نشرت في جريدة الزمان الغراء عدد 1373 في 25/11/2002
يشترك المتطرفون في الشرق و الغرب في نقطة واحدة وهي انهم جميعا ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس ، لذا نجد الكثيرين منهم في الغرب يضعون الإسلام في خانة التطرف و الجهل و التخلف ، وبعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا ترسخت هذه القناعة اكثر لدى أوساط مختلفة من المجتمع الغربي ، في حين لم يهتم هذا الغرب خلال عقود إلى ما يتعرض له الإنسان المسلم من ظلم و قمع على يد حكامه الذين صنعهم الغرب أو ساهم في استمرار هذا الحاكم أو ذاك في سدة الحكم .
التطرف يؤرق الحكومات و لكنها في نفس الوقت يؤلم المجتمعات ، و الأصولية مثيرة للرعب بين الشعوب لأنها تلغي الآخر مع الثقافات الأخرى . قام الغرب و بمساندة من بعض الدول العربية و الإسلامية ، في خلق و صنع جماعات دينية و أصولية لأسباب مختلفة ، وواكب نمو هذه الجماعات الكثير من القهر و الحرمان ، ولما ترسخت جذورها انقلب السحر على الساحر و انفجر اللغم الذي أعدوه في وجوههم . لم يعمل الغرب ولا الحكومات دراسة هذا التحول ومعرفة الأسباب بل حكموا على نتائجه .
الدين الإسلامي يدعو إلى الاعتدال والى التسامح وهو دين الحياة لذا يدعو إلى الأخلاق والى التعاون بقوله تعالى :
( وتعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان )
البعض في الغرب يخطئ حينما يحاول أن يباعد بين المسلمين و إسلامهم ، أو العمل على تفريغ الدين الإسلامي من محتواه ، أو صنع و خلق علماء دين يصدرون فتاوى شرعية حسب ما يهدف إليه الغرب و بعض السلطات ، ليس من السهل القضاء على الثقافة الإسلامية بهذه السهولة ، هذه الثقافة التي تر سخت في ضمير ووجدان شعوب كثيرة خلال اكثر من 14 قرن ، لذا لا يمكن تعديل الأديان لأنه يتعلق بروح و فكر الإنسان ، و الأديان ليست ببدعة أو سلعة تصنع ، والاعتدال الإسلامي ليست بضاعة تركية أو صناعة أمريكية .
الفكر الإسلامي الصحيح هو فكر وسطي معتدل من الأساس ، ما يحتاجه الغرب هو قراءة متأنية للإسلام ، و خلق أجواء وبيئة صالحة لبروز هذا الفكر حينئذ يجدوه بأنه دين الاعتدال ، و لا يمكن أن يصبح الاعتدال ظاهرة في المجتمعات ، والصفعات والركلات والإلغاء نازلة على رأس الإنسان ، والمعروف لدى الجميع بان الأنظمة العربية و الإسلامية هي أنظمة قمعية و استبدادية وغير ديمقراطية وان أتت بدرجات متفاوتة ، عليه يجب أن يبدأ الإصلاح انطلاقا من الأنظمة ومن المؤسسات الرسمية ، وعدم مساندة ظلم الأنظمة لشعوبها أفرادا وجماعات مهما كانت المبررات ، وتشجيع محاربة الفساد وإشاعة العدالة الاجتماعية والحريات و حقوق الإنسان .
هناك أنباء متواردة من بعض مؤسسات الفكرية في الغرب ومن بعض أصحاب صنع القرار ، بأن النية تتجه نحو تشجيع المعتدلين من الجماعات الإسلامية ، ويتحدثون عن الحاجة لفتح حوار معهم ، وكان مثل هذا التوجه في السابق غير مقبول و غير متوقع ، لكن نتيجة الأحداث أصبحت مسايرة الإسلام المعتدل ممكنة وان كانت تبحث في المجالس المغلقة ، وهناك مطبات كثيرة سوف تعرقل هذا التوجه ، منها أن إسرائيل سوف تبرز كعامل قلق و كذلك الحكام العرب و المسلمين لعرقلة هذا التوجه .
لكننا نستطيع القول بان قبول جنرالات الجيش التركي لنتائج الانتخابات التركية الأخيرة ، بضغط غربي و أمريكي ( مكره أخاك لا بطل ) هو تعزيز لهذا الاتجاه ، ولما استطاع الجيش التركي هضم ما حدث ، لأن الدستور التركي يمنع قيام أحزاب على أسس دينية أو اثنية ، ومن المعلوم بان حزب العدالة والتنمية التركي الذي فاز فوزا ساحقا له توجهات إسلامية ، بحكم كونه حزب قد خرج من خيمة حزب الرفاه ومن حزب الفضيلة و من ثم حزب السعادة وتتلمذ قادته على يد اربكان ، وان لبس هذا الحزب العباءة العلمانية لا يلغي كون الذين وصلوا إلى سدة الحكم ليست لهم توجهات إسلامية ، لذا نجدهم يفتخرون بأصولهم الفقيرة الكادحة وبنظافة اليد ، لما سأل أحد الصحفيين رجب طيب اوردغان زعيم الحزب ، عن مدى مشاركة زوجته معه في الحفلات الرسمية ، فأجاب بدون تردد بأنه بالأساس لا يتقبل فكرة حضور زوجته الحفلات ، وزوجة نائبه رئيس الوزراء عبدالله غول ( والأصح كول الذي يعني الوردة ) سيدة محجبة ، مما يتعارض مع قانون السرامليك وحرمليك التركي الذي يدعو إلى الاختلاط الجنسين في الزيارات العائلية .
المتتبع للشأن التركي يجد توجه الجيل التركي الصاعد نحو الانفتاح ، ولديهم أفكار نابعة من محيطهم الشرقي إزاء الطريقة التي ينبغي أن تحكم بها بلادهم ، انهم يعرفون مدى حاجتهم إلى الغرب ، و يقدرون محدودية ساحة مناوراتهم لنزع قوة العسكر وتدخلاته في السياسة للتخلص من سيف الاتاتوركية .
الحكومة الجديدة واقعة بين نارين حيث يتذكرون المطبات التي أوقعه الجيش فيها اربكان وحزب الرفاه ، وفي نفس الوقت يأخذون بعين الاعتبار رغبة الشارع التركي ، الذي يريد بأن يكون للإسلام السياسي أهداف وغايات مختلفة عن ممارسة الساسة السابقين ، حيث تريد الفسيفساء التركية نظاما مستقرا داخليا و منفتحا على محيطه الإقليمي ، وفي رأينا المتواضع لا تحدث التحولات بسرعة ، أو أن يحصل شئ درامي للإسراع بعملية الانفتاح بدرجة التغيير الذي حصل في البرلمان التركي ، ولكن نتائج التغيير آتية لا ريب فيه .
الحرس القديم و القوميون الطورانيون فقدوا القوة والسلطة ، الذين كانوا يسيرون وهم نائمون تغذيهم النزعة العنصرية ، ولم يستوعبوا ما يجري من تحولات داخلية و إقليمية ودولية ، واستمروا في قمع الداخل وتهديد الخارج ، الحكومات التركية المتعاقبة السابقة حاولت خلق الاستعداد لدى المجتمع لعداء و كراهية الآخرين ، والأداء الاقتصادي و الأمني و المعيشي المتهالك ، ولدت قناعة لدى الأكثرية الصامتة وجوب التخلص من سياسة تلك النخبة التي أوصلت أوضاع بلادهم إلى هذه الدرجة المتدهورة .
هناك استحقاقات عديدة داخلية و إقليمية و دولية تنتظر الحكومة التركية الجديدة تحقيقها ، لمواكبة العصر و للخروج من الأزمات التي تخنق حياة المجتمعات الدولة التركية في جميع المجالات ، تلك الأزمات التي تحولت إلى أخطار حقيقية عانت منها الشعوب التركية ، لذا بادرت الحريات المخنوقة وحاولت أن تتنفس الحياة ، وأوصلت حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم لتجد من يحس بآلامها ، خلال تاريخ الدولة التركية لم يحصل حزب على هذا الكم الهائل من الأصوات إلا في حالات نادرة ( مثلا عدنان مندريس الحزب الديمقراطي شكل الوزارة 3 مرات في بداية الخمسينات وخرج حزب الشعب الجمهوري من عباءته ) ، أو أن يصار إلى تشكيل حكومة ذات لون واحد ، منسجمة مع البرلمان الذي يهيمن على ثلثيه نفس الحزب ، لذا سوف تصادف هذه الحكومة الجديدة مخاطر منها :
معروف عن اتاتورك بأنه كان معجبا بالنزعة القومية الجرمانية ، و في نفس الوقت كان يهادن الماسونية العالمية ، لم يستطيع التكيف مع الاتجاهين ، مما ولدت عنده فكرة أن يكون لجيشه دولة وليس العكس ، فوضع قانون بحيث يكون الجيش هو راعي دستور دولته ، ولا زال بعض الساسة وكذلك جنرالات الجيش ، يعيشون في نفس الأحلام و الهواجس التي ورثوها من معلمهم ، مما خلقت عندهم حالة التعلق الزائد بالإرث التاريخي لأتاتورك ، وبالتالي اغرقوا بلدهم خلال عقود في مشاكل داخلية وخارجية منها حقيقية ومنها مفتعلة ، فسوف يحاربون أية صيغة خارجة عن تلك السياسة العقيمة ، ولا ننسى بان الحكومات التي تشكلت منذ عهد اتاتورك إلى الثمانينات من القرن الماضي كان رئيس الوزراء من العسكر و كان اخرهم كنعان افريم ، المطلوب من الجيل الصاعد للحكم الحذر والعمل بحكمة ، مع إيجاد حلول ممكنة و معقولة للمشاكل والأزمات والسلبيات المتراكمة ، و الاعتماد كثيرا على الزخم الانتخابي الذي حصلوا عليه لتمرير تلك الحلول ، أما في حالة الاستمرار في السياسات السابقة فأنهم في هذه الحالة سوف يخسرون التأييد الجماهيري ، وتفاقم الأزمات والمشاكل تعرض كيان دولتهم إلى هزات عنيفة ، لا سيما والعالم يشهد تطورات متسارعة ، ويشهد تزايدا في الدور الدولي وتأثيره في مجريات الأحداث بفعل تراجع مبدأ السيادة الوطنية لحساب حقوق الإنسان ولحساب فض المنازعات من اجل الاستقرار والسلام ، والسياسة الدولية الراهنة أفقدت من دول كثيرة صفة التجريد و العمومية ، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بات المجتمع الدولي قادرا إلى حد ما على توجيه وردع السياسات الخاطئة ( يوغسلافيا و كوسوفو العراق وتحرير الكويت مثلا ) ، وان كنا نجد في حالات معينة نوع من الكيل بمكيالين ( فلسطين و إسرائيل مثلا ) وبعد أحداث 11 سبتمبر من السنة الماضية التي حصلت في أمريكا ، شكلت تلك الأحداث معطيات جديدة للبيئة الدولية في زمن القطب الواحد .
سياسات الحكومات التركية السابقة وسجلها في مجال حقوق الإنسان ، كانت وراء عدم قبول تركيا في النادي الأوربي ، الحكومات السابقة أوصلت أوضاع البلد إلى درجة من التدهور ، حتى أصبحت متخاصمة مع نفسها و جيرانها ومحيطها العربي و الإسلامي ، إن لم تكن أداء الحكومة الجديدة منسجمة مع معايير معطيات كوبنهاكن ، فسوف يضاف البعد الإسلامي كحجة إضافية لعرقلة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي ، و نتيجة لسياسيات الحكومات السابقة و أطماعها في خيرات أراض الآخرين ، كانت هناك أصوات لإستراتيجيين عالميين تدعوا إلى تقليص الدور التركي و تهميش مساهماتها في أحداث المنطقة ، وكانوا ينصحون الحكومات التركية السابقة عدم الاندفاع ، وان يختصر دورها في النظام الإقليمي وفق رؤى غربية بحتة .
كانت الحكومات السابقة تراهن على لعب دور إقليمي لها في مجال المياه ، الأجدر بالحكومة الجديدة عدم لعب هذه الورقة أو جعلها ورقة استنزاف ، عليها فتح صفحة جديدة وإيجاد صيغة توافقية لحل مشكلة المياه مع العراق و سوريا بما يرضي كافة الفرقاء ، وعدم الانجرار وراء تحريض بعض القوى الإقليمية ( إسرائيل ) ضد مصالح شعوب المنطقة .
زرعت الكمالية خلال عقود في أوساط المجتمع التركي ، بان العنصر التركي هو السعيد والسيد ، وأفرزت هذه الأفكار العقيمة طبقة من العنصريين الطورانيين ، يدعون العلمانية والحضارة و ينكرون ثقافات الآخرين ، في حين يقول التاريخ بأن الترك كانوا قبل الإسلام عبء عليه ، من هذه العقدة قام و يقوم بعض الساسة الأتراك بتحريف الحقائق ، و يبدلون مواقفهم وتحالفاتهم كتبديلهم لثيابهم ، مما قد يضعون عراقيل أمام مسيرة الحكومة في حالة إجرائها للإصلاحات ، ولا سيما أن الرشوة و المحسوبية والفساد متفشية في البلد ، هنا يكون من المنطق مصالحة الذات و ترتيب بيت مجتمعات الدولة التركية وفق متطلبات العصر.
إقرار البرلمان التركي السابق وبضغط أوربي الحقوق الثقافية للشعوب غير التركية ، اعتراف ضمني بوجود شعوب و قوميات واثنيات أخرى ضمن الكيان التركي ، هذه الحقيقة التي حاولت الحكومات المتعاقبة السابقة جاهدة تجاهلها لعقود طويلة ، لأنها كانت تعيش في الماضي بدلا من أن تحيا في الحاضر ، و كانت تعتمد على أمجادها الخالية بدلا من العيش في الواقع ، لكن الجيل التركي الصاعد تبلور لديه فكرة التخلص من القبضة الحديدية ومن القوانين الاستثنائية ، على الحكومة الجديدة ترجمة إرادة الناخبين والبحث عن حلول لمشاكلها الأساسية ومنها القضية الكردية الملتهبة ، وبعكسه سوف تبقى الدولة التركية في حالة التعبئة العسكرية و النفسية على حساب استقرار البلد وعلى حساب اقتصاده ، وكلنا نعلم كيف جعل بضعة آلاف من المقاتلين الأكراد ، أداءها العسكري مترديا وكبدو هم الخسائر الفادحة ، مما أشاعت جوا من الإرباك و التشاؤم في صفوف الجيش التركي ، وخلق أيضا في حينه لغطا كبيرا وشكوكا بين صفوف شعوب الكيان التركي ، حول النظام الكمالي و النخبة السياسية فيه .
ما تحتاجه الشعوب التركية هو الانفتاح والتخلص من القوانين المزاجية ، وقبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت المجتمعات التركية تغلي كالمرجل وان لم تكن ظاهرة للعيان بصورة واضحة ، و كان كثير من المراقبين يصورون تلك المرحلة بمرحلة مشابهة لمرحلة إيران الشاه ما قبل الثورة الشعبية الإيرانية ، صحوة الشعوب الإيرانية و العودة إلى جذورها ، هي نتيجة عدم انسجام سياسة حكوماتها السابقة مع البيئة الدولية والمستجدات الداخلية ، وما قيام الحكومات السابقة بترقيع سياساتها هنا و هناك بقوانين فوقية وصورية دلالة أكيدة على تخبطها ، مما حدي ببعض الأوساط الأوربية الإعراب عن قلقها من وصول التيار الإسلامي للحكم ، إن استمرت أوضاعها على حالها من التردي وصدق ضنهم ، وبعض دوائر القرار تراقب الوضع التركي بقلق وتنتظر أداء الحكومة الجديدة ، وتخوفهم هو من التدخل الجيش لعرقلة الإصلاحات في هذه الحالة من الممكن أن تؤدي أوضاعها إلى حالة مشابه للمعضلة الجزائرية ، وكذلك يعبرون عن قلقهم في حالة عجز الحكومة لأسباب مختلفة عدم الوفاء ببرنامجها الانتخابي ، قد تؤدي إلى بروز تيارات أصولية تلجأ إلى العنف للتعبير ، إن لم يتم وضع حد لممارسات الأجهزة الأمنية والبوليسية التركية ، فإذا كان الغرب اقتنع متأخرا من أن الأنظمة القمعية هي التي تفرغ الإرهابيين ، عندئذ يصار إلى اخذ الحالة التركية بعين الاعتبار ، و الضوء الأخضر الذي أعطي لصوت الاعتدال الإسلامي يفقد مبرراته .
الحكومات السابقة كانت تتدخل في الشأن العراقي ، ووصلت الوقاحة ببعض المسؤولين الأتراك في حكومة أجاويد المطالبة بشمال العراق ، كأننا نعيش في زمن الوصاية وعهد الدولة العثمانية ، تلك الادعاءات كانت نابعة من سوء تقدير و قصور في فهم الواقع العراقي بصورة عامة و للواقع الكردي بصورة خاصة ، أما محاولاتها السابقة للعب دور إقليمي و التشبث ببعض الأوهام بذريعة أمنها القومي ، كانت لغرض تمرير إرهاصات مشاريعها المشوهة و المشبوهة ، أدينت في حينه عراقيا ودوليا ، حتى أن الاتحاد الأوربي عنف حكومة أجاويد عن طريق القنوات الدبلوماسية ، وقالوا بان دخول شمال العراق ليس نزهة عابرة ، بعض المسؤولين الأتراك يرتبطون مع النظام العراقي بواسطة شركات وهمية ويحصلون على أموال طائلة من هذا النظام ، تلك العلاقة المصلحية المتميزة كانت لها بريق و جاذبية خاصة لعناصر الغموض و الإثارة فيها ، وتتنافس جهات تركية عديدة للحصول على حصة الأسد من أموال العراقيين ، التي يبذرها النظام العراقي يمنة و يسرة على كل من هب و دب ، وفي نفس الوقت يحرم الشعب العراقي من أمواله ، أما عنتريات الدونكشية للجيش التركي ، أثرت كثيرا في العلاقات بين الشعبين ، على الحكومة الجديدة العمل الكثير لتصحيح تلك الأخطاء وعدم وضع كل أوراقها في سلة النظام العراقي .
الحكومات السابقة كانت تتشبث ببعض الأوهام لتهويل و تضخيم مطالبة الأكراد بحقوقهم القومية ، وكانت حكومة أجاويد تفسر أية خطوة يخطوها أكراد العراق نحو الاتفاق و التوافق ، على أنها خطوة مشبوهة الغاية منها إقامة الدولة الكردية ، الدولة الكردية المزعومة لم نسمع بها ولم نراها ، بل هي شبح تطارد بعض العقول المريضة ، هذه الأوهام و المزاعم التركية عن الدولة الكردية ، رد فعل بائس نتيجة ترتيب البيت الكردي ، تمهيدا للدخول إلى الخيمة العراقية الكبيرة المنشودة في عراق الغد ، كانت مواقف السلطات التركية نحو أكراد العراق حالة غريبة و شاذة ، دولة تتصرف وتقول بأنها لا توافق على الحقوق القومية لشعب آخر يسكن ضمن دولة أخرى ، بحجة وجود أقلية من ذلك الشعب ضمن الدولة التركية ، يسكن على ارض آبائه منذ آلاف السنين وقبل مجيء الأتراك إلى المنطقة ، والأعجب في بعض سياساتهم انهم كانوا حينما يجدون شخص ينطق بإحدى اللغات أو اللهجات التركية في أية دولة في العالم ، فأنهم يطالبون برفع مظلة على رأس هذا الشخص ليتميز عن الآخرين ، و هذا ما حصل في قبرص و كسوفو وبلغاريا ، هذه التصرفات وضعت الدولة التركية في صورة مخالفة لما تحاول أن تغرسها في عقول العالم عن علمانيتها و حضارتها ، الحكومة الجديدة مدعوة إلى الانفتاح على الشعوب الأخرى إقليميا وعلى القوميات غير التركية داخل الكيان التركي ، مع إيجاد صيغ وآلية لإقرار حقوق هذه القوميات وفق روح العصر .
الحكومات التركية المتعاقبة ضربت بعرض الحائط 23 قرارا و توصية صادرة من مجالس الأمن حول المشكلة القبرصية ، عليها استغلال الفرصة التي منحتها الأمم المتحدة لحل المشكلة القبرصية وعدم وضع العراقيل أمام الحل ، بذلك سوف تتخلص من عبء كبير ، ويكون الحل هو المفتاح لحل مشاكلها مع جارتها اليونان ومنها مشكلة المياه الإقليمية في بحر ايجة .
هناك مهمات واستحقاقات كبيرة تنتظر الحكومة التركية الجديدة ، عليها أن تخطو خطوات جدية لتجاوز مشاكلها غير العادية ، إن حصول حزب العدالة و التنمية على نسبة 3 / 34 % و حزب الشعب الجمهوري على نسبة 4/ 19 % ، وعدد المقاعد التي حصل عليها 363 والحزب المعارض الذي حصل على 178 مقعد و المستقلين على 9 مقعد ، هذه المقاعد اكثر من النسبة التي حصلوا عليها ، وهي نتيجة غياب أصوات الأحزاب التي لم تحصل على نسبة 10 % ، والتي تذهب حسب الدستور التركي إلى الأحزاب الفائزة بالنسبة المذكورة ، معناه هناك أصوات غائبة لها ثقلها في الحياة السياسية التركية ، فحزب HDP الذي يمثل الأكراد لم يحصل على نسبة 10% على مستوى الجمهورية ولكنه كان الأول في 12 محافظة و الثاني في 4محافظة والثالث في 2 محافظة ، بالإضافة إلى أصوات الأكراد في استنبول الذين يعدون بالملايين وهي في نفس الوقت معقل حزب اردوغان ، لذا على الحكومة أن تحسب حسابا للأصوات الغائبة ، وان تتعامل معها بحذر و تروي لتحصل على الإجماع الجماهيري المطلوب ، في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الدولة التركية ، لعل الأيام القادمة تكون حبلى بالتطورات و الأحداث .