مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 21:15
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ارجو التنويه ان هذا المقال تكملة للمقال السابق وهو على الجانب الايمن من الشاشة :
وعلى هذا النحو ينفصل فى ذهن الطفل جسم الام عن الجسم الحاضر , الجسم الذى يرعى ويغذى عن الجسم الغائب الذى يحيض وله رغباته الجنسية. وتقوم علاقة الام بالابن على نوع من النفاق. فحين يلاحظ الاختلاف ويضع الاستفسارات , تضع الام علاقة الصمت بينها وبين طفلها , ويظل هذا الصمت سائدا الى ان يصبح بدوره اباء. فيواجه جسما مشتهى مقابل جسم امومى واذ ذاك لا يستطيع الكلام ولا الانسجام مع ما فصّل فى ذهنه فى سن مبكرة. وحتى فى الحالات التى يرفع فيها الصمت عن الجسم لا يرفع بالضرورة عن الرغبة الجنسية.
بهرب الطفل الذكر اذا من الصمت لانه يقابل السكون عن كل استفسار يتعلق بدم الحيض فى حين الطفل الانثى تهرب فى كثرة الكلام الذى هو تعوبض عن صدمة علائقية فى مرحلة الطفولة المبكرة.(جسم البنت يختلف عن جسم الام والاب من ناحية , ووضع البنت فى سلم الاسرة يختلف عن وضع الولد)
وتجعل الام عادة من دم الحيض شيئا قذرا غامضا وتحاول بألحاح اخفاء حقيقة تزعجها هى ذاتها. ويفسر سلوكها العدوانى احيانا خلال تلك الفترة بأنها تعيش اياما لا تكون فيها مسؤولة عن افعالها والنتيجة ان الطفل الذكر يحرص حين يكبر , على ان يتميز عن هذا الجنس وذلك حتى لا يفقد قيمته الاجتماعية ويعيش هذا الاختلاف كامتياز له لانه لا يصاب بتلك الظاهرة ويرفض الجنس الاخر او يحتقره. وبذلك يخضع لتحول اساسى فى كيانه ينعكس على سلوكه طول الحياة.
فترة الحيض اذا تشكل برهة هشة فى علاقة الرجل والمرأة ويعبر كل منها بالاتجاه الذى يتخذه منها عن حقيقة العلاقة التى يعيشها مع الاخر.
وتستعرض الكاتبة الممارسات المجتمعية تجاه الدم بوجه عام وتجاه دم الحيض بشكل خاص. ويعبر هذا الاخير انه دم ليس منتجا. فلا مردودية لهذا الزمن الضائع الذى تعده كل امرأة حسب طريقها وهو لا يدخل فى حقل الزمن الميكانيكى. لكن مع ذلك اوجد المجتمع الغربى طريقة لجعل دم الحيض منتجا : بالقضاء عليه , وامتصاصه حتى من ذهن النساء. وتعطى الدعلية التجارية الدليل على ذلك. تعمل بكل الوسائل على تأكيد فكرة التخلص منه., تحت ستار النظافة والصفاء . . . فهى تدفع المرأة الى الغاء ذلك الدم , اخفائه , نسيانه. يجب اسكات جسم المرأة مع انه ينضح بالحياة. وتجدر الاشارة هنا ان بعض النساء يلجأن الى عملية استنزال الحيض مرة واحدة حتى يتفادين الادماء لبضعة ايام.
ثم تتناول الكاتبة مشكل الغاء الاخصاب عن طريق حبوب منع الحمل واللولب. فهما اداتان لا تعنيان تحرير جسم المرأة وانما تخفى وراءها اسلابا قاسيا يفرض الصمت على جسم المرأة الذى تدعى انها تحرره.انها حرية فرضها تنظيم اقتصادى معين يتطلب يدا عاملة رخيصة هى النساء. فالغاء الاخصاب يعنى اختزال جسم المرأة الى شئ. وليس هناك اية حرية او احترام للجسم بل يعنى ذلك اختبارات ثقافية اجتماعية معينة.
وتعتقد الكاتبة ان الطمأنينة التى تعطيها حبوب منع الحمل لا تعدو ان تكون نوعا من الخصاء يسمح بشيئين اساسيين : البرمجة الاجتماعية الجماهيرية لجسم المرأة وادراجها فى تنميط عام موحد فى مشروع يديره الفرد ذاته لفائدة المجتمع ويراقبه الاطباء.
بالاضافة الى ذلك تجعل حبوب منع الحمل واللولب من جسم المرأة شيئا صالحا للاستهلاك فى كل لحظة , لايتمتع بذلك الانسحاب المشروع بالاختلاف. لقد قدمت تلك الحبوب على انها تقدم للانسانية لانها الغت التناقض الكائن بين الرغبة الجنسية والاخصاب. ثم ان تلك المنتجات ليس ملكية جماعية للمرأة بل هى تحت حيازة مخابر الصيدليات والاطباء والسلطة القانونية والسياسية. اضف الى ذلك ان الكل اصبح يعترف بخطر تلك الحبوب واللوالب على صحة المرأة الجسمية والنفسية.
وليس معنى ذلك ان يترك الحبل على الغارب فى مجال الانجاب بل تدعو الكاتبة الى مبدأ اساسه ان التحكم فى الاخصاب يجب ان يتم عن طريق الاليات البيولوجية لفترة تكّون البويضة لكل امرأة وان تقوم كل واحدة بمعاينتها بنفسها. وان لا يكون الامتناع عن ممارسة الاتصال الجنسى فى تلك الفترة مدعاة للشعور بالحرمان او الابتئاس بل يجب ان يعتبر ذلك تخصيص زمن لجسم المرأة واحترام لايقاعها.
بعد ذلك تتناول الكاتبة قضية الحمل والامومة. بوجه عام يولى المجتمع هذه الفترة بعناية خاصة بعكس فترة الحيض والاخصاب. وهى لحظة وسيطة بين لحظات القوالب النسوية التى تحاصر فيها الانوثة وتجعلها تنتقل من مجال اللذة الى مجال الواجب. فيها تدخل المرأة الى المسؤولية وكأنها فى سلك الرهبنة.
وهى حالة لا يعيشها الرجل موضوعيا وانما يتصورها. وهى تجسد كل امكانية تفرد جسم المرأة واختلافه. هى حالة تفصح عما هو انثوى بشكل صارخ , وتبرهن على وجود متجذر بعمق فى اختلاف لايمكن تخليصه. والجنس الذى كان ضعيفا يصبح قويا مستقلا ينصت الى نبض الحياة الموجود داخله. يشعر الرجل انه منفى خارج حالة الحمل. احيانا يعانى مشاعر الخوف والتهديد لهويته , وقد يؤدى به ذلك الى الامتناع عن الاتصال الجنسى بعد الشهر السادس او السابع. والمرأة ذاتها ترفض لنفسها هذه التجربة , تحاول ان تنسى ان لها جسم حامل حتى تظل اطول مدة فى مجال اللذة الخالصة من كل صبغة للانجاب بدلا من ان تفرض الحالتين معا. وتحاول ان تخضع جسمها لايقاع مجهد حتى لاتشعر انها فى حالة خاصة. وهى بذلك تفقد جزءا من هويتها.
حالة الحمل اذن تواجه الرجل والمرأة بقوة على حد سواء. اذ هى ثورة على التطابق الكلى للجسم الذكورى. وتجعل الرجل يعيد النظر فى ذاته واعتباره المرجع الوحيد للوجود , وفيها يكتشف القيم الانثوية التى كانت محجوبة عنه.
وتشجب الكاتبة الانفصال الذى يتم بين العالم الذكورى والانثوى فى حالة الامومة "الانفصال هو اعدل قسمة بين الناس فى المجتمعات الحديثة". بل كأنه الهدف النهائى لنمط انتاجها.
يجب اذا ان يدمج الرجل فى حالة الحمل وتربية الطفل كما يجب ان تشارك المرأة الرجل ما يظهر لها انه مصدر قوتها ومصدر استلابها فى نفس الوقت. فى لحظات الامومة يكتشف الطرفان مدى اختلافهما لكن على كل منهما ان ان لا يمتهن هويته وفى نفس الوقت ان يتفهم هوية الآخر.
وتنتقل الكاتبة عن الكلام عن المستشفيات الفرنسية للولادة سواء منها العمومية او الخاصة. وتؤكد على انها المكان الذى يحدث فيه الغاء ايقاعات المرأة بشكل بالغ القسوة. فيها يفرض الصمت على المرأة فى حالة المخاض , فى حالة الالم , فى حالة الاستفسار. وما يعقد الوضع هو ان المرأة تعتقد ان الطفل الذى فى احشائها قد يتعرض لسوء ما ما لم تمتثل لاوامر الطبيب المولّد. هذا خوف لا مبرر له لان القانون يعاقب عليه. وتشعر المرأة فى حالة المخاض بموت رمزى وتحتاج الى من يهدئ روعها. لكن الاطباء اوجدوا ترسانة من الالات والرسوم البيانية التى تلفظها الاجهزة. وهم ينصتون الى تلك الالات والاجهزة وليس لديهم وقت للاجابة عن سؤال الكائن والموت.
وتشجب الكاتبة برمجة تاريخ الوضع الذى اصبح يرسم على اساس برنامج عمل المولّدين وعطل نهاية الاسبوع وعطل الاطباء وانشغالهم.
والخلاصة ان قيمة الكتاب تتجلى من صرخة الاحتجاج على ايقاعات المجتمع الصناعى الذى يلهث وراء تنميط عام للانسان ومنتجاته , ويلغى ايقاعات جسم الانسان خاصة جسم المرأة مبرزا الاختلاف الاحمر الذى يتميز به ذلك الجسم. وضرورة احترام خصوصية كل من الجسمين. تتجلى ايضا من ابراز الوجه الآخر من تحرير المرأة فى العالم الصناعى. والدعوة الى تعاون جديد مع جسم المرأة ومع الحياة الجنسية.
ثم ان الكتاب يثير فينا التساؤل الآتى وهو كيف تعاش تجربة الحالات الثلاث التى يتعرض لها الكتاب وماهى انعكاسات ذلك على العلاقة الحقيقية بين الرجل والمرأة. وباختصار ما الحال بالنسبة الى نساء العالم العربى الذى مازالت فيه المرأة تحاول فقط ان تثبت هويتها القانونية.
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟