|
واقع الحريات النقابية بجنوب البحر الأبيض المتوسط المغرب نموذجا
عبد الله لفناتسة
الحوار المتمدن-العدد: 1250 - 2005 / 7 / 6 - 12:11
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
في المغرب، كما في بلدان جنوب البحر المتوسط، فإن قمع الحريات النقابية ليس وليد العولمة اللبرالية، بل هو مرتبط من جهة، بظروف تأسيس النقابات في فترة الكفاح ضد الاستعمار، ومن جهة ثانية، بطبيعة الأنظمة السائدة التي تعادي الحريات الديمقراطية ولا تسمح بأي صوت معارض لسياستها الرسمية. - إن الطبقة العاملة هي أكبر ضحايا قمع الحريات النقابية، بسبب موقعها في الإنتاج وتواجدها في واجهة الاستغلال المكثف والقهر اللذان تمارسهما الطبقات السائدة المدعومة بالسلطة. - لقد ارتفعت وثيرة قمع الحريات النقابية بتزامن مع الانصياع لتوصيات المؤسسات المالية الدولية وتنفيذ برامج التقويم الهيكلي التي كانت نتائجها الاجتماعية وخيمة، خصوصا مع خوصصة مؤسسات القطاع العام وما رافقها من تسريح جماعي للعمال أو تراجع على مكتسباتهم وتفاقم البطالة وتخلي الدولة عن دورها في مجالات التشغيل والتعليم والصحة والسكن ...، مما أجج نضالات جماهيرية ونقابية على الخصوص، عرفت موجات قمعية متتالية. - في ظل العولمة اللبرالية، فإن كل ما يشكل مقاومة أو عرقلة لمنطق السوق، أصبح هدفا لهجوم الرأسمالية المتعدد الأشكال. وفي هذا الإطار تتعرض الحريات النقابية إلى مزيد من القمع والتضييق بهدف إضعاف الطبقة العاملة في صراعها من أجل الحفاظ على مكتسباتها التاريخية في مجال استقرار العمل والأجور والتغطية الاجتماعية. أولا: مستويات التضييق على الحريات النقابية: 1) على المستوى القانوني: - يلاحظ انحسار، على الصعيد العالمي، في إصدار معايير الشغل الدولية. بل إن منظمة التجارة العالمية تمارس ضغوطا على منظمة العمل الدولية للتراجع عن هذه المعايير ومن ضمنها الاتفاقيات والتوصيات التي تحمي الحريات النقابية وحق الإضراب على الخصوص، ويتجلى ذلك في التركيز على الاتفاقيتين رقم 87 و98 واعتبارهما اتفاقيتين أساسيتين وتهميش باقي الاتفاقيات ، فضلا عن تجاهل المواثيق الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة من إعلان عالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... وكلها مواثيق تضمن الحريات النقابية. - خلافا لدول الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط التي صادقت على أغلب الاتفاقيات المتعلقة بحماية الحريات النقابية (87، 98، 135، 144، 151، 154، 158..)، فإن باقي الدول لم تصادق على أغلب هذه الإتفاقيات. بل إن المغرب مثلا لازال لم يصادق على الاتفاقية 87 وبالتالي لم يطبقها في تشريعه المحلي رغم اعتبار هذه الاتفاقية "أساسية" في نظر منظمة العمل الدولية. مما يعني استمرار حرمان فئات من الموظفين من ممارسة الحريات النقابية (متصرفي وزارة الداخلية، القضاة، الجمارك، حراس الغابات، ...) واستمرار التمييز ضد الأجانب في الترشيح للمسؤوليات النقابية. - استمرار العمل بقوانين استعمارية كقانون التسخير (la réquisition) الذي صدر بالمغرب سنة 1938 وكان يهدف إلى منع الإضراب على الموظفين خلال الحرب العالمية الثانية. لكنه لازال معمولا به ويستعمل في قطاعات الوظيفة العمومية والسكك الحديدية ... 2) على مستوى الواقع: هناك عدة معيقات موضوعية وذاتية تعترض ممارسة الحريات النقابية: أ / موضوعيا: إن أكبر عائق يتمثل في طبيعة الأنظمة السياسية المعادية للحريات النقابية وللحريات الديمقراطية عموما، ويتجلى ذلك: - تدخل السلطة في نزاعات الشغل الجماعية إلى جانب الباطرونا، حتى لما تكون هذه الأخيرة في خرق واضح لقانون الشغل. - استعانة أصحاب المقاولات برجال البوليس لمنع النقابيين من دخول المعامل. - تدخل البوليس لقمع العمال المضربين أو المعتصمين بالمناجم والمعامل والضيعات. واعتقال المسؤولين النقابيين وتقديمهم لمحاكمات بملفات مطبوخة. - استعمال عصابات إجرامية لإرهاب النقابيين وخصوصا النساء، لإبعادهم عن الأحياء الصناعية والضيعات الفلاحية. - استعمال القانون الجنائي (الفصل 288) ضد النقابيين ومحاكمتهم بتهمة "عرقلة حرية العمل" وإصدار أحكام ثقيلة ضدهم (مئات العمال المغاربة توبعوا أو هم يتابعون بهذا القانون). - منع صريح للعمل النقابي بالمناطق الحرة وبعض الأحياء الصناعية والقطاعات التصديرية... - رفض الحوار مع المكاتب النقابية . وفي حالات عديدة طرد هؤلاء المسؤولين النقابيين بمجرد انتخابهم. - طرد جماعي للعمال والعاملات إثر انخراطهم في النقابة أو مشاركتهم في حركة احتجاجية. - وضع "لوائح سوداء" للمناضلات والمناضلين النقابيين وتوزيعها على المعامل لمنع تشغيلهم بها. وذلك فضلا عن معيقات غير مباشرة: - عدم قيام أجهزة المراقبة (مفتشية الشغل) بدورها في مراقبة تطبيق قانون الشغل، بسبب ضعف أو انعدام الإمكانيات المادية والبشرية. وكذا بسبب الفساد الإداري المستشري داخلها. - عدم استقلال القضاء وانحيازه إلى جانب السلطة والباطرونا المتوحشة ضد حقوق العمال وضد الحريات النقابية على الخصوص. - تفشي البطالة والعمل الهش وتوسع القطاع غير المنظم واستعمال المقاولة من الباطن...كلها عوامل تؤثر سلبا على الانخراط بالعمل النقابي. ب / ذاتيا: تعاني النقابات بجنوب البحر الأبيض المتوسط من معيقات ذاتية، نذكر منها: ** حول الوحدة النقابية: هناك دول تتوفر على مركزية نقابية واحدة مدعومة من السلطة وحزبها الحاكم. وهي نقابات تأسست في فترة النضال الوطني ضد الاستعمار، لكنها تحولت في ما بعد إلى ملحقة للسلطة القائمة تؤيد اختياراتها وتبتعد بالتدريج عن مصالح الطبقة العاملة. وفي تجارب أخرى، فإن السلطة أو بعض الأحزاب السياسية التي لا ترتاح لوجود طبقة عاملة موحدة ومكافحة، عملت (هذه القوى) على تمزيق الوحدة النقابية بخلق نقابات تابعة لها، مما أضعف الطبقة العاملة وأصبح عائقا أمام ممارسة الحريات النقابية أكثر مما عزز هذه الحقوق. ** ضعف أو غياب الديمقراطية الداخلية، وذلك ناجم عن تكون أرستقراطية عمالية لا يمكنها الاستمرار في الأجهزة النقابية إلا بضرب الديمقراطية، أو بسبب النظرة الهيمنية لبعض الأحزاب التي ترى في النقابة مجرد ورقة للضغط في علاقتها بالحكم، مما يطرح مشكل الاستقلالية النقابية كعائق آخر أمام ممارسة الحريات النقابية. ** انحراف بعض النقابات أو قيادتها، من الدفاع عن مصالح العمال إلى تبرير السياسات اللبرالية، باسم الواقعية، وبالتالي سقطت في الترويج إلى مفاهيم جديدة مثل "المقاولة المواطنة" و"التشارك" بين الرأسمال والعمل، و"مواجهة المنافسة الخارجية" و"السلم الاجتماعي" ... ويندرج الترويج لهذه المفاهيم الغريبة على النضال النقابي العمالي في إطار هجوم إيديولوجي يهدف إلى تدجين النقابات وجعلها تابعا من توابع الرأسمال. ** تراجع نسبة الانخراط النقابي، بسبب العوامل السالفة الذكر، مما نجم عنه تقلص الإمكانيات المالية للنقابات ودفعها أكثر إلى الاستعانة بتمويل خارجي، مما يرهن استقلاليتها. ** جمود أو تطور بطيء للهياكل النقابية وعدم مواكبتها للتطورات المحلية والعالمية سواء الاقتصادية أو التكنولوجية أو القانونية، وغياب استراتيجيات أو برامج واضحة لمواجهة مستجدات عالم الشغل. ** ضعف التكوين والتواصل الداخلي والخارجي ...الخ ثانيا: ظروف جديدة مواتية لتعزيز العمل النقابي: - تصعيد الاستغلال في ظل العولمة اللبرالية، ساعد في سقوط أوهام ورهانات خاطئة من قبيل "التوفيق بين الرأسمال والعمل" وإمكانية تحقيق "سلم اجتماعي" في ظل هذا الاستغلال المكثف للطبقة العاملة. - بروز حركة واسعة مناهضة للعولمة الرأسمالية مساندة للطبقة العاملة في نضالها ضد الاستغلال ونضالها النقابي على الخصوص. - اقتناع أكبر بضرورة الوحدة النقابية لمواجهة العولمة. وهو ما أكده التقارب بين الكونفدرالية العالمية للنقابات الحرة (CISL) والكونفدرالية العالمية للشغل (CMT) في أفق الوحدة بينهما قريبا. - التحاق أجيال جديدة من الشباب المتعلم (وخصوصا الشابات) بالنقابات، مما يغذيها بدماء جديدة قادرة على إحداث تطور في هياكلها وطرق تدبيرها. - تطور وانتشار وسائل الاتصال العصرية وخصوصا شبكة الانترنيت... ثالثا: اقتراحات: أتقدم ببعض الاقتراحات العملية لحماية وتعزيز الحريات النقابية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط: - الضغط من أجل ربط الاتفاقيات والمعاملات التجارية بمعايير الشغل الدولية وخصوصا المتعلقة بالحريات النقابية. - تنظيم حملة من أجل مصادقة بلدان البحر الأبيض المتوسط على اتفاقيات الشغل الدولية والمواثيق الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ذات الصلة بالحريات النقابية وملائمة التشريعات المحلية مع هذه المواثيق. - إيجاد صيغ للتنسيق بين النقابات العاملة في فروع كل شركة متعددة الاستيطان لتوحيد المعارك العمالية. - خلق شبكة لحماية الحريات النقابية بالمنطقة. - إنشاء موقع إلكتروني لحماية الحريات النقابية يفضح الدول والشركات والمنتوجات التي لا تحترم هذه الحريات. - وضع لائحة للاتصال الإلكتروني بين النقابيين العاملين بالمنطقة مع أخذ بعين الاعتبار الاختلاف في اللغات. موضوع مقدم في إطار المنتدى الإجتماعي المتوسطي الأول ببرشلونة
#عبد_الله_لفناتسة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحد الأدنى للأجور بالمغرب
-
الحكومة المغربية والباطرونا خارج القانون الحد الأدنى للأجور
-
الحقوق الشغلية في مهب العولمة اللبرالية
المزيد.....
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تطلق حملة صحفيات بزمن الحرب
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|