|
المرأة فكريًا وفنيًا في مسرح توفيق الحكيم وغارثيا لوركا
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 12:03
المحور:
الادب والفن
المرأة فكريًا وفنيًا في مسرح توفيق الحكيم وغارثيا لوركا
خالد سالم الحديث عن الشاعر الإسباني فدريكو غارثيا لوركا يلقي في المخيلة العربية بالأندلس، فردوسنا المفقود، وتأثير الثقافة العربية في الأندلس، التاريخية والحالية، والحضور العربي في تلك البقعة من أوروبا الذي استمر أكثر من تسعة قرون. ويكتسب الأمر أهمية أكبر إذا تطرق الحديث عن مقاربة أو موازنة بين هذا الكاتب الإسباني الفذ وآخر عربي لا يقل عنه أهمية، هو توفيق الحكيم. إننا أمام دراسة جادة ومغايرة للدراسات العربية الإسبانية القائمة على التقليد المقارن الكلاسيكي للتأثير والتأثر، خاصة وأن غارثيا لوركا نوقش نتاجه الشعري والمسرحي من هذا المنظور في أكثر من دراسة وأطروحة دكتوراه وماجستير. وتنطلق هذه الدراسة على أساس المزج بين مناهج بحثية مختلفة، وهنا يصبح للمقارنة من منطلق الموازاة، البحث عن نقاط الالتقاء والاختلاف في أعمال هذين الكاتبين. فانطلاقًا من مولد الاثنين في نهاية القرن التاسع عشر، 1898 ، إسبانيا ومصر، أي في بيئتين متشابهتين سنتئذ، وعلى وجه التحديد نشأة غارثيا لوركا في إقليم الأندلس، غرناطة، الذي يأتي في نهاية سلم التطور بين أقاليم إسبانيا المعاصرة، وهو ما عكسته ثلاثيته المسرحية الشهيرة: عرس الدم، يرما وبيت برناردا ألبا، التي تذكرنا عاداتها وسياقها بمثلها في صعيد مصر وريفها (1). عالج هذه القضايا الباحث الواعد النبيه رضا حمدينو السيد غالب الحداد في أطروحة الماجستير التي قدمها في معهد النقد الفني، أكاديمية الفنون، القاهرة، حيث جاءت تحت عنوان "الموقف الفكري والمعالجات الفنية للشخصيات النسائية في مسرحيات توفيق الحكيم وغارثيا لوركا" (2). وقد أشار إلى أنه اختار العنوان لأسباب موضوعية وجدها في التماس بينهما في بعض الموضوعات وأيضًا في عديد من التشابه، من بينها ما أسلفناه، إضافة إلى أن البلدين ينتميان إلى حوض بحر الروم، وأن " إسبانيا القطر الأوروبي الوحيد الذي فتحه العرب واتخذه عدد كبير منهم موطنا وظلوا به مئات السنين فاختلطوا بأهله وأصهروه إليهم فأثر ذلك في صفات ولمحات كثيرين منهم ". وثلاثية لوركا الأندلسية " الزفاف الدامي ، يرما ، بيت برناردا ألبا " تحمل العديد من التقاليد والعادات العربية التي نجد مثيلاتها في نصوص توفيق الحكيم : (شهرزاد ، إيزيس ، المرأة الجديدة). وأن كليهما لم يقتصر إنتاجه في بنية المسرحية التقليدية ولكن خرج كل منهما عن تقاليدها، فالحكيم" قدم مسرح العبث مثل ( يا طالع الشجرة – مصير صرصار) ولوركا تجاوز هذا البناء بتقديم أعمال سريالية مثل( حتى تمضي خمس سنوات – الجمهور). كما أنهما لم يكتفيا بإعطاء عنوان أساسي للمسرحية بل وضعا عنواناً فرعياً ، فبراكسا الحكيم عنوانها الفرعي (أو مشكلة الحكيم) ، وكتب لوركا (الآنسة روزيتا العانس أو لغة الزهور) كما كتب (حتى تمضي خمس سنوات أو أسطورة الزمن) وكذلك (يرما أو قصيدة مأسوية في ثلاثة فصول وستة مشاهد). ويؤكد الباحث أن الفانتازيا شغلت جانباً من إنتاجهما المسرحي كما في (الطعام لكل فم) للحكيم، (الجمهور–حتى تمضي خمس سنوات) لغارثيا لوركا، وأن كليهما لديه العديد من ملامح الاتجاهات المسرحية مثل الرومانسية كما في (شمس النهار) للحكيم، (غرام دون برلمبلين وبيليسا في الحديقة) للوركا، وأيضاً الرمزية مثل الشجرة والسحلية في (يا طالع الشجرة) للحكيم، الأجراس والناي في (الجمهور) للوركا. من الملاحظ أن كلا الكاتبين اعتمدا الأغنية الشعبية وحدة بنائية للنص المسرحي مثل أغنية (السبوع – برجالاتك) في (يا طالع الشجرة) – قمت بترجمة ونشر هذه المسرحية بالإسبانية في مدريد(3)، والأغنيات التي أوصى الحكيم أن تكون وحدة بنائية في عرض مسرحية (الصفقة) مما هو متوافر من أغنيات في مكان العرض في أقاليم مصر، والأغنيات الشعبية في ( الزفاف الدامي–يرما– ماريانا بينيدا– الإسكافية العجيبة– الآنسة روزيتا العانس) للوركا. وكل منهما لديه شخصيات مجردة في بعض مسرحياته مثل شخصية "الحرب" وشخصية "السلام" في المسرحية التي تحمل الاسم نفسه للحكيم، وشخصية "الموت" في صورة "المتسولة" في مسرحية (الزفاف الدامي) للوركا. وكان للمرأة تأثير إيجابي في حياة كل منهما " إذ أثرت في الحكيم أمه والعالمة والخادمة" ( )، ويقول أحد النقاد "إن شخصية روزيتا العانس في المسرحية التي تحمل اسمها تشبه إحدي قريبات لوركا)( ). اعتماد الشخصيات التاريخية كشخصية محورية للمسرحية وتحمل المسرحية اسمها مثل (سليمان الحكيم) للحكيم، (ماريانا بينيدا) لغارثيا لوركا. ويعد كلا الكاتبين حالة مفصلية في مسرح بلادهما، فالحكيم رائد من رواد المسرح العربي الذي ضرب في كل المجالات المسرحية لاستنبات المسرح في التربة المصرية العربية، وغارثيا لوركا يعد بداية حقيقية للانتقال بالمسرح الإسباني إلى الحداثة. كما أن كلا المبدعين سميا العديد من مسرحياتهما باسم بطلاتها ليناقشا قضاياهن مثل (إيزيس – شهرزاد–شمس النهار)، للحكيم، (يرما– بيت برناردا ألبا– ماريانا بينيدا) للإسباني، وقد لعبت المرأة التي لم تُسم المسرحيات باسمها دوراً أساسياً في الدراما حتى ولو لم تكن البطلة المحورية في الدراما مثل "الغانية" في (السلطان الحائر) للحكيم، و"الأم" و"الخطيبة" في (الزفاف الدامي) للوركا. واشتركا في أنهما قدما مسرحيات لعالم الحشرات كاستعارة فنية لعالم الواقع كما في (مصير صرصار) للحكيم و(شؤم الفراشة) للوركا، كما أن كليهما تعلم الموسيقي وعزفها. أما عن مشكلته البحثية فتتبلور في محاولة الكشف عن كيف نظر المبدعان للشخصيات النسائية والمعالجات الفنية في دراماتهما في ضوء البنية السردية والنموذج الفاعلى، وأنساق العلامات للفضاء الدرامي، والعلاقة الأنثوذكورية، وصور المرأة في منظومة الأسرة ، وقضايا المرأة الحاكمة في دراماتهما. وأشار الباحث إلى أن هذه المشكلة تفسح المجال أمام طرح عدة أسئلة، أهمها (4): * ما طبيعة القضايا التي يحملها الخطاب الدرامي للنص. * ما طبيعة الصورة المسرحية المتخيلة والمضمرة في تشكيل فضاء الآداء المفترض من حيث أنه فضاء مغلق أو مفتوح أو خليط ، للتعبير عن عزلة المرأة وتهميشها أو حركتها الحرة كتعبير عن التحرر النفسي والجسدي والاجتماعي، ودور الحوار والإرشادة المسرحية في تحديد الآداء الإيمائي والحركي والصوتي ، بالإضافة إلي دراسة اللغات غير الكلامية (ديكور – ملابس – إضاءة – مؤثرات..إلخ) بما يظهر في الإرشادة أو الحوار كوسائل من الحكيم و لوركا في معالجة المرأة دراميا. * ما مدى محورية الجنس في فضاء دراما (الحكيم ولوركا) كفعل مسيطر ومدى وعي النساء به من حيث ارتباطه بحياتهن. * ما طبيعة الأدوار الموكولة إلي المرأة في ضوء غياب المركزية الذكورية المسيطرة على بنية النص الدرامي. * كيف تتشكل صور المرأة في مؤلفات الحكيم ولوركا في منظومة الأسرة في ضوء الثقافة والقيم والمعتقدات الحاكمة في البنية الدرامية للنص. أما المنهجية التي اتبعها الباحث فقد اعتمد فيها على تكاملية المناهج النقدية بالمزج بين مناهج ثلاثة: المنهج البنيوسيميولوجي حيث تتناول الدراسة البنية الفنية في دراما النص والعلامات الحاكمة للفضاء المتخيل في دراما النص، والمنهج النفسي الذي يكشف عن المشكلات النفسية التي تحدد سلوك المرأة المعين في دراما النص، مستخدمًا في ذلك النقد الأدبي الذي تأثر بأفكار سيغموند فرويد في التحليل النفسي والمنهج المقارن طبقاً لما طرحه الباحث من أسباب اختيار "الحكيم ولوركا" كموضوع للبحث من حيث العديد من المشابهات بينهما، يستخدم الباحث هذا المنهج لتحديد أوجه الاختلاف وأوجه التشابه بينهما سواء كان ذلك على المستوى الفكري أو الفني. أما عن حيثيات اختيار هذه النصوص عند الحكيم ولوركا فتكمن في أنها مسرحيات تكشف عن مساحة كبيرة تشغلها الشخصيات النسائية في الدراما أو أنها محور الدراما كعينة ممثلة لكل منهما، بالإضافة إلى أن أسماء أغلبية هذه المسرحيات تنسب إلى المؤنث بما له علاقة بطبيعة موضوع البحث، أو تحمل المسرحية اسم امرأة بصورة صريحة. ومن خلال الدراسة التحليلية وتكاملية المناهج التي طرحها الباحث سابقًا لمناقشة القضية البحثية، توصل إلي النتائج الآتية: الأولى: إن نصوص عينة البحث لا يمكن قراءتها كنصوص أدبية فقط، فهي نصوص درامية في الأساس لا يمكن عزلها عن قيم المسرحة التي يبثها كل من الحكيم و لوركا في الخطابات الدرامية الكلية لكل نص على حدة ؛ وقيم المسرحة هذه يمكن تحديدها في الأنساق العلاماتية التي توجه المبدعين الآخرين لتجسيد النص في عرض مسرحي من ديكور وملابس وأماكن تجسيد الفعل الدرامي وتعبير جسدي للشخصيات وحركة وإضاءة وأغاني وموسيقي .. إلخ، وإن كان الباحث وجد أن فضاءات لوركا المسرحية في النصوص المختارة هذه العناصر؛ أكثر زخمًا مما هي في نصوص الحكيم في فضاءاتها. الثانية: يعتمد كل من الحكيم و لوركا في معالجة المرأة ورسم شخصيتها ، بالتركيز على لغة المسرح البدنية (أصوات الشخصيات وصرخاتها وصمتها وإيماءاتها ووضعها الجسمي من حيث الاقتراب والابتعاد ؛ والامتداد والانكماش داخل الحيز المكاني لكل شخصية على حدة ، والحركة داخل الحيز العام في الفضاء الدرامي الذي يجمع هذه الشخصيات بالأخرى) كشفا أو إضمارا لموقفها ومشاعرها تجاه بعضها البعض في لحظة درامية معينة ؛ والتي يمكن أن يكون لها قوة لتفعيل التخيل لدي الشخصيات لتحديد البنيات السلوكية للشخصية ماديا ونفسيا وعقليا. الثالثة:حركة الشخصيات الدرامية في الحيز الحميمي خاصتها أو الحيز العام في الفضاءات الدرامية بالانتقال قربا أو بعدا من الشخصيات الأخرى ، تكشف عن الطبيعة النفسية لشخصيات المرأة هبوطا وصعودا في المواقف الدرامية ؛ يكثف ذلك إيماءاتها الجسمية وتعبيرات وجهها؛ الأمر الذي يساعد على خلق تضاريس متعددة أو تفصيلات مختلفة للشخصيات النسائية اجتماعيا وثقافيا "يرما / فيكتور" ، "براكسا / هيرونيموس" ، "ليلي / سليمان بك" ، "نعمت / سليمان بك".. إلخ. الرابعة: تلعب الوحدات الاكسسوارية كنسق علاماتي في الفضاء الدرامي النسائي عند الحكيم و لوركا؛ سواء أكانت لصيقة بالشخصية أو كانت من أدوات المنظر المسرحي في أثاثه أو ديكوراته الثابتة ؛ تلعب دورا دلاليا في خلق المعني الخاص بسلوك المرأة عند الحكيم و لوركامثل (المرآة ، حوض المياه ، أدوات الزينة ، الزهور). الخامسة: استفاد الحكيم و لوركامن دراما الأسرة في تاريخ المسرح ، فكانت شخصياتهما النسائية يمكن تصنيفها طبقا للشخصيات النسائية في هذا النوع الدرامي ، إذ هي "جدة – أم – زوجة – ابنة – شقيقة – عمة – ابنة أخ – نسيبة – خادمة – جارة – صديقة". السادسة: تتعدد التيمات والقضايا في مسرحيات عينة البحث عند الحكيم و لوركا، إذ يأتيان بقضية أساسية وينسجان علىها تنويعات لحنية في صورة قضايا صغري ، ولكن الفرق بينهما أن الحكيم أقل تكرارا لقضاياه في معظم مسرحياته ؛ على سبيل المثال نجد الحب والجنس والشرف يتكررون في مسرحيتي "المرأة الجديدة" و "براكسا" من عينة البحث عند الحكيم ، بينما هذه التيمات الثلاث هي الخلفية التي تدور علىها تيمات وقضايا لوركافي كل عينة البحث خاصته ، وإن كان اللحن الأساسي (القضية) يأخذ صدارة الصورة الدرامية ، والقضية أو القضايا الفرعية تصبح في خلفية الصورة لتكثف من أثر القضية الأساسية طبقا لمنطقية البناء الدرامي وأهمية القضية في الخطاب الدرامي ، فظهر لديهما القضية الاجتماعية والسياسية والفلسفية والفنية. السابعة: دراسة الشخصية عبر النماذج الفاعلىة تطبيقا على نصوص عينة البحث عند الحكيم و لوركا، أمدَّ الباحث بآلية مفيدة في كيفية تطوير سلسلة متعددة من النماذج لفاعلىن متعددين طبقا للدور الوظيفي المتغير والمختلف في مسار الفعل ، مما ساعد على التعرف على الأجرومية الحاكمة في كل دراما على حدة ؛ وأيضا على فهم الحركة البنيوية العميقة للأفعال والشخصيات الحاملة لها. الثامنة: الحكيم رغم أنه يتنقل في فضاءات تنتمي إلي المجتمع المصري "المرأة الجديدة، إيزيس" ، إلا أنه يتخذ من فضاءات أجنبية ك "أثينا" باليونان في "براكسا" ، ليجعل منها فضاءً استعاريا لواقع الحياة المصرية النيابية ، حيث يوجه انتقاداته للمجلس النيابي آنذاك والنساء عامة ، كما يلجأ الحكيم إلي فضاءات متخيلة تبدو مرجعيتها في الموروث الشعبي في ألف ليلة وليلة من "قصور الأمراء" و "قفار في الهواء الطلق" كما في "شهرزاد" و "شمس النهار" ، أما لوركاإذا كانت أحداث دراماته في عينة البحث تدور في فضاءات تنتمي إلي المجتمع الإسباني في ريفه أو في حضره كما في مسرحياته الخمس "ماريانا بينيدا ، الإسكافية العجيبة ، يرما ، الآنسة روزيتا العانس ، بيت برناردا ألبا" ، فإنه يستخدم من فضاء المسرح سواء في ملحقاته من مكاتب إدارية ومكان للجمهور ومنصة تمثيل في مسرحية "الجمهور" ؛ ليناقش خطابا دراميا يتعرض لمشكلات اجتماعية وسياسية للمجتمع الإسباني بالإضافة إلي قضايا مسرحية. التاسعة: عالج الحكيم و لوركا بعض نسائهما على المستوي الواقعي والرمزي معا ، كما في شخصية "شهرزاد" عند الحكيم ؛ وشخصيتي "ماريانا بينيدا" في مسرحيتها ، و "ماريا خوسيفا" في "بيت برناردا ألبا". العاشرة: تمتلئ بعض عينات البحث من درامات الحكيم و لوركابمشاهد جماعية تلعب دورا في طبيعة العلاقة الأنثوذكورية بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة كما تبدو في "الجمع النسائي" في مسرحية "إيزيس" ؛ وأيضا تبدو في صورة "الشعب" في مسرحيتي "براكسا" و "إيزيس" ، بينما عند لوركاتبدو المشاهد الجماعية في "المجموعات النسائية" اللائي تُعلِّقن على القضية الأم التي تشغل "يرما" (العقم والرغبة في إنجاب الطفل) . بينما المشاهد الجماعية في "الإسكافية العجيبة" تتمثل في "نسوة القرية" اللائي تكشفن عن سلوك طبقي ضد "الإسكافية"؛ بينما تبدو المشاهد الجماعية في "الآنسة روزيتا العانس" في صورة أمهات حوامل يجُرُّون أطفالهن وراءهن، مما يزيد من كثافة مرور الزمن وأثره على "روزيتا العانس" ؛ وفي "بيت برناردا ألبا" تتجلي هذه المشاهد الجماعية في "نساء ورجال" القرية ، عندما يتعاركوا في الشارع رفضا لإحدى البغايا "ابنة لبرادا" ، وكذلك مشهد العزاء في "بيت برناردا ألبا" من "النساء" و "الرجال". الحادية عشر: وعموما تلعب الشخصيات الثانوية والشخصيات المساعدة في دراما الحكيم مساحة أقل في الفعل الدرامي الخاص بالشخصية النسائية المحورية ، كما أن عدد الشخصيات الثانوية والمساعدة من النساء يبدو قليلا ؛ فعلى سبيل المثال "شمس النهار" ينعدم فيها العنصر النسائي بجوار شخصية "شمس النهار" ، ولا يوجد بجوار "شهرزاد" من شخصيات ثانوية نسائية سوي "زاهدة" التي ينتفي دورها بعد التضحية بها كقربان في المشهد الثالث من المسرحية ، بينما هذه الشخصيات الثانوية والمساعدة حول الشخصية النسائية المحور في دراما لوركاأكثر عددا بكثير وتشغل مساحة كبيرة من فعل الشخصية المحور ، فلا تنعدم على الإطلاق وجود شخصيات نسائية ثانوية لديه كما هو غير موجود لدي الحكيم. الثانية عشر: لقد تدرج موقف الحكيم في دراماته من الطرح السلبي لشخصياته النسائية ، حيث يرفض سلوكها طبقا لمنطق الدراما كما في شخصيات "ليلي – نعمت" في "المرأة الجديدة" بما تتطلعان إليه من سفور وأفكار نهضوية تقليدا للمرأة الأوروبية، و "براكسا" التي تولت الحكم في مسرحيتها في المجتمع الأثيني؛ إذ يعرضها كمثال للفوضي والفساد السياسي الذي عمَّ أثينا باسم الحرية المطلقة لكل فرد في المجتمع، بينما يقدم المرأة في مسرحيات أخري تقديما إيجابيا، فهي باعثة للرجل في "شهرزاد" التي هذبت من الجانب الحيواني في "شهريار"، بينما "شمس النهار" نقلت خبرتها العملية إلي "حمدان" الذي بدوره نقلها إلي أهل إمارته ، بينما "إيزيس" كانت الباعثة لروح زوجها باستعادة عرشه إلي ابنها باعتباره الامتداد الطبيعي لأبيه ، وقد أكد هذا الحكيم وخاصة الجانب الإيجابي في المرأة في كتابه "تحت شمس الفكر" عندما قال " ما من فنان على هذه الأرض أبدع شيئا إلا في ظل امرأة " . أما لوركالم يُبد تعاطفا مع المرأة من خلال مقولات له خارج الدراما ، بل جعلها تعرض قضيتها حسب منطق كل نص مسرحي له ، كاشفا عن السقوط المأسوي نتيجة ضغوط اجتماعية أو ضغوط احتياجاتهن الإنسانية طبقا للتكوين النفسي لكل واحدة ، مما يثير شفقة في متلقيها تعاطفا معها ، فمن خلال البنية الدرامية عند لوركاوتطور أحداثه الدرامية ؛ يحاول أن يبرر سقوط شخصياته لعيوب ذاتية في الشخصية الدرامية ، أو لضغوط اجتماعية لا يمكن الفكاك منها ، مما يكشف توجهات لوركامن التعاطف مع شخصياته النسائية. الثالثة عشرة: والشخصية النسائية عند الحكيم و لوركاإذا أعيتها الحيل في إيجاد حلول بما يعترضها من مشكلات ، فإنها تلجأ إلي الخرافة وتقاليد المجتمع وأعرافه السحرية للبحث عن حلول من خلالها. الرابعة عشرة: تلعب الأغنية والشعر في النسق العلاماتي في فضاء دراما لوركادورا فاعلا رغم تقلص حجم وجودها من مسرحية لأخرى؛ فمسرحيته "ماريانا بينيدا" كانت في معظمها شعرا، واستغرق الشعر في "يرما" أقل بكثير حتى قال بعض النقاد أنها تشغل سُدس المسرحية ؛ و "الآنسة روزيتا العانس" أقل قليلا (السُّبع) ؛ وفي "بيت برناردا ألبا" لا يوجد إلا أغنيتين؛ واحدة تتغني بها "الجدة العجوز" ، والثانية أغنية حصاد تسمع من خارج المسرح ، بينما عند الحكيم تظهر الموسيقي دون غناء للتهدئة من نفس "شهريار" المضطربة بعد عودته من بيت "الساحر" والتضحية بابنته "زاهدة" ؛ كما تظهر الأغاني الملحنة والشعرية في إنشاد "العقارب السبعة" وأغاني "الملاحين" وبكائيات "إيزيس" ونواح "الفلاحات" بعد مصرع "أوزوريس"، لتتفاعل كلها معًا لتكون خلفية لواقع "إيزيس" الأليم والملتاع بينما تبحث عن زوجها الغائب، أو بعد موته في صراعها مع "طيفون" لاستعادة الحكم. الخامسة عشرة: استخدم كل من الحكيم و لوركا الخيال الفني للتعلىم وتغيير سلوك وطباع الشخصية الدرامية كما في "شهرزاد" و"الإسكافية العجيبة"، وإن كان المعلم في الأولي امرأة، شهرزاد، لشهريار؛ والمعلم في الثانية رجل، الإسكافي، للإسكافية. السادسة عشرة: لعب الريف الإسباني دورًا كبيرًا في عديد من المسرحيات التي تصور عواطف أهله رجالاً ونساءً، ورغم خصوصية المكان وأثره على الشخصيات، إلا أنه منحها صفة العمومية بوصفها عواطف إنسانية طبيعية في الإنسان تلازمه أينما وجد في المكان والزمان "الإسكافية العجيبة، يرما، بيت برناردا ألبا"، وإن كان الريف كفضاء درامي عند الحكيم لا يظهر إلا في الفصل الأخير من "المرأة الجديدة"، حيث التقت كل الشخصيات الفاعلة في الدراما في "حديقة منزل محمود بك"، بينما يظهر الفضاء الريفي في معظم مسرحية "إيزيس"؛ سواء ظهر في صورة قرى أو على امتداد "نهر النيل" الذي يربط هذه القرى. السابعة عشرة: إذا كانت "شمس النهار" تقدم صورة تمردية على الرجل في صورة أبيها ؛ وتقدم أيضا صورة تمردية على عالم الذكورة الذي يختار رجاله زوجاتهم بأن تختار هي من تريد من الرجال زوجا لها ، فإن بنات "برناردا ألبا" عند لوركاتقدمن صورة تمردية على السلطة الذكورية التي انتقلت لأمهن بعد موت أبيهن ؛ إضافة إلي تمردهن على قيم المجتمع الخاصة بتحديد علاقة المرأة بالرجل في إطار الشرعية والقيم الاجتماعية الحاكمة لهذه العلاقة. الثامنة عشرة: الموت يحرك كل شيء في نصوص لوركا ويجعل القلوب تهفو إلي الخلود في الحب والنسل والإخصاب والحرية والمتعة، وتعبُّق الغريزة ، الشهوة، برائحة الدم والشرف الذي يدفع الناس إلي القتل والانغلاق خلف الغريزة واللذة "ماريانا بينيدا، الإسكافية العجيبة ، يرما ، بيت برناردا ألبا". التاسعة عشرة: تتميز بعض الشخصيات الذكورية بعدم الحضور المادي داخل الفضاء الدرامي لبعض مسرحيات عينة البحث للوركا، ولكن حضورها المعنوي يؤثر في سلوكيات المرأة ، بيبي إل رومانو، في "بيت برناردا ألبا"؛ و الخطيب الذي يغيب عن الفصل الثاني والثالث في "الآنسة روزيتا العانس". العشرون: للماضي حضور مستمر في بعض المسرحيات "الآنسة روزيتا العانس" .بينما بعض الشخصيات النسائية لها فعل إرادي فيما آل إليه مصيرها في نصوص لوركا المختارة مثل "ماريانا بينيدا ، يرما ، روزيتا العانس ، أديلا". أود أن أشير قبل الرحيل إلى أن هذا الباحث الشاب تطرق إلى موضوع جاد كلفه وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا، بالإضافة إلى أنه موضوع جديد، فلم يُم الدراسة على صلب المدرسة المقارنة التقليدية، التأثير والتأثر، وهو تم الاتفاق علىه منذ بداية البحث، بل زاوج بين مناهج بحثية أخرى، كان ضمنها الموازاة بحثًا عن نقاط إلتقاء في مسرحيات تعمد على الأنثى موضوعًا ومضمونًا. ولا شك أن الوشائج المشتركة والكامنة في ثقافتي لغة الضاد ولغة ثربانتيس جراء تلاحم مباشر استمر أكثر من تسعة قرون، واستمر بعد ذلك ردحًا طويلاً من الزمن عبر التواجد الإسباني لاحقًا في دول المغرب العربي، لتصبح إسبانيا أقرب الدول الأوروبية قربًا من الوطن العربي. كل هذا يمثل منجمًا للدراسات الجادة، الماضية والمستقبلية، للتناضح والمقارنة والموازاة بين ثقافتي العرب والإسبان.
هوامش: (1) سبق أن دُرس الحضور العربي في شعر غارثيا لوركا على يد الكثير من الدارسين العرب، ويبرز من بينها رسالة الماجستير التي نالها الدكتور أحمد عبد العزيز، الأستاذ في آداب القاهرة، في ثمانينات القرن الماضي. بيد أن هناك من يرى أننا نبالغ في عملية تأثر غارثيا لوركا بما هو عربي أندلسي، ومن بين هؤلاء ماريو إرنانديث، الذي شرفت بالدراسة على يديه في جامعة مدريد أوتونوما، في مرحلتين الليسانس والدكتوراه، وهو أفضل من درس شعراء جيل الـ 27 الإسباني الذي ينمتمي إليه غارثيا لوركا. بيد أن الشاعر الإسباني وصديق غارثيا لوركا ومجايله رفائيل ألبرتي أكد لي في أكثر من لقاء إنه تأثر بالشعر العربي الأندلسي الذي نقله إلى الإسبانية المستعرب الراحل إميليو غارثيا غوميث، وعزى عدم اعتراف غارثيا لوركا بفضل هذا الشعر إلى أنه قتل في مطلع شبابه والحرب الأهلية الإسبانية (1936/1939) على يد الفاشيين لمساندته النظام الجمهوري وإن كان البعض يضيف سببًا آخر لتصفيته وهو الحسد عليه وكونا مثليًا الأمر الذي يرفضه اليمين في أي ثقافة. وكان غارثيا غوميث قد أسر لي بأن عدم اعتراف غارثيا لوركا بفضل الشعر العربي الأندلسي عليه قد آلمه، رغم أنه نهل منه ومعه معظم شعراء جيله الشعري. (2) نال الباحث درجة الماجستير بتقدير امتياز، وكنت أحد المشرفين على الرسالة والمشاركين في مناقشتها إلى جانب كل من الأستاتذة أحمد بدوي، عميد معهد النقد الفني، وائل غالي شكري وكيل المعهد، وعصام الدين أبو العلا رئيس قسم الدراما، في معهد الفنون المسرحية، والدكتورة نهاد صليحة الأستاذ في المعهد. نوقشت الأطروحة في ديسمبر 2013. (3) قمت بترجمة هذه المسرحية إلى الإسبانية ونشرتها في مجلة مخرجي المسرح في إسبانيا: Khaled Salem, ¨El teatro egipcio origenes y actualidad¨ ADE teatro: Revista de la Asociacion de -dir-ectores de Escena de Espana, ISSN 1133-8792, Nº-;- 121, 2008 , pags. 52-62. رابط الملف والمسرحية على شبكة المعلوماتية: http://dialnet.unirioja.es/servlet/articulo?codigo=2683573 (4) المسرحيات التي لجأ إليها لعقد المقارنة في البحث هي: توفيق الحكيم: المرأة الجديدة (1923)، شهرزاد (1934)، براكسا (1939)، إيزيس (1955) وشمس النهار(1965). فدريكو غارثيا لوركا: ماريانا بينيدا (1925)، الجمهور (1929-1930)، الإسكافية العجيبة (1930)، يــرما (1934)، الآنسة روزيتا العانس (1935)، بيت برناردا ألبا (1936).
#خالد_سالم (هاشتاغ)
Khaled_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجاب الإسلامي من منظور كاتب أميركي لاتيني
-
البربر والبرابرة والعائلة
-
جدلية العلاقة بين الشمال والجنوب من خلال مسرحيات كاتب إسباني
-
طارق بن زياد غزا الأندلس من أجل الخيل والنساء حسب المستعرب ا
...
-
فتح أم غزو الأندلس؟!
-
ملحمة إلسِيد: تكوينها وتأليفها العربي
-
إداورد سعيد رمزًا للتسامح الأندلسي - في ذكرى رحيله
-
من أدب الصعاليك الإسباني (حياة لاثاريّو دي تورمس، حظوظه السع
...
-
لن تتحرر المرأة إلا إذا كانت قوة ضاغطة تغير القوانين والفكر
...
-
في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا خامس وأخر نوبل إسباني للآداب
-
حضارة الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطنة الآخر
-
زمن الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطة الآخر البرادعي نموذجً
...
-
نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد
-
تطور حركة الإستعراب الإسباني
-
الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء ال
...
-
تأثير نوبل نجيب محفوظ على الترجمة من العربية إلى الإسبانية
-
عالم الأندلسيات محمود مكي يترجل إلى الآخرة من بلاد الأندلس
-
الغيطاني وجدلية المجرد والمحسوس في -متون الأهرام- *
-
الشاعر رفائيل ألبرتي : تأثرت بالشعر العربي الاندلسي وغارثيا
...
-
الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|