمن الإختلاف بين الإثنين وعودة الدين إن جاز لنا الحديث عن العودة بهذا المعنى هي عودة بالمعنى المعنوي لاغير.
#مصطفى_كجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
-
وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|