|
اضحك مع نزع الملكية الفكرية
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن-العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 16:46
المحور:
سيرة ذاتية
حكاية السرقة الفكرية التي ارتكبها الكوميديان الإعلامي الشهير باسم يوسف، من كاتب صهيوني، لم تثر عندي مشاعر الصدمة والاندهاش التي أثارتها عند الكثيرين.. فهي ممارسة متفشية للأسف، من أسبابها الفقر الفكري عند السارق وكسله وتصوره أنه يمكن أن يداري فعلته عن الآخرين..
وفي بعض الأحيان يُستعصى على المسروق إثبات السرقة، فيكتفي بالصمت القاهر، أو بالنميمة في جلسات الأصدقاء، وبالطبع سيجامله الأصدقاء ويظهرون تصديقه، لكن تبقى بداخلهم شبهات في بارانويا الشاكي أو على الأقل مبالغته في تقدير ذاته..
وسأحكي لكم عن السرقات الفكرية من واقع الخبرة الذاتية.. وكلي أمل في أن يثق القارئ في كوني شخصًا سويًا وصادقًا ومتواضعًا لا أبالغ في قدر نفسي.. ومن ثم لا أجد حساسية في البوح ببعض الأمثلة مما قابلت من هذا النوع من الاجتراء.. ويدهشني أنني- على حجمي المتواضع- تعرضت لهذا.. فما بالنا بمن هم أرفع مني قيمة بكثير..
في مقتبل شبابي لم أكن أعير هذه الأشياء كثيرًا من الاهتمام.. فقد كنت مثلاً في حزب سري، ومن ثم أكتب الكثير من المقالات والبيانات والأوراق التثقيفية على المستويين المحلي والمركزي.. وهو ما يعني أن كاتبها يظل مجهولاً إلى الأبد، أو تنسب الكتابة لكائن جمعي هو الحزب، أو يتصور البعض أنها لهذا أو ذاك من المشاهير (حزبيًا).. وعلى كل حال لم يكن هذا يضايقني بالمرة بل كنت أشعر بالسعادة الداخلية لاتساع تأثير أفكاري التي أظنها صحيحة..
لكن مع نضوجي العمري، ومع تزايد الخلافات وتباين المواقف، وأيضًا مع اصطدامي بالنوازع الذاتية لمن يطلق عليهم "القيادات" و"المسئولين".. بدأت تنتعش عندي أنا الآخر ذاتيتي التي لا تنفصل عن مواقفي المصوغة على الورق ولكنها تظل مجهولة النسب..
رويدًا رويدًا بدأت أهتم بأن أؤكد على ملكية أفكاري الخاصة.. قد تسميها نزعة التملك البرجوازية.. ولكني أدركت أهمية ذلك حينما لم يعد من "ينزع ملكية" أفكاري كيان جمعي وإنما شخص ما من لحم ودم.. وربما تكون بيني وبينه خصومة من أي نوع..
كانت صدمتي الكبيرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف.. وقتها حاولت أن أجد طريقًا للنشر في صحيفة بعينها.. ولكن لم تنشر الصحيفة- وبإصرار- أي شيء لي، رغم أن إنتاجي لم يكن يقل أبدًا في نوعيته عن إنتاج أي من كتاب الصحيفة أو محرريها المبتدئين على الأقل.. وبالإضافة إلى كوني من الفاشلين في العلاقات "العامة" للنفع المتبادل، اكتشفت أن السبب يكمن في مدير التحرير المنتمي لتيار آخر.. وكان وقتها من المثقفين ذوي النزعة اليسارية الصارخة جدًا، وقد رأى في شابًا يمينيًا جاهلاً لما بلغه من "سخريتي" من أفكاره الزاعقة.. (وبالمناسبة تحول هذا الشخص بعد فترة إلى خادم نشيط جدًا في بلاط فاروق حسني وحظائره)..
من ثم توقفت يائسًا عن مراسلة الصحيفة.. فعاتبني صديق رائع- رحمه الله- على امتناعي عن الكتابة فيها.. ولما شرحت له السبب قال لي "سنجرب وسأثبت لك توهماتك".. وبالفعل كتبت مقالة وأخذها بنفسه إلى رئيس التحرير مع توصية قوية بالنشر "للشاب الواعد".. ومرت الأيام ولم ينشر المقال.. حتى كانت الصاعقة الكبرى..
وجدت السيد رئيس التحرير يكتب مقالة تكاد أن تكون تناصًا كاملاً مع مقالتي من حيث العنوان والأفكار وتسلسلها مع الكثير من نفس الألفاظ والتشبيهات.. ولما وضعت المقالتين أمام الصديق المشترك أصابه الذهول التام.. ولم يتركني إلا بعد أن وعدته بأنني لن أتحدث في هذا الموضوع مع مخلوق.. فوعدته لأنني على الأقل لا أملك أي دليل إثبات سوى شهادته.. وقد كفاني هذا.. وهكذا بعدما كنت أخشى حرماني من النشر على يدي مدير التحرير، تم النشر على يدي رئيس التحرير.. ولكن مع تغيير اسم الكاتب!!!!
وأذكر مرة ثانية بعد ذلك بعقد أو أكثر أن أشفق أحد الأصدقاء على أحوالي المالية فأقنعني- بصعوبة- بالكتابة في إحدى الصحف الخليجية الكبرى، وقد كان هذا تنازلاً كبيرًا مني لأنني كنت لا أحب هذا لأسباب سياسية. وبالفعل- تحت ضغط الحاجة وأعترف بذلك- ذهبنا معه إلى مكتب الجريدة بالقاهرة حيث كان على علاقة وثيقة بمدير المكتب.. وفي الحقيقة أن الرجل رحب بي أشد الترحيب، وطلب مني كتابة سيرتي الذاتية وبالمرة أعطاني كتابًا بالإنجليزية عن الخيول العربية (!!) لأكتب للصحيفة عرضًا له.. وقد كان..
ولكن مرت الأيام والشهور ولم يتصل بي أحد من الصحيفة.. وعندما اتصل الصديق المشترك بمدير المكتب، علمت أنه خشي من اتجاهاتي السياسية (خاصة أنني ترجمت كتابًا عن مشكلة خلافة الملك فهد في السعودية)، كما قال له: "بعد ما قرأت سيرته الذاتية قل لي هاعرف أشغله إزاي ده".. أي أن الإمكانيات كانت هذه المرة سبب عدم الرغبة في التعامل.. فضحكت ضحك السنين.. لكن بعد فترة وجدت مقالي (عرض الكتاب) منشورًا بدون اسم.. ومن شدة اشمئزازي لم أعاتب أحدًا.. ولم أطالب بالمقابل المادي.. فقد كان عندي غضب شديد منعني من أي تصرف، وأيضًا لم يكن عندي دليل إثبات..
وحدث بعد ذلك أن كان رئيس العمل لرفيق لي على وشك السفر لحضور مؤتمر أورو-متوسطي عن هذه الشراكة.. ورغبةً من رفيقي في نجاح ممثل منظمته الحقوقية في هذا المؤتمر طلب مني دراسة سبق أن أعددتها في الموضوع كي يلم رئيسه بالمسألة من وجهة نظر مختلفة.. وتمر شهور ليأتيني في المركز الذي أعمل به كتاب به ملخص للأوراق المعروضة بالمؤتمر إياه.. وكانت الصدمة الجديدة.. والغريب أنني تعاملت مع الحادثة بسخرية.. ولم أنبس ببنت شفه حتى لا أسبب مشاكل في العمل لرفيقي..
وبمناسبة المؤتمرات الدولية.. وجدت في كتاب بالإنجليزية دراسة مذيلة بقائمة للمراجع نصفها مترجم ومنقول بالحرف من قائمة مراجع سبق أن أرفقتها بدراسة لي غير منشورة.. والمضحك أن "المقتبس" لم ينتبه إلى أن أحد المراجع يقول "انظر أيضًا دراستي بعنوان (....)"!!!
أما الطامة الكبرى فكانت مع شخص "معلوم" جيدًا انتشر مثل السرطان في كل الصحافة الخليجية والليبية منذ منتصف التسعينيات.. وقد كان يكتب في كل شيء بدءًا من المنمنمات الإسلامية في آسيا الوسطى إلى أشعار الصوفية إلى حروب المياه إلى التنوير والديمقراطية إلى موازين القوى العسكرية إلى النقد الأدبي..الخ كل ما يمكن أن تتخيله من إنتاج قريحته العيمانة..
أصبحت سمعة هذا الشخص ملوثة، خاصة بعدما نشر في مجلة فلسطينية مقالة منقولة بالحرف من مقالة نشرت منذ مدة- وياللهول- في المجلة نفسها.. وكانت هذه فضيحة لغيبوبة محرري المجلة أنفسهم.. فأوقفت المجلة التعامل معه.. ولكنها في الحقيقة نشرت اعتذارًا كان فضيحة علنية له.. المهم أن صديقًا لي كان مديرًا لمكتب مجلة لبنانية (بتمويل ليبي) في القاهرة.. ولكنه رأى التعامل مع ذلك الشخص حسب توصية الليبيين..
وحدث أنني كنت أتصفح المجلة ذات يوم لأجد فيها مقالاً عن إحدى المنظمات الإقليمية التي كان مؤتمرها قد عقد في هذه الفترة.. وشعرت من القراءة أن الكلام ليس غريبًا علي.. وبمضاهاة المقال مع فصل كتبته أنا عن ذات المنظمة في دراسة لمشروع "مصر 2020".. وكان عنوان دراستي غير المنشورة هذه هو "مصر ومستقبل تنظيمات الجنوب".. وجدت المقال منقولاً بالكامل تقريبًا من صفحات في الفصل المذكور.. ولكن "المقتبس المحترف" قام بعمليات تقديم وتأخير، وتغيير القليل من المسميات والمصطلحات..
فسألت صديقي مدير المكتب: هل سمحت للكاتب بالاطلاع على دراستي؟ (وكانت لديه نسخة من الدراسة لسبب ما) فكانت إجابته الحزينة بنعم.. ولم أفعل شيئًا رسميًا في الموضوع حتى لا أعرض صديقي مدير المكتب لمشاكل.. ولكن لم أوفر فرصة لفضح السارق عند كل من يعرفونه..
في الختام.. لا أعتقد أنني أكتب "دُررًا" تستحق النقل.. ولكن ما يدهشني فقر الخيال عند الأدعياء، ونضوب مخزون الأخلاق من نفوسهم.. والمذهل أن بعض من لا يحتاجون إلى مزيد من مال يجترئون على ارتكاب هذه الفعلة الشنعاء!!! ورغم أنني أقدر الحاجة المادية التي تدفع البعض لارتكاب هذا الجرم (خاصة في ظل الأفواه الفاغرة للصحف الخليجية والفضائيات).. إلا أنهم مدعوون لبذل جهد أكبر في الإبداع، على الأقل حتى لا يصاب المسروقون بالبارانويا!!!
#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكاريزما من الانقلاب إلى الصندوق.. درس شافيز
-
عن شعبوية شافيز وغموض السيسي
-
من كتيبة المجهولين- اليساري بالسليقة
-
مستقبل مغامرة السيسي
-
لا تكرروا خطيئة التحالف مع الشاطر إخوان
-
فريق رائع
-
من غير لف ودوران
-
دليلك إلى القيادي الشرير
-
وحزب يساري جديد في مصر..
-
ثورة من جديد ؟!
-
وحدة اليسار المصري بين السراب والممكن
-
حديث طريف.. وكله عِبَر
-
مينا دانيال.. بطل من مصر
-
مسألة السيسي بين الاستقالة أو الاغتيال
-
كي لا تفشل الثورة المصرية
-
مظاهرة الزيتون
-
غابت البوصلة والطليعة فحضرت الكاريزما
-
شعب ثائر وحكومة مرتعشة
-
المجد للشعب المصري
-
أيام مصر الخطيرة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|