|
تبعيث التعليم من اخطر جرائم نظام البعث البائد
سامي بهنام المالح
الحوار المتمدن-العدد: 1250 - 2005 / 7 / 6 - 11:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رغم كل ما يقال و يكتب عن حجم و خطورة الجرائم التي اقترفها النظام البعثي الدكتاتوري الدموي بحق الشعب العراقي و حق الشعوب الاخرى و بحق الطبيعة و امن المنطقة و الامن الدولي، و بالرغم من المساعي و الجهود التي تبذل و على مستويات عدة لتوثيق كل تلك الجرائم البشعة تمهيدا لمحاكمة راس النظام و ازلامه، يبقى هدف تحديد عدد و حجم كل الجرائم و ثم دراسة طبيعتها و تقييم النتائج و الخراب الانساني و الحضاري و الاقتصادي و الاجتماعي و الاخلاقي و البيئي و الامني و النفسي التي سببتها و لا يزال تسببها ، يبقى هدفا وامنية ذات اهمية تاريخية حاسمة في مسيرة العراق و حياة ابنائه جميعا و مستقبلهم دون استثناء. لعل واحدة من ابشع الجرائم التي ارتكبها النظام البائد و اخطرها كانت جريمة تبعيث التعليم. هذه الجريمة التي قلما يجري الحديث عنها، و نادرا ما يسلط الضوء على نتائجها الكارثية و على الدمار و الخراب الانساني الذي سببته، بحق اجيال كان قدرها ان تسمم و تخرب تربويا و ان تنشأ على مجموعة من المعارف و القيم الغريبة المشوهة و الغير حضارية.
ان اصدار قانون تبعيث التعليم سيْ الصيت، جاء لضمان السيطرة الاستراتيجية المطلقة على تفكير و تعليم و اعداد الاطفال و الشباب الذين اكد المجرم صدام حسين في حينها على ان من يكسبهم يكسب المستقبل. و هكذا من خلال تلك الجريمة، اراد البعث ان يكسب الصغار و الفتوة و الشباب و كل العاملين في حقل التربية و التعليم، ليحولهم الى ادوات تمجيد و بيادق شطرنج و احتياطي لاجهزته القمعية و لالته العسكرية الجرارة. لقد جسدت سياسة التبعيث الاجرامية تلك ، فكر البعث الرجعي الشوفيني، و ايمان قيادته بالاساليب الفاشية في تعزيز قبضتها و ضمان ديمومة سلطتها و الولاء المطلق للدكتاتور.
فالبعث بخلفيته الدموية المعادية لكل ما هو تقدمي و حضاري، و بالاستفادة القصوى من تجارب و ارث الانظمة القمعية و الفاشية و الشمولية في العالم، و باستيلائه على كامل ثروات البلد الهائلة، ركز و منذ البداية على شل حركة الجماهير و تحديد و خنق امكانية التفكير العلمي و المستقل و الحر و الانفتاح و التواصل و الحوار و المناقشة، و بدأ من خلال السيطرة الكاملة على المؤسسات التربوية و التعليمية و الثقافية و الاعلامية في انتاج و تسويق، بل و فرض، الفكر و الثقافة الشوفينية و في تشويه الحقائق التاريخية و تزويرها و صياغة المناهج الدراسية و ادخال بعض المواد الدراسية الاجبارية و فرض بعض القيم و التقاليد، التي تعاملت و حولت المجموع ـ الجماهير الغفيرة، الى قطيع متلقي موجه محروم من اي امكانية للتقيم و اتخاذ المواقف و الخيار. لقد تحولت الصفوف و المدارس و المعاهد و الكليلت الى اماكن و ساحات لتعليم الخنوع و الخضوع لارادة القائد الضرورة و الطاعة المطلقة لاوامره. فالمهمة التربوية الاولى للمؤسسة التربوية، تحولت الى اعداد الافراد و قطاعات منظمة مسلوبة الارادة و الاستقلالية و مدربة على قبول الدكتاتورية و تمجيدها و الاستعداد الدائم لتنفيذ سياساتها و اوامرها دون اي مناقشة، و القيام بمهمات قذرة ضد مصالحها الحيوية الخاصة و ممارسة العنف و الرياء و الكذب و الفساد.
باختصار شديد، تبعيث التعليم حول المؤسسات التربوية الى جزء من المؤسسات البعثية القمعية، وفرغ العملية التعليمية و التربوية من محتواها التربوي و التعليمي لتصبح عملية تخريب منظمة للانسان و لتعطيل و تشويه نموه الطبيعي و حرمانه من مستلزمات التحضر و التطور، ناهيك عن التخلف العلمي الذي اصاب العراق و هجرة معظم الكوادر و العقول العلمية .
ان تخريب الاجيال و تعبئة الشباب كوقود للمعارك الداخلية و الخارجية و عسكرة المدرسة و الجامعة و البحث العلمي هي جرائم خطرة و وذات نتائج ستراتيجية كارثية. فتخريب الانسان بالحديد و النار عملية قد لاتكون صعبة عندما يتولى الدكتاتور و بعقلية بعثية امر انجازها، الا ان اعادة بناء الانسان في العراق الجديد و معالجة اثار هذه الكارثة، هي عملية معقدة و صعبة و اساسية لبناء المستقبل، و يتطلب تنفيذها تظافر كل الجهود و التأسيس لاعادة بناء نظامنا التربوي و تحديد اهدافه الانسانية و العلمية و الديمقراطية، بعيدا عن الايديولوجيات و السياسات الحزبية، و توفير امكانية التعلم و الدراسة و باسرع ما يمكن لكل اطفال العراق، بالاضافة الى تاهيل جامعاتنا و مؤسسات البحث العلمي و الاهتمام الجدي بالمعلم و مكانته الاجتماعية و ظروفه الاقتصادية و اعداده التربوي و العلمي على اسس عصرية جديدة و فعالة.
أن لما يجري في عراقنا الدامي اليوم، من عنف و ارهاب و فساد و جرائم اقتصادية و اجتماعية و اخلاقية، و رواج و نمو للافكار و القيم و التقاليد العشائرية و الطائفية و القومية الشوفينية و التعصب الديني و القومي، و غيرها من الامراض ،علاقة واضحة بنتائج سياسات و جرائم البعث و رأسه، والتي لا بد ان يحاكم عليها جميعها، ان يحاكم الفكر البعثي الشوفيني، و ان يحاكم النظام القمعي و اساليبه و سياساته، و ان يحاكم كل من شارك في رسمها و تنفيذها و ساهم في القتل و الدمار و الخراب و التشريد و الحرمان و العذابات الانسانية التي اصابت العراق و شعبه.
#سامي_بهنام_المالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحالف القوى العلمانية و الديمقراطية و اليسارية حاجة ملحة و ض
...
-
تيار ديمقراطي فاعل من اجل تطوير العملية السياسية و ترسيخ الد
...
-
لا لقضم الديمقراطية ولا لحرمان الناس من ممارستها
-
تضامنا مع جماهير سهل نينوى
-
تمنيات للعام الجديد
-
الدفاع عن المسيحيين، دفاع عن مستقبل العراق
-
الى ذكرى الشهيد عبدالمطلب كمال العزاوي ـ ابو سعيد
المزيد.....
-
لبنان يعلن الحداد 3 أيام على نصرالله.. وميقاتي يدعو لانتخاب
...
-
الحوثيون: قصفنا مطار بن غوريون أثناء وصول المجرم نتنياهو إلي
...
-
اغتيال إسرائيل لنصر الله.. مخاطر التصعيد الإقليمي
-
إيلون ماسك يظهر بفيديو ينتقد فيه الذكاء الاصطناعي بقسوة
-
طرابلس اللبنانية تستجيب لأزمة النزوح بحملة تطوع محلية
-
خبراء: الاغتيالات تعكس خرقا أمنيا خطيرا ورد الحزب لم يرق لحج
...
-
أيمن زيدان يعتذر عن عدم تكريمه بمهرجان الإسكندرية تضامنًا مع
...
-
من سيخلف حسن نصر الله؟
-
واشنطن تدعو موظفين في بعثتها الدبلوماسية في بيروت إلى المغاد
...
-
دول أعلنت الحداد على نصر الله
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|