علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 22:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اذا كان المنطق هو فن التفكير الصحيح الذي من شأنه ان يوصلنا الى الحقيقة , فلابد له لكي يكون مثمرا ان يقسم هذا السعي على اتجاه صوري وآخر تطبيقي , اما المنطق الصوري فهو المنطق الذي وضع اسسه ارسطو واساسه اتساق الفكر مع انسجامه والثاني خاص بالعلوم التجريبية وهو ما يسمى بمناهج البحث , وعلى هذا الاساس فأن المنطق الصوري يتضمن البحث في : التصورات في دلالتها الالفاظ والحد والرسم , والتعريفات اي القضايا , والقياس اي الحجج والبراهين واهم انواع الاستدلال وهو ثلاثة انواع : استدلال بالكلي على الجزئي وهذا هو الاستنياط , واستدلال بالجزئي على الكلي وهو الاستقراء , واستدلال بالجزئي على الجزئي وهو التمثيلي .
النوع الاول من الاستدلال وهو الاستنباط الذي كان وما زال محل اعتراضات منها : انه تحصيل حاصل لان النتيجة متوفقة على المقدمة .
اما فيما يخص القضايا فكل قضية اما قبليه واما بعدية والقضية القبلية هي المعلومة النظرية الموجودة في عقل الانسان قبل التجربة , اما القضية البعدية فهي المعلومة المكتسبة من التجارب , وكل القضايا القبلية تعد تحليلية اي ان محمولها لا يفترق عن موضوعها , اما القضايا البعدية فهي تركيبية اي انه لا نستطيع معرفة موضوعها الابعد التجربة والملاحظة . وبالتالي فأن كل القضايا القبلية اي التحليلية قضايا اخباريه لأنها ليست انشائية بل هي ناتجة عن واقع محدد ومن امثلتها القضايا الرياضية لذا فان هذا النوع من القضايا لا يفيد العلم بشيء جديد . اما القضايا البعدية اي التركيبية فهي التي تمد العلم بما يحتاج لأنها نتيجة تجربة وملاحظة .
اما البرهان فيقسم الى قسمين : استدلال بالسبب على المسبب وهو البرهان اللمي (من لم) , واستدلال بالمسبب على السبب البرهان الاني (من ان).
وكل اثنين اما ان يشتركا في تمام الماهية فهما متماثلان واما الا يشتركا في تمامهما فهما متخالفان , والمتخالفان : اما ان يشتركا في بعض من اجزاء الماهية فهما متفاوتان او متعاندان , واما الا يشتركا في كل اجزاء الماهية لكن احدهما يعتبر شرطا اضافيا للآخر فهما المتضايفان مثل الأبوة والبنوة , واما ان لا يشتركا ابدا فهما الضدان وهؤلاء يرتعفان معا مثل السواد والبياض , وان لم يرتفعا مثل الضدان فهما نقيضان مثل : الحركة والسكون ولا يقع هذا التقابل الا اذا كانت هناك وحدة في الموضوع والمحمول والزمان والمكان والاضافة ولكل الجزء والشرط والقول والفعل.
ومما تقدم يمكن القول ان ما يوجب ادراك شيء بسبب ادراك شيء ملازم له هي الدلالة , وعليه فإننا يمكن ان نميز مجموعة من انواع الدلالات , مثل : عقلية لفظية وعقلية غير لفظية وطبيعية لفظية وطبيعية غير لفظية ووضعية غير لفظية ووضعية لفظية مطابقية اوتضمنية اوالتزامية .
وبما ان اللفظ ما يصح ان يطلق على شيء او اشياء فلابد ان يكون على انواع : مختص مثل الحيوان ومشترك مثل جون ومنقول مثل الصلاة ومرتجل مثل اسد على شخص ما وحقيقة مثل اسد على الحيوان نفسه ومجاز مثل اسد على الشجاع . ثم ان اللفظ يقسم على مفرد ومركب فالمفرد هو الذي لا يدل جزؤه على جزء معناه وهو اقسام هي : الاسم والكلمة (الفعل في النحو) والاداة (الحرف في النحو) اما المركب فهو الذي يدل جزؤه على جزء معناه ويقسم المركب على : تام مثل العلم نور , وناقص مثل قيمة كل امري .. والتام يقسم بدوره على : خبر وهو جملة تحتمل الصدق والكذب مثل خالد ناجح وانشاء جملة تامة لا تحتمل الصدق والكذب مثل ليت خالد ناجح . وبذلك قد يتحقق المعنى , لكن للمعنى عدة انحاء فهو : مفهوم : وهو المعنى الموجود في الذهن مثل مفهوم انسان , ومصداق : وهو المعنى الموجود خارج الذهن مثل علي ومحمد والعلاقة بين المفهوم والمصداق هي علاقة انطباق المفهوم في الذهن على مصداقة في الخارج , والمفهوم نوعان : جزئي ويختص بمصداق واحد او يندرج تحت مفهوم اوسع منه مثل انسان , مفهوم كلي وهو الذي لا يمتنع انطباقه على اكثر من مصداق واحد مثل , انسان , كتاب, مدرسة , وهذا الانطباق اما ان يكون بالتساوي فهو المفهوم المتواطئ :مثل الانسان ـ الذهب او ان ينطبق بالتفاوت فهو المشكك مثل البياض ـ الحلاوة , ثم ان اي مفهومين كليين في مجال انطباق كل واحد على مصاديق اما : متساويان او متباينان او بينهما عموم وخصوص من جهة او بينهما عموم وخصوص مطلقه .
فأين موقع البحث عن الحقيقة في كل ذلك ؟
يرد لفظ الحقيقة في اللغة: بمعنى الحق، والصدق، والصحة، واليقين، والوجوب، والرصانة، ومقابلة التجاوز. يقول ابن منظور (ت711هــ) في لسان العرب : بلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه. وفي الحديث: لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه؛ يعني خالص الإيمان ومحضه وكنهه. وحقيقة الرجل: ما يلزمه حفظه ومنعه ويحق عليه الدفاع عنه من أهل بيته ؛ والعرب تقول: فلان يسوق الوسيقة وينسل الوديقة ويحمي الحقيقة... والحقيقة ما يحق عليه أن يحميه، وجمعها الحقائق. والحقيقة في اللغة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه، والمجاز ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة: وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه، فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة،...وحق الشيء يحق، بالكسر، حقا أي وجب... وأحققت الشيء أي أوجبته. وتحقق عنده الخبر أي صح. وحقق قوله وظنه تحقيقا أي صدق. وكلام محقق أي رصين... والحق: صدق الحديث.والحق: اليقين بعد الشك
اما الحقيقة في الاصطلاح فيبدو أن أمرها أصعب مما عليه في اللغة بسبب تعلقها في النسبة بين التصور والتصديق، اذ ان معنى الحقيقة اول ما يتبادر الى الاذهان ما : هو تيقنت منه ، لكن كيف تتيقن من وجود شيء ما ، وهل ذلك ممكن ؟ نقول قد تعرف الحقيقة عن طريق التجربة العلمية ، فلا نستطيع ان ننكر ان جزيء الماء الواحد يحتوي على ثلاث ذرات مرتبطة ببعضها، ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين لان الجمع بين هذه الذرات لا يولد شيئا ثانيا غير ذرة الماء في الظروف كلها . كما تعرف الحقيقة عن طريق الاضداد فنحن مثلا جميعا متأكدون من اننا نحلم في النوم وان الاحلام ليست حقيقية لكن افكاري في الواقع حقيقية لأنها على الضد تماما من احلامي في نسبة ارتباطها بالواقع , وقد تعرف الحقيقة عن طريق الثبات فحينما نقول : لقد ثبت للجميع بان هناك رجلاً اسمه حمورابي او المسيح او ان هناك حادثة معروفة فإن هذه تعد حقائق لان القرائن تثبت وجودها ، وقد تعرف الحقيقة ايضا عن طريق اقتراب الشيء من مثاله كأن نقول عن صورة ما انها حقيقية بحسب درجة اتقانها .
لكن الحقيقة قد تلتبس على التعريف اذا عوملت بطريقة تجريدية، فاذا قلنا عن زيد انه انسان حقيقي على اعتبار وجوده الواقعي بيننا فان ذلك لا ينفي الشك في حقيقته الانسانية لان زيداً لم يجمع كل خصائص الانسانية لكي نقول عنه انه انسان ، وهذا ما يسمى في الفلسفة بالعلاقة بين الذات والماهية وهو مبحث دقيق ومجال خلاف حتى أن الفارابي قال: الوقوف على حقائق الاشياء ليس في قدرة البشر ، ونحن لا نعرف من الاشياء الا الخواص واللوازم والاعراض......
وعلى العموم فقد اتفق الفلاسفة على تسمية الموجودات العينية والذهنية بالحقائق الواقعية ، لانها تتمتع بوجود مستقل عن العقل الذي يدركها , واتفقوا ايضا على تسمية المبادئ الكلية مثل مبادئ الرياضيات بالحقائق الابدية.
لكن الحقيقة ارتبطت كثيرا بما تتمثل به في الفلسفة المعاصرة اذ يرى البرجماتيون ان الحقيقة تتمثل في الفكرة ذات النفع التجريبي , فيما يرى الماركسيون بأن الحقيقة هي الفكرة المعبرة عن الوجود الموضوعي ، ويرى الوجوديون ان الحقائق ترتبط بالحرية، واخيرا لابد من القول ان لفظ الحقيقة يقابل: الواقع الموجود بالفعل، وهو ضد الاعتباري، ويقابل ايضا الثابت، وما هو ضد الممكن والخيالي، ويقابل بالذي يتعلق بالذات أكثر من تعلقه بالمظهر او الاسم، ويقابل ايضا الواضح ... الخالي من الغموض واللبس.
المصادر :
1ــ المنطق , محمد رضا المظفر .
2ــ المنطق , جون ديوي , ترجمة عبد الرحمن بدوي .
3ــ التعريفات , الجرجاني .
4ــ المعجم الفلسفي , جميل صليبا .
5ــ لسان العرب , ابن منظور .
6ــ خلاصة المنطق , عبد الهادي الفضلي .
#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)
Ali_Huseein_Yousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟