|
بعد آخر للأزمة السورية... الهجرة
علاء جوزيف أوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4397 - 2014 / 3 / 18 - 18:21
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تعد الهجرة ظاهرة عالمية تصيب مختلف البلدان بدرجات متفاوتة، إذ يهاجر الكثيرون بحثاً على العمل أو سعياً لتحسين وضعهم الاقتصادي خارج مدنهم أو دولهم، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة أو نتيجة لعوامل أخرى سياسية أو اجتماعية أو علمية أو هرباً من الخدمة العسكرية، أو نتيجة تضييق الحريات على العقول المبدعة...، وتعني الهجرة: الخروج من بلد إلى آخر، ويسمى الشخص مهاجراً عندما يهاجر ليعيش في أرض أخرى بفعل ظلم ظالم لا يعرف الرحمة، أو المغادرة إلى أرض ثانية طلباً للأمن والعدل والعيش. وتصنف الهجرة إلى نوعين: هجرة اختيارية تتم برغبة الشخص دون أي ضغط من أية جهة، كما هو الحال في هجرة كثير من الشباب وأصحاب الكفاءات في مختلف دول العالم طلباً لتحسين المستوى المعيشي، أو للبحث عن مساحة أكبر من الحرية أو غيرها من الأسباب، وهجرة إجبارية وهي التي تتم بواسطة قوة خارجية كالسلطة السياسية أو قوات الاحتلال، مع الإشارة إلى أن الهجرة تطول بشكل لافت الأعمار الشابة أو حتى الفئات العاملة، وهو ما يؤدي إلى هرم المجتمع.
استحدث البريطانيون عبارة (هجرة العقول أو الأدمغة Brain Drain) لوصف خسارتهم من العلماء والمهندسين والأطباء بسبب الهجرة لخارج بريطانيا، إلا أن العبارة أصبحت تطلق على جميع المهاجرين أصحاب المؤهلات العليا، سواء من ناحية الشهادات الأكاديمية أو الخبرة العملية من بلدانهم الأصلية إلى بلدان أخرى، مع الإشارة إلى أن مفهوم الكفاءة لا يعني فقط أصحاب الشهادات الجامعية، بل أيضاً أصحاب المؤهلات والخبرات، وبالنسبة لمنظمة اليونسكو فإن (هجرة العقول) هي نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (ناحية الدول المتقدمة) أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا، وذلك لكون هجرة العقول هي نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج، وهو العنصر البشري (الاتحاد البرلماني العربي، 2001).
وبالنسبة لسورية فإن الهجرة ليست وليدة اليوم بل إنها قديمة وتفاقمت بعد الهجرة الواسعة من الريف إلى المدينة، في حين اصطدام الشباب في حياتهم المدنية الجديدة بالبطالة وزيادة مصاريف المدينة وأعباء المعيشة، مما خلق مجموعة مشاكل اقتصادية واجتماعية وسكانية ألقت بأعبائها على المجتمع بأكمله، فحصل نقص حاد في القطاع الزراعي وتضخّم سكاني ملحوظ وبطالة متفشية في المدن، وتركّز الكفاءات في المدن وقلتها في الريف والمدن الأخرى، كما أوجد هذا النوع من الهجرات تفككاً في التركيبة الاجتماعية والتوزع الديمغرافي في سورية، مترافقاً مع غياب الخطط التنموية المتساوية للمناطق السورية، إضافة إلى عدم الاهتمام بالشباب خاصة من قبل الحكومات السورية المتعاقبة، وغير ذلك من الأسباب التي فاقمت هجرة الشباب إما بمفردهم أو بصحبة عائلاتهم، فتحولت الحالة سريعاً إلى تيار هجرة خارجية ازدادت خاصة بعد تطبيق السياسات النيوليبرالبية في العقد الماضي، التي حابت رأس المال على حساب السواد الأعظم من السوريين، وما ترافق مع ذلك من انتشار الرشوة والفساد والمحسوبية في التعيين فضلاً عن البيروقراطية، ففي ظل وضع لا يتسم بالعدالة هرب الشباب السوري نحو الخارج.
لكن، بعد انقضاء ثلاث سنوات من عمر الأزمة السورية، تفاقمت معدلات الهجرة سواء نزوحاً داخل سورية أولجوءاً خارجها مسجلة أرقام مخيفة نتيجة التردي الأمني وتضاعف معدلات الفقر والبطالة، وبالتالي قلة الدخل اليومي وتراجع قيمة العملة الوطنية، فباتت الظاهرة تدق ناقوس الخطر مع هجرة شرائح كبيرة من السوريين العاملين وأصحاب الاختصاصات العلمية المختلفة، فقد خسرت سورية جزءاً كبيراً من الرأسمال المعرفي ومن العمالة المدربة، وهو ما يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والتقدم العلمي والتقني الذي يرتكز على دعائم العلم والمعرفة، فالخسارة ليست بهجرة الرساميل بقدر ما هي خسارة إنسانية، تتمثل في هجرة العقول والكفاءات التي يتطلب تدريبها وإعدادها ملايين الليرات السورية، وهو ما تؤكده العديد من أدبيات التنمية الاقتصادية مشددة على دور رأس المال البشري المؤهل في تطور اقتصاد البلد، شريطة توفر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية المؤاتية.
وبغضّ النظر عن أرقام الهجرة ومعدلاتها التي يختلف عليها الباحثون في ظل الأزمة، إلا أنهم يتفقون جميعاً أن سورية أفرغت من (عقولها) وعمالتها المؤهلة، وهي طاقات كبيرة يعوّل عليها للقيام بدور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل الظروف الراهنة، فهجرة الكفاءات خسارة جديدة ستحصد البلاد نتائجها في المستقبل القريب في مرحلة إعادة الإعمار والبناء.
وهنا تبرز ضرورة العمل على إلغاء مسببات الهجرة أو الحد من تأثيرها، وترسيخ دعائم اقتصاد متين يركز على مصالح الشعب أولاً والاستفادة من الطاقات الشابة في بناء الوطن.. اقتصاد يكون قادر على تنمية المجتمع، بإقامة مشاريع تستوعب العمالة الموجودة حالياً والمتزايدة سنوياً.
وكذلك ضرورة إيجاد حلول سياسية للواقع الحالي ووضع خطط ومشاريع للحد من الهجرة تعتمد بالدرجة الأولى على وقف العنف وإحلال الأمن والأمن، وإطلاق الحريات السياسية وتوفير الجو المناسب للعمل الحزبي، بالتزامن مع إعادة تدوير عجلة الاقتصاد الزراعي والصناعي بالدرجة الأولى، ووضع مشاريع وخطط تنموية لكل المناطق السورية بغية تثبيت المواطن في منطقته وتشجيعه على البقاء فيها.
العمل على تقديم قروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعمها فهي تستوعب عمالة كبيرة.
تهيئة المناخ المناسب للإبداع والابتكار من خلال دعم العمل والبحث العلمي وإعطاء القيمة للعمل على حساب الريع والمصادر الريعية، مع الإشارة إلى أهمية إعادة استقطاب (الأدمغة) التي أفرغت منها سورية بشكل أو بآخر، فهم بإمكانهم أن يساهموا وأن يحدثوا تغيرات نوعية وجذرية في التنمية والتقدم، وهو ما يتطلب تطوير الوسائل والأدوات في سبيل حياة أفضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
#علاء_جوزيف_أوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة السورية في عيدها.. معاناة تتفاقم ومساواة غائبة
-
«الفوترة».. إشكالات في التطبيق!
-
السعر والبعد الاجتماعي للاقتصاد
-
الصناعة السورية... خسائر «بالجملة» تفوق الدمار
-
اقتصاد العنف
-
بانوراما الاقتصاد السوري 2013
-
المرأة بحاجة إلى خطوات لا خطابات
-
أسبوع وداع المناضلين... مانديلا ونجم
-
هل تطلق الأزمة رصاصة الرحمة على صناعتنا النسيجية؟!
-
العقوبات الدولية تحارب الشعوب في لقمة عيشها (2-2)
-
العقوبات الدولية تحارب الشعوب في لقمة عيشها (1-2)
-
«اقتصاد المعرفة»... من اقتصاد «الندرة» إلى «الوفرة»
-
الأمن الاجتماعي والإنتاجية
-
التأمينات الاجتماعية ضرورة اجتماعية واقتصادية تفتقر إلى وعي
...
-
العمال في سورية: حقوق غائبة وسط قوانين مجحفة
-
المصافي النفطية: مشاريع متوقفة بسبب الأزمة..!
-
فقر المرأة... هدم المجتمع
-
إلى متى يصمد الراتب أمام رفع الدعم..؟! لا أحد يحكم الأسعار..
...
-
متى ننصف نساءنا... وأسرنا؟!... قانون الجنسية هل سيعود إلى طا
...
-
التحرش الجنسي بالمرأة جريمة بحاجة إلى عقاب
المزيد.....
-
هل تترجم مذكرات التفاهم العراقية المصرية إلى منافع اقتصادية؟
...
-
هل يجب إرغام الاقتصاد السويسري على احترام حدود الطبيعة؟
-
رئيس مؤسسة النفط الليبية: نركز على تعزيز الإنتاج والشفافية
-
الاقتصاد السوري بين متطلبات بناء الدولة وطموح المطالب الشعبي
...
-
الهند تلغي الضرائب على واردات العديد من المكونات الإلكترونية
...
-
ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي تفشل لأول مرة في تحقيق أهداف مل
...
-
ضمن حربه على التزوير.. العراق يعزز أمن عملته
-
خبير ألماني يكشف عن المستفيد من ضعف اقتصاد بلاده
-
-الله أكبر! ما هذا؟-.. شاهد رد فعل رجل شاهد لحظة انفجار طائر
...
-
خبير يكشف دوافع ترامب في تهديد كندا والمكسيك بالرسوم الجمركي
...
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|