|
الاخوان المسلمون والسعودية
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 09:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في موسم حج عام 1936 التقى حسن البنا مع الملك عبد العزيز آل سعود:عرض البنا تأسيس فرع للاخوان المسلمين في المملكة ،ليجيب الملك برفض مهذب من خلال العبارة التالية:"كلنا اخوان،وكلنا مسلمون".بالتأكيد كان في ذكريات الملك ماحصل في عامي 1928-1929 من قبل حركة تمرد مسلحة انبثقت من داخل الحركة (الوهابية – السعودية)،التي تأسست مع الحلف الشهير عام 1744بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب في الدولة السعودية الأولى لماجرى تقاسم وظيفي يتولى آل الشيخ ابن عبدالوهاب الشأن الديني وآل سعود الأمر السياسي، تسمت باسم(الإخوان)بقيادة زعيم قبيلة مطير فيصل الدويش وزعيم قبيلة عتيبة سلطان بن بجاد في مناطق شمال نجد وفي المناطق المحاذية للحدود الكويتية والعراقية. كان الاثنان من كبار قادة عبد العزيز آل سعود وكان لهما دور كبير في سيطرته العسكرية على نجد والحجاز. في أواخر العشرينيات كان هناك توتر كبير بين هاشميي بغداد وعمان ،تدعمهما بريطانية ،وبين آل سعود الذين أسقطوا سلطة الشريف حسين على الحجاز في عامي1924-1925. كان الزعيمان القبليين مستاءان من تهميشهما في المناصب بالدولة الوليدة وكانت لندن تفكر في خط حديدي يربط البصرة بميناء حيفا عبر شمال المناطق التي يسيطر عليها ابن سعود. دعمت بريطانية التمرد المسلح الذي كان أكبر تحد عسكري يواجهه الملك عبد العزيز في مسيرة حكمه،احتاج منه سنتان وكان يقود المعارك بنفسه حتى اخماد التمرد. هذه المعادلة، بين التنظيم الجديد المولود في مصر منذ آذار 1928 والمملكة التي أعلن رسمياً عن قيامها عام 1932 بعد ضم عسير،لتنضم لنجد والاحساء والحجاز،ظلت قلقة،وكان تعامل الرياض الايجابي الحذر مع التنظيم الجدد له علاقة بالتوتر مع الملك فؤاد(ت1936 )الذي فكر جدياً بالخلافة بعد الغاء أتاتورك للخلافة العثمانية عام1924 ثم بالعلاقة المتوترة مع ابنه فاروق القريب من بريطانية ذات العلاقة المتوترة مع المملكة السعودية الجديدة التي لم تعترف بها القاهرة بضغط من لندن. مع تأسيس الجامعة العربية في آذار1945 بدأ تبلور حلف بين الرياض والقاهرة ضد هاشميي بغداد وعمان،تزامن مع لقاء جمع الملك عبدالعزيز مع الرئيس الأميركي روزفلت بباخرة عند قناة السويس أثناء عودة الرئيس الأميركي من قمة يالطا مع ستالين وتشرشل. كان البنا مسروراً من هذا التقارب المصري- السعودي،وفي حج 1945استقبل البنا من قبل مندوب الملك الأمير عبد الله الفيصل ثم بالعام التالي استقبله الملك. لم يكن هناك الكثير من المشتركات العقيدية بين (الاخوان)و(الوهابية): كان البنا من دون تفكير مذهبي لايتقيد بتخوم المذاهب السنية وخلافاتها التي امتدت من الفروع لبعض الأصول مع تغلغل الأشعرية في المذهبين الشافعي والمالكي مماكان مصدر نزاعات كبرى مع الحنابلة،وإنما كان يؤمن ب"صحيح اسلام جميع أهل القبلة والشهادتين" وكان تفكيره مثل الأفغاني في (اسلام عام) يتجاوز التخوم السنية- الشيعية. كان الوهابيون في الطرف الآخر عقيدياً،يكفرون الأشاعرة والشيعة. كان اللقاء سياسياً محضاً: تزعزعت علاقة (الاخوان) مع الرياض في 17شباط1948 مع دعم حسن البنا للانقلاب على الإمام اليمني يحيى في صنعاء ومقتله،ثم مع دعم الملك عبدالعزيز ،والملك فاروق،لابن الإمام المقتول أحمد في اجتياحه صنعاء يوم14آذار1948 وافشال الانقلاب،في محاولة من الأسرتين المالكتين لتفشيل أية محاولة لتجاوز أنظمة الحكم الوراثي الملكي بأي من دول الجامعة العربية. كان ضرب تنظيم الاخوان في الشهر الأخير من عام 1948ثم اغتيال البنا في شباط1949 حصيلة لفاتورة ماجرى في صنعاء وتداعياته في القاهرة والرياض.كان تجاوز حدود الحكم الملكي الوراثي سبباً في تقارب سعودي- اخواني عام 1954بعد أن كان سبباً للخلاف بينهما عام1948، لمااستقبل المرشد العام للاخوان المسلمين حسن الهضيبي استقبالاً حافلاً أثناء زيارته للسعودية في يونيو 1954، وهو الخارج من السجن بعد خلاف عاصف مع جمال عبدالناصر،وزوده الملك سعود بطائرة خاصة أقلته في رحلته إلى دمشق.بعد ضرب عبد الناصر لتنظيم الاخوان،إثر حادثة المنشية في 26 أوكتوبر 1954،لاقى الاخوان المسلمون المصريون ملجئاً رحباً في السعودية ثم تبعهم (اخوان)سوريا في فترة1964-1982. تزامن هذا مع خلاف الرياض والقاهرة الذي انفجر منذ ربيع عام1957في شكل مجابهة وصلت إلى حدود "حرب باردة عربية" كانت انعكاساً لمايجري بين واشنطن وموسكو،وأصبح لها شكل أيديولوجي لماطرح الملك فيصل "الحلف الاسلامي"مع ايران وباكستان عام1965ضد عروبية عبد الناصر في ذروة حرب اليمن. احتاج الملك فيصل إلى مدرعات أيديولوجية في وجه الطرح القومي العروبي،لم يجده سوى عند (الاخوان)،الذين لم يجدوا فقط في الرياض ملجئاً وإنما أيضاً سنداً ضد القاهرة ثم كانت بوابتهم إلى العاصمة المصرية بعد أن كان الملك فيصل عراب المصالحة بين الرئيس المصري الجديد السادات وتنظيم الاخوان في صيف1971إثر ضرب ناصريي 15مايو1971وتوتر العلاقات المصرية- السوفياتية. كانت حصيلة هذا الزواج ،بين السلطة السعودية وتنظيم الاخوان،سيطرة الأخيرين على النظام التعليمي بالسعودية ويكفي هنا الاشارة إلى الاخواني المصري مناع القطان الذي وضع منذ الخمسينيات السياسات التعليمية في المملكة وأصبح مديراً للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود، والاخواني السوري عبد الفتاح أبوغدة الذي وضع مناهج الدراسات العليا في كلية التربية بجامعة الامام محمد بن سعود ووضع مناهج المعهد العالي للقضاء بالرياض وكلية الشريعة بجامعة الامام ابن سعود.نازعهم السلفيون الوهابيون التقليديون في حقل القضاء.في الحياة الأكاديمية السعودية بفترة1970-1991كانت السيطرة الاخوانية غالبة أمام السلفيين و"الليبراليين"،وقد امتد الاخوان إلى النظام التعليمي الحكومي ثم قاموا بتأسيس مدارس خاصة مثل (مدارس التيسير) في جدة التي أسس سلسلتها الاخواني المصري أحمد حسن الخولي عام1968. تعزز هذا الزواج السياسي السعودي- الاخواني في محطة أفغانستان 1979- 1988ولم تزعزعه تقاربات الاخوان مع الخميني عقب وصول الأخير للسلطة وارسال التنظيم الدولي للاخوان وفداً لمقابلة القائد الايراني كان أحد أعضائه سعودياً هو عبدالله سليمان العقيل.في عام1986حصل تصدع اخواني سوري مع الرياض لماانقسم التنظيم السوري بين موالين للرياض بقيادة الشيخ أبوغدة وموالين لبغداد بزعامة عدنان سعد الدين ،خففت آثاره بوقوف القيادة الاخوانية بالقاهرة مع الجناح الموالي للرياض. لم يؤد هذا الزواج إلى تقاربات أيديولوجية بين النزعتين الاخوانية الأصولية والنزعة السلفية الوهابية،وعندما حاول الاخواني السوري(محمد سرور زين العابدين) المقيم بالسعودية ايجاد توليفة جامعة بين ابن عبد الوهاب وسيد قطب نبذه الاخوان،ولكن لاقت "السرورية"رواجاً كبيراً ولتنافس الاخوان في حصونهم التعليمية والأكاديمية السعودية بالثمانينيات كما كان لتلاميذه تأثير ثقافي كبير في السعودية مثل(سفر الحوالي). كانت محطة غزو العراق للكويت في 2 آب 1990 سبباً لافتراق اخواني – سعودي كبير لماوقفت كل تنظيمات الاخوان(ماعدا الفرع الكويتي وجناح الشيخ أبوغدة) ضد استعانة دول الخليج بالقوات الأميركية ضد العراق. شارك الاخوان في هذا السروريون ،ثم سلفيون آخرون مثل أسامة بن لادن كان متأثراً باخواني درً س في السعودية هو عبدالله عزام هو من المتأثرين بسيد قطب ،قبل أن يمزج ابن لادن سلفيته الوهابية مع"جهادية"أيمن الظواهري المتأثر أيضاً بسيد قطب. خلال التسعينيات لم تقطع الرياض مع (الاخوان) ولكن كان واضحاً تفضيلها للرئيس مبارك وزين العابدين بن علي وجنرالات الجزائر الداخلون جميعاً في صدامات مع الاسلاميين،وبعد(11سبتمبر2001)أصبح واضحاً،مع الضغط الأميركي لربط الوهابية بالارهاب ثم مع دخول (السلفية الجهادية)في عمليات داخل السعودية ضد السلطة ،أن الرياض ستتجه نحو انفصال"ما" مع مابدأ مع الحركة الاسلامية العالمية منذ خريف1954،وقد أتى تصريح الأمير نايف في23نوفمبر2002لجريدة السياسة الكويتية عن أن "جماعة الاخوان المسلمين أصل البلاء. كل مشاكلنا وافرازاتنا جاءت من جماعة الاخوان المسلمين،فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار"لتوضيح معالم الطلاق لهذا الزواج السعودي- الاخواني. خلال عقد زمني فاصل عن بدء "الربيع العربي"في الشهر الأول من عام2011كانت السعودية في افتراق جبهي في المواضيع الرئيسية عن(الاخوان):غزو أفغانستان- العراق- الموقف من الأنظمة العربية القائمة- حرب تموز2006- ايران. شعرت السعودية بالقلق من الظاهرة الاسلامية التركية الأردوغانية وبداية طروحات أميركية عن "بديل اسلامي معتدل" لتطرف"القاعدة" ترافق مع تقاربات اخوانية مصرية مع واشنطن أثمرت ضغطاً أميركياً على مبارك قاد لأخذ (الاخوان)خمس مقاعد البرلمان المصري عام2005ثم دخول الحزب الاسلامي العراقي في وزارة المالكي بأيار2006.مع سقوط زين العابدين بن علي ومبارك بعام2011ثم تولية أنقرة والدوحة الملف السوري المعارض من قبل واشنطن كان هناك صعود اخواني برعاية أميركية- تركية أثمر وصولاً إلى السلطة لاخوان تونس ومصر وتصدراً اخوانياً للمشهد السوري المعارض عبر"مجلس اسطنبول". قوبل هذا بتوجس وقلق سعودي كبير،قاد إلى دعم سعودي صريح لقوى مضادة للاخوان في القاهرة وتونس ولدعم قوى مضادة للاخوان في المعارضتين المدنية والعسكرية السورية حتى احكام سيطرة الرياض على "الائتلاف"السوري المعارض منذ أواخر أيار2013، ثم ظهر دور الرياض في دعم انقلاب3يوليو 2013 ضد مرسي وفي دعم الاضطراب المعارض التونسي ضد سلطة حركة النهضة. كخلاصة عامة:كان هناك زواج مصلحة متبادلة بين الرياض و(الاخوان) في فترة1954- 1990تزعزع في محطة الكويت. الطلاق كان بعد(11سبتمبر2001). المواجهة كانت مع الصعود الاخواني بعام2011. يبدو أن انطلاق المجابهة وتحولها إلى صدام علني هو بسبب الخوف من تكرار في عهد مرسي لتحالف اسطنبول والقاهرة كالذي كان بين السلطان العثماني ومحمد علي باشا لماقام الأخير بتدمير الدرعية بعام1818وقضى على الدولة السعودية الأولى، وخاصة مع وجود الكثير من الزرع الفكري- الثقافي- المؤسساتي ل(الاخوان المسلمين) في المجتمع السعودي،كان يمكن أن يجعلهم "البديل الاسلامي" في حال نشوب أي اضطراب داخلي كاالذي جرى في قاهرة25يناير2011. انضاف لهذا القلق السعودي ماأوحى به مرسي في طهران من طرحه لتلاقي مصري- تركي- ايراني- سعودي كان من الواضح أن الرياض ستكون هي الطرف الأضعف فيه إن قبلت وسيطوقها إن رفضت. قبل هذ وذاك توجس الرياض من أي قطب عالمي للاسلام السني يكون خارجها.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفشل الثاني لتيار الإسلام السياسي السوري
-
أوكرانيا: عبء التاريخ والجغرافية والبنية
-
محمد سيد رصاص - كاتب وباحث وناشط يساري سوري - في حوار مفتوح
...
-
عام2011: فشل محاولات توحيد المعارضة السورية
-
(جنيف 2)
-
انشقاق المعارضة السورية (2006-2010)
-
هل سيكون أردوغان مندريس الثاني؟.....
-
قراءة في تجربة (جماعة الإخوان المسلمين) في سورية
-
تبلور نزعة المراهنة على الخارج في المعارضة السورية (2003 - 2
...
-
انزياح أميركي عن الشرق الأوسط نحو التركيز على الشرق الأقصى
-
المعارضة السورية في بداية العهد الجديد: (10حزيران2000- 9نيسا
...
-
المعارضة الحزبية في مرحلة الأسد الأب
-
دخول الدور الاقليمي التركي في طور الضعف
-
النزعة الإرادوية في المعارضة السورية
-
دور العامل الخارجي في الصراعات الداخلية
-
النزعة الشعبوية في المعارضة السورية
-
الفراغات الاقليمية لضعف القوة الأميركية
-
رؤية اسرائيل للجوار
-
العلمانية والأحزاب الدينية
-
التدخل العسكري الخارجي والتفكك الانفجاري للبنية الداخلية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|